اخر الاخبار

“تماسك” يختبر الحياة السياسية في العهد الجديد

– عمر علاء الدين

أثار إعلان تحالف “تماسك”  (تحالف المواطنة السورية المتساوية)، في 22 من آذار الماضي، موجة من ردود الفعل تنوعت بين الإيجابية والسلبية، بينما ضم هذا التحالف عددًا من القوى والأحزاب السورية متعددة المشارب والانتماءات، بدءًا من حزب “الإرادة الشعبية” وصولًا إلى “مجلس سوريا الديمقراطية” (مسد) الذي ينشط في مناطق سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) شمال شرقي سوريا.

وبعد ساعات من إعلان التحالف، شهد “تماسك” عدة انسحابات من أحزاب لها وزنها السياسي في البلاد، بحسب ما رصدته، كـ “الحزب الشيوعي السوري”، بينما نفت “رابطة الصحفيين السوريين”، وحركة “التجديد الوطني” انضمامهما للتحالف.

وانضمت تحت لواء هذا التحالف عدة جهات منها: جبهة التغيير والتحرير، مجلس سوريا الديمقراطية، التيار الثالث لأجل سوريا، حزب الإرادة الشعبية، تيار مواطنة، المبادرة الوطنية في جبل العرب، تجمع سوريا الديمقراطية، حركة التغيير الديمقراطي، ملتقى الحوار الوطني، حزب البعث الديمقراطي، حركة الشغل الديمقراطي، حزب العمل الشيوعي، حزب التضامن العربي الديمقراطي، الحزب الديمقراطي التقدمي الكردستاني في سوريا.

 

المطلوب اليوم هو إنهاء الانقسامات العمودية ضمن المجتمع السوري بمختلف أشكالها، بما فيها الانقسامات السابقة بين موالاة ومعارضة، وأيضًا الانقسامات على أسس دينية أو طائفية أو قومية.

د. عروب المصري

عضو رئاسة حزب “الإرادة الشعبية”

لماذا الانسحابات؟

كشف “الحزب الشيوعي السوري” سبب انسحابه في بيان مقتضب نُشر في صحيفته الرسمية “نضال الشعب“ على “فيس بوك”، جاء فيه، “نوضّح أن الحزب الشيوعي السوري لم يوقع على هذا البيان، إذ لا نرى في السلطة الحاكمة طرفًا يمكن أن يعمل من أجل السيادة الوطنية وإنهاء الاحتلال الأجنبي لأراضي وطننا”.

كما أن “حزبنا كان ولايزال يرفض القرار رقم (2254)، لأنه ناتج عن صفقة بين دول استعمارية دون الالتفات لإرادة الشعب السوري”، على حد تعبيره.

عضو رئاسة حزب “الإرادة الشعبية” عروب المصري، قالت في حديث ل، إن مجموع الانسحابات التي يجري الحديث عنها لا يتجاوز 4 أو 5 جهات من أصل حوالي 30 جهة، وجزء منها انسحب قبل إعلان التحالف، بسبب عدم الوصول إلى توافق كامل حول هذه القضية أو تلك.

وتعتقد المصري أن هذا أمر طبيعي ولا يؤثر على استمرار تواصل التحالف مع هذه القوى نفسها ومع قوى أخرى عديدة على الساحة السورية، والأكيد أيضًا هو أن عمليات التفكيك والتركيب والبحث عن تحالفات ستستمر وستشمل الجميع، لأننا في مرحلة سمتها هي التغير السريع، وفق تعبيرها.

 

التحالف بني بعجالة فقد جمع أحزابًا سياسية عريقة في معارضتها لنظام الأسد مثل العمل الشيوعي والبعث الديمقراطي إلى جانب أحزاب أخرى كانت حليفة للنظام مثل الشيوعي السوري والقومي الاجتماعي.

حازم نهار

باحث في “المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات”

 

في السياق، يرى رئيس “حركة الشغل الديمقراطي”، أيهم صقر، أن من الطبيعي حدوث بعض الانسحابات في بداية تشكيل أي تحالف، فالمواقف السياسية تتغير، وقد تكون هناك اختلافات في الآراء حول بعض النقاط أو الأهداف المرحلية.

صقر وفي حديث ل، اعتبر أن تحالف “تماسك”، هو منصة وطنية تشترك فيها جميع القوى الوطنية السورية التي تؤمن بالديمقراطية والمواطنة المتساوية.

وأردف، “نحن نؤمن أن هذه الحركات والأحزاب التي انسحبت لا تعني تراجعًا عن الأهداف الوطنية، بل هي جزء من مرحلة حوار وصراع سياسي دائم”.

دلالات ورسالة

أعلن التحالف أنه لا موالاة ولا معارضة، ووفقًا لهذا تعتقد عضو رئاسة حزب “الإرادة الشعبية” عروب المصري، أن الرسالة التي يريد إيصالها التحالف هي “للسوريين ككل، وضمنًا للإدارة الجديدة، وجوهرها أن المطلوب اليوم هو إنهاء الانقسامات العمودية ضمن المجتمع السوري بمختلف أشكالها، بما فيها الانقسامات السابقة بين موالاة ومعارضة، وأيضًا الانقسامات على أسس دينية أو طائفية أو قومية”.

وبحسب المصري، فإن المطلوب اليوم هو توحيد السوريين على أساس مصالحهم الوطنية المشتركة، وفي مقدمتها وحدة بلادهم، وسلمها الأهلي، وحصر السلاح وإعادة إقلاع الاقتصاد.

هذه المهام تتطلب ترك الخلافات الأيديولوجية جانبًا، على الأقل إلى حين العبور بالبلاد إلى بر الأمان، بحسب المصري.

أما عن دلالات إعلان هذا التحالف في المرحلة الراهنة، فيعكس حاجة سوريا الماسة إلى مرحلة جديدة من العمل السياسي والتغيير الجذري بعد سنوات من الصراع والدمار، وفق ما يرى رئيس “حركة الشغل الديمقراطي”، أيهم صقر.

ويعتبر صقر أن التوقيت فرصة تاريخية لتحقيق تطلعات السوريين نحو دولة ديمقراطية تؤمّن لهم حقوقهم الأساسية، وتضمن لهم المشاركة الفاعلة في بناء مستقبلهم.

“2254”.. إشكاليات وإيجابيات

البيان التأسيسي لـ”تماسك” تحدث عن عدة مهام وطنية كبرى، يجب تنفيذها بالاستفادة من روحية القرار “2254” التي تنص على حق الشعب السوري في تقرير مصيره بنفسه، إلا أنه وبعد سقوط النظام، يرى أكثرية السوريين أنه لم يعد صالحًا، كما أن رئيس المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، طالب خلال لقائه بالمبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسون، بضرورة إعادة النظر في القرار، نظرًا إلى التغيرات التي طرأت على المشهد السياسي.

قالت عروب المصري، عضو رئاسة حزب “الإرادة الشعبية”، إن القرار “2254” لم يعد صالحًا من حيث شكله، لأنه يتحدث عن تفاوض بين نظام لم يعد موجودًا، وبين معارضة هي الأخرى لم تعد موجودة بالنتيجة.

ومع ذلك، بحسب المصري، فإن خارطة الطريق العامة الموجودة ضمن القرار لا تزال صالحة، وهي أداة بيد السوريين ككل في التعامل مع الخارج، وفي التعامل مع مشكلاتهم الداخلية انطلاقًا من حوار يقوم الآن بين السوريين وليس بين نظام ومعارضة.

في حين يرى الباحث في المركز “العربي للأبحاث ودراسة السياسات” حازم نهار، أن الاعتماد على القرار الأممي “2254” في البيان التأسيسي لـ”تماسك” جاء لأنه القرار المعترف به إقليميًا ودوليًا لإدارة المرحلة الانتقالية، وهذا يجعل من المرحلة الانتقالية تحت رقابة أممية بدلًا من تركها لتقديرات ومصالح هذا الطرف أو ذاك.

ويعتقد النهار أنه كان يمكن تجاوز القرار “2254” بطريقة إبداعية، من خلال “عقد مؤتمر وطني سوري حقيقي يأخذ على عاتقه جميع النقاط الإيجابية في القرار 2254”.

نقاط ضعف

يعتقد الباحث حازم نهار أن تحالف “تماسك” قد بُني بعجالة، ولم يكن هناك تعب حقيقي في إنجازه، بل لم يغادر الطريقة القديمة المعتادة في بناء التحالفات، فقد جمع أحزابًا سياسية عريقة في معارضتها لنظام الأسد، مثل حزب “العمل الشيوعي” وحزب “البعث الديمقراطي”، إلى جانب أحزاب أخرى كانت حليفة للنظام في “الجبهة الوطنية التقدمية”، مثل الحزب “الشيوعي السوري” والحزب “السوري القومي الاجتماعي”.

كما جمع تشكيلات سياسية إلى جانب تشكيلات مدنية، إضافة إلى هيئات إعلامية، ما يعني أننا أمام خليط من القوى والهيئات المدنية والسياسية والإعلامية، وهذا في حدِّ ذاته مشكلة تمنع بلورة خطاب سياسي ناضج لاختلاف أولويات القوى المشكِّلة للتحالف ومعاييرها السياسية والوطنية، بحسب الباحث.

يظهر التسرّع أيضًا، وفقًا لنهار، في أن التحالف استند إلى بيان تأسيسي فقط، حيث لا توجد أوراق تفصيلية تتناول الرؤية السياسية والبرنامج السياسي وآليات العمل وغيرها، ومعروف أن البيانات تتناول القضايا بعموميتها، ولا يمكن الركون إلى الاتفاق على العموميات في بناء تحالفات جدية، حيث تبدأ الخلافات بين القوى المكونة لأي تحالف عندما تذهب باتجاه التفاصيل والمفاهيم وآليات العمل، وقد علمت بمغادرة الحزب “الشيوعي السوري” والحزب “السوري القومي الاجتماعي” للتحالف، لأسباب توحي بأنه لم يكن هناك نقاش جدي حول القضايا.

ولا يعتقد الباحث نهار أن النجاح سيكتب للتحالف للأسباب السابقة، وأخرى غيرها، ويرى أن القوى السياسية الموجودة في التحالف بحاجة إلى أن تعيد النظر في برامجها السياسية وآليات عملها وخطابها السياسي أولًا قبل الذهاب باتجاه بناء التحالفات.

ومع ذلك، ينبغي لنا النظر بإيجابية من حيث المبدأ إلى مسألة التشارك وبناء التحالفات السياسية، أما بالنسبة إلى تحالف “تماسك” فإنني لا أتوقع له الاستمرارية لأنه بُني بسرعة، وبصورة فوضوية، فضلًا عن أن الأرض السورية ما زالت ذات طبيعة رملية غير مستقرة، وتستطيع أن تبتلع هذا التحالف وغيره، على حد تعبير حازم نهار.

وأضاف أن القوى السياسية تحتاج إلى إعادة بناء نفسها في ضوء اللحظة النوعية ومعطياتها، من حيث أسمائها وبرامجها السياسية، مثلما تحتاج إلى إعادة بناء مفهوم “المعارضة” ذاته في ضوء التغيرات الحاصلة، ولا سيما أن السلطة الراهنة لما تتبلور بعد وتتضح ملامحها بصورة تسمح بتشكيل معارضة متماسكة في وجهها، وتحتاج أخيرًا إلى التفكير في مدونة سلوك سياسية يجري على أساسها وضع ضوابط ومعايير لبناء تحالفات سياسية حقيقية.

 تثبيت وجود

من حق “مجلس سوريا الديمقراطية” والأحزاب الكردية مثل سائر القوى السياسية أن تشارك في تحالف “تماسك”، ولا أحد من حقه أن يعترض على حق المشاركة، وفق ما قاله نهار ل، لكن “مجلس سوريا الديمقراطية”، على ما يبدو، يسعى لأن يكون موجودًا في جميع التحالفات، ربما لأنه رُفض من قوى وتيارات وتحالفات عدة خلال السنوات العشر الماضية، ويريد تثبيت وجوده في الحياة السياسية اليوم.

ويقارب الباحث الأمر من حيث جدوى هذه التحالفات وتأثيرها الفعلي، فعندما تكون الفوضى التنظيمية هي السائدة في تشكيل هذه التحالفات، فإن نجاحها يصبح أمرًا مشكوكًا فيه، فمعظم الأحزاب أو التشكيلات السياسية في تحالف “تماسك” موجودة في تحالف آخر أو أكثر، بل إن تحالف “تماسك” نفسه يضم تحالفات أخرى في داخله، وهذا يعطي انطباعًا بالفوضى وعدم الجدية.

يُضاف إلى ذلك عدم وجود معايير وضوابط لاختيار القوى المشاركة في التحالف، “فأنا لا أجد فعليًا، في اللحظة الراهنة، ما يجمع بين أحزاب معارضة لنظام الأسد وأحزاب كانت في صفّه، قبل أن تعيد هذه القوى بناء نفسها وتعقد مؤتمراتها وتغيِّر برامجها السياسية وتنتخب قيادات جديدة”، وفق ما قاله الباحث في “المركز العربي للأبحاث”.

من جهته، قال نائب “رئيس مجلس سوريا الديمقراطية “، إفرام إسحاق، إن “الهدف من تأسيس هذا التحالف هو جمع القوى السورية ببرنامج ورؤية واحدة من أجل سوريا، والعمل معًا لبناء الثقة بين السوريين، والنهوض بعد سنين طويلة من القمع السياسي والحرب، بعد تحرير سوريا من نظام بشار”.

وأشار إسحاق في تصريحات لوكالة “هاوار“، إلى سعي التحالف لضم أكبر عدد ممكن من القوى السورية، معتبرًا الهدف هو تنظيم المجتمع من كل النواحي السياسية والمجتمعية ونشر ثقافة السلام بين جميع مكونات سوريا”.

العمل القانوني للأحزاب ومتطلباته

جاء في الباب الـ14 من الإعلان الدستوري في سوريا، أن الدولة تصون حق المشاركة السياسية وتشكيل الأحزاب على أسس وطنية وفقًا لقانون جديد.

وفي مقتضى الحال، نحتاج إلى قانون أحزاب جديد، بحسب ما يراه أستاذ القانون العام في جامعة “دمشق” حسن البحري.

وخلال حديثه ل، قال البحري، إنه يمكن الاستفادة من “قانون الأحزاب“ في سوريا لعام 2011، مع إجراء بعض التعديلات عليه، أبرزها تعديل أهداف إنشاء الأحزاب السياسية من “المساهمة في الحياة السياسية بشكل سلمي”، إلى “حق الوصول للسلطة وتداولها بشكل سلمي”.

كما أن القانون السابق كان قد نصب وزير الداخلية رئيسًا للجنة شؤون الأحزاب (لجنة تبت بطلبات تأسيس الأحزاب أو تعديل أنظمتها الداخلية)، واستبداله بشخصية حيادية مستقلة، كما أن لجنة شؤون الأحزاب يجب أن تكون مؤلفة أشخاص محايدين وقضاة، بعيدين عن تكتلات سياسية أو أحزاب.

وطالب البحري بأن تكون المحكمة المسؤولة عن متابعة الملف القضائي لأي حزب من الأحزاب، هي المحكمة الإدارية العليا، أو مجلس الدولة، بينما كانت محكمة الاستئناف المدنية بدمشق هي المسؤولة عن الملف في قانون الأحزاب القديم.

المصدر: عنب بلدي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *