اخر الاخبار

تهديدات ترمب تثير مخاوف أوروبا والناتو.. وبروكسل تستعد للرد

منذ عودته إلى البيت الأبيض فائزاً بولاية رئاسية ثانية، أشعل الرئيس الأميركي دونالد ترمب، مجدداً المواجهات الاقتصادية، على أكثر من صعيد، ومع أكثر من بلد وقارة، من دون تفريق بين خصوم وحلفاء، ولا سيما منهم الاتحاد الأوروبي، ودول مظلة حلف شمال الأطلسي (الناتو). 

ورغم أن هذه السياسة ليست جديدة، وقد اتخذها خلال ولايته الأولى (2017-2021)، إلا أنها تثير قلق الاتحاد الأوروبي، الذي يخشى أن تتجاوز مفاوضاتٍ اقتصادية صعبة لتطال قضايا سياسية أكثر حساسية، في ما يتعلق بالدفاع المشترك تحت قيادة حلف “الناتو” ووسط استمرار الحرب الأوكرانية.

وأشار خبراء أوروبيون في تصريحات لـ”الشرق”، إلى أن الاتحاد أكثر استعداداً لمواجهة الضغوط الأميركية، على أكثر من صعيد، من خلال صياغة سياسات مناهضة الاحتكار، وفتح تحقيقات في الدعم العمومي للصناعات، إلى جانب الضغط على شركات التكنولوجيا العملاقة الأميركية.

ضغوط اقتصادية متزايدة

وبعد فرض رسوم جمركية على كندا والمكسيك، أعلن ترمب الأحد، أنه سيفرض رسوماً جمركية بنسبة 25% على جميع واردات الولايات المتحدة من الصلب والألومنيوم.

وتوعدت المفوضية الأوروبية، الاثنين، بالرد على الرسوم الجمركية “بما يحمي مصالح الاتحاد الأوروبي”، وأضافت: “لا يرى الاتحاد الأوروبي سبباً لفرض رسوم جمركية على صادراته. وسنرد لحماية مصالح الشركات والقوى العاملة والمستهلكين الأوروبيين من الإجراءات غير المبررة”.

وفي باريس، قال وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو إن فرنسا ستدعو الاتحاد الأوروبي للرد على الرسوم، وأضاف في تصريحات لقناة TF1 إن فرنسا وشركاءها الأوروبيين يجب ألا يترددوا في الدفاع عن مصالحهم في مواجهة تهديدات الرسوم الجمركية.

وفرض ترمب خلال فترة ولايته الأولى رسوماً جمركية بنسبة 25% على الصلب و10% على الألومنيوم، لكنه منح لاحقاً العديد من الشركاء التجاريين حصصاً معفاة من الرسوم، ومن بينهم كندا والمكسيك والبرازيل.

عواقب تتجاوز الرسوم الجمركية

وفي الإطار، قالت إلفر فابري، الباحثة في معهد “جاك دولور”، في تصريحات لـ”الشرق”، إن سياسات ترمب “قد لا تقتصر على التعريفات الجمركية، بل تشمل إعادة النظر في السياسة المالية وإدارة الأسواق الأميركية، ما ينعكس على العلاقات الاقتصادية بين الطرفين”. 

وتتخوف فابري من أن هذه الإجراءات قد تشمل “تغييراً في التشريعات الأميركية، ربما تبدأ معالمها في الظهور في بداية أبريل المقبل. ورغم أنه لم يذكر الاتحاد الأوروبي كثيراً، لكن نرى من خلال تهديداته أنه سيحاول المضيّ في هذا المسار”.

وتُذكِّر فابري أنه في عام 2018، بدأ الرئيس الأميركي خلال ولايته الأولى، نوعاً من الضغط الاقتصادي عبر فرض ضرائب على منتجات الصلب والألمنيوم الأوروبي، لكنها تعتبر أن الأمور حالياً مختلفة، إذ بات الاتحاد الأوروبي أكثر استعداداً لمواجهة الضغوط الأميركية، بعدما سنّ مجموعة قواعد اقتصادية قد تستعمل، في حال تبادل الضغط الاقتصادي بين الولايات المتحدة ودول الاتحاد.

وفي فرنسا، تردّدت أصوات عدّة تحذر من أن الحرب التجارية قد تمسّ منتجات فرنسية “أيقونية” مثل العطور والأزياء والنبيذ، لا سيما مع اختلاف وجهات النظر بين العواصم الأوروبية، ما قد يضعف باريس.

ووفق أرقام وزارة الاقتصاد الفرنسية، فإن الولايات المتحدة تعد رابع مستورد للصادرات الفرنسية، إذ بلغت الصادرات الفرنسية إليها في عام 2023، ما مجموعه 45 مليار دولار، مدفوعة بصادرات صناعات الطيران (7.9 مليار يورو، أو ما يعادل 17.6%)، والمنتجات الصيدلانية (4.1 مليار يورو ما يعادل 9.0%) والمشروبات (3.9 مليار يورو ما يعادل 8.7%).

ولفتت فابري إلى أنه رغم أنّ هناك “اختلافات وثقافات اقتصادية متباينة، بسبب اختلاف المصالح الفرنسية عن المصالح الألمانية، مثلاً، إلّا أن سنّ قواعد من طرف الاتحاد الأوروبي قد يدعم توحيد مواقفه”.

وقد تشمل الأدوات الأوروبية للرد على الضغوط الأميركية سياسات مناهضة الاحتكار، وفتح تحقيقات في الدعم الحكومي للصناعات (إما من خلال مساعدات لهذه الصناعات، أو من خلال منحها تخفيضات ضريبية، والذي يساعد الشركات على المنافسة من خلال بيع سلعها بأسعار أرخص، سواءً داخلياً أو في الأسواق الخارجية)، إلى جانب الضغط على شركات التكنولوجيا العملاقة الأميركية، المعروفة اختصاراً بـ”جافام” (GAFAM).

ويشير مصطلح “جافام” إلى اختصار أسماء شركات الويب الأميركية العالمية الخمس: “جوجل وأبل وفيسبوك وأمازون ومايكروسوفت”، إذ تعتبر فابري أن هذه الأدوات التي وضعت بين يدي المفوضية الأوروبية “مناسبة للردّ على سياسة إدارة ترمب، المعتمدة على التفاوض بالضغط الجمركي”. 

“الناتو” في مرمى الانتقادات

ويواصل ترمب انتقاداته للدول الحليفة داخل “الناتو”، وكان آخرها إسبانيا، التي تعتبر الأقل إنفاقاً على سياستها الدفاعية، إذ تخصص ميزانية تناهز 1.28% من ناتجها الوطني لهذه الغاية، في حين يشترط الحلف ألّا يقل الإنفاق الدفاعي عن 2 %. 

وأمام هذا الوضع، ينتقد الباحث الفرنسي الأميركي روميالد سيورا، مدير مرصد الولايات المتحدة لدى معهد دراسة السياسات والجيوستراتيجية IRIS، ردود الأفعال الأوروبية حيال انتقادات ترمب، وغياب وجهة نظر موحدة في التعامل مع الإدارة الأميركية الجديدة. 

واعتبر مؤلِّف “أميركا المتشظية” (منشورات أرمان كولان 2025)، في تصريحات لـ”الشرق”، أن للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون علاقة جيدة مع ترمب، قد تفتح قنوات حوار بين الطرفين، لكنها غير كافية لحثه على التراجع عن التوجه الذي يطبع سياسات إدارته في “نسختها الثانية” في ما يخص الاتحاد الأوروبي عموماً، وفرنسا خصوصاً.

في الثاني من فبراير الجاري، اجتمع قادة المجلس الأوروبي في بروكسل، لدراسة الوضع الجديد وإيجاد موقف موّحد للتعامل مع الإدارة الأميركية الجديدة، إلى جانب التأكيد على دعمهم لسيادة الدنمارك على جرينلاند، التي لوّح ترمب بضمها بالقوة.

وقال فيديريكو سانبونتيني، الخبير في قضايا الدفاع الأوروبي، إنه رغم تشديد المجلس على أهمية الحوار وتعزيز الشراكة مع الولايات المتحدة، إلّا أن الاجتماع كان يهدف بالأساس إلى “التأكيد على أن الأوروبيين متضامنون فيما بينهم”. 

وشدد سانبونتيني، في تصريح لـ”الشرق”، على أن الاجتماع كان لتوحيد المواقف، لأن هناك اختلافات في مواضيع عدة مثل طرق تمويل الدفاع الأوروبي، ودعم الصناعات الدفاعية الأوروبية، ورفع سقف مديونية الدول الأعضاء المسموح به في الاتحاد، لتمكينها من رفع ميزانياتها للدفاع.

ترمب أكثر “راديكالية” ومعادٍ لتعدد الأقطاب

وأضاف سانبونتيني أن الولايات المتحدة “لم تعد تهتم بالمسرح الأوروبي منذ حرب البلقان، وتوجه أنظارها نحو منطقة المحيطين الهندي والهادئ، ولهذا السبب تضغط على دول الاتحاد الأوروبي من داخل حلف الناتو لزيادة الإنفاق وشراء الأسلحة الأميركية الصنع”.

ويرى سانبونتيني أن أوروبا تعاني نقصاً بالإمكانيات، في حال اندلاع حرب عالية الكثافة، ما قد يؤدي إلى أزمة في حال اندلاع حروب من هذا النوع.

من جانبه، يرى الباحث الفرنسي الأميركي روميالد سيورا، وهو فرنسي حاصل على الجنسية الأميركية، أن ترمب “يختلف في 2025 بشكل كبير عن ترمب خلال ولايته الأولى، حيث أصبح أكثر راديكالية”، قائلاً إن مشروع إدارة ترمب “هو تدمير النظام متعدد الأقطاب القائم على الأمم المتحدة، والضغط على الحلفاء الغربيين لانتزاع أكبر مكتسبات اقتصادية”.

ولفت سيورا إلى أن تصريحات ترمب بخصوص ضمّ جرينلاند “تقدّم فكرة عمّا يريد فعله مستقبلاً، وتضرب روح حلف الناتو”، لكنّه يرى أنها “تظل من باب الضغط السياسي، وأن التهديد بضم جرينلاند بالقوة ما هو إلّا نوع من الادعاءات، إذ يعلم (ترمب) أن الدنمارك عضو في الحلف، وأن أي اعتداء عسكري عليها، يفترض تدخلاً من باقي دول الحلف للدفاع عنها، وفق ميثاقها المؤسِّس”.

واستبعد سيورا أن يسحب ترمب عضوية بلاده في “الناتو”، الذي يضم في عضويته 23 دولة أوروبية من أصل 27 دولة عضو في الاتحاد الأوروبي، قائلاً إن الحلف “يوفر مداخيل للولايات المتحدة، بفضل اقتناء الدول الأعضاء للأسلحة الأميركية”.

وتابع: “حال انسحاب الولايات المتحدة من الحلف، سيشكل هذا ضربة مباشرة للصناعات الدفاعية الأميركية التي ستفقد أحد أسواقها، وسينعكس ذلك بدوره على فرص العمل في الولايات المتحدة”.

الجبهة الأوكرانية.. أي مستقبل؟

سبق أن أكد ترمب، الذي أُعيد انتخابه في 5 نوفمبر 2024، مراراً أنه يُحضّر لعقد قمة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بُغْية إنهاء الغزو الروسي لأوكرانيا المستمر منذ 2022. 

وفي أول موقف له منذ تنصيبه في يناير الماضي، طالب ترمب نظيره الروسي بالتوصل إلى اتفاق سلام مع أوكرانيا، كما اشترط أن تُوفر كييف لواشنطن إمكانية استغلال المعادن الثمينة الأوكرانية، إن أرادت استمرار الدعم العسكري الأميركي، وهو ما وافق عليه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الذي دعا بدوره موسكو إلى فتح مفاوضات مباشرة لوقف الحرب.

ويرى سيورا أن الرئيس الأميركي لا يريد هزيمة أوكرانيا، لكنه يراهن على عقد مفاوضات مباشرة والتوصل إلى اتفاقية سلام بين موسكو وكييف في أقرب وقت ممكن، ما يشكل انتصاراً لترمب الذي سينسب هذا النجاح لنفسه، مضيفاً أن هذا سيشكل “دعماً له خلال الانتخابات النصفيّة المقبلة”.

وقال إنه “خلافاً للموقف الأوروبي الداعم لأوكرانيا في حربها ضد روسيا، فإن ترمب يعتبر أن على إدارته وقف الحرب بأسرع وقت ممكن”. 

ولا يرى سيورا، أن هناك إمكانية لضم أوكرانيا إلى حلف “الناتو” في الأفق القريب، إلا أن ترمب سيضغط من أجل ضمها إلى الاتحاد الأوروبي، رغم ما قد يجره ذلك من تعميق لأزمة الاتحاد الذي يضم معسكرين أحدهما تتزعمه فرنسا التي تريد أن تحقق استقلالية أكبر في المجال الدفاعي، خلافاً للمعسكر الثاني الذي يضم دولاً مثل بولندا ويعتبر أن العلاقة مع الولايات المتحدة علاقة حيويّة.

وخلص سيورا إلى أن التحاق أوكرانيا، التي تعاني إلى جانب مشاكلها الحدودية مع روسيا من “انتشار الفساد”، قد يؤثر سلباً على مستقبل الاتحاد الأوروبي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *