تشهد العلاقات بين إثيوبيا وإريتريا توتراً متصاعداً يبرز في تصريحات رسمية، لا سيما ما تجهر به أديس أبابا من رغبة في الاستحواذ على منفذ على البحر الأحمر، وعينها على ميناء “عصب” الإريتري.

واعتبر رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، الثلاثاء، أن ميناء عصب يقع ضمن حدود بلاده، وهو ما ترفضه العاصمة الإريترية أسمرة، ليتبادل الجانبان اتهامات بشأن دعم وتمويل جماعات مسلحة داخل الأراضي الإثيوبية، في وقت تتصاعد فيه المخاوف الإقليمية من احتمالات انزلاق القرن الإفريقي مجدداً إلى دوامة الصراع.

آبي أحمد، وخلال جلسة مخصصة في البرلمان للرد على استفسارات النواب حول قضايا وطنية وإقليمية، أكد أن إثيوبيا فقدت ميناءها البحري خلال 30 عاماً الماضية، جراء انفصال إريتريا واستقلالها، معتبراً أن القرار “غير قانوني”، بدعوى عدم اتخاذه من جانب مؤسسات إثيوبية، كمجلس الوزراء أو البرلمان الذي لم يكن موجوداً حينها، أو عبر استفتاء.

وقال: “لا يوجد دليل وثائقي يُظهر من اتخذ القرار الذي حرم إثيوبيا من حدودها على البحر الأحمر”، مضيفاً أن “مسألة حصول إثيوبيا على ميناء بحري أمر لا مفر منه”.

وكشف آبي أحمد عن تفاصيل محادثات سابقة بشأن المنفذ البحري، والتي لم تسر كما كان مأمولاً، وقال إنه أثار أمام الرئيس الإريتري أسياس أفورقي، قضية ميناء عصب عند زيارته لإثيوبيا في العام 2018، عقب عودة العلاقات بين البلدين، لكن الرئيس الإريتري لم يبد استعداده.

وقال إنه “على الرغم من محاولات تطوير ميناء بالاتفاق مع إريتريا، لم تكن هناك رغبة في التعاون من جانب الحكومة الإريترية”. وأضاف أن المحادثات المنتظمة لتطوير الفكرة لم تجد “استعداداً للرد على القضية بطريقة واضحة” من قبل الحكومة الإريترية.

وفقدت إثيوبيا منفذها البحري في العام 1993 بعد استقلال إريتريا.

وشدد آبي أحمد على أن مسألة وصول إثيوبيا للبحر هي “مسألة حتمية وجودية، ولا يمكن إيقافها”، وأن حصول إثيوبيا على المنفذ البحري لن يستغرق “سنوات مثل ما فقدناه 30 عاماً”، وأن بلاده “لن تبقى دولة مغلقة بعد الآن”.

ودعا رئيس الوزراء الإثيوبي الولايات المتحدة وروسيا والصين وأوروبا وإفريقيا إلى التوسط بين إثيوبيا وإريتريا في هذا الملف، معتبراً أن الأمر “ليس لصرف الأنظار عن الأوضاع الداخلية، وإنما مطلب قانوني وحق تم أخذه بطريقة غير قانونية”.

إثيوبيا تلوح بالحرب

وحذر رئيس الوزراء الإثيوبي إريتريا من الحرب، معتبراً أن نتيجتها “واضحة ومعروفة”، وقال إنه في حال اندلاعها، فإن إثيوبيا لديها “قوة كافية وموثوقة وقادرة على الحسم ولا أحد سيوقفها”.

وفي احتفال بالذكرى الـ118 لتأسيس قوة الدفاع الوطنية تحت شعار “أمة لا تُقهر، جيش لا يُقهر”، في مركز تدريب البحرية بمدينة بيشوفتو مقر القاعدة الجوية الإثيوبية التي تبعد 45 كيلومتراً عن أديس أبابا، بحضور كبار القادة العسكريين ومسؤولي الدولة، قال رئيس أركان القوات المسلحة الإثيوبية المشير برهانو جولا، إن “استعادة الميناء الذي فقدته البلاد، عن قصد أو بغير قصد، هو واجب وطني يقع على عاتق هذا الجيل”.

ووصف قائد البحرية الإثيوبية، نائب الأدميرال كندو جيزاو ذلك بأنه “مسألة بقاء وطنية” تستند إلى التاريخ والحقوق المشروعة لإثيوبيا، وقال إن “إثيوبيا تعتبر امتلاك منفذ بحري ضرورة استراتيجية وتنموية، وليست خياراً سياسياً”.

ويرى خبراء من الجانبين، تحدثت إليهم “الشرق”، أن التوتر بين إثيوبيا وإريتريا يشهد تصعيداً مقلقاً، خصوصاً بعد الرسالة التي وجّهتها الخارجية الإثيوبية في الثاني من أكتوبر إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، واتهمت فيها أسمرة بالتواطؤ مع فصائل من جبهة تحرير تيجراي وميليشيا “فانو” في إقليم أمهرة، ضمن ما وصفته بأنه “تحالف جديد يهدد الأمن القومي الإثيوبي”.

هل تُمهد إثيوبيا لخطوات عسكرية؟

وفي خطاب وصفته آراء إرتيرية لـ”الشرق”، بأنه ينطوي على مبررات لتحرك عسكري من قِبل أديس أبابا، تحدث وزير الخارجية الإثيوبي جيديون طيموتيوس، في رسالة وجهها إلى الأمم المتحدة عن تحالف يُعرف باسم “تسيمدو”، بين جبهة تحرير تيجراي والحكومة الإريترية، يهدف بحسب الرواية الإثيوبية إلى تقويض الاستقرار الداخلي وفتح جبهات صراع جديدة شمال البلاد، متهماً أسمرة بتقديم دعم مالي ولوجيستي لهذه الجماعات، وبالضلوع في هجوم وقع مؤخراً على مدينة وولديا في إقليم أمهرة.

واعتبرت أديس أبابا أن هذا التحرك المزعم يشكل انتهاكاً مباشراً لاتفاق بريتوريا للسلام (2022)، الذي أنهى الحرب بين الحكومة الإثيوبية الفيدرالية وجبهة تحرير تيجراي، برعاية الاتحاد الإفريقي والولايات المتحدة، وقالت إن قواتها التزمت بسياسة “الدفاع وضبط النفس”، لكنها لوّحت بأن هذا الموقف “لن يستمر إلى أجل غير مسمى”.

وبلغت الاتهامات الإثيوبية حد وصف وزارة الخارجية لإريتريا بأنها “المهندس الرئيسي للأنشطة التخريبية” في شمال البلاد، متهمةً إياها بالسعي إلى تفتيت إثيوبيا تحت ذريعة الخوف من طموحاتها البحرية.

وقال طيموتيوس إن بلاده “تسعى إلى الوصول إلى البحر عبر وسائل سلمية وآليات تكامل اقتصادي تعود بالنفع على البلدين”، داعياً المجتمع الدولي إلى الضغط على أسمرا لوقف ما سماه بـ”الأعمال العدائية المباشرة وغير المباشرة”.

في المقابل، وصفت وزارة الإعلام الإريترية الاتهامات الإثيوبية بأنها “حملة تضليل واستفزاز سياسي”، مشددة على أن المزاعم حول تحضير هجوم في شتاء 2025 “لا أساس لها من الصحة”.

واعتبرت الوزارة، في بيان أصدرته هذا الشهر، أن التصعيد الإثيوبي يمثل “محاولة لصرف الأنظار عن الأزمات الداخلية”، مؤكدة أن أسمرة “تفضل الصمت كخيار استراتيجي”، لكنها تحتفظ بحقها في الرد القانوني والدبلوماسي، مستشهدة بتصريحات الرئيس أسياس أفورقي، في يوليو، التي قال خلالها إن بلاده “لا ترغب في الحرب، ولا تطمع في أراضي غيرها، لكنها تعرف كيف تدافع عن نفسها إذا أعتُدي عليها”.

“جبهة تيجراي” تنفي التعاون مع إرتيريا 

بدورها، نفت جبهة تحرير تيجراي الاتهامات الإثيوبية، ووصفتها بأنها “محاولة لتقويض عملية السلام وتشويه صورتها أمام المجتمع الدولي”، وقالت، في رسالة موجهة إلى الأمين العام للأمم المتحدة في الثامن من أكتوبر، إن التفاعلات الحدودية بين مجتمعات تيجراي وإريتريا ينبغي أن تُفهم كـ”خطوة نحو بناء الثقة والسلام”، وليس كتحالف عسكري.

واتهمت الجبهة الحكومة الفيدرالية بالتحضير “لحرب جديدة في الشمال”، بدلاً من تنفيذ التزاماتها بموجب اتفاق بريتوريا، داعيةً الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة إلى عقد اجتماع عاجل لمراجعة تنفيذ الاتفاق وضمان الالتزام ببنوده.

وأنهى اتفاق بريتوريا للسلام، الموقع في نوفمبر 2022، بين جبهة تحرير تيجراي والحكومة الإثيوبية، حرباً ضروس، استمرت لأكثر من عامين، راح ضحيتها مئات الآلاف، وخلفت دماراً واسعاً.

وتأسست جبهة تحرير تيجراي في عام 1975، وأدت دوراً محورياً في الإطاحة بنظام منجيستو هايلي ماريام العسكري في عام 1991، ثم هيمنت لاحقاً على الساحة السياسة الإثيوبية من خلال تشكيل نظام فيدرالي إثني للبلاد استمر لأكثر من 3 عقود، حتى مجيء حكومة رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد.

وسرعان ما اندلع النزاع مع حكومة آبي أحمد بعدما أحكمت الجبهة سيطرتها على الإقليم الذي تنحدر منه الجبهة، واستمر الصراع لأكثر من عامين، وانتهى بتوقيع اتفاق بريتوريا في جنوب إفريقيا.

الخلافات بين أديس أبابا وجبهة تحرير تيجراي المُنقسمة

في أغسطس 2024، عادت الخلافات بين جبهة تحرير تيجراي والحكومة الفيدرالية، بعد مضي نحو سنتين على توقيع اتفاق بريتوريا للسلام، عندما رفض مجلس الانتخابات الإثيوبي إعادة الجبهة إلى وضعها القانوني الذي كانت عليه قبل الحرب، مكتفياً بمنحها وضعاً خاصاً، ما رفضته الجبهة، واعتبرته مخالفاً لاتفاق بريتوريا للسلام الذي تعتبر فيه نفسها بأنها موَقِّع شرعي كجبهة تحرير تيجراي.

وردت الجبهة بعقد المؤتمر العام الـ14 دون حضور قيادات بارزة مثل رئيس الإدارة المؤقتة ونائب رئيس الجبهة السابق، جيتاشيو ردا، مما دفع 14 عضواً من اللجنة المركزية إلى عدم المشاركة وتحميل الفصيل المُنظم مسؤولية القرارات المتخذة، والتي لم يعترف بها مجلس الانتخابات، ليتم فصل جيتاشيو ردا، رئيس الإدارة المؤقتة، وقيادات أخرى معه من الحزب.

وأسفر هذا النزاع عن انقسام الجبهة إلى فصيلين: فصيل تصفه الحكومة الإثيوبية بالمتطرف بقيادة ديبرصيون جبريميكائيل، وفصيل محافظ بقيادة جيتاشيو ردا.

وتوسع الصراع إلى الصلاحيات الإدارية والسياسية داخل تيجراي، مع سلسلة من الإقالات المتبادلة بين الفصيلين في أكتوبر 2024، حيث فصل كل طرف قيادات الآخر في محاولة للسيطرة على الإدارة والمسار السياسي للإقليم.

ووصل التصعيد بين الفصيلين أعلى مستوياته في 23 يناير، بعدما أعلن فصيل دبراصيون جبراميكائيل اتخاذ قرار بحل وإعادة هيكلة الإدارة المؤقتة في الإقليم، واتهم إدارة جيتاتشو ردا بأنها “ضعيفة” وفشلت في الوفاء بمسؤولياتها، والخضوع للحكومة الإثيوبية و”قوى خارجية”، وتحوّلها إلى “أداة للآخرين”.

وانتهت الأزمة بإعفاء رئيس الوزراء الإثيوبي رئيس الإدارة المؤقتة جيتاشيو ردا، وتعيينه مستشاراً لشؤون شرق إفريقيا، في أبريل، ثم تعيين الجنرال تاديسي وريدي، نائبه السابق والمحسوب على فصيل دبراصيون جبراميكائيل، رئيساً للإدارة المؤقتة، وسط حضور دولي واسع شمل رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي وكبار الدبلوماسيين في أديس أبابا.

وبعد تولي الجنرال تاديسي وريدي رئاسة إقليم تيجراي، سيطر فصيل جبراميكائيل على كامل الإقليم، لكن على غير المتوقع، لم يهدأ التوتر والاحتكاك بين جبهة تحرير تيجراي، فصيل دبراصيون، مع الحكومة الفيدرالية، حيث أعلنت أديس أبابا عن تواصل سري بين قيادات الجبهة ومسؤولين إريتريين، في تطور وصفه رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، خلال مخاطبته البرلمان، بأنه غير دستوري، وينتهك اتفاق بريتوريا للسلام، وقال إن حكومته تعلم ما يتم من لقاءات وصفها بـ”مؤامرات”، لكنها فضّلت الصبر، بغية توقف الجبهة عن هذه التحركات، التي قد “تجُّر إقليم تيجراي إلى حرب” جديدة.

وحذر آبي أحمد جبهة تحرير من مغبة جر حكومته إلى حرب أخرى، داعياً إلى قيادة تحرك فوري قبل اندلاع حرب أخرى، قال إنها “ستكون الأسوأ في حال اندلاعها”.

كما اتهم رئيس الوزراء الإثيوبي إريتريا بتمويل صراعات في إثيوبيا، وقال خلال اجتماع مع كبار المسؤولين الحكوميين بثّه التلفزيون الرسمي، إن “قادة النظام الإريتري يمولون في وقت واحد، جبهة تحرير تيجراي المتطرفة بقيادة دبراصيون جبراميكائيل وميليشيات الفانو وجماعة أونق شيني” المُسلحة المعارضة.

وبلغ تصعيد الحكومة الإثيوبية ذروته بعد أن أثار رئيس أركان الجيش الإثيوبي المشير برهانو جولا عاصفة من التكهنات السياسية بتصريحات له خلال مراسم عسكرية بمدينة جيما، في يوليو، أطلق خلالها اتهامات مباشرة ضد جبهة تحرير تيجراي، بـ”السير مجدداً نحو مسار حرب ستدمّر تيجراي”، ومحذراً من رفضها تنفيذ بنود اتفاق بريتوريا، وعلى رأسها نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج.

وقال إنها “تُخفي أسلحة ثقيلة، وتتحرك لاستخراجها، في مخالفة لبنود الاتفاق”، لافتاً إلى أنه “لا توجد أي إدارة إقليمية في البلاد تحتفظ بهذا النوع من التسليح”، في إشارة إلى احتفاظ تيجراي بمدفعية ودبابات ومضادات طيران”، وهو ما فهم على أنه تهديد بأن الخيارات العسكرية لا تزال مطروحة إذا استمرت الجبهة في تحدي أديس أبابا.


مليشيات مُسلحة في إثيوبيا

الفانو

الفانو هي مليشيات مسلحة إثنية محلية، مرتبطة بإقليم أمهرة الإثيوبي، نشأت أساساً كقوات دفاعية محلية خلال الصراعات الإقليمية والسياسية في إثيوبيا.

وبدأ التمرد الفعلي لمليشيات الفانو، التي لا تملك قيادة محددة، في صيف عام 2022، عندما رفضت عناصرها تسليم أسلحتهم للحكومة الإثيوبية بهدف إعادة دمجهم ضمن بنية قوات الأمن الحكومية بالإقليم، عقب حرب تيجراي التي أدت فيها دوراً محورياً إلى جانب الجيش الإثيوبي.

وبدأوا ينتشرون في بعض القرى والمدن بإقليم أمهرة، ويشتبكون مع قوات الأمن والجيش بشكل محدود، قبل بلوغ التمرد إحدى جولاته العنيفة صيف عام 2023.

ويشهد إقليم أمهرة الإثيوبي، منذ 3 سنوات، حالة من انعدام الاستقرار نتيجة المواجهات المستمرة بين مليشيات الفانو والقوات الحكومية، ما أدّى إلى شلل شبه كامل في بعض المناطق، وأضرار اقتصادية ضخمة ألقت بظلالها على الإقليم.

ويخوض الجيش الإثيوبي مواجهات متواصلة مع مليشيات فانو في مناطق عدة من إقليم أمهرة، دون أن تلوح في الأفق بوادر لحل سياسي ينهي الصراع.

جماعة “أونق شني”

تشكلت هذه الجماعة المسلحة إثر الخلاف مع زعيم جبهة تحرير أورومو المعارضة داود أبسا، بقيادة “كومسا دريبا” المعروف بـ”جال ميرو”، وصنفها البرلمان الإثيوبي في مايو 2021 على أنها من “الجماعات الإرهابية”.

واتخذت هذه الجماعة، التي عادت من إريتريا في العام 2018، جنوب إقليم أوروميا قاعدة لعملياتها في منطقة غرب “غوجي”، إلى جانب مناطق و”للجا” و”قلم” و”هورو غودور”.

وتتمركز في مناطق حول مدينة “نقمتي” بأوروميا، وتتهمها حكومة الإقليم بتنفيذ أعمال قتل من وقت لآخر، راح ضحيتها مدنيون ورجال شرطة.

فصيل جيتاتشو ردا يؤسس حزباً جديداً

وفي خطوة مثّلت تحولاً في انقسامات جبهة تحرير تيجراي، أسَّس رجيتاتشو ردا، في أبريل، حزباً جديداً باسم “حزب التضامن الديمقراطي لتيجراي”، ويُعرف محلياً بـ”سيمرت”.

وحصل على ترخيص من مجلس الانتخابات الإثيوبي، الهيئة الدستورية العليا المعنية بتنظيم العمل السياسي والانتخابات، في خطوة تُعد تحولاً سياسياً لافتاً في مشهد الإقليم الشمالي المضطرب.

ويضم الحزب في صفوفه عدداً من أعضاء اللجنة المركزية السابقين في جبهة تحرير تيجراي، الذين انشقوا عن قيادة فصيل دبراصيون جبراميكائيل.

ويُقدم الحزب نفسه كـ”قوة سياسية معتدلة وبراجماتية”، تسعى إلى تحقيق الاستقرار في الإقليم، وإعادة بناء الثقة مع الحكومة الفيدرالية، وتعزيز التعاون مع الشركاء الإقليميين لدفع جهود التعافي وإعادة الإعمار في المناطق المتضررة من الحرب.

كما يهدف إلى تقديم بديل سياسي إصلاحي يعزز الحوكمة الشاملة والمصالحة المجتمعية في الإقليم، ويتبنى موقفاً داعماً للتنفيذ الكامل لاتفاق بريتوريا للسلام.

التقارب الإريتري مع جبهة تحرير تيجراي 

وتقول تقارير إثيوبية إن التقارب الإريتري مع جبهة تحرير تيجراي وميليشيات الفانو يعود إلى فبراير 2024، بعدما أعلن مسؤولون في إقليم تيجراي، وعلى رأسهم مسؤولون في الإدارة السابقة للإقليم برئاسة جيتاتشو ردا، وأكدها الجيش الإثيوبي، عن اتصالات سرية بين ضباط إريتريين وقادة من جبهة تحرير تيجراي.

ويُعتقد أن تلك الاتصالات أرست ملامح تنسيق ميداني محدود في المناطق الحدودية، حيث سُمح بفتح ممرات وعمليات تبادل عبر الحدود التي تربط إريتريا بإقليم تيجراي.

وتزعم التقارير أن بعض الموارد، مثل الذهب المُهرَّب من الإقليم، يمر عبر الأراضي الإريترية إلى أسواق خارجية، ما تعتبره السلطات الإثيوبية دعماً مباشراً لجبهة تحرير تيجراي.

وكرر هذا الكلام لاحقاً رئيس الوزراء الإثيوبي أمام البرلمان، وكذلك مستشاره لشؤون شرق إفريقيا جيتاشو ردا، زعيم حزب التضامن الديمقراطي لتيجراي، في تصريحات منفصلة.

أسمرة وفانو

أما العلاقة بين إريتريا وميليشيا فانو الأمهرية، فتعود إلى ما بعد اتفاق بريتوريا، بعدما رفضت عناصرها تسليم أسلحتهم للحكومة الإثيوبية، التي كانت تهدف لإعادة دمجهم ضمن قوات الأمن الحكومية في الإقليم، بعد الحرب.

وبلغ الأمر ذروته في صيف عام 2023، عندما اتهم قادة في الجيش الإثيوبي، إريتريا بتوفير تدريب ودعم لوجيستي لعناصر فانو، ما عزز من قدراتهم في مواجهة القوات الفيدرالية.

وعلى الرغم من عودة العلاقات بين إثيوبيا وإريتريا في أعقاب اتفاق السلام الذي جرى التوصل إليه بين البلدين في أسمرة عام 2018، والذي بشّر آنذاك بإعادة صياغة العلاقات الإقليمية في منطقة القرن الإفريقي، بعد عقود من التوتر، وهيمنة حالة اللا حرب واللا سلم بين البلدين، سرعان ما تدهورت تلك العلاقات عقب توقيع “اتفاق بريتوريا”، الذي أنهى الحرب بين الحكومة الإثيوبية وجبهة تحرير تيجراي، خاصة بعد معارضة إريتريا للاتفاق، على الرغم من مشاركة قواتها في القتال إلى جانب أديس أبابا.

أزمة المنفذ البحري بين إثيوبيا وإرتيريا

وتأججت الأزمة عندما فجّر رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، مطلع سبتمبر، “قنبلة سياسية”، بإعلانه، خلال مقابلة مع التليفزيون الإثيوبي الرسمي من موقع سد النهضة، عزمه “تصحيح الخطأ التاريخي” المتمثل في “فقدان بلاده منفذها البحري”، في إشارة إلى ميناء “عصب” الإريتري، معتبراً أن استمرار هذا الوضع “غير ممكن”، وقال إن مشروعات كبرى مثل سد النهضة قادرة على “تغيير قواعد اللعبة”، وتخفيف الأعباء التاريخية عن بلاده.

وردت إريتريا من جانبها باعتبارها تصريحات آبي أحمد “طائشة وتشكل تهديداً للاستقرار الإقليمي وانتهاكاً للقانون الدولي”، مؤكدة أن “ميناء عصب” جزء لا يتجزأ من سيادتها منذ الاستقلال لتصل العلاقات بذلك إلى أعلى مستوى من التصعيد بينهما.

ويرى الباحث والمحلل الإثيوبي آدم جبريل أن اتهامات أديس أبابا الرسمية لأسمرة بالتحضير لهجوم عسكري يشير إلى تصعيد خطير يهدد بإشعال مواجهة جديدة في القرن الإفريقي.

وأضاف جبريل، في حديث لـ”الشرق”، أن “هذا التصعيد هو خطاب دبلوماسي موجه للأمم المتحدة، من جهة؛ ومن جهة أخرى، رسالة سياسية تهدف إلى تهيئة الرأي العام الداخلي والخارجي لتقبّل خيار التصعيد العسكري إن حدث”.

واعتبر أن ذلك يمثل أيضاً “محاولة لإعادة تعريف الصراع مع إريتريا على أنه دفاع عن السيادة، وليس انتهاكاً للقانون الدولي”.

وتعكس هذه التطورات، بحسب جبريل، توجهاً متزايداً لإثيوبيا نحو تسريع عملية الوصول إلى البحر الأحمر، “حيث تسعى أديس أبابا إلى منافذ بحرية لتعزيز اقتصادها وموقعها الاستراتيجي، مقابل رفض إريتري للتعاون معها، ما تعتبره إثيوبيا هادفاً إلى جعلها دولة حبيسة تعيش في صراعات داخلية خوفا من هذا الطموح.

ويحذر جبريل من أن “الأبعاد الميدانية لهذا الصراع تتعقد بسبب الحروب بالوكالة”، متهماً إريتريا باستخدام “الفصائل المحلية والأطراف المتمردة مثل ميليشيات فانو وجبهة تحرير تيجراي، التي فتحت معها قنوات تواصل مباشرة للضغط على أديس أبابا”، مكرراً الحديث عن اعتبار ذلك “انتهاكاً لسيادة الدولة الإثيوبية”، إذ يرى أنه “كان يجب على إريتريا أن تحترم سيادة الدول بالتواصل المباشر مع الحكومة الإثيوبية، وليس مع فصيل يحكم إقليم تيجراي، ويعادي الحكومة الإثيوبية”.

ويخلص جبريل إلى أن “إثيوبيا تعتبر هذا الأمر استهدافاً مباشراً لأمنها القومين وعليها أن ترد بالشكل الذي يناسبها، وفق تقديرها”.

وحذر من أن “الحرب، إذا اندلعت، لن تكون مجرد مواجهة حدودية، بل صراعاً مصيرياً يحدد شكل المنطقة لعقود”، معتبراً أن الحل يكمن في تحرك دبلوماسي عاجل ومتعدد الأطراف، عبر وساطة الاتحاد الإفريقي والهيئة الحكومية للتنمية (إيقاد) والدول الإقليمية، والأمم المتحدة لضمان حلول سلمية ومستدامة تحمي مصالح الطرفين.

تبرير التحرك عسكرياً

في المقابل، يرى المحلل السياسي الإريتري محمد خير حامد أن “التصعيد الإثيوبي، الذي برز في رسالة وزير الخارجية الإثيوبي للأمم المتحدة، يحمل أبعاداً سياسية واستراتيجية مهمة، تعكس في مجملها تحولاً واضحاً في الخطاب الإثيوبي تجاه إريتريا والمجتمع الدولي”.

وقال حامد، لـ”الشرق”، إن “أديس أبابا تسعى من خلال هذه الرسالة إلى تبرير أي تحرك عسكري محتمل ضد إريتريا، عبر تصويره كخطوة دفاعية ضد ما تعتبره انتهاكاً للسيادة الإثيوبية من جانب النظام الإريتري، الذي تتهمه بدعم فصائل مسلحة معارضة داخل الأراضي الإثيوبية”. 

ويرى حامد أن “إثيوبيا تحاول الانتقال من موقع المتهم بانتهاك القانون الدولي إلى موقع الدولة التي تدافع عن سيادتها ووحدة أراضيها، وأنها تحاول أيضاً تحميل إريتريا مسؤولية الصراع المستمر بعد اتفاق بريتوريا مع جبهة تحرير تيجراي، وهو ما يبرئها من أي إخفاق في تنفيذ بنوده”.

وبحسب حامد، فإن “أي تصعيد محتمل ضد أسمرة يراد أن يتم اعتباره رداً مشروع على تخريب خارجي لا على فشل داخلي، وتسعى إثيوبيا بذلك لتسويق موقفها دولياً بوصفها دولة مسؤولة في مواجهة نظام يوصف بأنه معاد للتعاون الإقليمي”.

ورأى أن “وصف إثيوبيا للتقارب بين جبهة تحرير تيجراي وإريتريا بأنه تحالف يستهدفها ويستعد لشن حرب ضد الحكومة الإثيوبية، ما هو إلا رسالة تحذيرية مبطنة تبرر مسبقاً أي ضربة استباقية قد تقدم عليها أديس أبابا، تحت ذريعة منع خطر وشيك”.

وقال إن “أديس أبابا تسعى إلى رفع سقف تهديدها للمجتمع الدولي، وبصورة خاصة تحاول إرسال رسالة إلى الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بأن عدم كبح سلوك النظام الإريتري قد يدفع إثيوبيا إلى اتخاذ إجراءات عسكرية غير مرغوبة، وأن أي مواجهة عسكرية قد تندلع في أي وقت ستكون مسؤولية مشتركة نتيجة هذا التقاعس الدولي”.

وأضاف المحلل السياسي الإريتري أن إثيوبيا كثفت في السنوات الأخيرة تحديث جيشها بشكل واضح، واشترت طائرات مسيرة وأنظمة دفاع جوي، ومدرعات حديثة، معتبراً أن “كل ذلك يشير إلى أن نواياها ليست دفاعية بقدر ما هي هجومية”.

ويوضح حامد أن الحدود الإثيوبية الإريترية صعبة التضاريس، خصوصاً في المرتفعات الشمالية مثل “بادمي” و”زالمبسا”، المحاذية لإقليم تيجراي، ويعرفها الجيش الإرتيري جيداً، وسبق أن واجه نظيره الإثيوبي في حرب (1998 – 2000)، محذراً من أن “أي هجوم إثيوبي سيواجه مقاومة شرسة، وقد يتحول إلى حرب استنزاف طويلة ومكلفة”.

رغبة إثيوبيا و”جمود” إرتيريا

من جانبه، يرى المحلل السياسي والباحث السوداني في قضايا القرن الإفريقي محمد الهادي أن تصاعد التوتر بين إثيوبيا وإريتريا يعكس صداماً أعمق بين مشروع إثيوبي يسعى للتمدد الإقليمي والتنمية، وسياسة إريترية جامدة تتمسك بنهجها العسكري التقليدي، رغم تغيّر موازين القوى في القرن الإفريقي.

وقال الهادي، في حديث لـ”الشرق”، إن “الثبات على سياسة واحدة لعقود جعل أسمرة تبدو شريكاً إقليمياً غير مرن، وغير قادر على التكيّف مع تحولات اقتصادية وجيوسياسية جوهرية”.

في المقابل، “تحركت إثيوبيا عبر مشاريع بنية تحتية واستثمارات استراتيجية أعادت تشكيل ميزان النفوذ الإقليمي، ومنحتها دعماً إقليمياً ودولياً متزايداً، في حين بقيت استراتيجية إريتريا عالقة في منطق القوة الفردية، والنتيجة المتوقعة هي عزلة متنامية لأسمرة”.

ويرى الهادي أن إقليم تيجراي يشكل حالياً نقطة ضغط مزدوجة، فوجود انقسامات داخلية وفصائل منشقة، منها فصيل دبراصيون جبراميكائيل الذي يعادي حكومة أديس أبابا إلى جانب قرب الإقليم الحدودي من أسمرة، يجعله عرضة للاستغلال كـ”خاصرة رخوة” لإثيوبيا إذا لم تُعالج الاختلالات الداخلية. 

ويحذر الباحث السوداني من أن “الإقليم قد يتحول إلى أداة نفوذ لإريتريا إذا استخدمت وسائل غير مباشرة مثل دعم ميليشيات محلية أو استنزاف تدريجي لإضعاف قدرة الحكومة الفيدرالية الإثيوبية”.

وقال الهادي إن “أي مقاربة عملية للاستقرار تتطلب دعم التهدئة المحلية في تيجراي، وفتح قنوات دبلوماسية مباشرة بين أسمرة وأديس أبابا قبل أن يتحول التراشق بالاتهامات إلى مواجهة أوسع ذات تكلفة إقليمية عالية”.

شاركها.