تتسارع الخطى نحو التوصل لاتفاق تهدئة شامل بين إسرائيل وحركة حماس، وسط جهود دبلوماسية أمريكية ومصرية وقطرية مكثفة، ومؤشرات متزايدة على إمكانية إعلان هدنة تمتد لشهرين على الأقل، تتخللها ترتيبات سياسية وأمنية قد تغيّر مستقبل غزة والملف الفلسطيني برمّته.

 

 مشروع هدنة شاملة بوساطة مصرية أمريكية

ووفقًا لمصادر مطلعة، عرضت الإدارة الأمريكية مقترحًا لوقف إطلاق نار يمتد 60 يومًا، يشمل في مرحلته الأولى إطلاق سراح نحو 28 رهينة محتجزين لدى حماس من بينهم أحياء وجثامين، مقابل إفراج إسرائيل عما يزيد عن 1,236 أسيرًا فلسطينيًا، بينهم جثامين نحو 180 شهيدًا. ويأتي هذا ضمن صفقة شاملة تتضمن كذلك إدخال مساعدات إنسانية مكثفة إلى القطاع.

في هذا السياق، قال الدكتور أيمن الرقب، أستاذ العلوم السياسية في جامعة القدس، في تصريحات خاصة لـ”وكالة ستيب نيوز“: “استغلت القاهرة الأجواء الإيجابية التي ظهرت بعد انتهاء حرب الـ12 يومًا بين إيران وإسرائيل، وتحركت لطرح مشروع هدنة شاملة، وقد لاقى هذا الطرح المصري قبولًا من قبل الدوحة وواشنطن. وتشير الأجواء الإيجابية إلى إمكانية التوصل لاتفاق هذه المرة ينهي الحرب على غزة، إذ صدرت إشارات من البيت الأبيض توحي بأننا أقرب من أي وقت مضى للوصول إلى وقفٍ لإطلاق النار.”

وأضاف الرقب أن أمريكا تبقى اللاعب الحاسم في المعادلة، مؤكدًا: نعلم أنه إذا تخلّت أمريكا عن إسرائيل فإنها ستنهار، لذلك أعتقد أن ترامب هو الجهة الأكثر قدرة على إنهاء الحرب، وهو قالها صراحةً إنه «صانع السلام في المنطقة»، ويبدو أنه يسعى لتحقيق مكاسب توصله إلى جائزة نوبل للسلام.”

 

 تفاصيل الصفقة المقترحة

وحسب التسريبات التي ذكرها الرقب، فإن الاتفاق المرتقب يتضمن إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين على ثلاث دفعات، يُقدّر عددهم بـ20 أسيرًا، مقابل 250 أسيرًا فلسطينيًا من الضفة الغربية، إلى جانب الإفراج عن نحو 2000 معتقل من غزة. كما يتضمن الاتفاق إدخال مساعدات إنسانية واسعة، وانسحاب الجيش الإسرائيلي من عدة مواقع داخل القطاع، مع استمرار وجود بؤر عسكرية محدودة.

 

وكشف الرقب عن خطة أمنية سياسية جديدة، موضحًا: “هناك حديث حول وجود قوات عربية ودولية تعمل على تجهيز الشرطة الفلسطينية لتولي الأمور في غزة، وستتولى لجنة الإسناد المجتمعي التابعة للسلطة إدارة غزة في المرحلة الأولى حتى يتم التجهيز لانتخابات في المستقبل. وبعد ذلك سيُبحث مستقبل الوجود الإسرائيلي والوضع برمّته في غزة، وهو ما يشير إلى إمكانية انسحاب حماس من المشهد السياسي هناك وتسليم أسلحتها الثقيلة لقوات عربية ودولية وتأمين خروج بعض قيادات حماس خارج غزة.”

لكنه أشار أيضًا إلى الوضع الإنساني الكارثي، قائلًا: “أما خطة ترامب للتهجير فقد جرى تجاوزها، إلا أن الحقيقة أن غزة لم تَعُد صالحة للحياة، ونتنياهو لم يجد أي دولة تستقبل أهل غزة. وكان الإسرائيليون يراهنون على جعل غزة غير صالحة للحياة، ولو جرى تأمين طرق للخروج للسكان فأعتقد أن نسبة كبيرة جدًا ستغادر.”

 

وفيما يتعلق بالمشهد السياسي الإسرائيلي الداخلي، أضاف: “لا أعتقد أن حكومة نتنياهو ستنهار إذا أوقف الحرب، بغضّ النظر عن غوغائية سموتريتش وبن غفير، فأزمته الحقيقية كانت هي تجنيد الحريديم وليس وقف حرب غزة. وتُعدّ تصريحات الجيش الإسرائيلي عن انتهاء مهمة «عربات جدعون» وانتظار القرار السياسي مؤشرًا على أجواء إيجابية اليوم.”

 

 هندسة شرق أوسط جديد… وتحولات ما بعد الحرب

من جانبه، صرّح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن التوصل إلى اتفاق هدنة بين إسرائيل وحماس “بات قريبًا جدًا”، مرجحًا أن يتم الإعلان عنه رسميًا خلال الأسبوع المقبل، في حال استكملت حركة حماس مراجعتها النهائية للبنود.

وحول ذلك يقول الباحث في الشؤون الدولية والإقليمية هاني الجمل في تصريح خاص لـ”وكالة ستيب نيوز” إن أمريكا وإسرائيل تسعيان لهندسة شرق أوسط جديد بعد هذه الحرب، موضحًا: في الوقت الراهن، أصبحت اليد العليا لأمريكا وإسرائيل في تشكيل شرق أوسط جديد، خاصةً فيما يتعلق بتقليم أذرع إيران في المنطقة واستباحة المجال الجوي فيها.”

وأضاف الجمل أنه يتوقع اتفاقًا مباشرًا تقوده أمريكا مع حماس وإسرائيل لإعادة تشكيل الوضع في غزة، قائلًا: أتوقع أن هناك اتفاقًا ستقوده أمريكا بشكل مباشر مع قادة حماس وإسرائيل لهندسة هذا الأمر. وأتوقع أن يتضمن الاتفاق شرعنة تغيير الحدود خارج إطار اتفاق أوسلو وحدود 1967، بالإضافة إلى إخراج قادة حماس، كما حدث في خروج الفلسطينيين من بيروت عام 1982، وأيضًا وجود إدارة جديدة لقطاع غزة لا تحمل الكراهية لإسرائيل.”

يأتي هذا التطور عقب الهدنة الأخيرة بين إسرائيل وإيران، والتي ساهمت في تهيئة أجواء سياسية مواتية لتعزيز الجهود الدبلوماسية لإنهاء الحرب المستمرة في قطاع غزة منذ أشهر، في وقت يواجه فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي ضغوطًا داخلية متزايدة بين مؤيدي استمرار العمليات العسكرية وداعمي التسوية السلمية.

 

 التهجير… فكرة مؤجلة وليست ملغاة

وحول ملف التهجير، قال الجمل: أعتقد أن فكرة التهجير ما زالت مستمرة، سواء كان تهجيرًا واعيًا أو قسريًا، أو بوضع الفلسطينيين في أوضاع إنسانية تجبرهم على الخروج وإعادة توطينهم في العديد من دول العالم.”

كما أشار إلى دور ترامب، مؤكدًا أنه اللاعب الوحيد القادر على الضغط على نتنياهو، بقوله: “الوحيد الذي يمتلك آلية الضغط على نتنياهو هو ترامب، خاصة بعد ما حققه له من مساعدة في ضرب إيران. وأعتقد أن نتنياهو يمكن أن يتجه إلى انتخابات مبكرة لتجديد الثقة به في المجتمع الإسرائيلي.”

 

ويتضح من تصريحات الخبراء أن الصفقة المرتقبة ليست مجرد اتفاق تبادل أسرى أو وقف مؤقت للنار، بل تحمل في طياتها ترتيبات إقليمية تتجاوز حدود غزة إلى مستقبل المنطقة بأكملها، وتبقى الأيام المقبلة حاسمة لمعرفة ما إذا كانت هذه المفاوضات ستنجح في إنهاء الحرب، أم ستبقى هدنة هشّة تمهّد لجولات صراع جديدة.

 

تفاصيل اتفاق وشيك في غزة.. خبراء يشفون بنوداً وتحولات استراتيجية كبرى في المنطقة

المصدر: وكالة ستيب الاخبارية

شاركها.