“تيك توك” في سوريا.. أرباح تحيطها المخاوف

ينتظر المستخدمون في سوريا رفع الحظر عن خدمات تكنولوجية، من بينها تطبيق “تيك توك”، بسبب العقوبات الأمريكية والأوروبية، التي تشمل حظرًا لخدمات بارزة كـ”جوجل” أو الميزات المتقدمة في “فيس بوك”.
ويعمل تطبيق “تيك توك” حاليًا ببعض المناطق في سوريا، كالشمال السوري الذي كان يستجر شبكة الإنترنت من تركيا، أو بطرق غير رسمية، كاستخدام متصفحات محددة أو عبر “كاسر بروكسي”.
ولا يستبعد الخبير في أمن وتكنولوجيا المعلومات نضال فاعور، رفع الحظر عن الكثير من منصات “السوشال ميديا” من بينها “تيك توك”، ولكن القضية تحتاج إلى بعض الوقت لكي تقوم الشركات بالحصول على التصريحات المطلوبة والعقود بينها وبين المنظمات المسؤولة عن توزيع خدمات الشبكة للدول.
وتُستخدم منصة “تيك توك” في سوريا بعدد من الطرق الملتوية، لإضافة سوريا كدولة إلى تطبيقاتها وخدماتها.
ومن أبرز هذه الطرق:
عبر المتصفحات وليس عبر التطبيق الخاص بـ”تيك توك”، مع الاعتماد على “VPN” مخصص لكسر الحجب.
عبر التطبيق المعدل من “تيك توك” والذي يتم فيه تغيير المنطقة الجغرافية عبر مطورين متخصصين.
يلجأ بعض المستخدمين لتشغيل “تيك توك” على أجهزة لا تحوي شريحة اتصال، باستخدام شبكة “Wi Fi” مع تشغيل تطبيق “VPN” أيضًا.
وفقًا لتقرير موقع “Statista” لعام 2025، تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية الأكثر استخدامًا لتطبيق “تيك توك”، إذ تضم أكبر عدد من المستخدمين بلا منازع، وبلغ عدد مستخدمي المنصة نحو 135.79 مليون مستخدم.
البث المباشر
لم يقتصر مستخدمو “تيك توك” على إنشاء ومشاركة مقاطع الفيديو القصيرة مع متابعيهم، فبات رواد التطبيق يتوجهون إلى البث المباشر (اللايفات) باعتباره طريقة تفاعلية، إذ ينضم إلى البث المباشر أكثر من شخص سواء من المتابعين أو صناع المحتوى.
الخبير في أمن وتكنولوجيا المعلومات نضال فاعور، قال ل، إن منصة “تيك توك” تعتبر الأولى عالميًا في مجال البث المباشر، لكثرة مستخدميها ولأرباحها الأعلى نسبة.
وتحاول منصة “إنستجرام” اللحاق بها بعد سقوط تطبيق “سناب شات”، إذ اشتدت وتيرة التنافس بين التطبيقات لجلب أكبر عدد من المستخدمين، فأصبح لكل تطبيق أثبت وجوده تطبيقات مشابهة تقدم نفس الغرض للمستخدم، وهو ما دفع بالتطبيق الصيني “بيغو لايف” إلى سوق سوريا، حيث حقق صعودًا بعدد رواده خلال فترة قصيرة بغية كسب الأرباح.
وعادة يغلب على طريقة البث المباشر في “تيك توك” الحديث عن موضوع معيّن، أو الدخول بتحديات بين اثنين أو أكثر من صانعي المحتوى، والتي تعرف بجولات يفوز بنهايتها واحد منهم، عبر تقديم المتابعين لهم دعمًا من خلال “هدايا تيك”.
الهدايا عبارة عن مكافآت نقدية على شكل “عناصر افتراضية” يمكن للمعجبين شراؤها، وإرسالها إلى منشئي المحتوى.
وبحسب موقع “TıkTokı“، تكلف كل هدية افتراضية مبلغًا مختلفًا من العملات المعدنية، على سبيل المثال، تبلغ تكلفة هدية “Rose” أو شعار “TikTok” عملة واحدة فقط، بينما تبلغ تكلفة منجم “الذهب أو البطل” ما يصل إلى 1000 قطعة نقدية.
ويتم تحويل قيمة العملات المعدنية لما يعادلها بالدولار الأمريكي، فيحصل المشترك مقابل 65 قطعة نقدية، على 1.19 دولار، والتي تعتبر أرخص حزمة عملات “تيك توك”، بينما تقدر 16500 قطعة نقدية بقيمة 299 دولارًا.
إقبال سوري
تطبيق” تيك توك” واحد من أكثر التطبيقات ربحية في العالم، فوفقًا لتقرير موقع “Sendshort“، شهدت إيرادات الإعلانات الصافية لـ”تيك توك” زيادة كبيرة في السنوات الأخيرة، فارتفعت من 1.14 مليار دولار في عام 2020، إلى 18.49 مليار دولار في عام 2024.
ونتيجة للأرباح المرتفعة، صار هناك نجوم في “تيك توك”، يحصدون أجرًا سواء من الإعلانات التي يقدمونها أو من دعم المتابعين لهم، فوصل أجر نجم “تيك توك” الشهير تشارلي داميليو إلى 23 مليون دولار أمريكي عام 2024.
هذه الأرباح الضخمة دفعت العديد من مستخدمي “تيك توك” في سوريا لترك عملهم وارتياد التطبيق، إذ قالت بتول عز الدين، ل، “لماذا أضيع وقتي في عمل أحصل مقابله على أجر ضئيل بساعات عمل طويلة، مقارنة مع بث مباشر قادر أن يمنحني مئات الدولارات”.
ولم يقتصر الأمر على بتول، فهناك العديد من فناني سوريا ارتادوا جولات البث المباشر عبر “تيك توك”، بحثًا عن أجر إضافي بطريقة أسهل وأسرع من الأعمال الفنية.
من بين هؤلاء الفنانين جرجس جبارة، مها المصري، ديمة بياعة، وائل شرف الشهير بكلمة “كبسوا.. كبسوا”، دلالة على طلب المتابعين إرسال هدايا له.
قال
في إحدى مقابلاته، إن “تيك توك” أصبح مصدر رزق كبير له، وأراحه من رحمة بعض المخرجين وشركات الإنتاج.
كيف تجنى الأرباح في سوريا؟
أوضح الخبير في أمن وتكنولوجيا المعلومات نضال فاعور، أن الأرباح التي يجنيها المستخدمون داخل سوريا، تصلهم عبر شركات “طرف ثالث”.
بمعنى أن صانع المحتوى يصبح شبه عامل عند هذه الشركات، وبالتالي تحصل الشركات على نسبة من الربح لقاء إرسال المبالغ عبر شركات تحويل الأموال المحلية كـ”الهرم” و”الفؤاد”، أو عبر منصة “تلجرام”.
وأوضح فاعور أن صانعي المحتوى “المستفيدين” يخسرون من قيمة المبلغ بنسبة كبيرة، إذ تأكل شركات “الطرف الثالث” و”التحويل” من حصتهم، إضافة إلى فارق سعر العملة في سوريا، ما يقلل من قيمة الربح الأصلية.
تعود ملكية شركات “الطرف الثالث”، بحسب نضال فاعور، لأفراد مغتربين، وظهرت مؤخرًا شركات من عدة أفراد في دولة الإمارات، التي باتت تتصدر التعاقد مع صناع المحتوى وتسهيل توصيل المبالغ لهم.
وتعرض عدد من صناع المحتوى لعمليات نصب واحتيال عبر هذه الشركات، التي كانت تطلب من صناع المحتوى معلوماتهم الشخصية عبر استبيانات وأخذ حساباتهم في العملات الرقمية.
وأغلب هذه الشركات غير مرخصة، وتعمل بطرق “مخفية” غير قانونية، ومن فترة قريبة ظهر بعضها للعلن وباتت تروج لنفسها عبر إعلانات، بحسب فاعور.
تهديد أمني رقمي
بحسب دراسة “عن سياسات التعامل مع التحديات الأمنية لتطبيق تيك توك”، أجراها الباحث خالد أبو دوح، فإن المخاطر الأمنية التي تهدد المستخدمين تجسدت بعدة نقاط:
التهديد المتعلق بالبيانات التي يجمعها التطبيق، ومقدارها ونوعيتها، ومن يمكنه الوصول إليها، خاصة تلك البيانات التي ترتبط بتحديد الموقع وتتتبعه، إضافة إلى ملفات التعريف ومعلومات الجهاز.
توظيف بعض المتورطين و”الإرهابيين” لتطبيق “تيك توك”، واستخدامه في بعض الممارسات المتطرفة، مثل استخدامه من قبل المتطرفين خلال أعمال الشغب واقتحام مبنى “الكابيتول” في عام 2021، من أجل دعوة الأشخاص للعنف.
الخيارات التي يمكن أن تتخذها خوارزميات “تيك توك” غير الشفافة، حول كيفية عرض المعلومات للمستخدمين، وكيف يمكن تغييرها أو التلاعب بها أو الرقابة عليها.
يمكن أن يشكل التطبيق تهديدًا أمنيًا للعاملين في المؤسسات الحكومية والأمنية، عبر جمع معلومات وبيانات تفصيلية عنهم.
المراهقون تحت التأثير النفسي
ذكرت دراسة نشرت في مجلة “Nature”، أن واحدًا من كل خمسة مراهقين في إسبانيا يقضي أكثر من ساعتين يوميًا على تطبيق “تيك توك”، متجاوزًا الحد الموصى به لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، ما يزيد من خطر المشكلات النفسية.
وأظهرت الدراسة أن نسبة الفتيات اللواتي يتجاوزن هذا الحد 24.37%، أي أعلى بكثير من نسبة الفتيان بنسبة 15.45%.
يجعل ذلك المراهقين عرضة للإصابة بأزمات نفسية، لخصتها دراسة “التأثيرات النفسية والاجتماعية لتطبيقات الهواتف الذكية”، بالغيرة وعدم الثقة بالنفس، والدخول في حالات اكتئاب، متأثرين بالصورة المثالية التي يظهرها صانعو المحتوى، واحتمالية كبيرة لتعرضهم للتنمر عبر تعليقات المتابعين السلبية.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية
أرسل/أرسلي تصحيحًا
مرتبط
المصدر: عنب بلدي