ترمب يعيد رسم السياسة الأميركية بعراقيل أقل أمام أجندته
يعود الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، الاثنين المقبل، إلى البيت الأبيض أقوى من ذي قبل، إذ يواجه عدداً أقل من العراقيل في طريق مساعيه إلى تنفيذ سياسات تطيح بالأعراف والمعايير وتقلب واشنطن رأساً على عقب وتزعزع استقرار العالم.
وعلى عكس ولايته الأولى التي بدأت في عام 2017، يعود ترمب بنصر انتخابي واضح بعد فوزه بأصوات المجمع الانتخابي وفي التصويت الشعبي.
وتعهد ترمب في اليوم السابق لمغادرته البيت الأبيض في عام 2021، بأن يظل قوة يُحسب حسابها في المشهد السياسي الأميركي، قائلاً في مقطع فيديو لتوديع أنصاره “الحركة التي بدأناها ليست إلا بداية”، وما بدا حينها وعوداً وهمية يبدو الآن نبوءة تتحقق.
وترك ترمب المنصب وهو مهزوم ومعزول وممنوع من استخدام وسائل التواصل الاجتماعي ومرفوض من زملائه الجمهوريين الذين كانوا يعملون في إدارته، إذ كان الكونجرس، الذي هزه هجوم الكابيتول من قبل أنصار ترمب على مقره في 6 يناير 2021، يستعد لمساءلة ثانية لعزله.
والآن يعود إمبراطور العقارات السابق، الذي كان أول منصب يتولاه بالانتخاب هو رئاسة الولايات المتحدة، للبيت الأبيض باعتباره الشخصية السياسية المحورية في أوائل القرن الـ21، وبعد أن كان دخيلاً على الوسط السياسي الأميركي، بات يرسم مسار السياسة الأميركية.
وقال جوليان زاليزر، أستاذ التاريخ بجامعة برينستون: “لا يبدو ترمب وكأنه كان منبوذاً في يوم ما. باتت سياسات الجمهوريين التي يتبناها سائدة أكثر من أي وقت مضى”.
رجل من فلوريدا
وعندما أطلق ترمب حملته الثالثة على التوالي للترشح لانتخابات الرئاسة في الولايات المتحدة عن الحزب الجمهوري من مزرعته في ولاية فلوريدا في نوفمبر 2022، كانت فرصته في الفوز ضعيفة بعد خسارة العديد من مرشحيه المفضلين في انتخابات التجديد النصفي بالكونجرس ووسط عدة قضايا جنائية ومدنية تلاحقه.
واجتذب منافسوه في الترشح للانتخابات الرئاسية عن الحزب الجمهوري، ومن بينهم حاكم فلوريدا رون دي سانتيس، تأييد أعضاء الحزب الساعين إلى تجاوز عصر ترمب.
وتعليقاً على إطلاق حملته الانتخابية، نشرت صحيفة “نيويورك بوست” تغطية ساخرة بعنوان “رجل من فلوريدا يصدر إعلاناً”، في إشارة إلى سخرية واسعة طالت ترمب بعد أنباء عن تغييره مقر إقامته إلى ولاية فلوريدا وشبهته بشخصية في مسلسل تلفزيوني يدعى “رجل من فلوريدا”.
لكن الناخبين الجمهوريين التفوا حوله بعد اتهامه في قضية “أموال الصمت” في مارس 2023، والتي اتهم فيها بالتستر على دفع أموال لشراء صمت نجمة أفلام إباحية، ثم تدفقت التبرعات إلى حملته وحصل بسهولة على ترشيح الحزب الجمهوري.
ولعبت الأحداث اللاحقة لصالحه وسط سخط من الناخبين الأميركيين عموماً تجاه استجابة الرئيس المنتمي إلى الحزب الديمقراطي جو بايدن لارتفاع الأسعار والهجرة غير الشرعية.
وانسحب بايدن من انتخابات الرئاسة في يوليو، بعد أداء كارثي في مناظرة أمام ترمب، ما منح كامالا هاريس القليل من الوقت لتقديم برنامجها الانتخابي للأميركيين.
وتمكن ترمب من توظيف الملاحقات القانونية لصالحه واصفاً إياهاً بـ”حملة اضطهاد سياسي”، ليشن حملة مضادة دفعت المدعين الاتحاديين في نهاية المطاف إلى إسقاط قضيتين، بينهما قضية تدخل في الانتخابات.
وفي واقعة كانت فيديوهاتها وصورها من بين الأبرز خلال العام الماضي، أصيب ترمب في محاولة اغتيال في يوليو، قبل أن يرفع قبضته ويردد بصوت عال “قاتلوا..قاتلوا.. قاتلوا”.
وساهم في فوزه بمنصب الرئاسة في نوفمبر، تفوقه في دوائر انتخابية وبين فئات تميل عادة للديمقراطيين، ومن بينها الشباب والأميركيون من أصل لاتيني.
وتجاهل الناخبون إدانته في قضايا جنائية وتحذير الديمقراطيين من أن ترمب، الذي رفض الاعتراف بهزيمته في انتخابات 2020، يشكل تهديداً للديمقراطية.
أجندة ترمب
وأعاد ترمب تشكيل المشهد السياسي في واشنطن بالفعل حتى قبل أن يتولى مهامه رسمياً في 20 يناير الجاري. إذ أصبح الجمهوريون والديمقراطيون على حد سواء يتبنون نهجه العدواني إزاء الصين، وموقفه المتشكك في اتفاقيات التجارة الحرة.
وهدد ترمب بترحيل المهاجرين غير الشرعيين ولوح بالاستعانة بوزارة العدل في مواجهة خصومه السياسيين، كما أشار إلى إمكانية رفض صرف أموال يخصصها الكونجرس لأوجه إنفاق معينة، الأمر الذي قد يؤدي إلى نزاع دستوري.
وتبنى الرئيس المنتخب أجندة توسع إقليمي، تشمل شراء جزيرة جرينلاند من الدنمارك والسيطرة على قناة بنما، ما يشير إلى احتمال أن تشوب ولايته الثانية في البيت الأبيض اضطرابات مثل فترته الأولى.
واستبدل ترمب المعاونين الذين سعوا في ولايته السابقة إلى كبح جموحه، بمساعدين يدينون له بالولاء ويتوقون لإخضاع واشنطن لإرادته، ودفع المتشككين في سياساته من الحزب الجمهوري إلى الانسحاب، وتمسك بحلفاء حريصين على دفع مقترحاته عبر الكونجرس.
ويتنافس عمالقة وادي السيليكون، الذين حافظوا على مسافة منه فيما مضى، على خطب وده، إذ تطوع الملياردير إيلون ماسك الرئيس التنفيذي لشركة “تسلا”، لمساعدة ترمب في إصلاح الحكومة، في حين سيكون لمارك زوكربرج الرئيس التنفيذي لشركة “ميتا” وجيف بيزوس مؤسس “أمازون” حضور بارز في حفل التنصيب.
ويمكن أن يعول ترمب على شبكة من مقدمي البرامج التي تبث على الإنترنت (بودكاست) والمؤثرين المؤيدين له في إبراز رسالته، في وقت تعاني فيه وسائل الإعلام التقليدية من تراجع عدد المشاهدين.
ويرث ترمب اقتصاداً قوياً وحدوداً جنوبية هادئة مع انخفاض حالات اعتقال المهاجرين في ديسمبر، مقارنة بما كانت عليه عندما ترك منصبه.
ومع ذلك، قال ترمب إنه يخطط لفرض تعريفات جمركية باهظة على الشركاء التجاريين وترحيل ملايين المهاجرين الذين دخلوا البلاد بشكل غير قانوني، وهي سياسات قد تؤدي إلى زيادة التضخم وتضغط على أسعار الأسهم التي يتابعها ترمب عن كثب.
وقد تفرض سوق السندات قيوداً محتملة على طموحاته في حالة شعور المستثمرين بالفزع، إذا زاد حجم الديون الأميركية، البالغة 36 تريليون دولار، بشكل كبير أو تعثر الكونجرس في رفع سقف الاقتراض.
وأصبح خفض مخصصات برامج الرعاية الصحية والمعاشات غير مطروح، بعد أن كان في السابق من البنود الأساسية في مقترحات الجمهوريين للميزانية.