شارك المخرج الإيراني جعفر بناهي في مؤتمر صحفي افتراضي لناخبي “جولدن جلوب”، حضرته “الشرق”، لمناقشة فيلمه الجديد It Was Just an Accident الذي أثار موجة واسعة من النقاش الفني والسياسي منذ إطلاقه في الدورة الأخيرة لمهرجان كان السينمائي، والتي فاز فيها بالسعفة الذهبية.
في بداية المؤتمر، الذي أداره الإعلامي الأميركي جوش هاروتونيان، تلقى بناهي سؤالاً حول معنى الاستمرار في الإبداع في ظل أنظمة قمعية، ملقية الضوء على تشابه الظروف بين إيران ودول لاتينية مثل بيرو وباراجواي، وردّ بناهي قائلاً إن لكل بلد “جغرافيته الخاصة” التي تحدد شكل الصراع، لكن الأنظمة المستبدة حول العالم “تتصرف بطريقة متشابهة”.
وأضاف أن الفنان، داخل القمع، يبتكر دوماً طرقاً “للتنفس والعمل والهروب من الضغط”، مؤكداً أن الإبداع يصبح مساحة مقاومة شخصية، لا وصفة عامة يمكن للجميع تطبيقها.
أزمة التمثيل في الأوسكار
وحول اختيار الفيلم لتمثيل فرنسا في سباق الأوسكار بدلاً من إيران، وأن بناهي ربما يشعر بالأسف لعدم قدرة أعماله على تمثيل بلده رسمياً، أجاب بناهي بوضوح: إنه لسنوات طويلة كان يتمنى فقط أن يُعرض فيلمه في بلده، قبل أن يفكر في الأوسكار، لكنه اصطدم بقواعد الأكاديمية التي تشترط عرض الفيلم أسبوعاً في بلده الأصلي، وهي قاعدة عجزت إيران عن توفيرها له.
وأشار إلى أن فيلميه The Circle و Offside كانا جاهزين لتمثيل إيران، بل إن Sony Pictures ناشدت الحكومة الإيرانية رسمياً السماح بعرض Offside أسبوعاً واحداً ليتأهل، لكن السلطات رفضت.
ووصف بناهي قواعد الأكاديمية بأنها “معطوبة” لأنها تمنح الحكومات حق تحديد أي فيلم يرشَّح، مما يحرم المخرجين في الأنظمة القمعية من فرصة المنافسة العادلة. واقترح “إلغاء فئة الفيلم الدولي بالكامل” ودمج الأفلام غير الأميركية في جميع الفئات، معتبراً ذلك الحل الوحيد لضمان استقلال الفنان عن حكومته.
الكوميديا والواقع الاجتماعي
وعن المزج بين الكوميديا والنقد السياسي في الفيلم، شرح بناهي أن الواقعية الاجتماعية تتطلب إدخال لحظات ضحك حتى “في قلب الحزن”، لأن البشر، في أسوأ ظروفهم، يبتسمون أحياناً، ولهذا تضمن الفيلم نبرة ساخرة حتى آخر 20 دقيقة، حيث ينقلب كل شيء فجأة نحو الصمت والصدمة.
وأشار إلى أن استقبال الكوميديا يختلف حسب الثقافة: “في الولايات المتحدة وكندا يضحكون أكثر.. أما في شرق آسيا فالأمر مختلف”.
وحول مشهد التحقيق الشهير الذي يظهر فيه وجه شخصية واحدة فقط لمدة 13 دقيقة متواصلة، كشف بناهي تفاصيل تقنية دقيقة، وهي أنه توقف عند فكرة “العدالة البصرية”، إذ أراد أن يمنح الشخصية الغائبة طوال الفيلم لحظة مركزية واحدة، كما التقط المشهد كـ “لقطة واحدة طويلة” دون أي قطع، وهي – كما قال – أصعب لقطة نفذها في حياته.
كذلك كشف أنه واجه صعوبة، لأنه لم يكن يعرف شخصية المحقق جيداً، فاستعان بصديقه مهدي محموديان الذي قضى سنوات طويلة في السجن، وساعد في ضبط مشاعر وتصرفات الشخصية.
وأوضح أن فريق العمل اقترح التقاط لقطات إضافية، لكنه رفض “حتى لا أقوم في غرفة المونتاج بتقطيع اللقطة”، مؤكداً أن قوة المشهد تأتي من كونه لقطة طويلة واحدة.
وعن استخدامه المتكرر للمركبات في أفلامه، بدا بناهي مستاءً من التفسير المبالغ فيه لوجود السيارات، قائلاً: “أظن أن الناس حساسة أكثر من اللازم تجاه السيارات في أفلامي، ليست رمزاً، في هذا الفيلم لم أستخدمها إلا 30–40%”.
وأوضح أن الحاجة السردية هي التي فرضت وجود السيارة، لأن “الصندوق الذي يحتوي على الجثة لم يكن ليستوعبه شيء آخر”.
من ذاكرة السجن
وحول ما إذا كانت شهادات ضحايا التعذيب في الفيلم مبنية على أحداث حقيقية، أجاب بناهي أن معظم هذه القصص سمعها من سجناء داخل المعتقل، أو عاشها بصورة غير مباشرة. وقال إن التعذيب بعد الثورة “ازداد بشكل كبير”، وإن ما يظهر في الفيلم مجرد جزء مما جرى توثيقه.
وبسؤاله إذا كان يستطيع العمل خارج بلده؟، رد: “لا شيء مستحيل.. لكن الإبداع خارج الوطن يحتاج فهمًا عميقاً للمكان، سفرياتي لم تمنحني هذه المعرفة، فأنا دائمًا في الفنادق أو غرف المؤتمرات.”
وروى حادثة من بداياته المهنية عندما كلفته جهات رسمية بصناعة فيلم قصير بأسلوب هتشكوك، لكنه شعر بأن العمل من دون روح، فذهب سرًا إلى المعمل، وسرق النيجاتيف وأتلفه بالكامل، لأنه “لم يرغب أن يُنسب إليه فيلم لا يؤمن به”.
عن الحرب
وعن ترشح الفيلم لجوائز السينما الأوروبية. وصف بناهي الترشيح بأنه يمنح الفيلم حياة جديدة ويزيد فضول الجمهور. وتفاخر بأن أكثر من 650 ألف مشاهد شاهدوا الفيلم في فرنسا وحدها، وأن مبيعاته في الولايات المتحدة تجاوزت 1.15 مليون دولار، مشيراً إلى أن هذا أكثر ما يتمناه السينمائي: أن يشاهد الناس عمله.
وكشف بناهي أنه يعمل على مشروع فيلم عن الحرب بدأ كتابته عام 2006، وكان يحتاج ميزانية كبيرة، وقال أن “رائحة الحرب التي تملأ العالم اليوم” تجعل الفيلم أكثر إلحاحاً من أي وقت.
وأكد أن فرص إنتاج الفيلم قد تكون أسهل خارج إيران، لكنه ما زال يبحث عن إمكانات الإنتاج، ويستكمل كتابة السيناريو “كلما وجد وقتًا… حتى في الطائرة”.
