اخر الاخبار

ترمب يعدل مخططه تجاه غزة من السيطرة إلى الشراء

في التفاتة طويلة إلى الأسبوع الثالث لدونالد ترمب في البيت الأبيض، ومعها الأيام العشرون الأولى له بوصفه الرئيس السابع والأربعين لأميركا، تبرز اللحظة الأهم ليلة الرابع من فبراير في الغرفة الشرقية للبيت الأبيض، وهو يقول: “الولايات المتحدة ستسيطر على قطاع غزة”.

ومن باب الموضوعية والدقة، فإن ما شهده هذا الأسبوع وما سبقه لا يقل بثقله عن هذا الإعلان، ويتجاوزه في الكثير من الحالات، خصوصاً تلك التي بدأت فيها عملية تنفيذ القرارات المتخذة.

الأسبوع بدأ بحروب تجارية، وانتهى بحروب مع المحاكم، والاثنان وجدا طريقهما إلى الأسبوع الرابع الذي بدأه ترمب بتجديد تصريحاته بشأن غزة، مع إضافة عنصر آخر على المخطط وهي نية شراء القطاع، وهو في طريقه لحضور مباراة نهائي دوري كرة القدم الأميركية أو ما يعرف بنهائي سوبر بول.

تصريح ترمب عن نيته سيطرة الولايات المتحدة على قطاع غزة باغت كل من كان موجوداً في الغرفة الشرقية للبيت الأبيض، صحيح أن الرئيس الأميركي قرأه من كلمته المكتوبة، وصحيح أنه ألمح إليه في العشرين من يناير، وصحيح أن صهره جاريد كوشنر، اقترح شيئاً شبيهاً سابقاً، إلا أن تاريخ ترمب الطويل فيما يتعلق بتغيير الأنظمة والتركيز على الداخل، والحديث عن رغبته في سحب الجنود الأميركيين من الكثير من أنحاء العالم، لم يكن يتسق إطلاقاً مع تلك اللحظة.

وما يتسق تماماً في ذلك الكلام هو شخص ترمب الذي يريد لغزة أن تكون “ريفييرا الشرق الأوسط”، والنظر بعين مطور العقارات إلى شؤون السياسة الخارجية، وهو أمر انسحب سابقاً على دول مثل كوريا الشمالية، وكانت تلك عملياً “اللحظة التي ذكّر فيها ترمب العالم بترمب”.

وهذا ما يفسر لاحقاً محاولة مساعديه تلطيف اللغة، للحديث عن عملية انتقال مؤقتة لسكان غزة، كما قال وزير خارجيته ماركو روبيو، والمتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت، ليعود هو ويجدد التأكيد على ما قاله قبل أن يرفق ذلك بتصريح خلال استقباله رئيس الوزراء الياباني شيجيرو إيشيبا، بأنه لا ضرورة للاستعجال بذلك، ثم يغير ذلك على متن الطائرة الرئاسية إلى سوبر بول ليصل إلى الشراء.

وغالباً في تلك اللحظات تتحول نظرات الصحافيين إلى مستشاري الرئيس لمحاولة قراءة أي رد فعل، إلا أن هذه المرة تجاوزت المسألة البحث عن خبر آخر، وكانت كل الأسئلة تنصب في اتجاه وحيد: هل سمعنا بدقة؟ ماذا يعني ذلك؟ ما مصير من هم هناك؟ من سينفذ؟ أي سلطة تمنحه هذا الحق؟

وإذ غاب التركيز على أي رد فعل لدى المستشارين الذين يبدون أكثر استعداداً لمثل هذه اللحظات، فإن ما لم يفت رصده هو ابتسامة وردة فعل رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي اعتبر أنها خطوة إلى الأمام، وفسره أكثر على قناة “فوكس نيوز” بأن الجيش الإسرائيلي سيقوم بالتنفيذ.

قنبلة التصريح الذي ألقاه عن غزة، تشظت على مدار أسبوع كامل، وقوبلت بردود فعل من كل حدب وصوب، وبمكان ما حجبت النظر عن حرب تجارية انطلقت مع الصين، بينما تم تجنبها مع كندا والمكسيك، وعن أسبوع طويل في السياسة الداخلية، وتجسد حتى هذه اللحظة ذروة المعركة بين ترمب والمؤسسة السياسية.

فبعد ساعات من توقيع ترمب على أوامر تنفيذية بفرض رسوم جمركية على كل من كندا والمكسيك بنسبة 25%، ردت الدولتان الجارتان بالإعلان عن نيتهما تنفيذ إجراءات مماثلة في حال دخول ذلك الأمر التنفيذي حيز التنفيذ.

لكن اتصالين هاتفيين بين ترمب وكل من رئيسة المكسيك ورئيس الوزراء الكندي أديا إلى تعليق المضي بهذه القرارات على الجهتين لمدة ثلاثين يوماً، بعدما قال ترمب إن المكسيك أعلنت نيتها إرسال عشرة آلاف عنصر من الحرس الوطني إلى الحدود مع الولايات المتحدة لتعزيز الأمن، بينما أعلنت كندا تعيين قيصر للحدود وتشكيل قوة مشتركة مع الولايات المتحدة لمكافحة الجريمة ومخدر الفنتانيل وغسيل الأموال.

الرسوم الجمركية

إلا أن الرسوم الجمركية التي فرضها ترمب على الصين بنسبة 10%، فقد ردت عليها بكين لحظة دخولها حيز التنفيذ بفرض رسوم جمركية على منتجات أميركية بقيمة تتجاوز 14 مليار دولار بحسب “فاينانشال تايمز”، بالإضافة إلى فتح تحقيق عن جوجل، بينما كان ترمب قد وجه ممثل الولايات المتحدة للعلاقات التجارية للتحقيق فيما إذا كانت بكين قد التزمت بالمرحلة الأولى من الاتفاق التجاري الذي وقعه معها عام 2020.

وربطاً بالمواجهة مع الصين التي تعتبر محل إجماع بين الجمهوريين والديمقراطيين في واشنطن، حل رئيس الوزراء الياباني شيجيرو إيشيبا ضيفاً على ترمب، يوم الجمعة، ليكون ثاني زعيم أجنبي يزور ترمب بعد نتنياهو.

وخلال مؤتمر صحافي مشترك، أبدى إيشيبا تفاؤله بإمكانية تجنب اليابان الرسوم الجمركية التي قال ترمب إنه سيفرضها على كل العالم بشكل متكافئ، في تصريح أثار ذعر الأوروبيين بشكل خاص.

وكان ترمب قد أشاد خلال المؤتمر بالتزام اليابان بمضاعفة الإنفاق الدفاعي بحلول العام 2027، لافتاً إلى أنه يمكن إنهاء العجز التجاري مع طوكيو، واستيراد شحنات جديدة من الغاز المسال الأميركي.

لكن ما شهدته السياسة الخارجية هو فصول أقل ما يقال فيها إنها مألوفة، وإن كانت بعيار أقوى قليلاً هذه المرة، فالمؤتمر الصحافي الذي صرح فيه عن غزة ذكّر كل من تابعه في ولايته الأولى بمؤتمره الصحافي في هلسنكي مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، عندما قال إنه يصدق بوتين أكثر من الاستخبارات الأميركية، وعندما سئل عما إذا كانا ناقشا مسألة التدخل الروسي في الانتخابات بحسب ما أظهرته التحقيقات سابقاً.

قضايا ضد ترمب

لكن ما يحصل داخلياً، هو ما يندرج تحت “المتوقع، لكن خارج المألوف”، فهو متوقع لأنه لا يخرج بتاتاً عما وعد به خلال الحملة، وعن كون ترمب جاء إلى العاصمة مدركاً كل خباياها وبفريق متجانس، وبأكثرية شعبية ولو طفيفة، وأما اعتباره خارج المألوف فلأن حربه هذه المرة مع المؤسسة تبدو مقتصرة على المحاكم، وتتخذ شكل التشكيك بدستورية ما يقوم به كرئيس.

فبموجب البند الثاني من الصلاحيات التنفيذية يحق للرئيس اتخاذ قرارات بناء على أوامر تنفيذية، وهو ما يفسر تدوينة نائب الرئيس جي دي فانس الذي اعتبر أن وقف القضاء لقرارات الرئيس الأميركي غير شرعي، ما استدعى رداً من ليز تشيني النائبة الجمهورية السابقة، وابنة ديك تشيني نائب الرئيس الأميركي السابق، والتي قالت إن الملاذ الوحيد هو استئناف قرارات المحاكم، وخلاف ذلك هو الطغيان.

ويعتبر بعض من يرفعون القضايا ضد ترمب وفريقه أنه لا يمكن للرئيس إعادة كتابة التاريخ الذي أسست عليه البلاد، ما يشي بأن الأمور ستتجه إلى الحسم في المحكمة العليا ذات الأغلبية الجمهورية، وذلك في ظل غياب أي رد فعل في الشارع، وكذلك محدودية رد فعل الكونجرس على الديمقراطيين فقط.

شعبية ترمب

وأظهر استطلاع رأي لقناة CBS أن شعبية ترمب بعد ثلاثة أسابيع له في البيت الأبيض، وصلت إلى 53%، في رقم هو الأعلى بين كل الأرقام التي حصل عليها خلال ولايته الأولى.

وكان عدد القضايا التي رفعت ضد قرارات ترمب وأوامره التنفيذية من قبل الولايات والاتحادات والجمعيات، ارتفع هذا الأسبوع إلى 40 دعوى، تم خلالها وقف بعض الإجراءات مؤقتاً.

فبعد وقف قراره السابق بشأن منع منح الجنسية تلقائياً للأطفال الذي يولدون لمهاجرين غير شرعيين، أو لمهاجرين يقيمون على التراب الأميركي بشكل مؤقت، تم تمديد المهل الزمنية للعرض الحكومي الذي قدم للعاملين الفيدراليين بتقديم استقالاتهم مقابل استمرار تلقي رواتبهم حتى سبتمبر المقبل.

كما صدر، يوم الجمعة، حكماً يوقف قرار ترمب بمنح 2200 موظف في الوكالة الأميركية للتنمية الدولية إجازة إدارية، كما تم تقييد وصول موظفي إدارة الكفاءة الحكومية التي يقودها إيلون ماسك لخفض الإنفاق إلى أنظمة الدفع والبيانات التابعة لوزارة الخزانة.

وكان ترمب قد اتخذ قراراً بتفكيك الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، ووضعها تحت سلطة وزارة الخارجية، واللافت أن الوكالة كانت قد أسست بموجب أمر تنفيذي من قبل الرئيس جون كينيدي عام 1961، ولعبت دوراً أساسياً في تنسيق الاستجابة لحالات الطوارئ، واعتبرت الأداة التنفيذية للسياسة الأميركية الناعمة.

يشار إلى أن الولايات المتحدة هي أكبر مانح للمساعدات في العالم، إذا يقدر نسبة ما تقدمه عالمياً 4 من 10، بينما تتوزع نسبة الستة الباقية على كل دول العالم الأخرى.

وكان السيناتور عن ولاية كنساس جيري موران قد أعلن، يوم الجمعة الماضي، استئناف توزيع 560 مليون دولار من مساعدات الأغذية التي كانت الوكالة تستعد لتقديمها.

إيلون ماسك 

وتصدر إيلون ماسك مشهد المعركة بين المؤسسة وترمب فيما يتعلق بالوكالة وغيرها من المواجهات، لكن الرئيس الأميركي الذي أعلن أيضاً نيته إغلاق وزارة التعليم، ما لبث أن رد بالقول إنه سيوجه ماسك أيضاً لمراجعة نفقات وزارة الدفاع.

وعلى هذا الخط، دخل الإعلام في محاولة لإظهار ماسك بأنه أقوى من الرئيس، في استراتيجية معتادة، وكان الأبرز فيها  لا سيما غلاف مجلة “تايم” الأميركية التي أظهرت ماسك على المكتب البيضاوي، في إشارة إلى ما يردده معارضو ترمب بأن إيلون ماسك هو الرئيس غير المنتخب. لكن ترمب رد على ذلك بالقول إنه لم يكن يعلم بأن “تايم” لا زالت قائمة.

ويعتبر إيلون ماسك تحد قضائي للولايات التي تحاول مقاضاة ترمب، لأنه يعمل على مستوى فيدرالي، وهو ما لم يجر الاستعداد له.

كما أن ماسك الذي لا يتقاضى راتباً لقاء ما يقوم به، علما أن لديه الكثير من العقود مع الحكومة، يبدو أنه يعتمد على موظفين فيدراليين من داخل الوكالات التي يجري العمل عليها تباعاً. إذ كشف وزير الخزانة سكوت بيسنت في مقابلة مع “بلومبرغ” أن من طلبوا البيانات في الوزارة هم أصلاً موظفون فيها.

ويدخل الأسبوع الرابع على سابقة جديدة لترمب، إذ سيكون أول رئيس أميركي يحضر نهائي مباريات كرة القدم الأميركية لهذا الموسم بين فريقي كنساس سيتي وفيلادلفيا إيجلز، إلا أن ذلك لم يكن الاستعراض الأخير للرجل الذي يحرص على أن تنشغل العدسات بالصورة كما ينشغل المستمعون بالمضمون.

فمشهد التوقيع على الأوامر التنفيذية والطاولة والأقلام المرافقة له، حضر في مكانين غير المكتب البيضاوي: مرة على متن الطائرة الرئاسية حيث أعلن يوم التاسع من فبراير يوم إعلان تسمية خليج أميركا، وفي الغرفة الشرقية حيث وقع وهو محاط بعشرات الفتيات الصغيرات على أمر تنفيذي حظر فيه مشاركة المتحولين جنسياً في المسابقات النسائية الرياضية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *