في تحوّل سياسي لافت، يتّجه العالم نحو الاعتراف الرسمي بدولة فلسطين كخطوة حتمية لإنهاء الصراع الممتد منذ عقود، وأعادت التحركات الأخيرة التي تقودها المملكة العربية السعودية بالشراكة مع فرنسا، الزخم الدبلوماسي للقضية الفلسطينية وأربكت حسابات تل أبيب، وسط ترحيب فلسطيني وتأييد متزايد من دول أوروبية وآسيوية.
الخبير في الشؤون العربية طلعت طه اعتبر، خلال حديث لوكالة ستيب نيوز أن ما شهده مؤتمر “حل الدولتين” الأخير في نيويورك “فاق كل التوقعات”، مؤكدًا أن العالم لم يعد يقبل استمرار المأساة الفلسطينية، وأن المواقف التي أعلنت في المؤتمر شكلت نقطة تحول مفصلية في تاريخ النزاع.
نقلة نوعية في الخطاب الدولي: من التعاطف إلى الاعتراف
يرى طلعت طه أن المؤتمر الأخير الذي عُقد بشأن حل الدولتين “شهد أكثر من المتوقع”، مشيرًا إلى أن التصريحات الدولية لم تكن شكلية هذه المرة، بل حملت مواقف حازمة.
ويقول: “الكلمة الفرنسية، ثم إعلان بريطانيا أنها ستعترف بفلسطين، ليست مجرد رمزية؛ بل بداية فعلية لتحولات على الأرض”.
وأكد أن الموقف الأممي كان أكثر وضوحًا من أي وقت مضى، حيث قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إن “دولة فلسطين ليست جائزة بل حق”، وهو ما وصفه طه بأنه “نقل القضية من مربع الإدانة إلى مربع الفعل السياسي”.
الدور السعودي: محورية في التوقيت والمضمون
في تقييمه للجهود العربية، شدد طلعت طه على أن مشاركة السعودية ومصر “كانت بالغة التأثير”، قائلاً: “كلمة السعودية أكدت أن هذه الحروب لا بد أن تنتهي للأبد، وأن الدولة الفلسطينية يجب أن تُعلن رسميًا وعاصمتها القدس الشرقية. السعودية تقود تحولًا إقليميًا واضحًا”.
وفي السياق ذاته، عبّرت المملكة على لسان مسؤوليها عن أن الاعتراف بفلسطين هو ضرورة استراتيجية وليس خيارًا سياسيًا فقط. وقالت منال رضوان، المسؤولة في الخارجية السعودية، إن المملكة ترى في الاعتراف بدولة فلسطين “شرطًا لخلق نظام إقليمي عادل ومستقر”.
كما أعلنت الرياض، بالتعاون مع باريس، تنظيم مؤتمر دولي جديد في سبتمبر المقبل، من المتوقع أن يشهد حشدًا دوليًا واسعًا من الدول العربية والإسلامية والأوروبية، إلى جانب دعم مالي لإعادة إعمار قطاع غزة.
ويؤكد طه في هذا السياق: “هناك حشد عالمي سياسي ومعنوي، وهذا هو المهم. لكن أيضًا هناك استعداد مادي لإعمار غزة والاعتراف بالدولة الفلسطينية بالتوازي، وهذه نقطة فارقة”.
فرنسا وبريطانيا تخلعان القفازات: اعتراف مرتقب رغم التحفظات الأمريكية
أشار طلعت طه إلى أن الدول الأوروبية لم تعد تتبنى مواقف مائعة أو تابعة للولايات المتحدة كما في السابق، موضحًا أن: “هذه المرة، بريطانيا التي كانت دائمًا تابعة لأمريكا أعلنت أنها ستعترف بالدولة الفلسطينية. هذا تغيّر غير مسبوق”.
في المقابل، أعلنت فرنسا أن الاعتراف بدولة فلسطين سيتم رسميًا خلال الدورة المقبلة للجمعية العامة في سبتمبر، وأكّدت أن ذلك يأتي في إطار خطة متكاملة لإنهاء الحرب وإقامة الدولة الفلسطينية على حدود 1967. فيما لا تزال ألمانيا مترددة لكنها لم تعارض المسار الجديد، في حين توضح تحركات الدول أن الموقف الأوروبي آخذ في التبدل.
وقال طه إن هذه المواقف “تعني أن أمريكا بدأت تفقد قدرتها على فرض الموقف الوحيد داخل الغرب”، متوقعًا أن تؤدي الضغوط الدولية إلى إعادة رسم ملامح التحالفات داخل مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة.
الاعتراف يتزامن مع الإعمار: غزة ليست حماس
من أبرز الرسائل التي تكررت في كلمات الدول المشاركة أن حماس ليست غزة، وهي النقطة التي سلّط عليها طه الضوء بقوة، معتبرًا أنها تشكل تحولا في المفهوم السياسي الدولي تجاه القطاع:
ويقول: “الجميع في المؤتمر قال إن حماس لا تمثل غزة. فرنسا، وبريطانيا، وألمانيا، وحتى إيطاليا، أكدوا أن الغزاويين لا يجب أن يُحاسبوا بسبب وجود حماس وغيرها”.
ورأى أن هذا الخطاب يوجّه صفعة للرواية الإسرائيلية التي تتذرع بحماس لتبرير العقوبات الجماعية، مضيفًا: “إسرائيل تستخدم حماس كذريعة لعقاب جماعي، لكن الواقع تغيّر، والغرب بدأ يفرّق بين السياسة والمقاومة”.
استنفار إسرائيلي وتحذيرات من “كارثة دبلوماسية”
قوبلت هذه التحركات الدولية المتسارعة برد فعل غاضب من إسرائيل. فقد وصف وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس الاعتراف الوشيك بدولة فلسطين بأنه “جائزة للإرهاب”، متوعدًا بأن “أي دولة تخطو في هذا الاتجاه ستتحمل عواقب سياسية”.
رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لم يكن أقل حدة، إذ وصف المؤتمر بأنه “مسرحية سياسية”، وأكد أن إسرائيل “لن تسمح بقيام دولة فلسطينية على حدودها”، ملوّحًا بإجراءات أمنية جديدة قد تشمل توسيع الاستيطان أو شن هجمات في غزة.
ووفق مصادر إسرائيلية، باشرت تل أبيب اتصالات دبلوماسية مكثفة مع واشنطن وبرلين لعرقلة تمرير أي قرار رسمي في الأمم المتحدة خلال سبتمبر، بينما يخشى مراقبون من أن تلجأ إسرائيل لخلق تصعيد ميداني لإفشال موجة الاعترافات.
وحذر طلعت طه من هذا السيناريو قائلاً: “إسرائيل قد تختلق حربًا جديدة أو كارثة اقتصادية، كما فعلت مع إيران مؤخرًا. هي تحاول خلط الأوراق لأن هذا المؤتمر أربكها. لكنها لن تنجح في وقف هذا الزخم”.
من العزلة إلى الاعتراف… هل يقترب الحسم؟
مع تصاعد المواقف الدولية المؤيدة للاعتراف بدولة فلسطين، وسقوط المواقف الرمادية الأوروبية، تجد إسرائيل نفسها في مواجهة غير مسبوقة مع المجتمع الدولي. المبادرة السعوديةالفرنسية تضع تل أبيب في الزاوية سياسيًا، وتعيد رسم خارطة التحالفات.
يؤكد طه في ختام تحليله: “هذه المرة، العالم أجمع يتوحد حول فلسطين… من دون أمريكا. وهذه هي المرة الأولى التي تُترك فيها إسرائيل وحيدة أمام إرادة المجتمع الدولي”.
ورغم التهديدات والتحركات الإسرائيلية المتوقعة، يبدو أن الاعتراف الدولي بفلسطين لم يعد احتمالاً… بل مسارًا يتسارع على أرض الواقع.
المصدر: وكالة ستيب الاخبارية