– جنى العيسى

خلال ثلاثة أشهر، صدّرت الحكومة السورية تسع بواخر محملة بالفوسفات السوري لعدة وجهات وبحمولات مختلفة، ما يشير إلى تحسن كبير في تصدير هذه الثروة الاستراتيجية عقب سقوط النظام.

في 22 من نيسان الماضي، غادرت أول باخرة فوسفات سوري مرفأ طرطوس محملة بـ00010 طن، فيما غادرت الشحنة التاسعة المرفأ بحمولة تصل إلى 38,500 طن في 26 من حزيران الحالي.

تبلغ حمولة الشحنات التسع التي غادرت البلاد نحو 180,000 طن، بحسب ما صرح به مدير العلاقات العامة في “الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية” في سوريا، مازن علوش، ل.

وأضاف علوش أن الدول المستوردة للمادة هي مصر ورومانيا وتركيا وكازاخستان والهند، ويجري تصدير المادة ضمن اتفاقيات تعاون وعقود تصدير مبرمة مع شركات دولية متخصصة باستيراد الفوسفات الخام، و”نسعى لتوسيع نطاق التصدير نحو أسواق جديدة”.

دون وسطاء

تتم عملية تصدير الفوسفات السوري من خلال عقود رسمية موقعة بين “المؤسسة العامة للجيولوجيا والثروة المعدنية” في وزارة الطاقة، بصفتها الجهة السورية المالكة للمادة، وشركات أجنبية تتولى الاستيراد، ويتم التنفيذ عبر شركات شحن معتمدة، وبموجب تنظيم جمركي رسمي في مرفأ طرطوس.

ولا تتم هذه العمليات عبر وسطاء خاصين داخل سوريا، بل من خلال قنوات حكومية أو مرخصة أصولًا، بحسب ما أكده مازن علوش.

توزعت الكميات المصدّرة على دفعات زمنية متقاربة بحسب الجاهزية اللوجستية في مرفأ التصدير وخطط التسويق الخارجية.

مدير العلاقات العامة في “هيئة المنافذ” أوضح أن مادة الفوسفات المصدّرة يجري استخراجها من مناجم ريف حمص، قبل أن تنقل إلى مرفأ طرطوس لتجهيزها وإتمام إجراءات تصديرها، وذلك بالتنسيق بين “الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية” والجهات المعنية في هذا المجال.

خامس مصدّر قبل 2011

احتلت سوريا المرتبة الخامسة عالميًا على قائمة الدول المصدّرة للفوسفات حتى عام 2011، ويمثل خام الفوسفات في سوريا المرتبة الثانية من حيث الأهمية الاقتصادية والاستراتيجية بعد خامات النفط والغاز الطبيعي بالنسبة إلى الموارد الباطنية المعدنية وشبه المعدنية.

وعلى الرغم من التطور الذي حصل في عمليات الاستكشاف والإنتاج، فإنه ما زال دون المستوى المطلوب من حيث الدراسات والاستكشاف والإنتاج والتصنيع والتصدير، فالاحتياطي الموثوق به يُقدَّر بملياري طن، إلا أن كميات الإنتاج ما زالت دون الـ3.5 مليون طن سنويًا، بحسب ما ذكره الباحث الاقتصادي سقراط العلو، في ورقة بحثية نشرها في 2018.

يتوزع خام الفوسفات في سوريا على المناطق التالية:

  • السلسلة التدمرية (خنيفيس والشرقية والرخيم).
  • منطقة الحماد (الجفيفة والثليثاوات والسيجري والحباري).
  • المنطقة الساحلية (عين ليلون وعين التينة وقلعة المهالبة وحمام القراحلة).

مناجم السلسلة التدمرية، وبخاصة خنيفيس والشرقية، تعتبر الخزان الأكثر أهمية وجدوى اقتصادية من حيث سماكة طبقة الفوسفات، التي تتراوح بين 10 و12 مترًا وقد تصل إلى 20 مترًا في منطقة الشرقية، ومن حيث النوع، إذ تبلغ نسبة خامس أكسيد الفوسفور فيها 28-34%، في حين لا تتجاوز في الفوسفات المستخرج من باقي النقاط 18-22%.

بعد اندلاع الثورة السورية انخفضت أرقام تصدير وإنتاج الفوسفات بفعل الحرب والعمليات العسكرية، إلى جانب أن الفوسفات كان عنوانًا لصراع أوسع بين حليفتي رئيس النظام المخلوع، بشار الأسد، روسيا وإيران.

خطة لإنتاج 10 ملايين طن

مدير عام المؤسسة العامة للجيولوجيا والثروة المعدنية، سراج الحريري، قال في تصريح لموقع “الطاقة“، مطلع حزيران الحالي، إن وزارة الطاقة تعمل على خطة تصدير تهدف إلى إنتاج 6 ملايين طن سنويًا حتى نهاية عام 2026، ثم الوصول إلى 10 ملايين طن في 2027، مع التركيز على الأسواق الأوروبية والآسيوية، أبرزها الصين والهند.

واعتبر الحريري أن تفعيل نظام “سويفت” يمكن أن يحدث نقلة في حركة الأموال والتبادلات المالية، كما من الممكن أن تسهم جهود رفع العقوبات بتحويل الفوسفات في سوريا إلى منتج منافس عالميًا، بحسب رأيه.

طوق نجاة للاقتصاد

قطاع الفوسفات من أبرز الملفات الاستراتيجية التي يجب أن تعود إلى الواجهة مجددًا في سوريا، خاصة في ظل بحث الحكومة عن مصادر تمويل بديلة بعد سنوات طويلة من الحرب والحصار والانهيار المالي، وفق ما يرى الدكتور في العلوم المالية والمصرفية فراس شعبو.

وأضاف شعبو ل، أن الفوسفات يدخل في صناعة الأسمدة الزراعية، وهي سلعة لا يمكن الاستغناء عنها عالميًا، بل هناك طلب مستقر متزايد عليها من دول كثيرة.

هذه المعطيات قد تمنح سوريا فرصة تصديرية قوية جدًا، تعود بالنفع لمصلحة خزينة الدولة، لأن تصدير المادة قد يوفر ملايين الدولارات سنويًا، ويسهم في دعم ميزان المدفوعات، خاصة في ظل غياب النفط والسيطرة الجزئية على الحقول.

 

قد يكون الفوسفات أحد أطواق النجاة للاقتصاد السوري الذي يجب استغلاله بشكل جيد وشفافية عالية، حتى يكون رافدًا مهمًا لخزينة الدولة، بعيدًا عما كان يجري في السابق من تنازلات لبعض الدول بغاية استمرارية الحكم، بل يجب أن يحقق القطاع مصلحة للدولة والمواطن على حد سواء، وفق تعاقدات مبنية على أسس سليمة.

فراس شعبو

خبير اقتصادي ومالي

لكن واقعيًا، الأمر يحتاج إلى كثير من الترتيبات غير المتوفرة في سوريا حاليًا، أبرزها مشكلة البنى التحتية غير المتوفرة بشكل كبير للتصدير من مرافق وعلاقات عامة وشركات شحن، فضلًا عن غياب السيطرة الكاملة من الناحية الفنية والأمنية على مناجم الفوسفات.

لذا يتطلب الأمر قدرة معقولة لا محدودة على التصدير، من ناحية تأمين مستودعات ومرافق قوية وشركات شحن وبنية تحتية مجهزة للنقل.

هناك تحدٍّ مهم في هذا الملف، بحسب ما يرى الباحث فراس شعبو، يتمثل بأن جزءًا كبيرًا من مناطق الفوسفات الواقعة في المنطقة الوسطى من سوريا ينشط فيها تنظيم “الدولة الإسلامية”، وهي مناطق لا تزال عرضة للمشكلات الأمنية.

وهناك مشكلات فنية أخرى يمكن أن تواجه استعادة تصدير الفوسفات بالشكل الأمثل، تتمثل بضعف البنية التحتية في قطاع النقل وتهالكها سواء المتمثلة بالسكك الحديدية أو خطوط النقل، ما قد يصعب مسألة وصول الفوسفات إلى المرفأ وإعداده للتصدير.

يعتقد الدكتور فراس شعبو، أن سوريا بحاجة لشركات أجنبية تدير عملية تطوير وإدارة المناجم، بسبب غياب القدرة الفنية لدى الحكومة على متابعة هذا الأمر.

كما يحتاج قطاع الفوسفات إلى وجود سياسة شفافة تضمن حوكمة الموارد الطبيعية للبلاد سواء النفط أو الغاز أو الفوسفات وغيرها.

توصيات

يمتلك قطاع الفوسفات في سوريا إمكانات هائلة نظرًا إلى الاحتياطيات الكبيرة التي تتمتع بها البلاد، ومع ذلك، يواجه القطاع تحديات كبيرة ناتجة عن سنوات من الصراع والعقوبات الاقتصادية، بحسب ما ذكره تحليل معمق حمل عنوان “تحليل معمق لقطاع الفوسفات في سوريا حتى عام 2025: الفرص والتحديات”.

وخلص التحليل إلى عدة توصيات لتحقيق التنمية المستدامة لهذا القطاع وزيادة مساهمته في الاقتصاد الوطني تتمثل بعدة محاور هي:

  • من الضروري تحقيق الاستقرار السياسي وجذب الاستثمارات الأجنبية لإعادة تأهيل البنية التحتية وتحديث عمليات الإنتاج والنقل.
  • ينبغي للحكومة السورية والجهات المعنية العمل على تطوير استراتيجيات لتوسيع الأسواق التصديرية، واستكشاف فرص جديدة لاستخدام الفوسفات في صناعات أخرى، بالإضافة إلى تبني ممارسات مستدامة وصديقة للبيئة في عمليات الاستخراج والمعالجة.

وأشار التقرير إلى أنه من خلال تضافر الجهود، يمكن لقطاع الفوسفات أن يلعب دورًا محوريًا في إعادة بناء الاقتصاد السوري وتحقيق التنمية المستدامة على المدى الطويل.

 

 

المصدر: عنب بلدي

شاركها.