تشهد العلاقات الدولية بين الولايات المتحدة وروسيا تصعيدًا لافتًا في الآونة الأخيرة، مدفوعًا بقرارات أمريكية مثيرة للجدل، أبرزها إعادة نشر أسلحة نووية في بريطانيا، والتوسع في دعم أوكرانيا عسكريًا. وبحسب مراقبين، فإن هذه الخطوات لا تأتي بمعزل عن حسابات المصالح، بل تعكس رؤية أمريكية استراتيجية تتبناها إدارة دونالد ترامب، فهل بدأ انتهى شهر “الغزل” بين بوتين وترامب وبدأت المعركة؟
واشنطن تبحث عن المكاسب… وموسكو تُعيد حساباتها
كشفت تقارير صحفية أن الولايات المتحدة أعادت نشر أسلحة نووية في الأراضي البريطانية لأول مرة منذ عام 2008، في خطوة وصفها خبراء بأنها تأتي ضمن تعديل في استراتيجية حلف شمال الأطلسي (الناتو) النووية في أوروبا، عقب الحرب في أوكرانيا.
يرى الباحث في العلاقات الدولية محمد ربيع، في حديث لوكالة ستيب نيوز، أن الإدارة الأمريكية تتعامل مع الساحة الدولية من منظور المكاسب، مشيرًا إلى أن “الولايات المتحدة ترى في إعادة إشعال الصراع الروسي الأوكراني فرصة لتعظيم نفوذها الاستراتيجي، لاسيما بعد توقيع أوكرانيا اتفاقيات مهمة لتزويدها بالمواد النادرة التي تعتمد عليها واشنطن بشكل أساسي”.
ويضيف ربيع: “نشر الأسلحة النووية في بريطانيا يعكس مستوى تصعيد غير مسبوق، ويبدو أنه محاولة استباقية للرد على أي تحرك روسي محتمل ضد الدعم الأمريكي المتزايد لكييف، خاصة بعد إعلان واشنطن عن تزويد أوكرانيا بمضادات طائرات وصواريخ متطورة”.
ويؤكد أن “الإدارة الأمريكية تسعى أيضًا من خلال هذه الإجراءات إلى الترويج لصناعاتها الدفاعية، خصوصًا مع تصريح ترامب بأن تكلفة التسليح ستتحملها الدول الأوروبية وليس الولايات المتحدة، وهو ما يعكس نمطًا من الدبلوماسية التجارية القسرية”.
وفي السياق نفسه، حذر ربيع من أن “استمرار التصعيد قد يُجهض اللقاء المرتقب بين بوتين وترامب، أو يُضعف من نتائجه السياسية”، مؤكدًا أن الرئيس الروسي “لن يقبل بأي تهديد مباشر للأمن القومي الروسي”.
المقاربة “الترامبية” تقوم على التصعيد من أجل الصفقات
وتعليقاً على التحرك الأمريكي قال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف “نرى اتجاها نحو تصعيد التوتر، نحو التسلح، بما في ذلك التسلح النووي”
من جهته، اعتبر الباحث في العلاقات الدولية طارق البرديسي، خلال حديث لوكالة ستيب نيوز، أن عودة ترامب لنشر الأسلحة النووية في بريطانيا بعد توقف دام منذ 2008 تُعدّ تحولًا جذريًا في الاستراتيجية الأمريكية تجاه أوروبا،
وقال: “ما نراه اليوم هو تثبيت لتحالف استراتيجي عميق بين واشنطن ولندن، وتأكيد على حماية التواجد العسكري الأمريكي في أوروبا من خلال بريطانيا، بوصفها الشريك الأوروبي الأكبر”.
وأشار البرديسي إلى أن ترامب يعتمد على “لغة المصالح المصحوبة بالقوة والتهديد بها، بهدف الضغط وخلق بيئة تفاوضية مواتية”، لافتًا إلى أن “التصعيد الترامبي ليس بالضرورة تمهيدًا للحرب، بل هو أسلوب ضغط للوصول إلى صفقة كبرى على الطاولة”.
وأضاف: “ترامب يدرك أن روسيا لم تلتقط خيط التفاهم منذ ولايته السابقة، ولذلك عاد إلى التصعيد واللغة الخشنة لجرّ موسكو إلى مائدة التفاوض، خاصة بعدما عبّر في أكثر من مناسبة عن استيائه من أن بوتين أساء فهم رسائله المرنة في بداية حكمه”.
مهلة الـ50 يوماً
وأمس قال رئيس مجلس النواب الأميركي، مايك جونسون، إنه لا يعتقد أن على الكونغرس النظر في فرض عقوبات على روسيا قبل انقضاء مهلة الخمسين يومًا التي منحها الرئيس دونالد ترامب لموسكو لإنهاء الحرب في أوكرانيا.
ويضغط عدد من أعضاء الكونغرس من أجل فرض عقوبات صارمة على روسيا، من بينها مشروع قانون في مجلس الشيوخ يحظى بدعم 85 عضوًا من الحزبين، ينص على فرض رسوم جمركية بنسبة 500% على الدول التي تشتري النفط والغاز واليورانيوم وسلعًا أخرى من روسيا. وتستحوذ كل من الصين والهند على نحو 70% من صادرات الطاقة الروسية، التي تسهم في تمويل المجهود الحربي لموسكو.
ولّوح ترامب بضغوطات شديدة على روسيا في حال لم تتجه إلى إنهاء الحرب في أوكرانيا، من بينها العقوبات الاقتصادية، إلا أن موسكو قللت من أهمية هذه العقوبات، بينما جاء التحرك النووي ليزيد من حدّة التوتر بين الطرفين.
خيارات بوتين محدودة: التصعيد أو الجلوس على الطاولة
الكرملين أكد أنهم يتابعون التطورات في هذه المنطقة ويعدون التدابير اللازمة لضمان أمنهم على خلفية ما يحدث.
بينما يرى البرديسي أن الكرملين أمام خيارين: “إما الذهاب إلى تصعيد غير مضمون النتائج، وإما القبول بخيار التهدئة والتفاوض. وأعتقد أن موسكو تميل تدريجيًا نحو الجلوس على مائدة التفاهم طالما أن الأرضية قد فُرشت بلغة القوة”.
ويرى أن اللقاء المرتقب بين بوتين وترامب، إن تم، “سيُعقد على أساس موازين قوى حقيقية، فلكل طرف أوراق ضغط ميدانية: روسيا من خلال نفوذها المتنامي في شرق أوكرانيا، وأمريكا من خلال تصعيدها الاستراتيجي ونشرها للأسلحة وتكثيف دعمها العسكري”.
ويتابع تحليله بالقول: “كل ما نشهده الآن من تصعيد هو جزء من استراتيجية محسوبة تهدف إلى تحقيق مكاسب أكبر على طاولة التفاوض، سواء لترامب أو لبوتين، في ظل تقاطعات دولية معقّدة وموازين قوى متحركة”.
وكانت صحيفة “التلغراف” قد كشفت في وقت سابق عن تفاصيل “مهمة نووية مرتقبة” في ليكنهيث، استنادًا إلى وثائق أميركية غير سرية نُشرت عن طريق الخطأ.
وتُعد قاعدة ليكنهيث مقرا للجناح القتالي 48 التابع لسلاح الجو الأميركي، والذي يضم أسرابا من مقاتلات F15E “سترايك إيغل” والطائرات المتطورة من الجيل الخامس F35A. ومن المتوقع أن تقوم المملكة المتحدة بتجهيز سربها الجديد من طائرات F35A بذخائر نووية أميركية مخزنة في البلاد.
وأكدت وزارة الدفاع البريطانية في وثيقة صدرت مؤخرًا أن هذه الخطوة “تعيد الدور النووي لسلاح الجو الملكي البريطاني لأول مرة منذ سحب قنابل WE.177 النووية في نهاية الحرب الباردة عام 1998”.

المصدر: وكالة ستيب الاخبارية