توقف “التسهيلات الائتمانية” يشلّ قطاعات اقتصادية في سوريا

– كريستينا الشماس
شهد الواقع الاقتصادي في سوريا منذ سقوط النظام السابق ركودًا أثر في جميع الأنشطة الاقتصادية بشكل عام، وفي القطاع المصرفي بشكل خاص.
ونتيجة تخبطات السياسات الاقتصادية التي شلّت النمو الاقتصادي، وتأثر القطاع المصرفي بالسياسات المالية من حبس السيولة وتحديد سقف السحب اليومي، توقفت بعض البنوك الخاصة عن منح التسهيلات الائتمانية من القروض والكفالات للعاملين في الشأن الاقتصادي، كالمستثمرين والصناعيين والتجار.
ويواجه الاقتصاديون في سوريا صعوبات تمويلية جعلت إعادة تفعيل عملهم أكثر تعقيدًا، منتظرين قرارات استئناف منح القروض والتسهيلات الائتمانية المصرفية.
على الرغم من انتشار العديد من الإعلانات الترويجية لقروض متاحة من مؤسسات التمويل الصغير، والتي تدعم تطوير الأعمال والمشاريع، فإنها لا تكفي لتمويل الشركات الكبرى.
تسهيلات مرهونة بالاستقرار
ضابط المخاطر في قسم الائتمان لدى “شهبا بنك”، والباحث في دراسات إدارة الجودة بالتنظيم الإداري للمصارف السورية الخاصة، طارق سعد، أوضح في حديث ل، أنه عند تطبيق فكرة منح تسهيلات ائتمانية مصرفية يجب تحديدها إذا كانت نقدية (أي ما يعرف بالتسهيلات المباشرة)، أو غير نقدية (تسهيلات غير مباشرة).
التسهيلات النقدية التي تعتبر الأكثر طلبًا أغلبيتها مرتبطة بوجود ضمانات سواء رهن عقاري أو بوليصة تأمين من إحدى شركات التأمين العاملة.
وأكد سعد أن التسهيلات متأثرة بحالة عدم الاستقرار التي تعيشها جميع القطاعات كالاجتماعية والخدمية بشكل عام والاقتصادية بشكل خاص، كحالة الركود في العقارات من بيع وشراء.
كما يرتبط سعر الصرف وعدم ثباته على المدى القريب جدًا ارتباطًا مباشرًا بسعر الفائدة المطروحة حاليًا مقابل التسهيلات الائتمانية.
وهذه التسهيلات قابلة للتغيير مستقبلًا صعودًا أو هبوطًا، وسعر الفائدة هو القيمة الإضافية التي يحصل عليها الطرف المقرض مقابل تقديمه لهذه الخدمة المالية (أي القرض)، بحسب سعد.
موظف آخر متخصص بضبط المخاطر في الأعمال المصرفية للشركات الكبرى، فضل عدم ذكر اسمه، قال ل، إن بعض البنوك أوقفت منح القروض لعدة أسباب، منها تذبذب سعر الصرف وعدم ثبات قيمة الليرة السورية.
وتابع أن هذه الإجراءات جعلت عملية منح القروض للعملاء معقدة، خاصة أن البنوك تعتمد على ضمانة عقارية، والتي تتأثر قيمتها بشكل مباشر بسعر الصرف.
وأوضح الموظف أن ما يواجه العملاء، هو صعوبة استخراج جميع الأوراق المتعلقة بمنح القروض، مثلًا يواجه بعض التجار صعوبة في تجديد سجلهم التجاري.
كما يلعب غياب الاستقرار الأمني دورًا ويعتبر من المخاطر التي يأخذها المصرف في الحسبان، فمنذ سقوط النظام السابق تعرض بعض الصناعيين لسرقة معاملهم أو ضرر في ممتلكاتهم المرهونة لمصلحة المصرف مقابل منحهم التسهيلات.
طلبات معلّقة
توقف عدد من طلبات الصناعيين والمستثمرين بما يخص منحهم التسهيلات الائتمانية منذ سقوط النظام السابق، وما زال العملاء حتى الآن ينتظرون معالجة طلباتهم.
أفاد ضابط المخاطر في قسم الائتمان، طارق سعد، أن موضوع تقديم التسهيلات المباشرة وغير المباشرة للعملاء، سواء كانت طلباتهم سابقة أو لاحقة لفترة سقوط النظام، هي قرارات داخلية تتعلق بكل مصرف.
وقد تكون مرتبطة بعلاقة العملاء بالمصرف، فالعملاء السابقون والذين لديهم تجارب ائتمانية سابقة ناجحة يختلف وضعهم عن الزبائن الجدد الذين لم يسبق التعامل معهم.
ونوه سعد إلى وجود صعوبات أو تأخيرات في عمليات الرهن العقاري مقابل هذه التسهيلات، ويمكن تلخيص أهم المعلومات التي تخص ذلك، بأن العقارات المرغوبة والأكثر قبولًا هي العقارات داخل المدن وخاصة عقارات “الطابو الأخضر”.
ووفقًا لسعد، يتم تقييم العقارات من قبل مختصين خبراء، وبعد الكشف والفحص يتم تقديم تقارير التقييم أصولًا للمصرف، ويقومون بتسعير العقار وفق القيمة الرائجة سوقيًا.
وبعد استكمال إجراءات الموافقة على منح التسهيلات، تكون هناك إجراءات رهن العقار بشكل أصولي لمصلحة البنك، ومن ثم يتم توقيع عقود وصرف مبالغ أو تقديم التسهيل المطلوب.
الضبابية تسود مشهد العقارات
المستشارة العقارية في المصرف الدولي للتجارة والتمويل، فضلت عدم ذكر اسمها، أوضحت ل، أنه في حال انخفاض قيمة الضمانة العقارية عن القرض المعطى للعميل يتبع معه إجراءات احترازية، كالحجز على ممتلكات العميل ومنعه من السفر.
وفي حال الانخفاض المستمر للعقارات، يمكن إعطاء قرض بزيادة نسبة التحفظ على قيمة العقارات الحالية وأخذ ضمانات إضافية، كما أن أسعار العقارات في سوريا مرتبطة بالمسار الأمني والسياسي والاقتصادي، لذلك تسود “الضبابية” مشهد سوق العقارات، بحسب المستشارة العقارية.
ورغم جمود عمليات البيع والشراء، فإن أسعارها بالدولار ثابتة نوعًا ما استنادًا لتحليل كلف البناء والإكساء، فرغم انخفاض أسعار بعض المواد كالأسمنت، فإن كثيرًا منها ارتفع بسبب زيادة الطلب عليها، إضافة إلى ارتفاع أجور اليد العاملة الفنية والمهنية والعادية، وأسعار النقل، وأسعار حوامل الطاقة بسبب انقطاع الكهرباء، ويستثنى من ذلك بعض البيوع الخاضعة لظروف اضطرارية واستثنائية.
جميع القطاعات
يرى ضابط المخاطر في قسم الائتمان، طارق سعد، أن الدورة الاقتصادية تضررت من توقف منح القروض، والتي تشمل الصناعة والتجارة بما فيها المعامل وورشات صناعية، وبالتالي جميع القطاعات تواجه صعوبات متفاوتة بحسب مجالها.
ومن وجهة نظر سعد، فإن الحل في إعادة منح التسهيلات الائتمانية يتوقف على عودة الأمان والاستقرار الاجتماعي، إذ لا يمكن معاودة الأنشطة الاقتصادية المختلفة في ظروف يعمّها الفوضى، فعامل الأمان هو الأساس الذي تنطلق منه الدورة الاقتصادية ويبدأ منه أي نشاط اجتماعي واقتصادي.
بدوره، أفاد موظف ضبط المخاطر في الأعمال المصرفية للشركات الكبرى أن عملهم تأثر نتيجة توقف منح القروض، والذي يقتصر منذ سقوط النظام على إصدار مذكرات روتينية، وترقين إشارات الرهن، ومتابعة سداد القروض من قبل العملاء الذين يستغلون انخفاض سعر صرف الدولار مقابل الليرة لسداد قروضهم.
مرتبط
المصدر: عنب بلدي