قدّم مدير برنامج سوريا بـ”معهد الشرق الأوسط”، تشارلز ليستر، قراءة موسعة للواقع السوري بعد سقوط نظام بشار الأسد في كانون الأول 2024، معتبرًا أن التحول السياسي الذي شهدته البلاد خلال العام الأخير فتح الباب أمام “فرصة تاريخية” لإعادة بناء سوريا، بينما تواجه هذه العملية تحديين أساسيين من إيران وإسرائيل.

وأوضح ليستر في التدوينة التي نشرتها صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” الإسرائيلية، في 25 من تشرين الثاني، أن سوريا كانت لأكثر من 50 عامًا “الجوهرة في تاج المشروع الإيراني”، قبل أن تخسرها طهران “في غضون عشرة أيام” فقط مع انهيار النظام. وخلال الأسابيع التي سبقت سقوط الأسد، تكبدت إيران وميليشيا “حزب الله” خسائر كبيرة، قبل أن يسحبا قواتهما إلى لبنان والعراق وإيران.

وقال ليستر إن إيران، بعد فقدان نفوذها المباشر، تحاول اليوم تقويض الحكومة الانتقالية الجديدة عبر دعم “تمرد” يعتمد على بقايا شبكات مرتبطة بالفرقة الرابعة، معتبرًا أن هذا التحرك يأتي “كمحاولة لإنقاذ ما تبقى من نفوذها”.

وبحسب ليستر، فإن العالم بأسره، من الولايات المتحدة إلى روسيا والصين، يتعامل مع التغيير في سوريا كفرصة استراتيجية، باستثناء دولتين فقط: إيران وإسرائيل.

وقال إن موقف إيران مفهوم بحكم خسارتها لنفوذها السابق، إلا أن الموقف الإسرائيلي يبدو “مربكًا ومثيرًا للإحباط”، خاصة في ظل ما تصفه القيادة السورية الجديدة برغبتها في فتح صفحة مختلفة مع تل أبيب.

ووصف ليستر موقف إسرائيل تجاه سوريا الجديدة بأنه “غير منطقي”. فمنذ كانون الأول 2024، سيطرت إسرائيل على 200 كيلومتر مربع داخل الأراضي السورية، ونفذت ما يقارب 1000 غارة جوية و 600 عملية توغل بري، بينما اقتصر الرد السوري على “شكاوى رمزية في مجلس الأمن”.

ويرى أن القيادة السورية الحالية “مدت غصن الزيتون” لإسرائيل، ووصل الأمر إلى طرح تطبيق اتفاقية فض الاشتباك لعام 1974 كأساس لعلاقة جديدة، مع ضمانات أمريكية متبادلة.

حكومة انتقالية ذات ثقل تقني ودبلوماسي

أشار ليستر إلى أن الحكومة الانتقالية في سوريا، التي يقودها تيار من “الجهاديين الإصلاحيين”، تضم في 80% من وزاراتها شخصيات تكنوقراط من أبناء الشتات السوري في الولايات المتحدة وأوروبا والخليج.

واستقبلت دمشق خلال أقل من عام، عددًا من الوفود الرسمية “يفوق ما استقبلته خلال 53 عامًا من حكم عائلة الأسد”، بحسب ليستر، فيما حصلت سوريا على إعفاءات من العقوبات “بسرعة قياسية لم يشهدها أي بلد يخرج من صراع مشابه”.

ويرى الباحث أن هذا الإقبال الدولي يعود لقناعة بأن “ما يحدث في سوريا لن يبقى فيها”، ولكن هذه المرة “بشكل إيجابي”، مع احتمال انعكاس الاستقرار في سوريا على المنطقة بأسرها.

تعاون أمني متسارع مع واشنطن

قدم ليستر أرقامًا مفصلة لعمليات مصادرة أسلحة مرتبطة بإيران خلال الأشهر العشرة الماضية، تجاوزت 4 آلاف قطعة وسلاح نوعي، بينها:

  • 910 قذائف هاون.
  • 721 لغمًا.
  • 496 صاروخ “غراد”.
  • 280 صاروخًا مضادًا للدروع.
  • 99 رشاشًا ثقيلًا.
  • 11 منظومة دفاع جوي محمولة.

وقال إن معظم هذه العمليات اعتمد على معلومات من الاستخبارات السورية، فيما جاءت عمليات أخرى بناءً على مجموعة معلومات قدمتها الولايات المتحدة.

وكشف أن التعاون الأمني بين دمشق وواشنطن شهد تطورًا كبيرًا، مشيرًا إلى عملية “حاسمة”، عندما قدمت واشنطن معلومات عن شبكة أنفاق ومخازن أسلحة للحرس الثوري في البوكمال، قبل أن تقتحمها قوات وزارة الداخلية السورية وتعتقل كل العاملين فيها.

وكانت وزارة الداخلية السورية نفذت بالتعاون مع وزارة الدفاع عملية أمنية واسعة في 20 من أيار الماضي، استهدفت شبكة تهريب متورطة في تجارة الأسلحة والمخدرات، وذلك في منطقة الهري الواقعة على الحدود السورية العراقية شرقي محافظة دير الزور.

وتركزت العملية على مداهمة منازل ومستودعات يستخدمها تجار السلاح والمخدرات، وأسفرت عن مصادرة ترسانة من الأسلحة النوعية، بينها صواريخ ثقيلة وموجهة مضادة للدروع من طراز “كورنيت” ومضاد دروع، إضافة إلى رشاشات متوسطة وثقيلة، بينها قناصات ومسدسات وكميات ضخمة من الذخائر المتنوعة.

واستغرقت العملية أكثر من 3 ساعات بمشاركة نحو 400 عنصر أمني ومن قوات الدفاع السورية واعتقل خلالها 9 سوريين لهم علاقات وثيقة مع مليشيا الحشد الشعبي العراقي، وكانوا يديرون شبكة واسعة النطاق تنشط في تهريب الأسلحة والمخدرات عبر الحدود السورية العراقية.

كما أشار ليستر إلى تنفيذ ستة هجمات مشتركة على أهداف لتنظيم “الدولة الإسلامية” وأخرى مرتبطة بإيران، بينها عملية أسفرت عن مقتل “أرفع قائد للتنظيم في سوريا”.

دعوة إلى “منح سوريا فرصة”

يخلص ليستر إلى أن تجاهل إسرائيل لهذه المرحلة قد يشكّل “خطأ تاريخيًا”، معتبرًا أن دعم الاستقرار في سوريا سيعود بمكاسب أمنية كبيرة، وأن الطريق نحو السلام يبدأ باتفاقيات أمنية، في ظل استعداد دمشق لفتح قنوات تفاوض.

وقال، “منذ سنوات طويلة كان يُقال إن ما يحدث في سوريا لا يبقى في سوريا. اليوم، ولأول مرة، يمكن لهذا القول أن يحمل معنى إيجابيًا.”

ويرى أن الفرصة الحالية قد لا تتكرر، وأن خسارتها ستكون “إضاعة للحظة غير مسبوقة في تاريخ المنطقة”.

وكان الباحث تشارلز ليستر التقى بالرئيس السوري، أحمد الشرع، خلال ندوة نظمها معهد الشرق الأوسط في نيويورك، في 23 من أيلول الماضي، بحضور مئات الدبلوماسيين والإعلاميين ورجال الأعمال.

وقال الشرع حينها “فعّلنا جهودنا الدبلوماسية للحوار مع إسرائيل، ولسنا من يسبب المشاكل، نحن نخاف من إسرائيل وليس العكس”، وحذر من أن استمرار الانتهاكات الجوية والتوغلات البرية يعرقل المفاوضات ويهدد الاستقرار.

الشرع يحذّر: اتفاق أمني مع إسرائيل أو اضطرابات إقليمية

المصدر: عنب بلدي

شاركها.