تعهد أوروبي بـ2.5 مليار يورو لسوريا ودمشق تدعو لرفع العقوبات

دعا مشاركون في مؤتمر المانحين لسوريا، الذي نظمه الاتحاد الأوروبي في بروكسل، الاثنين، إلى رفع العقوبات عن سوريا، ومساعدة اقتصادها الذي يواجه صعوبات متراكمة، وسط تقديرات أممية بخسارة الاقتصاد السوري خلال 14 عاماً من الحرب قرابة 800 مليار دولار من الناتج المحلي الإجمالي، وتصاعد المخاوف من تراجع التعهدات المالية لهذا العام مقارنة مع السنوات الماضية.
وتعهدت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين في كلمة خلال المؤتمر بأن “يزيد الاتحاد الأوروبي من تعهداته المالية وصولاً إلى 2.5 مليار يورو خلال عامي 2025 و2026″، داعيةً الدول المشاركة إلى “تكثيف الجهود”.
وأكدت أن الاتحاد الأوروبي سيعمل على تكثيف دعمه لسوريا مع “كل خطوة باتجاه التحول السياسي الشامل”، مضيفة: “اليوم، أصبح بوسعنا أخيراً أن نعمل مع سوريا”.
وشاركت الحكومة السورية في هذا المؤتمر السنوي، الذي يستضيفه الاتحاد الأوروبي منذ عام 2017. ولم يسبق لحكومة الرئيس السابق بشار الأسد أن شاركت في المؤتمرات السابقة.
“مؤامرات خارجية”
وقال وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني خلال كلمته في المؤتمر الذي ينعقد تحت عنوان: “الوقوف مع سوريا: تلبية الاحتياجات من أجل انتقال ناجح”، إن حكومته “تراهن على مساندة المجتمع الدولي من أجل عودة السلام والاستقرار لسوريا”، داعياً لـ”مساهمة دولية فاعلة من قبل الدول المانحة”.
واعتبر الشيباني، أن “إعادة إعمار سوريا التي هدمها النظام السابق هي مسؤولية دولية أيضاً”، مثمناً “الخطوات الإيجابية التي اتخذها الاتحاد الأوروبي، لا سيما رفع بعض العقوبات”، ولكنه شدد على أن هذه “العقوبات تزيد من معاناة السوريين”.
وأعرب الشيباني أمام المشاركين، عن عزم الحكومة السورية على “تطهير البلاد من الفساد والإجرام، وتمكين السلام الأهلي”، معتبراً أن “سوريا واستقرارها يتعرض لمؤامرات خارجية”.
وذكر أن “الشعب السوري احتفل بالخلاص من نظام الأسد، لكن المعاناة ما تزال مستمرة بسبب هذا النظام”، لافتاً إلى أن “الاجتماع في بروكسل واجب أخلاقي تجاه المحنة في سوريا، وفرصة حقيقية لتعزيز الجهود الدولية للتخفيف من معاناة السوريين”.
وأشار إلى أن “مؤتمر المانحين اليوم فيه تمثيل سوري حقيقي، وقد شهد بلدنا تحولات سياسية حقيقية”، مشدداً على أن “السوريين لن يتسامحوا مع أي مساس بسيادة سوريا ووحدتها، والحكومة تعمل على تعزيز المصالحة والحوار الوطني وحماية حقوق جميع مواطنيها”.
وتابع: “النظام البائد استغل ورقة الأقليات وأساء استخدامها، ولن نسمح باستخدام هذه الورقة مرة أخرى، فنحن نؤمن بالمواطنة والمساواة في الحقوق والواجبات لجميع المواطنين”، لافتاً إلى وجود “تهديدات لأمن سوريا من النظام البائد والميليشيات على الحدود، وكذلك التوغلات الإسرائيلية”.
واعتبر أن “استمرار العقوبات يعني أن الشعب السوري هو المعاقب، ولابد من رفعها لأنها تمنع نهضة سوريا”.
بدورها، قالت مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي كايا كالاس، إنه “ينبغي المضي قدماً نحو رفع العقوبات عن سوريا لمساعدتها على التقدم”، معلنة أن الاتحاد الأوروبي “سيقدم 720 مليون يورو لسوريا في 2025”.
وأضافت: “هذا وقت احتياجات ماسة وتحديات بالنسبة لسوريا كما يتضح بشكل مأساوي من موجة العنف الأخيرة في المناطق الساحلية”.
لكنها اعتبرت أنه أيضاً “وقت للأمل”، مشيرة إلى الاتفاق الذي تم التوصل إليه في 10 مارس الجاري لدمج قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، التي يقودها الأكراد وتدعمها الولايات المتحدة وتسيطر على جزء كبير من شمال شرق سوريا، في مؤسسات الدولة الجديدة.
وشددت المسؤولة الأوروبية: “إذا لم يستطع سكان سوريا العمل وتحقيق رخاء اقتصادي، ستحدث فوضى تقود لحرب أهلية”.
الاستثمار في مستقبل سوريا
من جانبه، دعا الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش المجتمع الدولي لـ”التحرك بصورة عاجلة للاستثمار في مستقبل سوريا وتعافيها من خلال توسيع الدعم الإنساني، وإعادة النظر في أي تخفيضات للتمويل في هذا الوقت الحرج، ومعالجة العقوبات والقيود الأخرى”.
وشدد الأمين العام عبر رسالة فيديو إلى مؤتمر بروكسل السنوي التاسع، على “ضرورة دعم الجهود المبذولة لضمان انتقال سياسي منظم وشامل، إلى جانب إنشاء مؤسسات تخدم وتعكس جميع السوريين وتحميهم”، مؤكداً أن “مستقبل سوريا هو أمر يحدده السوريون، وأن الأمم المتحدة ملتزمة بمساعدتهم في رحلتهم نحو مستقبل حر ومزدهر وسلمي”.
ويرى أن سوريا تمر بـ”لحظة فاصلة، حيث يقف السوريون على أعتاب فرصة تاريخية لتحقيق تطلعاتهم نحو مستقبل سلمي ومزدهر وشامل”. ومع ذلك، فإن “الطريق إلى الأمام مليء بالتحديات”.
وأشار إلى أن “الاقتصاد السوري فقد ما يقدر بنحو 800 مليار دولار من الناتج المحلي الإجمالي خلال 14 عاماً من الحرب، وتم تدمير البنية التحتية للخدمات الحيوية”.
بدوره قال وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، خلال في كلمة خلال المؤتمر، إن “الأردن يستضيف 1.3 مليون لاجئ سوري”، لافتاً إلى أن بلاده “تستطيع التعاون من أجل عودة آمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم”.
وقبيل المؤتمر، قالت مفوضة الاتحاد الأوروبي للمساعدات الإنسانية وإدارة الأزمات حجة لحبيب، إن “الاتحاد الأوروبي ملتزم بدعم الشعب السوري ومستعد للمشاركة في تعافي سوريا، لكننا لا نستطيع سد الفجوة التي تركها الآخرون”.
وذكر مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا جير بيدرسن، أن “أعمال العنف التي اندلعت هذا الشهر على الساحل السوري ربما أثرت على تعهدات الدول المانحة، لكن الصراعات العالمية الأخرى وخفض المساعدات الأميركية لهما الأثر الأكبر”.
وقال بيدرسن لوكالة “رويترز”، إن “ما يحدث داخل سوريا… له تأثير، ولكن لنكن صادقين، فحتى بدون هذه الأحداث، سيكون التمويل أقل مما كان عليه في السنوات السابقة”.
وتابع: “لماذا؟ بالطبع لأن سوريا، كما تعلمون، تتزاحم مع (صراعات) في مناطق أخرى”، في إشارة إلى الحروب في السودان وغزة وأوكرانيا.
ونقلت “رويترز” عن مسؤولين من الاتحاد الأوروبي قولهم، إن المؤتمر مهم بشكل خاص، لأن الولايات المتحدة تحت قيادة الرئيس دونالد ترمب تقوم بتخفيضات هائلة في برامج المساعدات الإنسانية والتنموية.
وأسفر مؤتمر العام الماضي عن تعهدات بتقديم 7.5 مليار يورو (8.1 مليار دولار) في شكل منح وقروض، مع تعهد الاتحاد الأوروبي بتقديم 2.12 مليار يورو في عامي 2024 و2025.
ووفقاً للاتحاد الأوروبي، يحتاج نحو 16.5 مليون شخص في سوريا إلى مساعدات إنسانية، منهم 12.9 مليون شخص يحتاجون إلى مساعدات غذائية.
وتفاقم الدمار الناجم عن الحرب بسبب الأزمة الاقتصادية التي أدت إلى انخفاض قيمة الليرة السورية، ودفعت كل السكان تقريباً إلى ما دون خط الفقر.