كشف تقرير نشره معهد “الشرق الأوسط” للدراسات الاستراتيجية في واشنطن، مساء الاثنين 27 من تشرين الأول، عن اتفاقيات عملياتية متعددة بين الحكومة السورية وقوات التحالف الدولي، متحدثًا عن سيناريوهات محتملة للتعاون بين الحكومة السورية وقوات التحالف، من بينها انضمام دمشق للتحالف، معتبرًا أنه الأكثر ترجيحًا.
وبحسب ما نقله التقرير عن مصدر وصفه بـ”الرفيع المستوى” في مديرية الأمن العام، فإن التنسيق الأخير مع قيادة التحالف شمل اتفاقيات عملياتية متعددة، أبرزها:
- تبادل المعلومات الاستخباراتية بين وحدة الاستطلاع التابعة لوزارة الداخلية وغرف عمليات التحالف.
- تقليص الغارات الجوية، وإسناد العمليات الميدانية إلى قوات مكافحة الإرهاب التابعة لوزارة الداخلية.
- التعاون في مخيم “الهول” بهدف إعادة دمج الأسر السورية في مجتمعاتها الأصلية.
- إنشاء قنوات اتصال عسكرية بين وزارة الدفاع السورية والقوات في التنف، مع الحفاظ على التنسيق المباشر مع وزارة الدفاع الأمريكية من خلال خلية اتصال ميدانية في البادية السورية.
وأضاف التقرير أن قوات من التحالف الدولي لهزيمة تنظيم “الدولة الإسلامية” نفذت عملية مشتركة مع الحكومة السورية ضد تنظيم “الدولة” في مدينة الضمير بريف دمشق، في 18 من تشرين الأول الحالي، وهي العملية الخامسة للتنسيق بين التحالف الدولي والحكومة السورية لمواجهة التنظيم.
فوائد الانضمام للتحالف
بحسب تقرير معهد “الشرق الأوسط”، توصلت الحكومة السورية إلى استنتاج بأن الانضمام إلى التحالف هو أفضل طريقة لتحقيق أهدافها السياسية والعسكرية والاقتصادية المرجوة، وسط دعوات غربية لها للانضمام رسميًا إلى الجهود المبذولة لمعالجة أخطر تهديد أمني دولي منذ عام 2014.
وترى دمشق أن الانضمام إلى التحالف الدولي مفيد على عدة مستويات، بحسب التقرير، وهي:
- من الناحية السياسية، ستكتسب شرعية دولية كشريك في الحرب الإقليمية على الإرهاب، مما يحسن تصنيفها ويرفع الحكومة السورية من قوائم الإرهاب.
- على الصعيد العسكري، ستحصل على الدعم الفني والعملياتي من الولايات المتحدة ودول التحالف للمشاركة الفعالة في العمليات العسكرية المشتركة.
- من الناحية الاستراتيجية، فإن ذلك من شأنه أن يقوض المكانة الحصرية لـ”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، باعتبارها الشريك الرسمي للتحالف في سوريا، وبالتالي إضعاف نفوذها في المفاوضات مع الحكومة السورية.
- من ناحية الاستخبارات، ستتمكن سوريا من الوصول إلى أنظمة تبادل المعلومات التابعة للتحالف، وخاصة للتحقق من هوية المجندين الجدد داخل وزارتي الدفاع والداخلية لمنع تسلل عناصر التنظيم إلى أجهزة الدولة السورية.
التقرير ذكر أن بعض السياسيين في واشنطن ربطوا رفع العقوبات عن سوريا بانضمامها إلى التحالف الدولي، بينما ترى الحكومة السورية أن انضمامها مشروط بتخفيف العقوبات.
يثير هذا التباين في وجهات النظر بين الطرفين تساؤلًا حول من سيتخذ الخطوة الجادة الأولى لإنهاء الجمود المستمر، وما المخاطر التي قد يشكلها غياب هذه الخطوة على الجهود الدولية الرامية إلى تحقيق الاستقرار في سوريا، وعلى الأمن الإقليمي والعالمي على نطاق أوسع، في حال انهيار المفاوضات.
عقبات الانضمام
التقرير أظهر أن دمشق تدرك وجود عقبات داخلية تشكل تحديات كبيرة أمام الانضمام إلى التحالف، من أبرزها أن وزارة الدفاع لا تزال في مرحلة تكوينية من تطورها المؤسسي، ولا تزال عملية التجنيد في الجيش تعاني من محدودية القدرة على إجراء تحريات سليمة عن خلفيات المنضمين الجدد، ومن ضعف عام في القدرات العسكرية.
هذه التحديات الهيكلية تجعل من الصعب على التحالف الثقة الكاملة بقدرة وزارة الدفاع على تنفيذ عمليات مشتركة، ويتجلى هذا الواقع على أرض الواقع، إذ يتم التنسيق حاليًا بشكل أساسي بين التحالف ووزارة الداخلية، وليس وزارة الدفاع.
ومن العقبات الرئيسة الأخرى غياب الاتفاق مع “قسد”، إذ لا يزال من الصعب تنفيذ عمليات منفصلة والتنسيق متعدد المستويات مع قوات مختلفة تشهد توترات وتعمل ضمن مناطق جغرافية متداخلة.
وفقًا لمعلومات من مصدر غربي نقل عنه التقرير، لا يقتصر النقاش على أروقة واشنطن، فهناك أيضًا نقاشات جارية حول قدرة الحكومة السورية على ضمان عدم تسرب المعلومات الاستخباراتية المشتركة بين دمشق والتحالف إلى الفصائل المتطرفة داخل الجيش السوري أو مؤسسات الأمن العام، لا سيما في ظل استمرار وجود مقاتلين أجانب في صفوف الحكومة والجيش السوري.
ولا يزال هناك مسؤولون كبار في إدارة ترامب وأعضاء آخرون في الائتلاف لديهم مخاوف بشأن الحكومة الجديدة في دمشق، ويخشون من أنها لم تتخلص تمامًا من ماضيها “المتطرف العنيف”، بحسب وصف التقرير.
سيناريوهات التعاون
التقرير بيّن أن الديناميكيات المتطورة للتعاون في مكافحة الإرهاب بين سوريا والتحالف، تفتح آفاقًا واعدة للمرحلة المقبلة، ولكل سيناريو منها تداعيات سياسية وأمنية واستراتيجية مميزة، سواء على استقرار سوريا أو على الجهود الإقليمية الأوسع للقضاء على للتنظيم.
1. انضمام سوريا.. السيناريو الأكثر ترجيحًا
يبدو انضمام سوريا رسميًا إلى التحالف هو النتيجة الأكثر ترجيحًا، نظرًا لتزايد عدد العمليات المشتركة بين الجانبين (خمس عمليات خلال الأشهر الثلاثة الماضية)، بالإضافة إلى رغبة دولية وسورية مشتركة في مأسسة التعاون.
يسعى التحالف إلى توسيع نطاق عملياته على الأراضي السورية من خلال شراكة رسمية مع الحكومة لتسريع القضاء على التنظيم، بينما تسعى الحكومة السورية إلى دعم سياسي ولوجستي لمواجهة التنظيم وإرساء الاستقرار لتسهيل إعادة الإعمار وترسيخ السيادة الوطنية.
إذا حدث ذلك، فسيساعد على ترسيخ جبهة موحدة لمكافحة الإرهاب، وزيادة فعالية العمليات ضد التنظيم، وتعزيز شرعية الحكومة السورية الجديدة من خلال التعاون الدولي الرسمي، وتحسين تبادل المعلومات الاستخباراتية وتنسيق العمليات، والحد من التكرار والفجوات، وإرساء أسس لدعم أوسع للاستقرار وإعادة الإعمار بعد الصراع.
2. استمرار التنسيق دون انضمام رسمي
إذا ظلّ التوصل إلى اتفاق شامل بعيد المنال، فقد يستمر التعاون غير الرسمي، قد يكون هذا التنسيق المستمر بمثابة اختبار لمدى جدية الطرفين، ولكنه ينطوي على مخاطر إذا طال أمده، لا سيما تأخير العمليات بسبب التنسيق الحذر، ومحدودية آليات تبادل المعلومات، واحتمالية حدوث سوء فهم قد يُقوّض الثقة.
قد يُحافظ هذا النهج على مرونة التنسيق دون تحمل التكاليف السياسية للانضمام الرسمي، ويسمح باستمرار الجهود المشتركة المحدودة ضد التنظيم، مما يُحافظ على بعض الزخم العملياتي.
مع ذلك، ينطوي هذا السيناريو أيضًا على تداعيات سلبية محتملة على الجهود الدولية ضد التنظيم، مثل عدم الكفاءة وبطء الاستجابة بسبب الترتيبات غير الرسمية، وغياب المساءلة الواضحة والالتزامات المُلزمة، وزيادة خطر الاحتكاك العملياتي، كما قد يُؤدي إلى فوائد سياسية محدودة وفوائد محدودة في إعادة الإعمار لسوريا.
3. انهيار التنسيق
إن الانهيار التام للتنسيق سيعيد الأمور إلى نقطة الصفر، وستجد الحكومة السورية نفسها عاجزة عن تنفيذ عمليات واسعة النطاق ضد التنظيم، إذ لا تزال العديد من المناطق التي ينشط فيها التحالف وشريكه السوري “قسد” خارجة عن سيطرة الحكومة.
في الوقت نفسه، سيظل التحالف عاجزًا عن تحقيق نصر حاسم على التنظيم، نظرًا للانقسامات الداخلية في سوريا وتشتت السيطرة الإقليمية، وهي ظروف من شأنها خلق ثغرات أمنية يمكن للتنظيم استغلالها لإعادة ترسيخ وجوده وقوته على الأراضي السورية.
وفي حال حدوث ذلك، قد يستغل التنظيم هذه الثغرات لإعادة تنظيم صفوفه وإحياء نفسه وتقوية صفوفه. سيؤدي هذا السيناريو إلى حالة من عدم الاستقرار في سوريا، ويصعّب جذب الاستثمارات الدولية ومساعدات إعادة الإعمار.
4. العمل الأحادي الجانب
قد يتحقق هذا السيناريو إذا انهارت جهود التنسيق ومحادثات الانضمام تمامًا. في هذه الحالة، سيعود الوضع إلى ما كان عليه سابقًا في إدلب، حيث نفذت “هيئة تحرير الشام” (المنحلة حاليًا) عمليات منفردة ضد خلايا التنظيم، بينما نفذ التحالف عمليات منفصلة شرق الفرات.
ستثبت هذه الجهود المتفرقة عدم فعاليتها إلى حد كبير، نظرًا لغياب تبادل المعلومات الاستخباراتية ومحدودية حرية العمل في مناطق واسعة، وهي ظروف أثبت تنظيم “الدول” مرارًا قدرته على استغلالها، والتكيف بسرعة مع بيئات تتسم بالفوضى والتشرذم.
رؤى لضمان انضمام دمشق
التقرير قدم عدة رؤى لضمان انصمام دمشق إلى التحالف الدولي لمحاربة تنظيم “الدولة”، إذ اعتبر أن تحقيق سيناريو انضمام سوريا إلى التحالف “جهد سياسي مدروس ومنسق” لتحويل التعاون العملياتي القائم إلى شراكة مؤسسية.
ويعتمد النجاح على المرونة المتبادلة، ويجب على الجهات الغربية مراعاة مخاوف سوريا المتعلقة بالسيادة، بينما يجب على الحكومة السورية الجديدة إظهار التزام موثوق بالحوكمة الشاملة والتنسيق القائم على القواعد.
ولتحقيق أفضل النتائج، ستحتاج الولايات المتحدة إلى الحفاظ على تواصل دبلوماسي مستمر لسد الفجوة بين دمشق و”قسد”، وتوضيح استعدادها لإضفاء طابع رسمي على أطر التعاون التي تحترم السيادة السورية، وتقديم الدعم الفني واللوجستي للعمليات المتكاملة.
من جانبها، ستحتاج دمشق إلى إثبات التزامها بالحوكمة الشاملة والمصالحة مع القوات الكردية وغيرها من القوى المحلية، وإجراء إصلاحات مؤسسية تضمن الشفافية والتنسيق مع الشركاء الدوليين، والحفاظ على الانضباط العملياتي لتجنب الحوادث التي تقوض الثقة.
ما تفاصيل العملية الأخيرة؟
أعلنت وزارة الداخلية السورية تفكيك خلية تابعة لتنظيم “الدولة”، في منطقة معضمية القلمون شمالي محافظة ريف دمشق.
وقالت الوزارة عبر صفحتها الرسمية على منصة “فيسبوك”، في 19 من تشرين الأول الحالي، إن العملية أسفرت عن تفكيك الخلية المؤلفة من ثلاثة أشخاص، مشيرة إلى تحييد العنصر الأول في أثناء محاولته تفجير حزام ناسف، بينما توفي الثاني متأثرًا بجروحه، وتم إلقاء القبض على العنصر الثالث.
لم تذكر وزارة الداخلية تفاصيل عن مشاركة التحالف الدولي في العملية، لكن تشارلز ليستر، مدير مبادرة سوريا في معهد “الشرق الأوسط”، قال عبر منصة “إكس”، إن التحالف الدولي قام بعملية إنزال لأول مرة في مدينة الضمير بريف دمشق، أسفرت عن اعتقال أحمد عبد الله المسعود البدري البالغ من العمر 47 عامًا.
وأضاف أن البدري يعتبر أحد المنتسبين إلى تنظيم “الدولة”، وكان مختفيًا في البادية السورية طوال السنوات الماضية، مشيرًا إلى أنه عاد إلى منطقة الضمير بعد سقوط نظام الأسد.
وتبعد الضمير عن معضمية القلمون عشرة كيلومترات تقريبًا، لكن أراضي المدينتين متداخلة.
وأكد ليستر أن التحالف الدولي قام باعتقال البدري، بعملية أمنية مشتركة شاركت بها قوات خاصة من وزارة الدفاع السورية.
وعلق المبعوث الأمريكي إلى سوريا توماس براك، عبر حسابه في “إكس” على تدوينة تشارلز ليستر، قائلًا “سوريا عادت إلى صفنا”.
مرتبط
المصدر: عنب بلدي
