اخر الاخبار

تغيير جغرافيا الضفة الغربية سلاح إسرائيل فرض وقائع السيادة

مع بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، انطلقت حرب أخرى في الضفة الغربية، عنوانها تغيير جغرافيا البلاد، وتحويل معالمها الفلسطينية الى إسرائيلية، تمهيداً للضم وفرض السيادة.

التغيرات الجديدة تجعل من الصعوبة على من كان من أهل البلاد غائباً في الشهور الأخيرة، التعرف عليها: طرق عريضة سريعة خاصة للمستوطنات والمستوطنين، تجنبهم المرور بين القرى الفلسطينية. جسور معلقة ممتدة. أسلاك شائكة تقسم بعض البلدات إلى نصفين، كما حدث في بلدة حوارة في محافظة نابلس، وتعزل أخرى عن شريان الحياة، كما حدث في بلدة سنجل في محافظة رام الله.

جدران وجسور

تعرضت بلدة سنجل للإغلاق والعزل التام، إذ أنشأ الجيش الإسرائيلي جداراً معدنياً يفصل القرية كلياً عن الطريق الذي يحمل الرقم 60 ويصل بين محافظتي رام الله ونابلس.

البعض يقول إن الهدف من هذا الجدار هو توفير الراحة للمستوطنين الذين يمرون من هذا الطريق. والبعض الآخر يرى ذلك جزءاً من الإجراءات الرامية إلى ضم الضفة الغربية، وعزل المواطنين في كانتونات مغلقة، وربما دفعهم لليأس والهجرة.

نائب رئيس البلدية، بهاء فقهاء، اعتبر في تصريحاته لـ”الشرق” أن “الهدف الحقيقي من عزل القرية عن الطريق الرئيسي، هو فصل الفلسطينيين عن أرضهم في الطرف الآخر، تمهيداً للاستيلاء عليها والاستيطان فيها”. وأضاف: “استولى المستوطنون على موقع أثري في هذه الأراضي يسمى بير التل، وهذا يشكل نواة للتمدد والاستيلاء على باقي الأراضي”.

تسارع خطوات الضم

بدأ تغيير جغرافيا الضفة الغربية، مع بدء الحرب على غزة، وتكثفت هذه الإجراءات في الآونة الأخيرة.

بجوار سنجل تقع قرية ترمسعيا المحاطة بالمستوطنات. غالبية أبناء القرية يحملون الجنسية الأمريكية. لكن ذلك لا يحميهم من اعتداءات المستوطنين اليومية، ومصادرة أراضيهم وحصارهم خلف بوابة تغلق في لحظة وتفتح في أخرى.

عمر أبو عليا، صاحب أحد المحال التجارية في القرية، قال لـ”الشرق”: “بلدنا محاط بالمستوطنات، وجرى عزلنا عن أرضنا لفتح الطريق أمام المستوطنين للتمدد فيها وفق ما يشاؤون”. وأضاف: “هذا العام لم نتمكن من قطاف الزيتون في حقولنا، ولم نتمكن من زراعتها بسبب اعتداءات المستوطنين والجنود”. 

خلق واقع السيادة

الحكومة الإسرائيلية لا تخفي هدفها وهو استغلال الحرب على غزة لضم الضفة الغربية، من خلال الاستيطان في كل بقعة فيها، وعزل أهلها في كانتونات غير قابلة للتوسع المستقبلي.

صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، نشرت قبل أيام تقريراً عن الإجراءات الإسرائيلية الجديدة الجارية في الضفة الغربية، خلصت فيه إلى أن الحكومة الإسرائيلية تعمل على “ضم الضفة الغربية دون الإعلان عن ذلك”. 

ورصدت الصحيفة في التقرير الذي حمل عنوان “خلق واقع السيادة.. الحكومة تشجع الضم في الضفة الغربية، وكل الوسائل مباحة”، خطوات الضم الإسرائيلي للضفة الغربية، ومنها قيامها بتطبيق القانون الإسرائيلي في المنطقة عبر تشريعات الكنيست (البرلمان) ورزمة واسعة من الإجراءات الميدانية على الأرض.

وجاء في التقرير: “في الآونة الأخيرة، بدأت تظهر في أنحاء الضفة الغربية مشاهد توحي بأن إسرائيل تتجه نحو انتخابات، فإلى جانب صورة وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، تظهر لافتات كتب عليها: يسعدنا الإعلان عن تسوية مستوطنة أفيتار، وتحمل شعار (ثورة الاستيطان 2025)، إلى جانب اسم حزب الصهيونية الدينية”.

واعتبرت الصحيفة، أن “خطوات الوزير سموتريتش لضم الضفة، تحدث تحولاً ملموساً في الواقع القائم”.

مديرية خاصة للاستيطان

أنشأت إسرائيل “مديرية الاستيطان”، في وزارة الدفاع الإسرائيلية، إذ تختص بتطوير البنية التحتية وتخصيص الموارد. وقالت الصحيفة، إن هذه المديرية “تقوم بخلق وقائع ميدانية تقرب من فرض السيادة الإسرائيلية”.

يوني دانينو، رئيس طاقم المديرية، قال للصحيفة إن “كل خطوة حكومية، مثل إنشاء شوارع أو مناطق صناعية، تساهم في تكريس واقع السيادة الإسرائيلية”، وذكر منها مشروعات الطاقة المتجددة في الضفة، التي قال إنها تنتج 20% من الطاقة في إسرائيل”.

وأشار دانينو، إلى أن الغرض من مديرية الاستيطان يتمثل في هدفين، الأول هو معاملة الضفة الغربية كما يعامل النقب والجليل في إسرائيل، من حيث تطوير البنية التحتية وتخصيص الموارد، والثاني يتعلق بمواصلة العمل على فرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية.

ويغذي الارتفاع الكبير وغير المسبوق في المصادقة على مخططات البناء الاستيطاني، هذه الرؤية الإسرائيلية. فبحسب حركة “السلام الآن” الإسرائيلية، التي ترصد كافة عمليات التوسع الاستيطاني، فإن الحكومة أقرت في الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاري 14 ألفاً و335 خطة بناء، مقارنة بـ 4 آلاف و427 خطة في عام 2022.

وجاء في تقرير منظمة “ييش دين”، وهي منظمة إسرائيلية ترصد انتهاكات حقوق الانسان في الأراضي الفلسطينية، ويعني اسمها بالعربية “يوجد قانون” أن “الضم لم يعد مجرد زحف تدريجي، بل أصبح واقعاً قائماً”، إذ رأت المنظمة في تقريرها، أن هذه الإجراءات “تشكل انتهاكاً للقانون الدولي، وتؤثر بشكل جذري على حياة أكثر من 3 ملايين فلسطيني محرومين من الحقوق الأساسية”.

شراء الأراضي والتمويل والضرائب

وأشار التقرير إلى سلسلة قوانين حكومية تهدف إلى تغيير الواقع القانوني والإداري في الضفة، مثل تسهيل شراء اليهود للأراضي وإلغاء القانون الأردني، وفرض ضرائب على المناطق الصناعية في المستوطنات، وفرض ضرائب على الفلسطينيين، وإقرار قانون يعتبر مستوطنات جنوب جبل الخليل جزءاً من النقب، ما يؤهلها للحصول على تمويل من “سلطة تطوير النقب” ما يؤدي الى تعزيز السيطرة الإسرائيلية على المنطقة.

وأوضحت تقارير منظمات حقوق الإنسان الإسرائيلية المفصلة، أن المستوطنين أقاموا خلال الحرب على غزة، أكثر من 200 بؤرة استيطانية جديدة في الضفة الغربية تنتشر على شكل تجمعات صغيرة ومزارع للمواشي.

ورصد المكتب الوطني الفلسطيني للدفاع عن الأرض ومقاومة الاستيطان، قيام السلطات الإسرائيلية مؤخراً، ببناء شبكة طرق داخلية للبؤر الاستيطانية هذه.

وخلص التقرير إلى أن إسرائيل تعمل على فرض سيادتها على المنطقة الريفية المسماة (ج) التي تشكل أكثر من 60% من مساحة الضفة الغربية.

وقال التقرير إن الحكومة الإسرائيلية، خصصت العام الماضي، 3.1 مليار شيكل (838 مليون دولار) لشق مئات الكيلومترات من الطرق الجديدة والطرق الداخلية بين المناطق الفلسطينية على أراضي فلسطينية خاصة.

وقال المكتب الوطني، إن بعض هذه الطرق خُصص لربط المستوطنات الإسرائيلية المقامة على أراضي الضفة الغربية بالمدن الإسرائيلية داخل الخط الأخضر ما يشكل “تنفيذاً لمشروع الضم”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق