تهديد أميركي بتدخل عسكري في المكسيك بسبب عصابات المخدرات

هدد وزير الدفاع الأميركي بيت هيجسيث، المكسيك، بالقيام بعمل عسكري منفرد، حال “تواطؤ الحكومة” مع عصابات المخدرات، في أحدث علامة على التوتر بين البلدين، حسبما أفادت صحيفة “وول ستريت جورنال”.
وقالت مصادر مطلعة، أن التوتر تصاعد، بعد تحذير وجهه وزير الدفاع الأميركي في مكالمة هاتفية جرت في 31 يناير الماضي مع مسؤولين عسكريين في المكسيك، طالب فيها باتخاذ إجراءات صارمة ضد “تواطؤ الحكومة” مع عصابات المخدرات، ما أغضب قيادات الجيش المكسيكي، الذين اعتبروا التصريحات “تلميحاً” لتدخل عسكري محتمل.
وأثارت تلميحات وزير الدفاع الأميركي بالتدخل العسكري في المكسيك، قلق المؤسسة العسكرية المكسيكية، التي لا تزال متأثرة بتاريخ التدخلات الأميركية، ومنها الحرب المكسيكية الأميركية في عام 1846، التي أدت إلى خسارة المكسيك نصف أراضيها.
ومنذ الاتصال الهاتفي الذي جرى في 31 يناير، كرر هيجسيت نفس الرسالة علناً، سواء خلال زيارته الحدود الأميركية المكسيكية بعد أيام من المكالمة، أو خلال زيارته هذا الأسبوع للقاعدة البحرية الأميركية في خليج جوانتانامو بكوبا، حيث أكد: “لن نستبعد أي خيار. لا شيء مستبعد”.
نقاشات استباقية
وبات السيناريو الذي كان يُعتبر مستبعداً في السابق، والمتمثل في تنفيذ إدارة الرئيس دونالد ترمب تهديداتها بالقيام بعمل عسكري، موضع قلق واسع في واشنطن، إذ اجتمع مسؤولون عسكريون وتجاريون سابقون من الولايات المتحدة والمكسيك، الخميس، إلى جانب موظفين في الكونجرس ومحللين وخبراء في سياسات مكافحة المخدرات، على طاولة مستديرة في مبنى الكابيتول لمدة ثلاث ساعات.
وكان الهدف من الاجتماع هو وضع تصور للنتائج المحتملة، حال نفذت الولايات المتحدة ضربات عسكرية داخل المكسيك، وخلصت المناقشات إلى أن مثل هذه الخطوة قد تؤدي إلى اضطرابات اقتصادية حادة بين البلدين وإغلاق الحدود واندلاع أعمال عنف واضطرابات مدنية على جانبي الحدود.
وفي الوقت نفسه، قد يعرض أي تدخل عسكري التعاون الأمني المشترك بين البلدين للخطر، بما في ذلك البرامج التي تتيح للطائرات المسيرة الأميركية تقديم معلومات استخباراتية لقوات الأمن المكسيكية لمساعدتها في مكافحة عصابات المخدرات، بحسب “وول ستريت جورنال”.
وفي اليوم نفسه، أصدر 24 عضواً في الكونجرس قراراً يدين “أي دعوة لعمل عسكري أميركي في المكسيك دون تفويض من الكونجرس وموافقة الحكومة المكسيكية”، فيما حذر القرار من أن أي تدخل من هذا النوع قد يؤدي إلى “عواقب ثنائية خطيرة”.
ويعتقد كبار المسؤولين المكسيكيين، أن بإمكانهم التوصل إلى اتفاق مع ترمب بشأن التجارة والهجرة، لكن التوتر العسكري مع واشنطن يمثل تحدياً جديداً وأكثر تعقيداً.
ويأتي هذا التحذير في وقت تلوح فيه أزمة تجارية بين البلدين، حيث تسود مخاوف في المكسيك من أن مطالب واشنطن بوقف تهريب مادة “الفنتانيل” المخدرة والاتجار بالبشر قد تكون مدعومة بتهديدات عسكرية، إلى جانب التلويح بفرض رسوم جمركية بنسبة 25% على الصادرات المكسيكية، ما قد يضر باقتصاد البلاد.
وقالت رئيسة المكسيك، كلوديا شينباوم، الجمعة: “لا يزال أمامنا ثلاثة أيام”، في إشارة إلى المهلة المتبقية قبل دخول الرسوم الجمركية الأميركية حيز التنفيذ.
وكان الرئيس الأميركي أعلن فرض رسوم جمركية جديدة، تشمل المكسيك وكندا، أكبر شريكين تجاريين للولايات المتحدة، إضافة إلى رسوم بنسبة 10% على الصين، ما دفع هذه الدول إلى تكثيف المباحثات لتجنب التداعيات الاقتصادية المحتملة.
تنازلات وجهود مكسيكية
ويعمل كبار المسؤولين في المكسيك على تقديم نتائج ملموسة فيما يتعلق بضبط الحدود ومكافحة المخدرات، أملاً في إقناع الرئيس الأميركي بإحراز تقدم، إلا أن هناك مخاوف من أن تجنب الرسوم الجمركية هذه المرة لن يكون سهلاً كما حدث في 3 فبراير الماضي، عندما حصلت شينباوم على تأجيل لمدة شهر، بعد إرسال 10 آلاف جندي من الحرس الوطني إلى الحدود.
وفي منشور عبر منصته Truth Social، كتب ترمب، الخميس: “لا تزال المخدرات تتدفق إلى بلدنا من المكسيك وكندا بمستويات مرتفعة وغير مقبولة”، فيما أكد أن الرسوم الجمركية ستظل سارية حتى يتوقف ذلك، أو يتم الحد منه بشكل كبير.
وفي خطوة اعتبرها مسؤولون أميركيون سابقون، تنازلاً لصالح ترمب، سلمت المكسيك هذا الأسبوع 29 من زعماء عصابات المخدرات المطلوبين للولايات المتحدة، في محاولة واضحة لاسترضاء واشنطن وتجنب التداعيات الاقتصادية المحتملة.
وتوجه 6 وزراء مكسيكيين إلى واشنطن الأسبوع الماضي، حيث التقوا بوزير الدفاع الأميركي ومسؤولين أميركيين آخرين، لتقديم تقرير حول الإجراءات التي اتخذتها المكسيك لمكافحة تهريب “الفنتانيل”.
وقبل بدء الاجتماع، كانت المكسيك قد شرعت بالفعل في تنفيذ عملية تسليم غير مسبوقة لعدد من زعماء المخدرات، من بينهم رافائيل كارو كوينتيرو، أحد أشهر مهربي المخدرات، والمتهم بقتل عميل إدارة مكافحة المخدرات الأميركية DEA، كيكي كامارينا في عام 1985.
وقال المدعي العام المكسيكي، أليخاندرو جيرتز، إن عملية التسليم تمت، الخميس، بناء على طلب من الحكومة الأميركية، مشيراً إلى أن الحكومة المكسيكية وافقت على تسليم هؤلاء المطلوبين بموجب قوانين الأمن القومي، بعدما تعثرت إجراءات تسليمهم في المحاكم المكسيكية، حيث استغرق ملف كارو كوينتيرو أربعة عقود، بينما تأخر تسليم أحد المجرمين الآخرين، 11 عاماً.
وأكد جيرتز، خلال مؤتمر صحافي، الجمعة، أن هؤلاء المجرمين “يشكلون تهديداً لكل من المكسيك والولايات المتحدة”، موضحاً أنه “لا مبرر لفرض عقوبات على المكسيك”.
مرحلة جديدة من التعاون الأمني
بدورها، قالت الخارجية الأميركية، إن الاجتماع الأخير بين مسؤولين أميركيين ومكسيكيين يمثل مرحلة جديدة من التعاون الأمني الثنائي، إذ قالت الناطقة باسم الخارجية، تامي بروس: “اتفق الطرفان على أهمية استمرار العمل بعد الاجتماعات، واقترحا تنفيذ جدول زمني وآليات متابعة تستهدف تحقيق أهداف واضحة ونتائج مستدامة”.
بدوره، كشف وزير الخزانة الأميركي، سكوت بيسينت، الجمعة، أن الحكومة المكسيكية قدمت مقترحاً مثيراً للاهتمام، تمثل في فرض رسوم جمركية على الصين مماثلة لتلك التي تفرضها واشنطن.
يأتي هذا المقترح بعد سلسلة من الإجراءات التي اتخذتها السلطات المكسيكية ضد البضائع الصينية، حيث داهمت متاجر، وصادرت إلكترونيات وسلعاً صينية يُعتقد أنها خالفت قواعد الاستيراد.
كما أوقفت الحكومة المكسيكية خطط شركة BYD الصينية لصناعة السيارات الكهربائية لفتح مصنع في البلاد، وأطلقت برنامجاً لاستبدال الواردات الصينية، وبدأت تحقيقات في ممارسات الإغراق المتعلقة بعدد من المنتجات الصينية.