اخبار عمان

المواطن والمسؤول بين بابين | جريدة الرؤية العمانية

 

 

جابر حسين العُماني

[email protected]

 

من المبادئ الإنسانية والاجتماعية التي تعزز روح التفاهم بين أفراد المجتمع الواحد ما يسمى بثقافة الباب المفتوح، سواء أكان ذلك الباب في المؤسسات الحكومية أو الأسرية أو بين الجيران، ونقصد من ذلك توفير مساحة كافية للحوار البناء، وحسن الاستماع والإصغاء إلى الآخرين من دون حواجز رسمية أو نفسية، وهو ما يعزز الثقة الكاملة والمتبادلة، ويبنيها بشكل أفضل وأجمل خصوصا بين الحاكم والمحكومين، والمسؤول والمرؤوسين، والآباء والأبناء، والمعلمين وتلامذتهم، بهدف الحد من المشكلات وتفاقمها في المجتمع.

وعندما يكون باب المسؤول مُغلقًا أو لا يُفتح للناس إلّا للضرورة، خصوصًا في المؤسسات التي تُعنى بخدمة الوطن والمواطنين، فإن المشكلات ستتفاقم حتما بسبب تلك الحواجز الإدارية، وسيواجه المواطن صعوبة في إيجاد من يسمعه ويحل مشاكله وقضاياه.

ومن خلال رحلتي إلى إحدى الدول الإسلامية، زرت أحد البنوك لإنجاز معاملة، وقد لفت انتباهي تصميم مكاتب الموظفين؛ حيث كان مكتب المدير مفتوحًا من دون أبواب أو نوافذ، ومرتفعًا عن مكاتب الموظفين بمقدار متر تقريبًا، مما يُمكِّن المدير من الاطلاع بشكل مباشر على تعاملات الموظفين مع المراجعين من المواطنين والوافدين، وفي المقابل هناك دول تضم مؤسسات كثيرة الأبواب، ومديروها لا يمكن الدخول إليهم إلّا بمواعيد مسبقة وطويلة وكأنهم لم يخلقوا لخدمة الناس.

بيئة العمل تتطلب أحيانًا إيجاد الأبواب المفتوحة وذلك لأنها تخلق الكثير من الشعور بالأمان الوظيفي، بل وتعزز وتحفز العاملين من الموظفين والموظفات على العطاء والإخلاص في العمل، وتجعل من المسؤولين والموظفين أكثر إخلاصا لوظائفهم المناطة إليهم.

ومن أبرز السمات الإيجابية الواجب التحلي بها للمسؤول الناجح هي: قربه من الناس والعيش بينهم، وليس الانعزال عنهم داخل المكاتب الفارهة والنظيفة والفاخرة، والمسؤول الناجح هو من يرى الناس دائما ويسمع لهم، ويعيش بينهم الواقع كما هو، بعيدًا عن الكلام المعسول الذي يصله من هنا وهناك، فقد ورد عن أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب أنه قال لبعض عمّاله: “وَإِنَّ عَمَلَكَ لَيْسَ لَكَ بِطُعْمَةٍ وَلَكِنَّهُ فِي عُنُقِكَ أَمَانَةٌ وَأَنْتَ مُسْتَرْعًى لِمَنْ فَوْقَك” [نهج البلاغة: 366].

ويعد التواصل المباشر للمسؤولين مع الناس والتواضع لهم من أهم الواجبات الأخلاقية والوطنية التي ينبغي العمل بها على أكمل وجه، بما يعكس مدى إخلاص المسؤولين في خدمة مجتمعاتهم وأوطانهم، وحرصهم الدائم على معالجة هموم الناس ومشاكلهم، بما يحقق المصلحة العامة، وذلك من خلال السعي الجاد لإيجاد الحلول العملية والمناسبة لتخفيف معاناة الناس، لا مجرد قرارات ورقية تكتب على الورق وتنتهي بتوقيع مزخرف بلا فائدة، وقد قال أمير المؤمنين وخليفة المسلمين العادل علي بن أبي طالب لبعض الموظفين في دولته: “فَأَنْصِفُوا النَّاسَ مِنْ أَنْفُسِكُمْ، وَاصْبِرُوا لِحَوَائِجِهِمْ فَإِنَّكُمْ خُزَّانُ الرَّعِيَّةِ، وَوُكَلاَءُ الأُمَّةِ، وَلاَ تُحْشِمُوا أَحَداً عَنْ حَاجَتِهِ، وَلاَ تَحْبِسُوهُ عَنْ طَلِبَتِهِ” [كتاب بحار الأنوار للعلامة المجلسي: 33/472)، وهنا يوجه أمير المؤمنين وخليفة المسلمين الموظفين والعاملين في دولته على الاهتمام الكامل بخدمة الناس وتلبية طلباتهم المشروعة، وعدم رد أحد من المراجعين والمطالبين بتحسين وضعه الحياتي، مؤكدا على أهمية تحسين وتقييم الأداء الحكومي بشكل مستمر بما يخدم الناس ويعلي من شأنهم ومكانتهم الاجتماعية في الوطن.

وأخيرًا.. فإنَّ إغلاق المسؤول لأبوابه، واعتماده على البروتوكولات كحواجز بينه وبين المواطنين، يؤدي إلى خلق الفجوة الكبيرة التي تعيق تقديم الخدمات المطلوبة للناس؛ مما قد يعيق التنمية ويخل بميزان العدالة الاجتماعية المنشودة والمطلوبة في المجتمع، والتي يتوجب عليه تطبيقها على الوجه الأكمل والأجمل من أجل حياة أفضل.

** عضو الجمعية العُمانية للكتاب والأدباء

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *