اخر الاخبار

تصاعد الإسلاموفوبيا في فرنسا.. وجدل حكومي حول توصيف الظاهرة

فجّرت تصريحات رئيس الحكومة الفرنسية فرنسوا بايرو، بشأن ارتفاع ما أسماه بـ”الإسلاموفوبيا” في فرنسا، جدلاً  داخل حكومته، بعدما رفض عدد من الوزراء استخدام هذا التوصيف أو الإقرار بوجود جو معاد للمسلمين.

تصريحات بايرو وردود الفعل عليها، جاءت بعد جريمة قتل الشاب أبو بكر سيسي (مالي الجنسية) طعناً في أحد المساجد في جنوب فرنسا، وبالتحديد في بلدة لو جران كومب.

واستنكر بايرو ما أسماه “العار المعادي للإسلام” و”الإسلاموفوبيا” في فرنسا، ولكن هذا الوصف لم ينل الإجماع داخل الحكومة، كما امتنع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن استخدامه في إدانة جريمة قتل أبو بكر.

ورفض وزير أقاليم ما وراء البحار إيمانويل فالس بدوره استخدام كلمة “الإسلاموفوبيا”، وقال في تصريحات لإذاعة RTL، إن “ملالي إيران هم من اخترعوا هذا المصلح قبل 30 عاماً”، مضيفاً: “لا يجب أبداً استخدام مصطلحات الخصوم”.

وقال بايرو في منشور له على منصة “إكس”: “تم قتل أحد المصلين في مسجد جراند كومب. وتم إظهار عار الإسلاموفوبيا في مقطع فيديو. نحن مع أهالي الضحية، ومع المؤمنين الذين أصيبوا بالصدمة”.

وطلب وزير الداخلية الفرنسي برونو روتايو، الذي تصاعدت مطالبات بإقالته بعد التزامه الصمت 3 أيام كاملة بعد قتل الشاب في المسجد، من حُكام المقاطعات تعزيز الأمن في أماكن العبادة الإسلامية.

ولكن روتايو رفض بدوره استخدام كلمة “الإسلاموفوبيا” في حديثه عن جريمة قتل أبو بكر، واعتبر في مقابلة مع BFM TV، أن المصطلح “إديولوجي الدلالة”. وعكس فالس، ربط روتايو هذا المصطلح بتنظيم “الإخوان المسلمين”، وقال إن وزارة الداخلية تستخدم كلمة “معاداة الإسلام”.

 انتشار “الإسلاموفوبيا”

ويتهم اليسار الفرنسي، بما في ذلك نواب “الجبهة الشعبية الجديدة”، روتايو بمعاداة المسلمين في فرنسا، وتبني خطاب تحريضي ضدهم وضد المهاجرين.

وظهر روتايو في تظاهرة “من أجل الجمهورية وضد الإسلاماوية” المثيرة للجدل في باريس الشهر الماضي، وخلال خطابه ردّد قائلاً: “يسقط الحجاب”، وذلك في إطار مشروع قانون يهدف لحظر ارتداء الرياضيات للحجاب في المنافسات.

وعلى هامش النقاش بشأن “الإسلاموفوبياط، طالب نائب عن حزب “فرنسا الأبية”، ضمن جلسة أسئلة للحكومة في الجمعية الوطنية الفرنسية (البرلمان)، الثلاثاء، برحيل وزير الداخلية الفرنسي، متهماً إياه بإذكاء هذه الظاهرة في البلاد.

وقال النائب عبد القادر لحمر، موجهاً كلامه لرئيس الحكومة: “كم من الوفيات تنتظرون للتحرك ضد الإسلاموفوبيا، وأخذ اجراءات، بدءاً بتنحية السيد روتايو؟”.

وقال المؤرخ الفرانكو-جزائري صادق سلام لـ”الشرق”، إن “بايرو كان الأجرأ بين المسؤولين الفرنسيين عندما تحدث عن انتشار الإسلاموفوبيا في فرنسا”، موضحاً أن بايرو “مسيحي متديّن لكنه يحترم الآخرين، لا سيما وأن هناك تجمعات سياسية منها المؤيد للصهيونية، أو من اليمين المتطرف، لا يريدون المساواة بين الإسلاموفوبيا ومعاداة السامية”، معتبراً أن هذه الأطراف تريد الإبقاء على “معاداة السامية” التهديد الأبرز في فرنسا.

واعتبر سلام أن “معادلة الإسلاموفوبيا أصبحت حقيقة متداولة وراسخة”، وأن “هناك من يريد في المجتمع الفرنسي ترويج الخوف من المسلمين والإسلاموفوبيا”، مشيراً إلى مسؤولين في الحكومات الفرنسية المتعاقبة.

وأضاف المؤرخ سلّام أن “الإسلاموفوبيا موجودة، ولكن الخطر الحالي هو تحولها إلى أداة حكومية، أو إذا صح القول إلى إسلاموفوبيا حكومية، أي أصبح لها مؤيدون داخل الحكومة”.

وفي هذا السياق، تم الإبلاغ عن حادث جديد في منطقة بواسي، وُضع في الإطار نفسه، بعدما قدّمت امرأة شكوى للشرطة، بعد تعرضها لاعتداء حين كانت مرفوقة برضيعها، وتم نزع خمارها في الشارع.

وندّدت رئيسة بلدية المدينة ساندرين بيرنو دوس سانتوس، بشدة بالهجوم، الذي وصفته بـ”المعادي للإسلام”.

“حكومة مهووسة بالإسلاموفوبيا”

واعتبر المسؤول السابق للعلاقات مع الإسلام في وزارة الداخلية الفرنسية برنارد جودار (1997-2002)، أن “كلمة إسلاموفوبيا قبل عام 2015 كان لها وقع أيدولوجي، خاصة في أوساط اليساريين عندما كانوا يهاجمون الإسلام وينتقدون المسلمين، مع أن قسماً كبيراً من الفرنسيين كانوا ضد هذا التوجه”.

وأضاف جودار في تصريح لـ”الشرق”، أنه “بعد هجمات (داعش) في 2015 وسقوط مئات الضحايا والجرحى في فرنسا، ارتفعت وازدادت وتيرة المنتقدين للإسلام، واتهامهم بالإسلاموفوبيا”.

وتابع جودار: “اليوم نحن نعيش في فرنسا في ظل دولة وحكومة مهووسة بالإسلاموفوبيا، التي هي حقيقة مثلها مثل معاداة السامية”، منتقداً “التعامل والحكم على أي فعل بسرعة، من دون انتظار التحقيقات”.

أما البروفسور غالب بن شيخ، رئيس مؤسسة “الإسلام في فرنسا”، والذي كان يرأس “مؤتمر الحوار الإسلامي- المسيحي”، فاعتبر في حديثه لـ”الشرق”، أن “مصطلح الإسلاموفوبيا موجود منذ عام 1910، ولاسيما في دول أميركا اللاتينية وبعض الدول الأوروبية المعروفة بتشددها الديني”.

ورأى أنه “حتى لو لم يعد هذا النقاش مجدياً فقد أصبحت الكلمة (الإسلاموفوبيا) تعبّر عن الحقد والكراهية ضد المسلمين، كما أن وسائل إعلام فرنسية تستغل هذا الجو، وتقوم بلعب دور في تعميم هذا التوجه، على الرغم من أننا لا ننفي وجود بعض المتزمتين والمتطرفين بين الفرنسيين المسلمين أو المهاجرين”.

وأضاف بن شيخ أن “ما حصل في المسجد وقتل الشاب المالي من قبل شاب بوسني وطعنه بحوالي 40 طعنة، ما هو إلا نتيجة هذه التعبئة للعقول الخفيفة والهشة”.

ومن هذا المنطلق، اعتبر بن شيخ أن “تصريحات رئيس الوزراء بايرو وغيره من الوزراء، كارثية ومُخلّة بأمن المجتمع الفرنسي”، مضيفاً أنه يتم استخدام هذا المصلح “لأسباب خاصة وسياسية بحتة”.

ويرى بن شيخ أن هؤلاء المسؤولين الفرنسيين “لا يريدون استخدام هذا المصطلح كما عرّفته الأمم المتحدة، والتي خصصت يوماً عالمياً في 15 مارس من كل عام لمكافحة الإسلاموفوبيا”.

وأدان الأزهر الشريف، في بيان، قتل أبو بكر خلال صلاته في المسجد، ووصفت الهجوم بـ”الإرهابي”، وحذّر من تصاعد أنشطة ما وصفها بجماعات “الإرهاب الأبيض” في أوروبا وأميركا، ونبّه إلى أن هذه الجماعات “تتخفى وراء شعارات وهمية خبيثة، كالعرق الأبيض، والقومية البيضاء، لتبرير ممارسة جرائمها”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *