توتر على الحدود اللبنانية السورية.. أزمات قديمة وتصعيد جديد
أعلن الجيش اللبناني، السبت، تعرض مناطق لبنانية حدودية للقصف وإطلاق نار من أراضي سوريا، وذلك وسط تصعيد أمني تشهده المنطقة منذ أيام، حيث تنفذ قوات سورية عملية عسكرية تقول إنها تستهدف “مطلوبين في تهريب الأسلحة والممنوعات”.
ودفعت وزارة الدفاع السورية بتعزيزات كبيرة إلى الحدود بين البلدين، وقالت “وكالة الأنباء السورية” إن إدارة أمن الحدود نفذت عملية عسكرية استهدفت من وصفتهم بـ”مطلوبين متورطين في تهريب أسلحة وممنوعات”، وأنها تمكنت من “تحرير عنصرين من قوات الأمن السوري كانا اختطفا خلال المواجهات”.
وأعلنت قوات الأمن السورية سيطرتها على مناطق أكوم ووادي الحوراني والحاويك وزيتا وسقرجا.
وفي وقت لاحق أصدرت وزارة الدفاع اللبنانية بياناً، قالت فيه، إنه “بناءً على توجيهات رئيس الجمهورية جوزاف عون، أصدرت قيادة الجيش الأوامر للوحدات العسكرية المنتشرة على الحدود الشمالية والشرقية بالرد على مصادر النيران التي تُطلَق من الأراضي السورية وتستهدف الأراضي اللبنانية”.
وأضاف البيان أن وحدات الجيش اللبناني “باشرت الرد بالأسلحة المناسبة، وذلك على خلفية الاشتباكات الأخيرة التي تعرضت خلالها عدة مناطق لبنانية للقصف وإطلاق النار”.
وكانت عائلات وعشائر البقاع الشمالي في لبنان أصدرت بياناً، طالبت فيه مؤسسات الدولة اللبنانية بالتدخل لوقف ما وصفته بـ”الاعتداء على أراضينا، وعمليات عسكرية، وأسر للمواطنين العزل من قبل عناصر هيئة تحرير الشام”.
والجمعة، أجرى عون والرئيس السوري أحمد الشرع اتصالاً هاتفياً، قالت الرئاسة اللبنانية إنه جرى الاتفاق خلاله على “التنسيق لضبط الوضع على الحدود ومنع استهداف المدنيين”.
ظروف العشائر اللبنانية
وقال المحامي اللبناني سهيل جعفر، الذي ينتمي لأحد العشائر البقاعية، إن “العشائر العربية في لبنان تعيش حالة ظلم منذ إعلان استقلال لبنان عام 1948، نتيجة إهمال كافة الحكومات لمطالب السكان الذي يعيشون في مناطق الأطراف المتاخمة للحدود”.
وأضاف جعفر في تصريح لـ”الشرق”، أنه “لا يمكن وصف العشائر بأنها تشكل حالة خارجة عن الدولة، إنما لها عاداتها وتقاليدها التي تحافظ عليها، وهي على امتداد وقرابة مع عشائر سورية، فنحن نتشارك الجغرافيا والعلاقات الاجتماعية ما قبل ترسيم الحدود وما بعدها، ونتيجة هذا التداخل وعدم ضبط الأمن والإهمال الخدماتي من قبل الدولة اللبنانية، اضطر العشرات من الشبان للجوء إلى التهريب”.
وتابع: “هذه الظروف غير السليمة، سهّلت أمام المجرمين تأليف عصابات، ودفعهم ليكونوا خارجين عن القانون، بإغراءات مالية وخدمية، وتوريطهم في عمليات تهريب واتجار بالبشر، ليصبحوا تحت سلطة رأس العصابة”.
وذكر أن “النظام السوري السابق كان يسهل تمرير المخدرات من وإلى لبنان عبر تلك العصابات”، معتبراً أنه “أصبح لزعيم العصابة التأثير الأكبر على الأرض”.
الموقوفون السوريون في لبنان
واستطرد المحامي اللبناني سهيل جعفر قائلاً: “نشهد مظاهر مسلحة تصل لحد الاستعراض، ما انعكس سلباً على المدنيين، والتعامل مع أبناء منطقة الهرمل وبعلبك على أنهم أبناء منطقة خارجة عن القانون.. نسمع عن عصابات تحمل أسماء بعينها، فتظهر وكأن العشيرة تؤيدهم وهذا غير دقيق”.
وأضاف: “خلال الحرب في سوريا، خرجت الأمور عن السيطرة وتداخلت الأوضاع الأمنية، ومع الميول الإجرامية والأوضاع المعيشية تحولت مناطق انتشار العشائر إلى معابر للمسلحين، وشكلت خط عبور للبضائع والبشر”.
وتساءل جعفر قائلاً: “قرى لبنانية على الحدود السورية شهدت حالات نزوح، فهل ما نشهده هو عملية أمنية متعلقة فقط بالمطلوبين للعدالة، أم تهجير ممنهج باتجاه الأراضي اللبنانية؟”.
ويرى المحامي اللبناني أن الاشتباكات تقع ضمن سياق آخر “تريد الحكومة السورية تحقيقه”، وهو “إنهاء قضية الموقوفين السوريين في السجون اللبنانية، والمتهمين بالقتال ضمن تنظيمات مسلحة كانت تحارب النظام السوري السابق”، وفق زعمه.
واعتبر أن “الحكومة السورية الجديدة تجدها فرصة مناسبة للضغط عسكرياً لتطبيق اتفاقية التعاون القضائي بين لبنان وسوريا لاسترداد المحكومين”، لكنه أشار إلى “وجود صعوبات في تحقيق ذلك، لأن أولوية لبنان الحالية هي إعادة انتظام عمل المؤسسات الرسمية وانطلاق العمل الحكومي، ولاحقاً ترتيب ورسم ملامح العلاقة الجديدة مع دمشق”.
“حملة ضد المهربين”
يوضح المحامي السوري محمد قباني، أستاذ القانون الدولي في جامعة دمشق، أن ما حدث خلال الأيام الماضية هو “نتيجة تراكم أزمات لم يتم حلها على مدار سنوات، وتحديداً منذ عام 2011″، حين أصبحت الحدود بين البلدين مفتوحة أمام المهربين والمسلحين.
وقال قباني في تصريح لـ”الشرق”، إن “الحملة الأمنية التي تقودها القوات السورية للحد من تهريب الأسلحة والمخدرات تأتي في إطار حملة شاملة، تهدف إلى إغلاق منافذ التهريب، خاصة في المناطق الحدودية مثل البلدات المحيطة في منطقة القصير، وتبعاً للتطورات الراهنة من المستبعد دخول أي قوات سورية إلى جزء من الأراضي اللبنانية، كونه سيؤدي إلى اتخاذ منحى آخر من المواجهة مع الدولة اللبنانية مباشرة”.
وأضاف أن “الترويج الإعلامي والتضخيم وكأن هناك اعتداء على الأراضي اللبنانية، أو استهداف طائفة معينة، هو غير صحيح، فهدف الحملة واضح باتجاه المطلوبين للعدالة الذين شرعوا في عمليات التهريب المتنوعة التي أضرت بالشعبين، فالحملة إن سارت كما هو مخطط لها، ستكون نتائجها إيجابية على الطرفين”.
ولفت المحامي السوري إلى أنه في السابق “سجلت المئات من حالات التهريب، مثل الخطف مقابل فدية وتهريب السلع والمحروقات، التي أدت إلى إحداث إرباك في الأسواق اللبنانية، مع تهريبها وبيعها في سوريا، والأمر مشابه في عمليات تهريب الدواء السوري الأرخص ثمناً إلى الصيدليات اللبنانية”.
وأضاف: “مع اشتداد الحرب على السوريين وصعوبة الأوضاع الاقتصادية، اضطرت مئات العائلات إلى الهرب خارج بلدهم، واستغل تجار البشر هذا الوضع بعمليات تهريب من لبنان إلى أوروبا عبر المنطقة الجبلية والتضاريس الوعرة بين الحدود”.
وشدّد أستاذ القانون الدولي على أن الحملة تهدف إلى إعادة ضبط الأوضاع الأمنية، مشيراً إلى أن “البداية تكون بإبعاد المطلوبين للعدالة أو إلقاء القبض عليهم، وفي المرحلة التالية يأتي دور السلطات في دمشق وبيروت، لتحديد مصير البلدات المشتركة بينهما وترسيم الحدود بشكل نهائي”.
تداخل القرى بين سوريا ولبنان
يوضح العقيد المتقاعد في الجيش اللبناني محمد منير أن الحدود بين لبنان وسوريا، الممتدة لنحو 375 كيلومتراً، تعتبر “منطقة معقدة بسبب التضاريس الصعبة، والعلاقات الاجتماعية والاقتصادية المتشابكة، خصوصاً مع انتشار معابر غير شرعية”.
وقال العقيد منير في تصريح لـ”الشرق”، إن “هناك تداخلاً جغرافياً وسكانياً، حيث تتواجد نحو 10 قرى لبنانية في الأراضي السورية، نتيجة لترسيم غير دقيق للحدود منذ استقلال البلدين، مثل قرى حاويك، زيتا، وربلة، التي تقع داخل سوريا رغم أن سكانها لبنانيون، ويصل عددهم لحوالي 40 ألف مواطن يمتلكون منازل وأراضي زراعية”.
وأشار إلى أن الاشتباكات التي اندلعت منذ الخميس الماضي على الحدود “جاءت بعد حملة لقوات الإدارة السورية الجديدة لمكافحة التهريب، في منطقة حاويك السورية المتاخمة للبنان”. وأضاف أن “عصابات” متورطة في هذه الأنشطة.
ويتخوف الخبير العسكري اللبناني من “العتاد الذي ظهر لدى الطرفين”، وأضاف: “القوات المسلحة السورية استخدمت طائرات مسيّرة في قصف الأراضي اللبنانية، وهو أمر خطير كونها تؤدي إلى وقوع ضحايا بين المدنيين، كما استخدم مسلحون راجمات صواريخ وأسلحة فردية قد ترفع من حدة المواجهة”.
وتابع: “الخطورة بحال توجه مقاتلين أجانب للمشاركة في المعارك إلى جانب القوات السورية، مثل المقاتلين الشيشان المتواجدين في ريفي حماة وإدلب، الأمر الذي قد يدفع العشائر للطلب من حزب الله الدخول في المعارك لمواجهتهم أيضاً”.
وقال العقيد المتقاعد إن “الموقف السياسي والعسكري من قبل حزب الله واضح حتى الآن، بأنه لا يرغب بالمواجهة، في لحظة وصول هيئة تحرير الشام إلى محافظة حمص قبل شهرين، توقع الجميع حدوث مواجهة قاسية مع عناصر الحزب المتواجدين في قرى حدودية داخل الأراضي السورية، ولكن المفاجأة أن عناصرهم انسحبت دون قتال، وهو ما تم كشفه لاحقاً، عن فتح قناة تواصل بينهما بعد انهيار الجيش السوري واختيار الانسحاب بدل الصراع الدموي”.
ويوضح المحامي اللبناني سهيل جعفر هيكلية انتشار وتواجد العشائر في شرق لبنان، ومنطقة البقاع التي تتميز بتنوعها الاجتماعي والثقافي، وقال إن “من أبرز العشائر في المنطقة عشيرة آل جعفر، التي تعد من أكبر وأهم العشائر البقاعية، ولها علاقات قوية تؤهلها للعب دور بارز في الحياة المحلية، كما أن عشيرة آل زعيتر تمتد في مختلف أنحاء البقاع، وعشيرة آل بركات التي تتمتع بنفوذ واسع في بعض المناطق، كما تبرز عشيرة آل شرف الدين التي تتمتع بتاريخ طويل من الحضور السياسي”.
وأضاف: “إلى جانب هذه العشائر الكبرى، يظل هناك العديد من العائلات الصغيرة والعشائر المحلية التي تلعب دوراً محورياً في بناء النسيج الاجتماعي، حيث يتمتع كل منها بهوية خاصة تسهم في إثراء التنوع الثقافي والاقتصادي في المنطقة”.