في تصعيد لافت لاستراتيجية الرئيس الأميركي دونالد ترمب “المتشددة” تجاه أميركا اللاتينية، استهدفت ضربة أميركية قارباً يُشتبه في تورطه بتهريب المخدرات انطلق من فنزويلا، ما أسفر عن سقوط 11 شخصاً في مياه البحر الكاريبي، إذ يقود وزير الخارجية ماركو روبيو هذا “النهج الصارم”، في مؤشر واضح على تنامي نفوذه داخل الإدارة الأميركية، وفق “بلومبرغ”.
وذكرت الوكالة أن الهجوم الذي وقع، الثلاثاء، يُعد تتويجاً لاهتمام ترمب الممتد منذ سنوات باستخدام قوة غير مسبوقة ومثيرة للجدل قانونياً في “مكافحة عصابات المخدرات”.
ونقلت عن وزير الدفاع الأميركي السابق مارك إسبر، أن ترمب سبق أن اقترح في عام 2020 توجيه ضربات صاروخية إلى معامل تصنيع مادة “الفنتانيل” المخدرة داخل الأراضي المكسيكية.
وبعد مضي أكثر من سبعة أشهر على بدء ولايته الثانية، يبدو أن “ترمب لم يعد مقيّداً بتحذيرات مستشاريه الأكثر اعتدالاً”.
في المقابل، يحظى الآن بدعم روبيو الذي كرّس مسيرته السياسية لمعارضة “الزعماء الاشتراكيين”، سواء في كوبا أو منذ عهد هوجو تشافيز في فنزويلا، بحسب “بلومبرغ”.
وقال روبيو، البالغ من العمر 54 عاماً، للصحافيين خلال زيارته إلى مكسيكو سيتي هذا الأسبوع، في تعليق على عصابات المخدرات: “الطريقة الوحيدة لردعهم هي بضربهم والتخلص منهم”، مضيفاً: “الأمر سيتكرر مجدداً”.
“مادورو وعمليات التهريب”
ولطالما ربط وزير الخارجية الأميركي بين الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو وعمليات التهريب “غير المقيدة” للمخدرات التي يقول المسؤولون الأميركيون إنها تنطلق من فنزويلا.
ورغم أن روبيو لم يكن دائماً في واجهة ملفات الأزمات الدولية الكبرى مثل أوكرانيا أو الشرق الأوسط، فإنه، وفق “بلومبرغ”، خرج منتصراً من صراع داخلي على النفوذ داخل الإدارة الأميركية، لا سيما فيما يتعلق بملف أميركا اللاتينية.
ونقلت الوكالة عن كيمبرلي بريير، التي شغلت منصب مساعدة وزير الخارجية خلال ولاية ترمب الأولى، وعملت سابقاً في وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) خلال إدارتَي جورج دبليو بوش وباراك أوباما، قولها: “ترمب يحبه ويثق به”.
وأضافت بريير: “روبيو يلعب دوراً بالغ الأهمية، ويؤدي عدة مهام في وقت واحد”.
ورغم أن روبيو كان منافساً شرساً لترمب في السباق لنيل ترشيح الحزب الجمهوري للرئاسة، فإنه أصبح اليوم أحد أكثر مساعدي الرئيس الأميركي ولاءً، وقد أثنى عليه ترمب خلال اجتماع وزاري الشهر الماضي، قائلاً: “أعتقد أنك خُلقت لهذا المنصب”.
وبحسب “بلومبرغ”، فإن صعود روبيو إلى قمة صناعة السياسات الأميركية المتعلقة بأميركا اللاتينية بدا واضحاً عند اختياره وزيراً للخارجية، فالنائب السابق عن ولاية فلوريدا يتمتع بخبرة واسعة في شؤون المنطقة، وسبق أن أعلن ترشحه للرئاسة عام 2015 من “برج الحرية” في ميامي، وهو المكان الذي استُقبل فيه المهاجرون الكوبيون الفارّون من نظام فيدل كاسترو.
تباين الأولويات
وفي مطلع هذا العام، شهدت الإدارة الأميركية تبايناً في الأولويات بشأن كيفية التعامل مع نظام مادورو، إذ سعت واشنطن حينها إلى دفع الرئيس الفنزويلي لقبول عودة المرحّلين الفنزويليين، فيما حاولت شركات أميركية تعزيز إنتاج الطاقة من الدولة العضو في منظمة “أوبك”، غير أن روبيو ظل يشكّك في جدوى التفاوض مع مادورو.
فيما تشير التطورات إلى أنه “تغلّب في الوقت الراهن على هذا التوجه”.
وقال جيوف رامزي، كبير الباحثين المتخصصين في شؤون فنزويلا في “المجلس الأطلسي”: “لطالما كان روبيو من أبرز مناصري اتباع نهج أكثر صرامة في السياسة الأميركية تجاه أميركا اللاتينية، وهو بالتأكيد يستغل منصبه الجديد لدفع هذا الاتجاه قدماً”.
ويتفق ترمب وروبيو على أن عصابات المخدرات تمثل “تهديداً مباشراً للأمن القومي الأميركي”، لا سيما بعد تسببها في “سقوط مئات الآلاف من الأميركيين”، على حد تعبيرهما.
وكان الرئيس الأميركي قد نشر سفناً حربية وآلاف الجنود في مياه البحر الكاريبي، فيما صُنفت عصابة “ترين دي أراجوا” التي ربطها ترمب بالقارب المستهدف، “منظمة إرهابية” في فبراير الماضي، إلى جانب تنظيمَي “القاعدة” و”داعش”.
“كواليس صنع القرار”
ونقلت “بلومبرغ” عن مصادر مطلعة على كواليس صنع القرار، رفضت الكشف عن هويتها، أن هذه الاستراتيجية “العدوانية” تُنفَّذ بتوجيه مباشر من ترمب، لكنها تتوافق تماماً مع تاريخ روبيو المعروف بدعواته المتكررة إلى اتخاذ إجراءات صارمة ضد ما يصفه بـ”الأنظمة غير الديمقراطية” من هافانا إلى بكين.
وقال نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، تومي بيجوت، إن “ترمب هو مَن يقود السياسة الخارجية للولايات المتحدة، وروبيو جزء من فريق من النجوم حقق نتائج تاريخية”.
ومنذ توليه منصبه، ضغط روبيو على حكومات أميركا اللاتينية لـ”التحرك ضد عصابات المخدرات، والحد من نفوذ الصين، ووقف الهجرة غير الشرعية”.
وخلال اجتماع عُقد هذا الأسبوع في الإكوادور، وهي من الحلفاء المقربين لواشنطن، أشار روبيو إلى أن بلاده منفتحة على إمكانية إعادة نشر قوات أميركية في هذا البلد، في خطوة قد تُفسَّر على أنها “زيادة في الضغط على عصابات المخدرات وفنزويلا”.
وأثارت الضربة الأميركية على القارب جدلاً واسعاً، إذ اعتبرها منتقدون “عملية قتل خارج إطار القانون” قد تُعرّض المدنيين للخطر.
وقالت دافني إيفياتار، مديرة برنامج “الأمن مع حقوق الإنسان” في منظمة العفو الدولية بالولايات المتحدة إن “استخدام القوة القاتلة في هذا السياق لا يمكن تبريره على الإطلاق”.
لكن، وفقاً لـ”بلومبرغ”، لا يبدو أن هذه الانتقادات ستُثني الإدارة الأميركية، إذ توحي تصريحات روبيو بأن مثل هذه العمليات قد تتكرر.
ولفتت الوكالة إلى أن الملف يحمل “أبعاداً شخصية” بالنسبة لروبيو، الذي نشأ في ميامي خلال ثمانينيات القرن الماضي، في أجواء معادية لـ”نظام كاسترو”، وفي ظل “طفرة انتشار الكوكايين التي غذّتها عصابات المخدرات الكولومبية”.
“فشل الضغوط الأميركية”
وتُعد التجربة نفسها تذكيراً بفشل الضغوط الأميركية المتواصلة في “إسقاط النظام الكوبي”، فتهديدات روبيو وانتقاداته لأنظمة “كاسترو”، و”مادورو”، وسلفه “تشافيز”، تعود لأكثر من عقد.
وكان روبيو قد صرَّح عام 2018 بأن “نظام مادورو لن يستمر طويلاً”، وفي العام التالي قال إن الحكومة الفنزويلية “توشك على الإفلاس”، وأن “أيام مادورو باتت معدودة”.
ومع ذلك، لا يزال الرئيس الفنزويلي في منصبه، مستنداً إلى دعم حلفاء مثل كوبا والصين ودول أخرى.
وفي مؤتمر صحافي عُقد الثلاثاء في فلوريدا، تجنّب روبيو الذي يشغل أيضاً منصب مستشار الأمن القومي لدى ترمب، الكشف عن الأهداف النهائية للإدارة الأميركية تجاه “النظام الفنزويلي” الذي يصفه بأنه “عصابة مخدرات”، ويعتبر رئيسه “غير شرعي”.
وأضاف للصحافيين: “سنلاحق عصابات المخدرات أينما كانت، وأينما تعمل ضد مصالح الولايات المتحدة”، مضيفاً: “لن أخوض في توقعات بشأن ما قد يحدث لاحقاً”.
جي دي فانس يدافع عن ترمب
من جانبه، دافع نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس، السبت، عن تنفيذ الجيش الأميركي لعمليات “تستهدف أعضاء العصابات التي تنقل المخدرات إلى الولايات المتحدة”، ورد على منتقدٍ قال إن العملية الجوية الأخيرة، التي استهدفت قارباً يُزعم أنه كان ينقل مخدرات تُعد “جريمة حرب”، حسبما ذكرت مجلة “بوليتيكو”.
وكتب دي فانس على منصة “إكس” السبت، إن “القضاء على أعضاء العصابات الذين يتاجرون في المخدرات، ويسممون مواطنينا، هو أفضل استخدام لقوتنا العسكرية”.