نشر “المركز السوري للعدالة والمساءلة” تقريرًا تحت عنوان “هجمات الحكومة الوحشية على البنية التحتية الحيوية”، يوثّق فيه جانبًا من أكثر الانتهاكات التي خلّفتها هجمات النظام السوري السابق وروسيا على البنية التحتية وحياة المدنيين في سوريا.
التقرير الذي نشر اليوم، الخميس 4 من أيلول، يوثّق كيف خلّفت هجمات النظام السوري السابق وروسيا بلدًا بلا مدارس ولا مستشفيات ولا كهرباء ولا محطات مياه، وحتى بلا مساكن لآلاف العائلات التي تحاول اليوم إعادة بناء ما تهدّم.
ويشير المركز إلى أن حجم الدمار لم يكن نتيجة جانبية للصراع، بل سياسة متعمدة استهدفت جعل الحياة غير ممكنة في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السابق، ضمن ما يشبه العقاب الجماعي للسكان.
وتتزامن هذه الصورة التي رسمها التقرير مع نقاشات دولية حول إعادة الإعمار ورفع العقوبات، في وقت يصطدم فيه السوريون العائدون أو الزائرون بمدى سوء واقع الخدمات والإسكان في بلادهم.
مدير “المركز السوري للعدالة والمساءلة”، محمد العبد الله، قال ل، إن التقرير الذي أعدّه “المركز” يوفر بيانات يمكن أن تدعم التحقيقات بحق الأفراد الذين استهدفوا البنية التحتية في سوريا.
وبالرغم من فرار معظم المسؤولين رفيعي المستوى إلى ولايات قضائية تتيح لهم تجنّب الملاحقة القضائية، فإن العديد من الأفراد المتورطين بشكل مباشر في هذه الجرائم ما زالوا في سوريا، وعلى الحكومة السورية الحالية أن تحاسبهم، كما يمكن ملاحقة جناة آخرين قد يكونون موجودين في أوروبا، بحسب العبد الله.
وعن مدى مساهمة التقرير في عمليات جبر الضرر ودعم إعادة الإعمار، قال العبد الله في حديثه إلى، إنه بالرغم من تحمل حكومة الأسد والقوات الروسية المسؤولية عن أغلبية الهجمات على البنية التحتية السورية، فإن من المرجح أنهما لن تدفعا أبدًا تعويضات عن الجرائم التي ارتكبتاها.
وأضاف العبد الله أن تقرير المركز يوضّح الحاجة الملحّة إلى تقديم مساعدات لإعادة الإعمار في جميع أنحاء البلاد، وليس فقط في دمشق، إذ لا يمكن للسوريين العودة إلى ديارهم ما لم يحصلوا على خدمات أساسية مثل المدارس والمياه والكهرباء.
آلاف الأدلة تكشف سياسة ممنهجة
اعتمد التقرير على أرشيف “ضخم” من المقاطع المصوّرة والبيانات التي جمعها “المركز السوري للعدالة والمساءلة” خلال سنوات النزاع.
وبحث محققو “المركز السوري للعدالة والمساءلة” في أرشيفهم، الذي يضم أكثر من مليوني مقطع فيديو متعلق بالنزاع السوري، ضمن قاعدة بيانات المركز المعروفة باسم “بيانات”، وتمكنوا من تحديد أكثر من ستة آلاف مادة يُحتمل أنها توثّق هجمات على البنية التحتية الحيوية، جُمعت من مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام.
ومن بين هذه المواد، توثّق المحقّقون من ارتباط مئات الأدلة بهجمات على بنى تحتية مدنية شنّتها الحكومة السورية السابقة وروسيا. ومن بين الأدلة المُتحقَّق منها والتي توثّق هجمات على البنية التحتية الحيوية، حدّد التحقيق وقوع 94 هجمة على بنى تحتية ومنشآت حيوية.
ورغم أن التقرير ركّز على أربع هجمات رئيسة في إدلب، فإن الأدلة تشير إلى أن المئات من الهجمات المماثلة وقعت في أنحاء متفرقة من البلاد.
استهداف للخدمات الأساسية
يخلص التقرير إلى أن القوات السورية والروسية استهدفت بانتظام منشآت مدنية تمثل العمود الفقري للحياة اليومية، مثل مستودعات الوقود، والمداجن، ومحطات ضخ وتعقيم المياه، ومصافي النفط المحلية، والأسواق (التي تشمل أسواق الخضار والماشية)، والمخابز، وأنواعًا أخرى من المنشآت.
وجعلت هذه الهجمات الحياة اليومية للسكان مستحيلة، بحسب التقرير، ودَفعت آلاف العائلات إلى النزوح القسري.
ويؤكد التقرير أن ما جرى يتعدى كونه ضربات عسكرية عشوائية، بل مثّل هجمات ذات طابع ممنهج سعت لتهجير السكان المدنيين وتعطيل حياتهم اليومية.
والمثال الأبرز على ذلك ما حدث في سوق الوقود ببلدة معارة النعسان في إدلب عام 2015، حيث استُهدف الموقع بثلاث ضربات متتالية، بينها ذخائر عنقودية حارقة، ما أدى إلى سقوط ضحايا مدنيين وتدمير السوق بالكامل.
انتهاكات ترقى إلى جرائم حرب
من منظور القانون الدولي الإنساني، تُعدّ اللوازم الضرورية لبقاء السكان المدنيين، من غذاء ومياه وطاقة، محمية بشكل صريح، فبحسب المادة 54 من “البروتوكول الإضافي الأول” لعام 1977، والمادة 14 من “البروتوكول الإضافي الثاني”، يحظر الهجوم على المواد والمنشآت الحيوية لبقاء المدنيين، بما في ذلك المحاصيل والماشية ومصادر المياه.
ووفقًا للجنة الدولية للصليب الأحمر، تشمل هذه الحماية أيضًا الأسواق ومحطات الطاقة، وحتى أنظمة الكهرباء التي تمثل شرطًا أساسيًا لتوفير الغذاء والمياه.
ما وثّقه التقرير من هجمات على هذه المنشآت يضعها في خانة الانتهاكات الجسيمة التي تُعتبر جرائم حرب، بحسب نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، ويشير التقرير أيضًا إلى ما يُعرف بـ”تعديل التجويع” الذي أُضيف عام 2021، والذي يجرّم استخدام الحرمان من المواد الأساسية كوسيلة في النزاعات غير الدولية.
وتعني هذه الأبعاد القانونية أن ما حصل في سوريا كان ممارسات منهجية تفتح الباب أمام ملاحقات قضائية مستقبلية بحق المسؤولين عنها، سواء في المحاكم الدولية أو في إطار مبدأ الولاية القضائية العالمية، بحسب التقرير
إعادة الإعمار مرتبطة بالمساءلة
في الوقت الذي يناقش فيه المجتمع الدولي رفع العقوبات عن سوريا وفتح مسارات لإعادة الإعمار، يذكّر التقرير بحقيقة لا يمكن تجاوزها، وهي أن إعادة البناء لا تعني فقط إعادة تشييد الجدران والمباني، بل تتطلب عدالة ومساءلة عن الجرائم التي دمّرت هذه المنشآت أصلًا.
ويشدد “المركز السوري للعدالة والمساءلة”، في تقريره، على أن جهود إعادة الإعمار يجب أن تترافق مع ضمانات للمحاسبة، كي لا تتحول عملية إعادة البناء إلى مكافأة غير مباشرة للمتورطين في التدمير.
ويُظهر الواقع الميداني أن مناطق بأكملها في حلب وحمص وريف دمشق ما زالت غير صالحة للعيش، ما يجعل الحديث عن “عودة آمنة وكريمة” للنازحين واللاجئين أمرًا بعيد المنال دون معالجة حقيقية للانتهاكات.
“هيئة العدالة” تنسق مع “الإنتربول” لتسليم مجرمي الحرب في سوريا
جرائم الأسد في ملايين الوثائق.. متى تبدأ المحاسبة؟
مرتبط
المصدر: عنب بلدي