تشهد الساحة السياسية الجزائرية، نقاشاً واسعاً بعد ظهور مشروع قانون يجيز “سحب الجنسية” على أجندة مجلس النواب مجدداً، بعيداً عن المبادرة الحكومية، وهو مشروع سبق تجميده سابقاً، بسبب اعتراضات وانتقادات.

وقدّم النائب هشام صفر، عن حزب التجمع الوطني الديمقراطي، ثالث أكبر كتلة نيابية في مجلس النواب (الغرفة السفلى للبرلمان)، اقتراحاً بمشروع قانون يقضي بتجريد أي جزائري من جنسيته “إذا قام خارج البلاد بأفعال تضر بمصالح الدولة، أو تمس بالوحدة الوطنية، أو أظهر الولاء لدولة أخرى مع الإصرار على نبذ الولاء للجزائر”.

كما يشمل المقترح “التعامل لصالح دولة أجنبية بقصد الإضرار بالجزائر، أو الاستمرار في العمل داخل أجهزة أمنية أو عسكرية أجنبية، أو التعامل مع كيان معادٍ، أو الانخراط في منظمات إرهابية، أو تخريبية، أو تمويلها أو الترويج لها”.

ويتيح نص المقترح أيضاً سحب الجنسية المكتسبة في حال ارتكاب هذه الأفعال داخل الجزائر، مع مراعاة الحقوق القانونية للمعنيين وحدود تطبيق الإجراء.

وأعلنت الحكومة الجزائرية قبل 4 سنوات عزمها طرح مشروع مماثل يجيز سحب الجنسية من جزائريين مقيمين في الخارج يقومون بأفعال تمس بالوحدة الوطنية أو بمصالح الدولة، لكن ذلك المشروع جُمّد لاحقاً بعد موجة من الانتقادات السياسية والحقوقية الواسعة.

أحكام صارمة

واعتبر هشام صفر، رئيس اللجنة القانونية بمجلس النواب الجزائري، أن المبادرة “جاءت لتأطير حالات التجريد من الجنسية الأصلية أو المكتسبة، بعد مرور أكثر من 20 سنة على تعديل قانون الجنسية”.

وقال صفر لـ”الشرق”، إن مشروع القانون يهدف إلى “وضع أحكام صارمة وفعالة، لمعالجة ظواهر دخيلة على المجتمع الجزائري تستهدف الإضرار بالمصالح الأساسية والحيوية للدولة، والاعتداء الصريح والمفضوح على رموزها ومقوماتها، من قبل أشخاص يحملون الجنسية الجزائرية”.

واعتبر عضو مجلس النواب أن “استشعار هؤلاء الأشخاص، الذين ضلوا الطريق، وارتماءهم في أحضان الأعداء، يعد مساساً بقدسية الانتماء الوطني”. ووفق تصريحاته، فإن “الجزائريين لم، ولن يقبلوا مشاركة نفس الجنسية مع من يهدد أمنهم واستقرارهم ووحدتهم”.

وتنص المادة السادسة والثلاثون من الدستور الجزائري على أن “الجنسية الجزائرية معرفة بالقانون، إذا يحدد القانون شروط اكتساب الجنسية الجزائرية، والاحتفاظ بها، أو فقدانها، أو التجريد منها”.

وتنص المادة 22 من قانون الجنسية الجزائرية الذي تم تعديلهُ آخر مرة في 2005، أنّ كل شخص اكتسب الجنسية يمكن أن يجرد منها، “إذا صدر ضده حكم من أجل فعل يعد جناية أو جنحة تمس بالمصالح الحيوية للجزائر،  أو إذا قام لفائدة جهة أجنبية بأعمال تتنافى مع صفته كجزائري أو مضرة بمصالح الدولة”.
 
وتنص المادة الـ 23 من نفس القانون أن التجريد من الجنسية بمرسوم بعد تمكين المعني بالأمر من تقديم ملاحظاته وله أجل شهرين للقيام بذلك.

ويأتي تحرك عضو البرلمان عقب تصريحات الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في آخر لقاء مع وسائل الإعلام المحلية، والتي دعا خلالها إلى “ضرورة التعاون والتصدي للشائعات، والتكاتف لمواجهة خائن الدار”، معتبراً أن “التخريب من الداخل يعد الأخطر على استقرار البلاد ووحدتها”.

“مسألة حساسة”

في المقابل، تتصاعد المخاوف لدى أطياف سياسية أخرى من انعكاسات مقترح القانون على حرية الرأي، والمعارضة السياسية، وصورة الدولة أمام المجتمع الدولي.

وفي هذا السياق، يرى النائب كمال بن خلوف عن حزب “البناء الوطني”، أن “وجود اقتراح قانون يتعلق بالجنسية وسحبها من أشخاص ينتقدون أو يعارضون الدولة، يعد قضية شديدة الحساسية، نظراً لتداعياتها وإشكالياتها المتعددة”.

وقال بن خلوف لـ”الشرق” إنه “ليس كل معارض بالضرورة ضد الدولة الجزائرية، فقد يكون مجرد صاحب رأي مختلف”. وأضاف أن “طرح مثل هذا القانون قد يُفسر على أنه محاولة لتكميم الأفواه، وهو ما قد ينعكس سلباً على صورة الجزائر دولياً”.

ويرى النائب أن الحكم على الناس بوصفهم “ضد الدولة” يتطلب “معايير محددة”، و”هذه المعايير غالباً ما تكون قابلة للاختلاف، وقد تُوظف أحياناً في سياقات لا تخدم مصلحة المواطن”.

ونوّه بن خلوف بأن “المادة 36 من الدستور وغيرها من المواد التي تضمن الحريات، والحقوق لا يجوز انتقاص معناها بسهولة، فالدستور يقر مبادئ عامة لا ينبغي أن تُقوض بقواعد قانونية قد تفضي إلى سلب حقوق أساسية للمواطن”.
 
وأضاف أن “هذا الموضوع قابل للتأويل السياسي، وقد يُستغل استغلالاً سيئاً، وهو ما قد يسيء لصورة الجزائر أمام المجتمع الدولي”.

وتنص المادة الـ15 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أنهُ لكل فرد الحق في التمتع بجنسية ما، ولا يجوز تعسفاً حرمان أي شخصٍ من جنسيته ولا من حقّه في تغييرها.

“يستهدف المعارضين في الخارج”

من جانب آخر، يرى علي بوخلاف، الصحافي الجزائري، أن “القوانين التي تُسن بطرق متعجلة أو استجابة لظروف معينة غالباً ما تفضي إلى نتائج سلبية، وقد تتحول الغاية من مثل هذه النصوص إلى قمع للحريات، واستعمالها ضد الجزائريين الذين يلجأون إلى وسائل التواصل الاجتماعي أو غيرها لانتقاد السلطة”.

وأضاف بوخلاف لـ”الشرق”، أن “هناك تجاوزات تحدث أحياناً، لكن يمكن معالجتها من خلال القوانين الموضوعية القائمة في قانون العقوبات الجزائري أو بوسائل قانونية أخرى”.

وأوضح أن “مقترح هذا القانون يستهدف المعارضين الجزائريين المقيمين في الخارج، الذين يبررون مواقفهم بما يقولون إنه غلق للمجالات الإعلامية والسياسية داخل البلاد، ما يدفعهم إلى استعمال العواصم الأجنبية منصات لمعارضة السلطات الجزائرية، وأحياناً التهجم على الجزائر نفسها”.

وترتفع أصوات من عواصم مختلفة تصف نفسها بالمعارضة، لكن السلطات الجزائرية تصنف بعضاً من هؤلاء ضمن الكيانات الإرهابية.

وأضاف لـ”الشرق” أنه صحيح  هناك تجاوزات تحدث أحياناً، لكن يمكن معالجتها من خلال القوانين الموضوعية القائمة في قانون العقوبات الجزائري أو بوسائل قانونية أخرى.

وترتفع أصوات من عواصم مختلفة تصف نفسها بالمعارضة، لكن السلطات الجزائرية تصنف بعضاً من هؤلاء ضمن الكيانات الإرهابية.

ففي فبراير 2022، نشرت الجريدة الرسمية الجزائرية قائمة الأشخاص والكيانات الإرهابية في القائمة الوطنية، وفق المرسوم التنفيذي المحدد لتصنيف الأشخاص والكيانات الإرهابية.

وصنف 16 شخصاً في “قائمة الإرهابيين”، بينما صُنفت كل من حركة “الماك”، و”رشاد” على أنهما منظمات إرهابية، وحركة “رشاد” أسسها مجموعة من المعارضين في الخارج في 2007.

وفي مايو 2021، صنف المجلس الأعلى للأمن في الجزائر حركة “رشاد” التي ينشط قادتها في الخارج، وتنظيم “الماك” الانفصالي في منطقة القبائل ككيانين إرهابيين، وتلا ذلك اعتقالات في صفوف هذين التنظيمين واتهامات بإشعال الحرائق وغيرها.

شاركها.