اخر الاخبار

تهديدات وإقالات وصراعات داخلية في البنتاجون تحت قيادة هيجسيث

قالت مصادر مطلعة إن مشهداً مضطرباً خيّم على وزارة الدفاع الأميركية (البنتاجون)، وذلك في أعقاب صراعات داخلية وتهديدات بإقالات، فضلاً عن توبيخ كبار الضباط والموظفين، تحت قيادة وزير الدفاع بيت هيجسيث، بعد موجة من التسريبات أثار بعضها غضب الرئيس دونالد ترمب، حسبما أفادت صحيفة “وول ستريت جورنال”.

وبدأت الاضطرابات في مارس الماضي، حين تسربت أنباء عن أن هيجسيث يخطط لتقديم إحاطة سرية للملياردير إيلون ماسك بشأن خطط الجيش الأميركي، حال اندلاع حرب مع الصين، وهو التسريب الذي أثار غضب ترمب، وقرع أجراس الإنذار في أنحاء البنتاجون، نظراً لعلاقات ماسك التجارية مع بكين. 

وذكرت الصحيفة، أنه عقب التسريب، صرخ هيجسيث في وجه الجنرال كريستوفر جرايدي، القائم بأعمال رئيس هيئة الأركان المشتركة حينها، وقال له “سأوصلك بجهاز كشف الكذب اللعين”، فيما طالب هيجسيث، جرايدي، بإثبات أنه لم يسرّب نبأ الإحاطة التي كانت مقررة في 21 مارس.   

ولم يخضع جرايدي لاختبار كشف الكذب، لكن هيجسيث واصل اتهام عدد آخر من الأشخاص بالتسريب، بمن فيهم الفريق دوج سيمز، مدير هيئة الأركان المشتركة، والذي هدده هو الآخر بإجراء اختبار كشف الكذب.   

ويخضع الوزير نفسه لتحقيق من قبل المفتش العام في البنتاجون، بشأن اتهامات بسوء التعامل مع معلومات مصنفة سرية، إذ ينبع قلق هيجسيث بشأن التسريبات، بعد حادث إيلون ماسك، إذ زاد ذلك من توتره بسبب الكشف عن وقائع جديدة، منها اصطحابه زوجته المنتجة السابقة في FOX NEWS إلى اجتماعات حساسة، وتسريبات بشأن طلب البيت الأبيض من البنتاجون إعداد خيارات عسكرية بشأن السيطرة على قناة بنما، وتبادل الوزير معلومات حساسة بشأن ضربات أميركية في اليمن عبر مجموعة نقاش ثانية على تطبيق “سيجنال” تضم زوجته وشقيقه ومحاميه الشخصي.   

وقالت الصحيفة، إن هذه الحادثة شكلت نقطة تحول في ولاية هيجسيث المتعثرة أصلاً، إذ أنه بعد أيام فقط من الكشف عن أن المذيع السابق في “فوكس نيوز” شارك معلومات عسكرية حساسة عبر محادثات جماعية غير مؤمّنة على تطبيق “سيجنال”، عمّقت التسريبات من شعوره بالإحباط وقوّضت ثقته بدائرة مستشاريه المقربين. 

ومن هذه النقطة، تصاعدت الأزمات، إذ أقيل أو استقال ما لا يقل عن 5 من مستشاري هيجسيث وموظفي مكتبه، وقال هيجسيث، إنه أحال بعضاً منهم إلى التحقيق الجنائي. وقال مسؤول دفاعي رفيع، إن كل تسريب جديد عن عمليات أو خطط سرية للبنتاجون، كان يثير مخاوف جديدة لدى هيجسيث. 

شكوك ترمب

ورغم سلسلة الأزمات ودعوات إقالة هيجسيث، إلا أن ترمب أبدى دعمه له، قائلاً إنه “يقوم بعمل عظيم”، وألقى باللوم على “موظفين ساخطين” بشأن التسريبات، ولكن “وول ستريت جورنال”، أشارت إلى أن ترمب بدأ يسأل المحيطين به عن أداء هيجسيث، كما راقب مستشارو الرئيس، ظهور هيجسيث الإعلامي. 

وقالت الصحيفة، إن هيجسيث أصبح قلقاً بشكل متزايد بشأن كيفية رؤية ترمب للموقف، وإمكانية إقالته، إذ أمضى هيجسيث ساعات طويلة في مكالمات هاتفية، لتعزيز الدعم له خارج البنتاجون، وتأخر عن عدة اجتماعات خلال أول رحلة له إلى منطقة آسيا والمحيط الهادئ. 

ومع تصاعد التساؤلات بشأن بقاء هيجسيث في منصبه، طرد وزير الدفاع الأميركي مستشارين ومساعدين مقربين منه، استناداً لما قالت الصحيفة إنها “مزاعم غير مثبتة بتسريب المعلومات”. 

وأشارت الصحيفة إلى أن هيجسيث “قلص دائرته المقربة، ووضع ثقته في ضابط بحرية صغير متقاعد ليكون مستشاره المقرب”، ورغم نصيحة مستشاريه المقربين بالظهور بشكل هادئ ومتزن في الإعلام، إلا أنه اختار أسلوباً تصادمياً، وهاجم الإعلام مباشرة ودافع بتحدٍ عن سلوكه. 

وقال هيجسيث في خطاب ألقاه في كلية الحرب التابعة للجيش الأميركي في بنسلفانيا: “كما لاحظتم، يفضل الإعلام وصف الأمر بالفوضى. أما نحن، فنعتبره أمراً طال انتظاره”.   

وأشار مسؤولون في الوزارة، هذا الأسبوع، إلى أنهم لم يعودوا يعرفون من ينبغي عليهم التواصل معه ضمن فريق هيجسيث، بسبب ما وصفه أحدهم بـ”الباب الدوار” للموظفين. 

ويظهر هيجسيث في مقاطع الفيديو ومنشوراته على مواقع التواصل الاجتماعي، وهو يتحدث مباشرة إلى الجنود أو يمارس التمارين الرياضية إلى جانبهم، وسيلة للتواصل مع القوات ومع القاعدة الجماهيرية المؤيدة لترمب من أنصار شعار “لنجعل أميركا عظيمة مجدداً”. 

وتركت سلسلة الأزمات المتداخلة مكتب هيجسيث دون قيادة تنفيذية، إذ لم يعد هناك كبير موظفين، أو نائب له، أو مستشار كبير. وعلى الرغم من أن هيجسيث كرر اتهامات رئيسه بأن “الدولة العميقة” وبعض البيروقراطيين المتجذرين هم من يقفون وراء التسريبات بهدف إفشال أجندته، إلا أن الإقالات التي قام بها استهدفت في الواقع مساعدين مقربين عملوا معه لسنوات، وساعدوه في تجاوز جلسات المصادقة الصعبة على تعيينه قبل أن ينضموا إليه في البنتاجون. 

فريق هيجسيث وبرامج البنتاجون

وشملت الإقالات موظفين متمرسين مثل منسّق الجداول الزمنية في مكتبه، كما أقال رئيس هيئة الأركان المشتركة، وقائد العمليات البحرية، وعدداً من الجنرالات، دون أن يوضح الأسباب، في حين غادر بعض الموظفين مناصبهم.

وقُلصت دائرة كبار المستشارين في دائرة وزير الدفاع في الأيام الأخيرة، لتقتصر على زوجته ومحاميه ومسؤولين اثنين من ذوي الرتب الأدنى، تاركة المكتب الرئيسي للبنتاجون دون خبرة طويلة أو توجه واضح.

وأحدث قرار هيجسيث بإقالة ثلاثة من كبار مساعديه الأسبوع الماضي وإعادة تعيين رئيس أركانه فجوةً في فريقه القيادي، ما أدى إلى قطع خطوط اتصال أساسية في الوزارة، وأثار مخاوف من زلات خطيرة مثل تأخير برامج الأسلحة، بحسب مجلة “بوليتيكو”.

وكان التغيير الشامل في الوظائف بعد 100 يوم فقط من تولي هيجسيث منصبه، واضحاً لسرعته، إذ ترك هذا المسؤول الحكومي لأول مرة دون موظفين موثوق بهم، في وقت يواجه فيه تداعيات سلسلة من الفضائح التي أدت إلى تكهنات واسعة النطاق داخل المبنى حول المدة التي سيحتفظ فيها بمنصبه.

القبة الذهبية

وقالت مصادر، إن الصراعات الداخلية بين الموظفين وعمليات الفصل، أدت إلى تباطؤ في سير العمل الورقي عبر النظام، بما في ذلك القرارات الحاسمة بشأن “القبة الذهبية”، وهي مبادرة ترمب الرئيسية لبناء نظام دفاع صاروخي وطني، كما يمكن أن تؤثر هذه الاضطرابات على طرح ميزانية الوزراة الشهر المقبل، والتي من المتوقع أن ترتفع إلى رقم قياسي قدره تريليون دولار، وأن تشمل إعادة هيكلة كبرى لبرامج المشتريات العسكرية.

وأعرب موظفون جمهوريون في الكونجرس، عن استيائهم، بسبب فقدانهم لقنوات التواصل الأساسية مع وزارة الدفاع، بعد إقالة عدد من المستشارين الذين كانوا يمثلون نقطة الاتصال الرئيسية بينهم وبين هيجسيث، بينهم كولين كارول، الذي أقيل من منصب كبير موظفي نائب وزير الدفاع، إذ دعا أحد أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين علناً هيجسيث إلى الاستعانة بكوادر أكثر خبرة. 

وفي اجتماعات مغلقة مع كبار القادة العسكريين، وصف بعض مسؤولي الدفاع، الوزير هيجسيث، في بدايات تولّيه المنصب، بأنه كان مهذباً ويُظهر تقديراً، وعلى الصعيد الخارجي، وجد عدد من المسؤولين الأجانب أن هيجسيث يتمتع بشخصية ودودة ومتفاهمة في الاجتماعات المغلقة، في تناقض لافت مع صورته العدائية في العلن. 

وسعت عدة دول، بينها بنما، إلى الاستعانة بما تصفه بـ”الصبي الذهبي لترمب”، معتبرة إياه مدافعاً أكثر فاعلية عن مصالحها مقارنة بمسؤولين آخرين مثل وزير الخارجية ماركو روبيو. 

لكن هؤلاء المسؤولين أنفسهم، أشاروا إلى أن فريق هيجسيث يعاني من نقص حاد في الأفراد، وهو وضع ازداد سوءاً في الأيام الأخيرة، إذ كشف مصدر في وزارة الدفاع أن العقيد البحري ريكي بوريا، المساعد العسكري لهيجسيث، تقدّم مؤخراً بطلب للتقاعد من الخدمة بهدف الانضمام رسمياً إلى فريقه كمساعد جديد، في خطوة يُتوقع أن تمهّد لموجة جديدة من التعيينات، كما يخطط البنتاجون لنقل المتحدث باسم الوزارة، شون بارنيل، ليكون جزءاً من طاقمه المباشر.

يشار إلى أن هيجسيث، الذي خدم سابقاً برتبة ميجور (رائد) في الحرس الوطني، تولّى منصب وزير الدفاع رغم كونه الأقل خبرة بين جميع من شغلوا هذا المنصب قبله، وكان يحمل شكوكاً كبيرة تجاه المؤسسة التي بات يقودها. 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *