جمارك ترمب في “يوم التحرير”.. الأميركيون قد يدفعون الثمن

يخوض الرئيس الأميركي دونالد ترمب، هذا الأسبوع، مغامرة قد تحدد مصير ولايته الثانية ومسار الاقتصاد والأوضاع المالية لملايين الأميركيين، مستنداً إلى قناعته الراسخة بأن الرسوم الجمركية قادرة على استعادة “عصر ذهبي” من الازدهار والاستقلال الاقتصادي للولايات المتحدة، بحسب CNN.
وتساءلت الشبكة عما إذا كان ترمب سيمضي قدماً في خططه، إذ ترى أن قيادة ترمب المتقلبة تجعل من المستحيل التنبؤ بأي شيء حتى يحدث، كما أن أوامره الصارمة، لا سيما في مجال التجارة، كثيراً ما تُلغى فور صدورها.
ويعد ترمب بأن يكون الثاني من أبريل “يوم التحرير”، تعبيراً عن تطلعاته لتحرير الاقتصاد الأميركي من الاعتماد على دول أجنبية وفق رؤيته، حيث سيفرض رسوماً جمركية قائمة على أساس المعاملة بالمثل على الدول التي تفرض رسوماً على السلع الأميركية.
وتعد هذه الرسوم حجر الزاوية في خطة ترمب لإعادة توازن التجارة العالمية وتعزيز الصناعة الأميركية، كما تهدف إلى تحصيل رسوم جمركية لتمويل أولويات داخلية، بينها تمديد التخفيضات الضريبية التي أُقرت خلال ولايته الأولى، وتنفيذ وعود جديدة أطلقها خلال حملة 2024.
تشكيل النظام التجاري العالمي
وقالت الشبكة إن خطوة ترمب “الأكثر جرأة حتى الآن” لإعادة تشكيل النظام التجاري العالمي قد تؤثر على كل أميركي، إذ قد تؤدي إلى ارتفاع الأسعار في وقت تعاني فيه ميزانيات الأسر بالفعل من ضغوط متزايدة.
لكن الرئيس يطلب “ضمنياً” من الجميع تبني استراتيجية تعد بمكاسب مغرية مستقبلاً، لكنها تتطلب تضحيات لسنوات قادمة.
وأضافت الشبكة أن سياسات ترمب في الحرب التجارية تسببت بالفعل في محو تريليونات الدولارات من أسواق الأسهم، حيث هبط مؤشر “داو جونز” الصناعي بمقدار 700 نقطة، الجمعة، ما زاد مخاوف حدوث ركود اقتصادي مع تراجع ثقة المستهلكين، كما أغضب حلفاء الولايات المتحدة، في وقت بدأت فيه سياسته الخارجية في تفكيك منظومة التحالفات الغربية.
ومع اقتراب موعد فرض الضرائب، يواصل ترمب تقويض الثقة التي يعتمد عليها استقرار الاقتصاد من خلال إثارة توقعات متضاربة، إذ يلمّح، على سبيل المثال، إلى أن بعض الدول أو الصناعات قد تحصل على استثناءات من الرسوم الجمركية الجديدة، قبل أن يعود للقول إنها ستشمل كل الدول.
وترى CNN أن قيادة ترمب “المتقلبة” تشكل خطراً لا يقل خطورة عن السياسات نفسها، بينما يرى ترمب أن فرض الرسوم الجمركية على الواردات سيجبر الشركات على نقل التصنيع وسلاسل التوريد إلى الولايات المتحدة، ما يسهم في خلق وظائف وإحياء المناطق التي دمرتها العولمة.
لكن الجانب السلبي هو أن الرسوم الجمركية سترفع الأسعار على المستهلكين الأميركيين الذين يعانون بالفعل من غلاء المعيشة، كما لا يوجد أي ضمان بأن الشركات ستعيد الإنتاج إلى داخل الولايات المتحدة، إذ إن مثل هذا التحول قد يستغرق سنوات، وربما يتجاوز فترة حكم ترمب، وفق CNN.
وقالت الشبكة إن مُضي ترمب قدماً في خطته سيكون بمثابة “مخاطرة سياسية هائلة”، لكنه يبدو غير مكترث بالتداعيات المحتملة.
ففي تعليق صادم لشبكة NBC News، السبت، كان ترمب غير مبالٍ بارتفاع أسعار السيارات الناجم عن رسومه الجمركية الجديدة على الصناعة، إذ قال في مقابلة هاتفية: “لا يهمني إطلاقاً إذا رفعوا الأسعار، لأن الناس سيبدؤون في شراء السيارات الأميركية الصنع (…) إذا ارتفعت أسعار السيارات الأجنبية، فسيشترون السيارات الأميركية”.
وقالت CNN إن هذا الموقف قد يؤدي إلى رد فعل سياسي عكسي، في وقت يبدي فيه الجمهوريون قلقاً إزاء التأثير الانتخابي لتباطؤ الاقتصاد وسياسات ترمب، وفي وقت تهدد فيه الانتخابات الخاصة لمجلس النواب في فلوريدا هذا الأسبوع بإحراج الحزب.
وأضافت الشبكة أن رؤية ترمب تتجاهل أيضاً التعقيدات المرتبطة بالرسوم الجمركية البالغة 25% على السيارات، والتي من المقرر أن تدخل حيز التنفيذ هذا الأسبوع، موضحة أن عمليات التصنيع مترابطة بشكل عميق مع المصانع في كل من المكسيك وكندا.
وهذا يعني أن معظم السيارات المُصنعة في الولايات المتحدة ستصبح أكثر كلفة، ورغم أن السيارات الأميركية قد تكون معفية من الرسوم الجمركية مستقبلاً، إلا أن ارتفاع تكاليف الإنتاج والاستثمارات اللازمة لحصر التصنيع داخل الولايات المتحدة سيُلقى بعبئه على المستهلكين.
وخلال السنوات المقبلة، سترتفع أسعار السيارات الجديدة بآلاف الدولارات، ما قد يؤدي إلى فقدان وظائف في قطاع صناعة السيارات.
الرابحون والخاسرون
وقالت CNN إن إيمان ترمب بالقوة “شبه السحرية” للرسوم الجمركية ينبع من رؤيته للعالم بمنطق “الرابحين والخاسرين”، وقناعته بأن الولايات المتحدة تعرضت للاستغلال طويلاً من قبل القوى الأوروبية والآسيوية التي تحمي صناعاتها.
وأوضح ترمب ذلك خلال تصريحات صحافية الأسبوع الماضي، قائلاً: “سنفرض رسوماً على الدول التي تمارس الأعمال في بلادنا، وتأخذ وظائفنا وثروتنا والكثير من الأشياء التي ظلت تستحوذ عليها على مدى سنوات. لقد أخذوا الكثير من بلدنا، سواء كانوا أصدقاء أم أعداء”.
وتعود سياسة الرسوم الجمركية إلى بداية تاريخ الولايات المتحدة، لكن العديد من الاقتصاديين يحملون السياسات التجارية التقييدية مسؤولية التسبب في معاناة شديدة خلال الكساد الكبير في ثلاثينيات القرن الماضي.
وبعد الحرب العالمية الثانية، شهدت التجارة العالمية تخفيفاً تدريجياً للقيود قبل أن تشهد تحولاً جذرياً مع مطلع القرن الـ21.
ويرفض ترمب الاعتراف بالإجماع الاقتصادي الذي يؤكد أن الرسوم الجمركية تؤدي إلى ارتفاع الأسعار، لأن المستوردين ينقلون تكاليف الرسوم الإضافية إلى المستهلكين، ويثير ذلك قلقاً، خصوصاً إذ لم يحصل الناخبون على قدر كبير من التخفيف من ارتفاع أسعار السلع الأساسية خلال سنوات الجائحة.
ورغم تراجع التضخم، مع ظهور مؤشرات على عودته للارتفاع، فإن كلفة المعيشة لم تعد إلى مستوياتها التي كانت عليها قبل 5 سنوات.
ويرى مسؤولو الإدارة بأن سياسات ترمب ستعيد الحياة إلى الشوارع الرئيسية التي تضررت بسبب إغلاق المتاجر، وكان شعور الخسارة في مناطق “حزام الصدأ” أحد العوامل التي عززت صعود ترمب سياسياً، إذ تمكن من استغلال غضب الأميركيين العاديين بفاعلية تفوق غيره من السياسيين في جيله، بحسب CNN.
جنة صناعية على طراز الخمسينيات
وتساءلت CNN ما إذا كانت رؤية ترمب المثالية لمستقبل الاقتصاد الأميركي “واقعية”، قائلة إن إعادة إنشاء “جنة صناعية أميركية” على طراز الخمسينيات تبدو بعيدة المنال في عصر ترتكز فيه الميزة التنافسية والقوة الاقتصادية للولايات المتحدة على قطاعات الخدمات والتكنولوجيا، فضلاً عن تنامي الوظائف والتجارة القائمة على الذكاء الاصطناعي.
وفي حين أن اقتصادات أخرى، مثل كندا، قد تتضرر من حرب تجارية مع الولايات المتحدة الأقوى اقتصادياً، إلا أنها لا تزال قادرة على إلحاق ضرر كبير بالمستهلكين الأميركيين، وفق CNN.
كما أن عدم القدرة على التنبؤ قرارات ترمب، من تمديد المهل الزمنية، إلى تقديم استثناءات من الرسوم الجمركية، ثم التراجع عن قراراته قبل أن يعيد التشديد عليها، يأتي بنتائج عكسية.
وقالت CNN إن الخطر الذي يشكله “سياسي متقلب يحاول التلاعب بالاقتصاد العالمي، وفقاً لأهوائه المتغيرة كل ساعة ينذر بكارثة، ويعزز حالة عدم اليقين التي ستثني الشركات المصنعة عن العودة إلى الولايات المتحدة”.
وأضافت الشبكة أن هناك شكوكاً حول ما إذا كان الرئيس مستعداً للمضي في هذا النهج على المدى الطويل، وما إذا كان على استعداد لدفع الثمن سياسياً واقتصادياً لإعادة تشكيل الاقتصاد العالمي، لكن بعض المؤشرات تدل على أنه عازم على ذلك.