جفاف “الخابور”.. كارثة تطال مئات القرى في سوريا
بغصة ممزوجة بمشاعر العجز واليأس، يتحسر المزارع فريد كمال على حال أرضه الزراعية البالغ مساحتها 150 دونمًا في قرية العريشة شرقي رأس العين في الحسكة، لأن جفاف نهر “الخابور” حوّلها من مروية إلى بعلية، وانخفض إنتاجها تدريجيًا حتى باتت تعطي أقل بثلاثة أضعاف عما كانت عليه قبل سنوات.
يعتمد المزارع على مياه الأمطار لسقاية أرضه وهي غير كافية، ولا يملك القدرة المالية لحفر بئر، ما يجعل الزراعة عملًا لا طائل منه، مستذكرًا حين كان إنتاج الدونم الواحد 450 كيلوغرام من القمح في عام 2005، وانخفاضه إلى ما لا يتجاوز 100 كيلو في الوقت الحالي.
تحدث فريد ل عن وجود آبار، خارج الخدمة، على أطراف النهر يمكن تشغيلها وتفعيلها كي تعود للعمل، لإحياء الأراضي التي تنتظر قطرة المطر في منطقة ذات مناخ جاف صحراوي، تحتاج إلى مصادر مياه أكثر من الأمطار.
أرض المزارع فريد واحدة من مئات آلاف الأراضي في الحسكة ودير الزور، والتي طالتها تدريجيًا أضرار جفاف أجزاء واسعة من نهر “الخابور”، بينما انخفض مستوى مياهه وانتشر التلوث في أجزاء أخرى، ووقعت الكارثة التي كانت تلوح منذ سنوات، لتقضي على ما تبقى من أحد أشهر الأنهار السورية في منطقة الجزيرة، وأهم روافد نهر “الفرات”، وترسخ أزمة مائية لا حلول لها على المدى القريب.
وتحولت الأراضي الزراعية من مروية إلى بعلية إثر جفافه وتلوثه، وفقدت التربة “الخابور” الذي كان مصدر مياهها وشريانها الحيوي، ولا تزال أجزاء منه تصارع للبقاء، بعد أن تراجعت مستويات مياهه، نتيجة عوامل طبيعية وبشرية وسياسية، منها قلة الأمطار، وإنشاء السدود من قبل تركيا، وفصائل “الجيش الوطني السوري”، والاستخدام الجائر للمياه.
تدريجيًا، صارت الأراضي على ضفتي “الخابور” جرداء وذات إنتاج شبه معدوم أو متروكة للقدر دون أي حلول، وتغير نوع الممارسات الزراعية على مدى الـ50 عامًا الماضية، بسبب السدود ومشاريع الري التي بنيت، مع توقعات منذ ثلاث سنوات بأن الجفاف الشديد قادم، وذلك بعد أن كانت الأراضي ذات تربة خصبة تعطي محاصيل استراتيجية شكّلت جزءًا من سلة سوريا الغذائية.
في هذا الملف، تتبع مسار نهر “الخابور” في سوريا، وتناقش وتستعرض الأسباب التي أدت إلى جفافه وتلوثه، والآثار المترتبة على الزراعة والثروة الحيوانية والسكان، بالحديث مع مزارعين ومهندسين، وتطرح حلولًا من خبراء ومتخصصين.
يعد نهر الخابور من أبرز الأنهار الرئيسة في منطقة الجزيرة السورية، ورافدًا مهمًا لنهر “الفرات”، ينبع من جنوب شرق تركيا، ويستمد مصدره الرئيس من عدة ينابيع في منطقة رأس العين، أهمها عين كبريت، وعين الحصان، وعين الزرقاء الشمالية، وعين الزرقاء الجنوبية وعين المالحة وعين الفوارة.
يمر عبر محافظتي الحسكة ودير الزور داخل الأراضي السورية، ويمتد لمسافة تقارب 320 كيلومترًا، ويعتبر شريانًا حيويًا يغذي الزراعة في المنطقة، ويصب في نهر “الفرات” في منطقة البصيرة بدير الزور.
كان المزارعون يعتمدون عليه في ري محاصيلهم، ما جعله مصدرًا رئيسًا للحياة والاقتصاد المحلي، كما لعب دورًا بارزًا في ازدهار المجتمعات الزراعية، وقيام الحضارات القديمة حول ضفافه.
في منطقة رأس العين شمال غربي الحسكة الحدودية مع تركيا، حيث تسيطر “الحكومة السورية المؤقتة”، جف نهر “الخابور” كليًّا منذ نحو 11 عامًا، ما أثر بشكل كبير على الزراعة، وأثقل كاهل سكان المنطقة، وشل حركة الإنتاج في أراضيهم التي تعتمد في الري على مياه النهر، وتركهم أمام خيارات أحلاها مر، فإما ترك الزراعة التي لم تعد “تجلب همها”، أو ري المحاصيل بمياه صرف صحي، أو حفر آبار بكلفة مالية باهظة.
وفق مزارعين ومهندسين ومسؤولين قابلتهم، يعود سبب الجفاف إلى الاستنزاف غير المنظم لموارد المياه، من خلال الحفر العشوائي للآبار على جانبي الحدود، سواء في تركيا أو داخل الأراضي السورية، إضافة إلى توقف تدفق المياه القادمة من تركيا، ما أدى إلى انقطاع كامل لجريان نهر “الخابور”.
وتبلغ مساحة الأراضي الزراعية في رأس العين، التي كانت تعتمد على مياه نهر الخابور 150 ألف دونم، وتحولت من نظام الري إلى الزراعة البعلية، وصارت تعتمد بشكل كامل على الأمطار، وانخفضت إنتاجيتها أضعافًا، وفق إحصائية من المجلس المحلي ل.
منذ 2012، توقف المزارع علي الحسون عن زراعة 70 دونمًا من الأراضي الزراعية في قرية عين حصان القريبة من بلدة تل حلف برأس العين، بسبب جفاف نهر “الخابور”، حيث كان يعتمد على مياهه لري محاصيله.
وذكر ل أن الآبار الموجودة على أطراف النهر، التي حفرتها مؤسسة المياه التابعة لحكومة النظام السوري منذ عام 2012، توقفت عن العمل ولم يتم إعادة تشغيلها من قبل “الإدارة الذاتية” (سيطرت على المنطقة من 2013 إلى 2019) أو من قبل “الحكومة المؤقتة” التي تسيطر حاليًا.
الحل الوحيد لسقاية أرضه والعودة إلى الزراعة هو حفر بئر، لكنه لا يملك تكاليف حفره، لأن تكلفة حفر وتركيب منظومة طاقة شمسية، في أرض زراعية مساحتها 100 دونم مثلًا، تصل إلى 18 ألف دولار أمريكي (نحو 270 مليون ليرة سورية)، وهو مبلغ لا يستطيع معظم السكان تحمله.
واعتبر أن ترك الأرض جرداء دون زراعة أفضل من زراعتها لأن الإنتاج لن يسد التكاليف، بينما ترك مزارعون آخرون أراضيهم تدريجيًا.
موجة جفاف.. سرقة معدات وغطاسات
لا يمتلك مزارعو رأس العين القدرة على حفر آبار خاصة بهم لري أراضيهم الزراعية، نظرًا لانخفاض مستوى المياه لأكثر من 150 مترًا في المناطق المحاذية لنهر “الخابور”، وقد اعتمد معظمهم على تشغيل الآبار التي حفرتها مؤسسة المياه التابعة لحكومة النظام السوري عام 2012، والتي توقفت عن العمل بعد خروج المنطقة من سيطرته، وانتقالها إلى “الإدارة الذاتية” ثم المعارضة السورية.
مصدر في الموارد المائية بالمجلس المحلي في رأس العين، قال ل، إن نهر “الخابور” شهد موجات جفاف حادة في عام 1930، نتيجة للتغيرات المناخية التي أثرت على تركيا وسوريا بشكل عام.
وأضاف أن النهر استعاد تدفقه الطبيعي في عام 1950، بمعدل 48 مترًا مكعبًا في الثانية، لكن هذا المعدل انخفض بشكل ملحوظ إلى 10 أمتار مكعبة في الثانية بحلول عام 1990، ليصل إلى جفاف تام مع بداية الألفية الجديدة.
وذكر المصدر أن مؤسسة المياه قامت خلال فترة الجفاف بحفر 87 بئرًا على ضفتي النهر، ما ساهم في تغذيته وتوفير المياه لمساحة تصل إلى 150 ألف دونم، بالإضافة إلى دعم المراعي في المنطقة.
هذه الآبار توقفت عن العمل في عام 2012، بسبب انقطاع التيار الكهربائي وسرقة المعدات والغطاسات، ما زاد من تفاقم أزمة المياه في المنطقة، وتحول 150 ألف دونم لأراضي بعلية، وفق المصدر.
وتابع أنه لا توجد بدائل للمزارعين حتى يتم تفعيل الآبار الموجودة على طرفي النهر، وذلك بسبب انخفاض منسوب المياه الجوفية بشكل كبير عن السابق.
350 دونم تسقى بمياه صرف صحي
يضطر مزارعون في رأس العين إلى سقاية أراضيهم المحاذية للحدود التركية بمياه ملوثة نتيجة الاختلاط بمياه الصرف الصحي، وتقع هذه الأراضي ضمن قرى كشتو وتل حلف وعين الزرقاء، وتسقى بمياه نهر “الخابور” المنحدرة من مدينة جيلان بينار التركية.
على جانبي مجرى النهر الذي ينبع من تركيا ويدخل الأراضي السورية، تتوزع المحركات و”الغطاسات” التي تسحب المياه من المجرى، ومن برك المياه المتشكلة، وتسقى بها الأراضي رغم وضوح تلوثها واختلاطها بمياه الصرف.
مياه الصرف الصحي ليست جديدة على المنطقة، فقد كانت تأتي قبل 2011 منذ كان النظام السوري مسيطرًا، لكن المزارعين كانوا يعتمدون على الآبار الارتوازية التي تقوم بتشغيلها مؤسسة المياه حينها، ما يجعل مياه نهر “الخابور” غير راكدة.
المتحدث باسم المجلس المحلي برأس العين، زياد ملكي، قال ل، إن المساحات المزروعة بمياه الصرف الصحي على ضفتي نهر “الخابور” انخفضت من 400 دونم إلى 350 دونم.
وأوضح أن المجلس يعمل بشكل مستمر على تعقيم المياه، إضافة إلى منع زراعة الخضروات باستخدام مياه الصرف الصحي، وأصدر قرارات منها الاكتفاء بزراعة الأعلاف.
وأضاف أنه تم تصريف مياه الصرف عبر مجاري الصرف الصحي، كما نفذت فرق البلدية عمليات تنظيف ورش للمستنقعات المتكونة بسبب هذه المياه.
وأشار إلى أن المجلس على تواصل مستمر مع الجانب التركي لإيجاد حل جذري لهذه المشكلة، لافتًا إلى أنه سيتم حل مشكلة الصرف الصحي في بلدة تل حلف، من خلال توجيه المياه إلى مجاري الصرف الصحي بدلًا من تركها تجري في النهر.
ووفق أرقام حصرية حصلت عليها، فإن مساحة الأراضي الزراعية في رأس العين تبلغ 1.270 مليون دونم، المزروعة منها تبلغ 200 ألف دونم فقط، بينما تتجاوز مساحة الأراضي البعلية 420 ألف دونم، وباتت متصحرة نتيجة هبوط مستوى المياه، وتعتبر ذات إنتاج قليل وشبه معدوم.
سلاح حرب
انتهت سيطرة النظام السوري على مدينة رأس العين وجارتها تل أبيض في عام 2012، أمام سيطرة “الجيش الحر”، ثم سيطرت “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) الجناح العسكري لـ”الإدارة الذاتية” عام 2013 حتى عام 2019 (كان اسمها بداية السيطرة القوات الكردية)، ثم سيطر “الجيش الوطني السوري” عليهما مدعومًا من القوات التركية في عملية “نبع السلام”.
كانت المياه سلاح حرب في سوريا استخدمته الجهات بمختلف مناطق السيطرة، ولم يسلم نهر “الخابور” من التسييس، حيث وثقت منظمة “PAX” الهولندية، استخدام فصائل “الجيش الوطني” مياه نهر “الخابور” للضغط على المناطق التي تسيطر عليها “الإدارة الذاتية”.
وذكرت في تقرير لها عام 2021، أن “الجيش الوطني” استحدث ثلاثة سدود على نهر “الخابور”، ومنذ أواخر أيار وحتى أوائل تشرين الأول 2021، توقف تدفق المياه في النهر، بعد أن كان يعتمد على مياهه 60 مجتمعًا على طول ضفتي النهر، وأكثر من 20 مجتمعًا آخر بالقرب منه (حتى مسافة 4 كيلومترات).
بناء السدود الثلاثة، حينها، فاقم تداعيات جفاف قاس شهدته المنطقة، وفق المنظمة التي خلصت إلى أن حصار تدفق المياه من نهر “الخابور” خلال فترة تعتبر الأكثر جفافًا في تاريخ سوريا سيكون له عواقب وخيمة على السكان في مجرى النهر، واعتبرته إجراءً متطرفًا أدى إلى حرمان السكان المدنيين من قوتهم، وفيه خرق للقانون الإنساني الدولي، وقانون حقوق الإنسان الدولي.
بعد رأس العين، يتجه النهر إلى بلدة تل تمر، وتعتبر قرية تل طويل شمال تل تمر أول نقطة يدخل فيها النهر، وتقع تحت سيطرة “الإدارة الذاتية” (يقابلها قرية المناجير من جهة سيطرة فصائل المعارضة)، وبعدها إلى مدينة الحسكة ثم إلى البصيرة في دير الزور، حيث يصب هناك في نهر “الفرات”.
لا يختلف حال النهر في مناطق سيطرة “الإدارة الذاتية” عن مناطق سيطرة “الحكومة المؤقتة”، وجف في أقسام منه كليًا، وتلوث وانتشرت المخلفات في أجزاء اخرى منه وفي روافده، ما أخرجها عن الخدمة، وباتت منبعًا للأمراض والأوبئة والحشرات، وحُرم السكان من الاستفادة منه سواء في الزراعة أو الشرب.
لنهر “الخابور” في الحسكة عدة روافد منها نهر “جغجغ” الذي يلتقي فيه عند مدينة الحسكة التي يمر من وسطها النهر، وكذلك نهر “زركان” الذي يصب فيه في أطراف تل تمر الجنوبية، ونهر “جرجب” يلتقي بـ”الخابور” عند قرية السفح.
روافد “الخابور” عبارة عن أنهار صغيرة، تجري فيها المياه فقط خلال فصل الشتاء، وتكون جافة أغلب أشهر السنة، وهي تعتبر أيضًا مصبًا لروافد أخرى أصغر، فنهر”جغجغ” يصب فيه نهر “الجراحي” قبل أن يلتقي بنهر “الخابور”.
وعلى طول سرير نهر “الخابور”، تتوزع مئات القرى التي كانت تسقي محاصيلها منه، ففي منطقة سرير النهر من تل تمر وحتى الحسكة يوجد نحو 33 قرية كانت تعتمد في زراعتها على النهر، وفقدته إثر جفافه وتلوثه.
لا قطن أو خضراوات.. شعير فقط
يستذكر المزارع طارق الجوير (55 عامًا) من قرية التوينة شمال غربي الحسكة، كيف كان “الخابور” مصدرًا رئيسيًا لري الأراضي الزراعية الخصبة المحيطة به، لكن انخفاض منسوب المياه خلال السنوات الماضية بشكل “كارثي” حولها إلى أراض بإنتاج شبه معدوم.
وقال المزارع ل، إن أسبابًا كثيرة كانت وراء الجفاف منها تقطع تدفق المياه من تركيا إلى سوريا وسنوات الجفاف، والتلوث الذي فاقم الوضع، لافتًا إلى أنه مع شح الأمطار تكونت مستنقعات صغيرة مليئة بالأوساخ، ما أدى إلى انتشار الحشرات الناقلة للأمراض.
هذه الظروف جعلت من الصعب الحفاظ على الزراعة، خاصة زراعة القطن التي كانت تشتهر بها المنطقة، حيث تضررت بشكل كبير بسبب نقص المياه، وارتفاع تكاليف الإنتاج.
10 هكتارات (كل هكتار 10 دونمات) يمتلكها الجوير، كان يزرع 9 منها بالقطن، وهكتارًا واحدًا يزرعه بالخضراوات من بندورة وباذنجان وبصل وخس وغيرها، وكان يسقيها مباشرة “بكل سهولة ويسر” من مياه النهر باستخدام مضخة عادية (سنترفيش)، ومع تدهور الوضع تحول إلى زراعتها كلها بالشعير بالاعتماد على مياه الأمطار.
حالة طارق الجوير تشبه مئات المزارعين الذين رصدتهم، ممن فقدوا مصدر دخلهم أو تقلص من الزراعة في منطقة سرير الخابور جراء جفاف النهر.
وتعكس الإحصائيات تراجع زراعة القطن إثر عدة عوامل سواء لانخفاض سعر الشراء أو غياب أسواق التصريف، لكن جفاف “الخابور” تسبب في عزوف المزارعين عن زراعة “الذهب الأبيض”، خصوصًا وأنه يحتاج إلى سقاية أكثر من غيره من المحاصيل.
وتقع معظم المساحات المزروعة بالقطن في الحسكة تحت سيطرة “الإدارة الذاتية”، وبحسب رصد فإنه في عام 2022، تجاوزت مساحة الأراضي المزروعة بالقطن 50 ألف هكتار، في شمال شرقي سوريا (الحسكة والرقة ودير الزور)، بينما انخفضت المساحات المزروعة بالقطن عام 2024 إلى 42.5 ألف هكتار في المناطق الثلاث، أي أن شمال شرقي سوريا خسر 7.5 ألف هكتار من القطن خلال العاميين الماضيين.
في المقابل، يسيطر النظام السوري على أجزاء محددة من محافظة الحسكة، ويضع خطة لزراعة المحصول كل موسم، لكن المساحات المخطط لزراعتها لا تتوافق مع خططه، ودائمًا أقل منها، وفي انحدار خلال السنوات الماضية.
“انعدمت تمامًا”
صالح العزو (43 عامًا) مهندس زراعي من مدينة الحسكة، قال ل، إن مساحة الأراضي التي كانت تسقى بنهر الخابور تقدر بـ180 ألف هكتار، تقلصت الآن بنحو 90%، و”انعدمت تمامًا” في بعض المناطق.
ووصف المهندس حال الزراعة في سرير الخابور “بالفظيع والمروّع”، فجفاف النهر لم يؤثر فقط على زراعة المحاصيل الأساسية كالقطن والقمح، بل سبب اختفاء العديد من الزراعات الأخرى مثل زراعة الأشجار المثمرة كالعنب والخضراوات الصيفية والشتوية.
المهندس أوضح أن جفاف النهر نتج عنه مشكلة “السقي بمياه الصرف الصحي”، حيث تصب مجاري الصرف الصحي ضمن مدينة الحسكة من أحياء غويران وغيرها ضمن النهر وتصل حتى الشدادي.
وذكر أن معظم مياه الصرف الصحي تأتي من مدينة الحسكة، وهي مشكلة وإن كانت قديمة، لكن تأثيرها زاد مع جفاف النهر، وتحولت ضفتا النهر لمكب للنفايات خلال مروه بأحياء المدينة، كما تتجمع الحشرات والقوارض والكلاب الضالة.
وفق المهندس، كانت غزارة تدفق النهر سابقًا وجريانه تحول دون ظهور تأثير عليه من مياه الصرف الصحي عليه.
أما في منطقة الشدادي، حيث كان يعتمد العديد من السكان أيضًا على نهر “الخابور”، لجأ بعضهم إلى حلول بديلة، عبر حفر الآبار وتشغيلها باستخدام الطاقة الشمسية، وبلغت فيها المساحات المروية 98 ألفًا و933 دونمًا، بينما بلغت مساحة الأراضي البعلية 27 ألفًا و324 دونم.
يعد نهر “الخابور” خارج حسابات المزارعين في دير الزور، هناك حيث الجزء الأخير منه قبل أن يصب في نهر “الفرات” عند منطقة البصيرة، ولم يعتمد الأهالي عليه في الري منذ أكثر من 25 عامًا، حسب أحمد الهرمز (65 عامًا)، من أهالي قرية حريزة بريف دير الزور الشمالي.
ويعتمد الأهالي في ري محاصيلهم على قناة للري موجودة في قرية الصبحة، والقناة تصل إلى بلدة الصور، وتعطي المياه لأكثر من 20 قرية وبلدة بمنطقة الخابور، بريف دير الزور الشمالي.
يستمد المزارعون المياه من القناة إلى أراضيهم عبر أنابيب، ويشكلون بركًا مائية لري محاصيلهم، وهي طريقة وحيدة لتأمين بعض المياه.
إسماعيل الطه مسؤول قسم الزراعة الشمالي في مجلس دير الزور المدني التابع لـ”الإدارة الذاتية”، قال ل، إن نهر الخابور يعتمد بشكل رئيس على قناة الري الموجودة في بلدة الصبحة شرقي دير الزور.
وذكر أن القناة لها عدة مآخذ، تقريبا كل 7 كيلومترات يوجد مأخذ من القناة، ويصب في نهر “الخابور” ليغذي المنطقة المجاورة له، لكنه لا يكفي لتغذيتها بشكل كامل.
وأضاف الطه أن أكثر المزارعين قاموا بحفر أماكن تجميع للمياه، وتلك الحفر لا تكفي سقاية ثلاثة إلى أربعة دونمات، ما أثر على تراجع الزراعة بشكل عام.
قبل جفاف “الخابور”، كان أغلب مزارعي المنطقة يعتمدون على مياهه، وكانت الزراعة مزدهرة سواء الشتوية أو الصيفية، مثل محاصيل القطن والسمسم والقمح وغيرها، وكان للسدات دور مهم في حجز المياه وتغذية المنطقة، لكن برك تجميع المياه الحل المتبقي لهم.
وفق المزارع، فلاح العايش، في ريف دير الزور الشمالي، فإن قلة من المزارعين يستطيعون حفر برك مياه كبيرة عن طريق آليات ثقيلة، وتستطيع هذه البرك سقاية من 5 إلى 6 دونمات.
وقال المزارع ل، إن أغلب الأهالي يزرعون أراضيهم شتاء فقط، وذلك اعتمادًا على مياه الأمطار.
مسؤول قسم الزراعة الشمالي، إسماعيل الطه، قال إن مساحة الأراضي المزروعة في فصل الصيف منخفضة قرب “الخابور”، وتقريبا تصل من 10 الى 15% في السماحة من منطقة الصور الى منطقة البصيرة.
تأثيرات اقتصادية وبيئية واجتماعية
يؤثر الجفاف على جميع أجزاء البيئة والمجتمعات، وكثيرًا ما يتم تصنيف التأثيرات المختلفة للجفاف على أنها اقتصادية وبيئية واجتماعية، والتأثيرات اقتصادية، هي التي تكلف الناس (أو الشركات) المال.
وأبرز تداعيات الجفاف اقتصاديًا، أن يخسر المزارعون أموالهم، إذا أدى الجفاف إلى تدمير محاصيلهم، وإنفاق المزيد من المال على الري أو حفر آبار جديدة، كما يضطر مربو الماشية إلى إنفاق المزيد من الأموال على الأعلاف والمياه لحيواناتهم، وقد يضطر الناس إلى دفع المزيد مقابل الطعام.
أما التأثيرات البيئية للجفاف، فتشمل، انخفاض مستويات المياه في الخزانات والبحيرات والبرك، وفقدان الأراضي الرطبة، وحصول المزيد من حرائق الغابات، وتآكل التربة بفعل الرياح، ورداءة جودة التراب، ونقص الغذاء ومياه الشرب للحيوانات البرية، وهجرة الحياة البرية.
وبالنسبة للتأثيرات الاجتماعية للجفاف، فهي الطرق التي يؤثر بها الجفاف على صحة الناس وسلامتهم. وتشمل السلامة العامة والصحة والصراعات بين الناس عندما لا يكون هناك ما يكفي من المياه للجميع والتغيرات في نمط الحياة.
ومن أمثلة التأثيرات الاجتماعية، فقدان حياة الإنسان، والقلق أو الاكتئاب بسبب الخسائر الاقتصادية الناجمة عن الجفاف، وظهور مشكلات صحية مرتبطة بانخفاض تدفقات المياه وسوء نوعية المياه، وقد يضطر الناس إلى الانتقال من المزارع إلى المدن.
ما الحلول؟
ذكرت منظمة “PAX” في تقريرها حول إنشاء السدود على نهر “الخابور” في رأس العين، عدة توصيات دعت فيها الأطراف المسؤولة بما فيها “الجيش الوطني السوري” والحكومة التركية إلى:
- إزالة جميع السدود على نهر الخابور فورًا، ووقف حصار المياه المتدفقة نحو المصب.
- احترام الالتزامات القانونية الدولية بشأن حماية البنية التحتية المدنية، كما يحميها البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف.
- الالتزام بالحوار السلمي بشأن الحلول المتعلقة بتدهور الموارد الطبيعية بسبب التغير المناخي.
ودعت المنظمة المجتمع الدولي إلى التعاون بشكل استباقي مع تركيا لضمان وصول المدنيين إلى مياه النهر، وإعداد استراتيجية للمنطقة بشأن تحديات المياه العابرة للحدود المرتبطة بالتطورات المرتبطة بتغير المناخ والتي تؤثر على المياه السطحية والجوفية ونمو التربة والنباتات.
كما دعت مجلس حقوق الإنسان ولجنة التحقيق إلى إدراج عمليات انسداد الأنهار في رصد الأوضاع، وإدراج انتهاكات الوصول إلى المياه بشكل منهجي في تقاريرها وإثارة ذلك مع السلطات المعنية.
ودعت مجلس الأمن الدولي إلى ضمان اطلاعه بشكل منتظم على تأثيرات انعدام الأمن المائي التي يواجهها المدنيون في سوريا، وغيرها من المناطق المتضررة من النزاع خلال إحاطاته الشهرية حول الوضع الإنساني، وضمان مشاركة منظمات المجتمع المدني في الإحاطات وآليات إعداد التقارير.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية
أرسل/أرسلي تصحيحًا
مرتبط
المصدر: عنب بلدي