أصدرت منظمة الهلال الأزرق الدولية للإغاثة والتنمية (IBC) تقريرًا تناولت فيه ملامح الوضع في سوريا بعد سقوط نظام الأسد في أواخر عام 2024، مشيرة إلى مزيج معقد من التحديات السياسية والاقتصادية والإنسانية والأمنية التي تواجه البلاد.
وسلّط التقرير الضوء على الانكماش الحاد للاقتصاد، واستمرار الأزمة الإنسانية، وتزايد الحاجة إلى المساعدات في مختلف القطاعات، إلى جانب عودة مئات الآلاف من اللاجئين والنازحين، وسط مشهد متقلب يتسم بالهشاشة وعدم اليقين حول مستقبل سوريا.
وقالت المنظمة في تقريرها الذي نشرته اليوم، الاثنين 8 من أيلول، إن الاقتصاد السوري انكمش إلى ما يُقدر بـ17.5 مليار دولار في عام 2023، مقارنة بـ60 مليار دولار قبل عام 2011، بينما يحتاج حوالي 16.7 مليون شخص إلى مساعدات إنسانية، كما يعاني أكثر من 14 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي.
تحديات بمختلف القطاعات
الواقع الميداني والاقتصادي
ذكر التقرير أن سوريا بدأت تواجه سلسلة من التحديات المعقدة بعد سقوط النظام، بدءًا من “التشرذم” السياسي والإقليمي، وصولًا إلى التدخلات الأجنبية، والتوترات الطائفية والعنف، بالترافق مع التحول الديمقراطي، وهو ما يلقي بظلاله على الواقع الاقتصادي، ويجعل مسار التعافي “صعبًا”.
وبحسب تقرير المنظمة، بعثت قرارات تخفيف العقوبات المفروضة على سوريا من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان الأمل، وحققت هذه الإجراءات نتائج سياسية ملموسة، إذ مهدت الطريق لتجديد الشراكات الإقليمية والدولية، وفي الوقت نفسه، مكّنت من إعادة دمج الاقتصاد السوري في الأسواق الإقليمية والعالمية من خلال تسهيل المعاملات المالية، وفتح الباب أمام الاستثمار الأجنبي المباشر، والتواصل مع رجال الأعمال السوريين في الخارج.
ولكن على الرغم من انتهاء المرحلة الرئيسة من الحرب، لا تزال الصراعات المحلية والمخاوف الأمنية قائمة، ولا سيما في جنوبي سوريا (السويداء) وبالشمال الشرقي، إضافة إلى استمرار محاولات روسيا وإيران الحفاظ على نفوذهما، ومواصلة إسرائيل شن غارات في سوريا.
عودة النازحين
شهدت سوريا حركة كبيرة في عودة النازحين إلى ديارهم، إذ عاد مئات الآلاف من اللاجئين والنازحين داخليًا منذ كانون الأول 2024، ومع ذلك، يواجه الكثيرون منهم عدة تحديات، منها تدمير منازلهم، ومحدودية الوصول إلى الخدمات، والمخاطر الأمنية الناجمة عن الذخائر غير المنفجرة، واستمرار الأعمال العدائية.
الأزمة الإنسانية
لا يزال الوضع الإنساني حرجًا، بحسب ما ورد في التقرير، مقدّرًا أن 16.5 مليون شخص في سوريا بحاجة إلى المساعدة، وقد نزح أكثر من 12 مليونًا قسرًا منذ بدء الحرب.
ويعاني أكثر من 14 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي، ويحتاجون إلى مساعدات غذائية طارئة، وقد فاقمت ظروف الجفاف، الأسوأ منذ أكثر من 36 عامًا، هذه المشكلة، مما أدى إلى تعطيل إنتاج الغذاء وإمدادات المياه.
ويشهد الاقتصاد السوري أزمة خانقة، فقد ارتفع الناتج المحلي الإجمالي للبلاد بأكثر من 50% منذ عام 2010، ويعيش واحد من كل أربعة سوريين في فقر “مدقع”، بينما يعيش معظم السكان تحت خط الفقر، وقد أدت أزمة السيولة الحادة وارتفاع التضخم إلى صعوبة تلبية احتياجات الأسر الأساسية.
الرعاية الصحية والخدمات
يعاني نظام الرعاية الصحية من ضغوط شديدة، حيث أصبحت نسبة كبيرة من المستشفيات متوقفة عن العمل، وقد أدى نقص المياه وسوء الصرف الصحي إلى انتشار الأمراض.
مخاوف تتعلق بالحماية
تواجه الفئات المستضعفة، وخاصة الأطفال والنساء، مخاطر متزايدة من العنف القائم على النوع الاجتماعي، وزواج الأطفال، والاستغلال.
ولا تزال حوادث الذخائر المتفجرة تُشكل تهديدًا كبيرًا، مع ارتفاع عدد الضحايا المدنيين.
جهود إعادة الإعمار
تتخذ الحكومة الجديدة خطوات لتوحيد السياسات الاقتصادية وجذب الاستثمارات الأجنبية لدعم إعادة الإعمار، إلا أن التقدم المحرز محدود بسبب الوضع الأمني المضطرب وحجم الدمار الهائل.
قدّرت تكلفة إعادة الإعمار في سوريا بما بين 250 و400 مليار دولار أمريكي.
وختم التقرير بأن سوريا لا تزال تعاني من العواقب “الوخيمة” لأكثر من عقد من الصراع، وتتميز الفترة الحالية بهشاشة عملية الانتقال السياسي، واستمرار العنف المحلي، وأزمة إنسانية واقتصادية خانقة، بالمقابل يظل المستقبل غامضًا، ويعتمد على استقرار الحكومة الجديدة، ونجاح جهود المصالحة، ومستوى الدعم الدولي لإعادة الإعمار والمساعدات الإنسانية.
وترى المنظمة في تقريرها أن ذلك يتطلب نهجًا شاملًا ومتكاملًا يجمع بين الاستجابة الإنسانية، وبرامج التنمية، وجهود بناء السلام.
وتُعد هذه الاستراتيجية أساسية ليس فقط لتلبية الاحتياجات العاجلة، بل أيضًا لتمهيد الطريق للتعافي طويل الأمد، لا سيما للفئات الاجتماعية ذات نقاط الضعف والحقوق المتميز.
منظمة الهلال الأزرق الدولية للإغاثة والتنمية (IBC) هي منظمة إنسانية غير حكومية تأسست عام 1999 في تركيا، وتعمل على تقديم المساعدات الطارئة والتنمية المستدامة للفئات المتضررة من النزاعات والكوارث.
تركز المنظمة بأنشطتها على مجالات الإغاثة، الصحة، التعليم، المياه والصرف الصحي، ودعم سبل العيش وتمتد برامجها إلى عدة مناطق أبرزها: تركيا، سوريا، العراق، اليمن، فلسطين، لبنان، الصومال، إضافة إلى شراكات مع منظمات الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي لتنفيذ مشاريع إنسانية في مناطق الأزمات.
عودة حوالي 850 ألف لاجئ
المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR)، أصدرت تقريرًا، في 29 من آب الماضي، حول عودة السوريين العائدين من الخارج لديارهم، أو من المناطق الأخرى داخل سوريا.
ووفق التقرير، عاد 843,994 لاجئًا من الدول المجاورة منذ 8 من كانون الأول 2024، ليبلغ مجموع العائدين منذ بداية العام الماضي 1,204,864 شخصًا.
أما النازحون داخليًا، فبلغ عدد العائدين منهم 1.7 مليون شخص، بحسب ما ورد في التقرير.
مرتبط
المصدر: عنب بلدي