نشرت صحيفة “الجارديان” البريطانية اليوم، الاثنين 15 من كانون الأول، تقريرًا تناولت فيه أوضاع عائلة الأسد في مقر إقامتهم بموسكو.
وبحسب التقرير، فإن عائلة رئيس النظام السوري المخلوع، بشار الأسد، تعيش حياة “هادئة ومعزولة” في موسكو، ضمن أوساط النخبة الروسية، بعد فراره من سوريا عقب سقوط نظامه في 8 من كانون الأول 2024.
ونقلت الصحيفة عن صديق مقرّب من العائلة، إلى جانب مصادر في روسيا وسوريا وبيانات مسرّبة، أن الأسد المخلوع عاد إلى مقاعد الدراسة، حيث يتعلّم اللغة الروسية ويعيد دراسة اختصاصه السابق في طب العيون، وهو المجال الذي درسه في لندن قبل توليه الحكم.
وأضاف المصدر أن هذا التوجّه “بدافع الشغف لا الحاجة المادية”، مشيرًا إلى أن الأسد كان يمارس المهنة بشكل متقطع حتى قبل اندلاع الثورة السورية عام 2011.
وبحسب التقرير، يستقر أفراد من عائلة الأسد في أحياء فاخرة بالعاصمة الروسية، أبرزها منطقة روبلوفكا المغلقة، المعروفة بأنه تضم شخصيات سياسية واقتصادية بارزة، من بينهم الرئيس الأوكراني السابق، فيكتور يانوكوفيتش، الذي فر إلى روسيا عام 2014.
ويشير التقرير إلى أن عائلة المخلوع لا تعاني من ضائقة مالية، إذ قامت منذ بدء فرض العقوبات الغربية عام 2011 بنقل جزء كبير من ثروتها إلى موسكو، خارج نطاق الأنظمة المالية الغربية، ما أتاح لها الحفاظ على نمط حياة مرفّه رغم العزلة السياسية.
ورغم نمط الحياة المترف الذي تعيشه عائلة الأسد في موسكو، تشير “الجارديان” إلى أن الأسرة باتت معزولة إلى حدّ كبير عن الدوائر السياسية والاجتماعية التي اعتادت الحركة ضمنها، سواء في سوريا أو في روسيا.
ففرار بشار الأسد في اللحظات الأخيرة من دمشق خلّف، بحسب مصادر الصحيفة، شعورًا بالخذلان لدى المقربين منه، كما يفرض المسؤولون الروس قيودًا صارمة على تواصله مع شخصيات بارزة من النظام السابق.
ونقلت الصحيفة عن صديق للعائلة قوله، إن حياة الأسد في موسكو “هادئة جدًا”، وإن تواصله مع الخارج شبه معدوم، ويقتصر على عدد محدود من الأشخاص الذين عملوا معه في القصر الرئاسي، من بينهم منصور عزام، وزير شؤون رئاسة الجمهورية السابق، ويسار إبراهيم، إحدى أبرز الواجهات الاقتصادية للنظام المخلوع.
| لم يعد بشار الأسد يحظى بأي وزن سياسي داخل روسيا، فالقيادة الروسية لا تبدي تعاطفًا مع قادة فقدوا سلطتهم.
مصدر مقرب من الكرملين |
وبحسب مصدر مقرّب من الكرملين، لم يعد بشار الأسد يحظى بأي وزن سياسي داخل روسيا، واصفًا إياه بـ”الشخص غير ذي الصلة” بالنسبة للرئيس فلاديمير بوتين والنخبة الحاكمة في موسكو. وأضاف المصدر أن القيادة الروسية “لا تبدي تعاطفًا مع قادة فقدوا سلطتهم”، وأن الأسد لم يعد يُنظر إليه كشخصية مؤثرة أو حتى كضيف يستحق الحضور في الدوائر المغلقة.
وتنقل الصحيفة عن صديق لماهر الأسد، القائد السابق لـ”الفرقة الرابعة” في جيش الأسد المخلوع، أن الأخير حاول مرارًا التواصل مع بشار في الأيام التي سبقت سقوط النظام، دون أن يلقى أي رد.
وأضاف أن ماهر بقي في القصر الرئاسي حتى اللحظات الأخيرة، في وقت عثر فيه المقاتلون لاحقًا على آثار تدل على مغادرته المتأخرة، وأن ماهر هو من ساعد عددًا من الشخصيات على الفرار، بينما “كان بشار منشغلًا بنفسه فقط”، على حدّ تعبير المصدر.
كما أورد التقرير شهادة لمحامي رفعت الأسد، قال فيها إن أفرادًا من العائلة وجدوا أنفسهم في حالة فوضى بعد فرار الرئيس، غير مدركين لسبل الخروج من سوريا. وبحسب المحامي، اضطر ثمانية من أفراد العائلة للنوم داخل سياراتهم أمام قاعدة “حميميم”، بعد أن عجزوا عن التواصل مع الجنود الروس، قبل أن يتمكّنوا لاحقًا من مغادرة البلاد إلى سلطنة عُمان إثر تدخل مسؤول روسي رفيع.
السعي لمقابلة إعلامية
في الأشهر الأولى التي تلت سقوط النظام، لم يكن مصير حلفائه السابقين أولوية لدى بشار الأسد، بحسب التقرير، إذ انصبّ اهتمام العائلة على الحالة الصحية لأسماء الأسد، التي كانت تخضع للعلاج في موسكو من مرض اللوكيميا، وتشير مصادر مطلعة إلى أن وضعها الصحي استقر لاحقًا بعد تلقيها علاجًا تجريبيًا بإشراف مباشر من الأجهزة الأمنية الروسية.
ومع تحسن صحة أسماء الأسد، يسعى بشار الأسد، وفق الصحيفة، إلى الظهور إعلاميًا لعرض روايته لما جرى، وقد رتّب مقابلات محتملة مع قناة “روسيا اليوم” ومدوّن أمريكي محسوب على التيار اليميني، إلا أن السلطات الروسية لم تمنحه بعد الإذن بالظهور العلني. إذ تمنع روسيا الأسد من أي نشاط سياسي أو إعلامي.
أبناء الأسد يتأقلمون
في المقابل، يبدو أن أبناء الأسد يتأقلمون مع واقعهم الجديد داخل أوساط النخبة في موسكو، وإن بدت عليهم آثار الصدمة، بحسب مقرّبين من العائلة.
وسُجّل الظهور العلني الوحيد للعائلة، من دون بشار، خلال حفل تخرّج ابنته زين من جامعة “مغيمو” في 30 من حزيران الماضي، حين حصلت على شهادة في العلاقات الدولية. وأكد طلاب حضروا المناسبة أن العائلة التزمت بتواجد خافت وغادرت سريعًا دون لفت الانتباه.
زين الأسد في حفل تخرجها من جامعة “مغيمو” – 30 حزيران 2025 (الجارديان)
أما حافظ بشار الأسد، فقد توارى عن الأنظار بعد نشره تسجيلًا مصورًا في شباط الماضي دافع فيه عن رواية العائلة بشأن مغادرة دمشق، قبل أن يُغلق معظم حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي ويستخدم أسماء مستعارة، وفق بيانات مسرّبة.
وتشير المصادر إلى أن أسماء الأسد وأبناءها يقضون وقتًا طويلًا في التسوق واقتناء السلع الفاخرة، إضافة إلى تنقلهم المتكرر بين موسكو والإمارات العربية المتحدة.
وتلفت الصحيفة إلى أن الإمارات شكّلت وجهة مفضلة للعائلة حتى قبل سقوط النظام، إلا أن خيار الانتقال الدائم إليها يبدو مؤجلًا، في ظل حرج سياسي يحيط باستضافة بشار الأسد، حتى في دول اعتادت استقبال شخصيات مثيرة للجدل.
كيف هرب الأسد؟
نقلت وكالة “رويترز” عمن قالت إنهم مطلعون على الأيام والساعات الأخيرة لرئيس النظام السوري المخلوع قبل إسقاطه، تفاصيل عن ساعات ما قبل هروب الأسد.
وقالت وكالة “رويترز” في 13 من كانون الأول 2024، إن رئيس النظام السوري المخلوع بشار الأسد، أعدّ خطة سرية للفرار من سوريا عندما كانت سلطته تنهار، دون إطلاع غالبية مساعديه ومسؤولي حكومته وحتى أقربائه على الأمر.
وذكرت “رويترز” نقلًا عن أكثر من 10 مصادر، أن الأسد لجأ إلى الخداع والتكتم لتأمين خروجه من البلاد.
وأبلغ الأسد مدير مكتبه الرئاسي، السبت 7 من كانون الأول 2024 (قبل سقوطه بيوم)، عندما انتهى من عمله، أنه سيعود إلى منزله لكنه توجه بدلًا من ذلك إلى المطار.
كما اتصل بشار بمستشارته الإعلامية بثينة شعبان، وطلب منها الحضور إلى منزله لكتابة خطاب له، وعندما وصلت لم تجد أحدًا هناك.
قبيل ساعات من مغادرته سوريا، اجتمع الأسد مع نحو 30 من قادة الجيش والأمن في وزارة الدفاع، وأكد لهم أن الدعم العسكري الروسي في طريقه، داعيًا القوات البرية إلى الصمود.
وبحسب مصدر حضر الاجتماع، لم تكن هناك أي إشارة إلى خططه للفرار، ولم يكن الموظفون المدنيون على علم بشيء أيضًا.
وأفاد ثلاثة من مساعديه، بأن بشار لم يبلغ حتى شقيقه الأصغر ماهر بخطط خروجه، وقال أحدهم إن ماهر استقل مروحية إلى العراق ومن ثم إلى روسيا.
وفي الساعات الأولى من صباح الأحد 8 من كانون الأول، غادر بشار الأسد دمشق على متن طائرة خاصة، محلّقًا تحت الرادار بعد تعطيل جهاز الإرسال والاستقبال في الطائرة، لتجنب القبض عليه من قبل فصائل المعارضة التي كانت تقتحم العاصمة.
هبطت الطائرة في قاعدة “حميميم” الروسية بمدينة اللاذقية الساحلية، ومنها استقل الأسد طائرة أخرى إلى موسكو، حيث كانت زوجته أسماء وأبناؤهما الثلاثة بانتظاره في العاصمة الروسية.
كما قال ثلاثة أعضاء في الدائرة الداخلية للأسد لـ”رويترز”، إنه كان يريد في البداية اللجوء إلى الإمارات، في الوقت الذي سيطر فيه مقاتلو المعارضة على حلب وحمص وتقدموا نحو دمشق.
وقالت المصادر إن الإماراتيين رفضوا ذلك خوفًا من رد فعل دولي لإيوائهم شخصية خاضعة لعقوبات أمريكية وأوروبية، بسبب استخدامه الأسلحة الكيماوية ضد شعبه.
وقالت ثلاثة مصادر، إن موسكو نسقت أيضًا مع الدول المجاورة، لضمان عدم اعتراض أو استهداف طائرة روسية تغادر المجال الجوي السوري وعلى متنها الأسد.
الأسد يبرر هروبه: لم أكن ساعيًا للمنصب
مرتبط
المصدر: عنب بلدي
