ثقة روسية وقلق أوروبي ترقب دولي اتصال بوتين وترمب أوكرانيا

يستعد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لإجراء مكالمة هاتفية مع نظيره الأميركي دونالد ترمب، الاثنين، بثقة متزايدة في قدرة قواته على تحقيق مكاسب ميدانية كبيرة في أوكرانيا قبل نهاية العام الجاري، فيما يُبدي القادة الأوروبيون، قلقهم من احتمال إقدام ترمب على فرض “تسوية متسرعة” تصب في مصلحة موسكو.
ونقلت “بلومبرغ” عن شخص وصفته بأنه “مطّلع على تفكير الرئيس الروسي”، طلب عدم كشف هويته، قوله إن بوتين “يثق بقدرة قواته على اختراق دفاعات أوكرانيا قبل نهاية العام والسيطرة الكاملة على أربع مناطق كان قد أعلن ضمها إلى روسيا”.
بدوره، قال سيرجي ماركوف، المستشار السياسي المُقرَّب من الكرملين، إن ترمب “يسعى للحصول على موافقة بوتين على هدنة، لكن الرئيس الروسي يرفض ذلك تماماً”.
وأضاف: “بوتين لا يريد انهيار المحادثات، بل يناور لضمان استمرارها بالتوازي مع التقدم العسكري الميداني”.
وقال مصدران مقربان من الكرملين، إنه رغم الحديث المستمر عن تسوية محتملة، فإن بوتين يبدو مستعداً لخوض حرب طويلة الأمد، إذا لزم الأمر لتحقيق أهدافه، كما أنه غير قلق من احتمال فرض مزيد من العقوبات الأميركية.
وأشارت الوكالة إلى أن بوتين سيدخل المكالمة، وهو يعتقد أنه يمتلك موقفاً قوياً، في ظل سعي القادة الأوروبيين لثني ترمب عن التسرع في إبرام اتفاق، لكن بالنظر إلى هذه المعطيات، فإنه من غير المرجح أن يقدم الرئيس الروسي أي تنازلات جوهرية، وهو ما يثير قلق العواصم الأوروبية من إمكانية فرض الرئيس الأميركي تسوية بأي ثمن.
كما يوجد شعوراً متنامياً بأن الجهود الأميركية لدفع الطرفين (روسيا وأوكرانيا) إلى وقف إطلاق النار، قد بلغت ذروتها، بينما يشعر المسؤولون في أوروبا بعدم اليقين من أن ترمب سيكثف الضغط على روسيا، أو أنه سيتخلى عن الملف الأوكراني، وينتقل إلى أولويات أخرى، حال فشلت هذه الجهود.
وقد وعد ترمب بإطلاع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، وبعض قادة حلف شمال الأطلسي “الناتو” على نتائج مكالمته مع بوتين فور انتهائها.
موقف أوروبي موحد
وتأتي هذه التطورات في وقت تتزايد فيه الشكوك الغربية حول مدى قدرة روسيا العسكرية، مع تنامي الإحباط في أوكرانيا جراء عدم تنفيذ واشنطن وعودها بفرض عقوبات إضافية على موسكو.
وبينما تترقب الأوساط السياسية نتائج المكالمة المرتقبة بين ترمب وبوتين، لا تزال الإدارة الأميركية تتريث في حسم موقفها النهائي من الأزمة.
وفي محاولة لتأطير موقف موحد، أجرى المستشار الألماني فريدريش ميرتس، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، مكالمة هاتفية، الجمعة، مع ترمب.
وبحسب مسؤول أوروبي رفيع المستوى، فقد حاول القادة الأوروبيون تنبيه الرئيس الأميركي، خلال هذه المكالمة، إلى أن بوتين قد يكون بصدد كسب الوقت من خلال المماطلة.
وأكد المسؤول أن القادة الأوروبيين يأملون أن يُدرك الرئيس الأميركي أنه “قد يبدو خاسراً”، إذا فرض صفقة سيئة لأوكرانيا.
وأشار المسؤول، إلى أن زيلينسكي شارك أيضاً في المكالمة، قائلاً إنه بدا “مكتئباً ومنهكاً” نتيجة التطورات المتسارعة، لا سيما بعدما أخفق في الحصول على التزام أميركي واضح بفرض عقوبات جديدة، حال عدم التزام روسيا بهدنة (12 مايو).
وفي غضون ذلك، أجرى الرئيس الأميركي مكالمة ثانية، الأحد، مع ميرتس وستارمر وماكرون ورئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، وناقش القادة خلال الاتصال الحاجة إلى وقف غير مشروط لإطلاق النار، مؤكدين أهمية أن يتعامل بوتين بجدية مع محادثات السلام، بحسب المتحدثة باسم رئيس الوزراء البريطاني.
والتقى زيلينسكي بنائب الرئيس الأميركي جي دي فانس في العاصمة الإيطالية روما، فيما وصفه رئيس أوكرانيا بأنه “لقاء جيد”.
وقال زيلينسكي في أول لقاء بين الرجلين منذ خلافهما في البيت الأبيض في فبراير الماضي: “ناقشنا مفاوضات إسطنبول، حيث أرسل الروس وفداً منخفض المستوى لا يملك سلطة اتخاذ القرار”.
وأضاف: “أكدتُ استعداد أوكرانيا لدبلوماسية حقيقية، وشددتُ على أهمية وقف إطلاق نار كامل وغير مشروط في أقرب وقت ممكن”.
عقوبات جديدة ضد روسيا
وتتعارض ثقة بوتين في فرص روسيا في ساحة المعركة، مع تقييمات المسؤولين الغربيين، الذين يرون أنه بعد مرور أكثر من ثلاث سنوات على الحرب، وتكبّد الخسائر الجسيمة، فإن موسكو باتت تفتقر إلى القدرات اللازمة لتحقيق أهداف الرئيس الروسي.
وفي تطور لافت، كشفت مصادر أوروبية مطلعة أن مسؤولين أميركيين أبلغوا نظرائهم الأوروبيين بشكل خاص، بأن ترمب يدرس السماح بتمرير مشروع قانون لعقوبات جديدة ضد روسيا من إعداد السيناتور الجمهوري ليندسي جراهام، في حال لم تُبدِ روسيا مرونة، وأنه قد يُبلغ بوتين خلال المكالمة أنه لا يستطيع منع تمرير القانون.
وفي السياق ذاته، أعرب الرئيس الفنلندي، ألكسندر ستاب، عن “تفاؤله الحذر” بإمكانية طرح جراهام لمشروع القانون الأسبوع المقبل، قائلاً إن “الأمر سيعتمد على مجريات مكالمة ترمب وبوتين”.
أكبر هجوم روسي
في إشارة إلى نيتها إضعاف أوكرانيا قبل أي محادثات سلام، نفذت روسيا أكبر هجوم بطائرات مسيرة على أوكرانيا خلال الحرب خلال عطلة نهاية الأسبوع، حيث أطلقت 273 مسرة محملة بالمتفجرات وطائرات وهمية، وفقاً للقوات الجوية الأوكرانية.
وحذرت وكالة الاستخبارات العسكرية الأوكرانية، الأحد، من أن روسيا تعتزم إجراء إطلاق تدريبي لصاروخ باليستي عابر للقارات من طراز RS-24 Yars، ليلة 19 مايو (الاثنين).
وقالت الوكالة، إن الإطلاق يهدف إلى “ترهيب أوكرانيا” وأن الصاروخ سيكون مزوداً برأس حربي للتدريب، موضحة أن مدى الصاروخ يصل إلى 10 آلاف كيلومتر، وسيتم إطلاقه من موقع في منطقة سفيردلوفسك الروسية، بالقرب من جبال الأورال، بحسب ما أوردت صحيفة “فاينانشيال تايمز”.
ومنذ انتخابه في يناير الماضي، سمحت اتصالات ترمب مع الكرملين بإحراز تقدم أولي، ولكن دون التوصل إلى اتفاق سلام، وبعد مكالمة هاتفية مع بوتين أجريت في فبراير، أعلنت الولايات المتحدة وروسيا عن بدء محادثات في السعودية، وكانت المحادثات غير حاسمة، لكنها أثارت التوترات مع الحلفاء الأوروبيين وأوكرانيا.
وبعد مكالمة هاتفية أخرى في مارس الماضي، أعلن ترمب أن بوتين وافق على وقف جزئي لإطلاق النار ضد البنية التحتية للطاقة في أوكرانيا، لكن وقف إطلاق النار لم يصمد، وعارضت موسكو أي هدنة أوسع نطاقاً.
يشار إلى أن الناطق باسم الكرملين، ديميتري بيسكوف، قال إن روسيا تُعدّ قائمة شروطها لوقف إطلاق نار محتمل مع أوكرانيا، وستتبادلها مع كييف بشكل خاص.
وأضاف في تصريحات، السبت: “لن نُعلّق على أي شروط. أودّ التأكيد مجدداً على أن المحادثات جارية، ويجب أن تُجرى خلف أبواب مغلقة تماماً”، فيما أشار إلى أنه “لا مجال” لتغيير تشكيلة فريق التفاوض الروسي، بقيادة فلاديمير ميدينسكي، لجولة محادثات قادمة لم يُحدد موعدها بعد.