في مشهد يعكس قوة الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي، لعب الناخبون الشباب من أصول مسلمة، دوراً محورياً في دفع عائلات بأكملها لدعم ترشح زهران ممداني، لمنصب عمدة مدينة نيويورك الأميركية، في الانتخابات التمهيدية عن الحزب الديمقراطي.
قاد الشباب الحملة من داخل البيوت، واستجاب الآباء لتأثيرهم، ما ساهم في تحقيق ممداني تقدماً مفاجئاً على خصمه المخضرم أندرو كومو، ليقترب من دخول التاريخ كأول عمدة مسلم للمدينة، بحسب صحيفة “نيويورك تايمز”.
وقالت الصحيفة، إنه في ظهيرة يوم الثلاثاء، كانت بلكيس أختر، مساعدة مدير مدرسة EPIC High School North في حي ريتشموند هيل بكوينز، منهمكة في عملها، حين بدأ هاتفها يضج بسيل من الرسائل النصية والتنبيهات عبر تطبيقات إنستجرام، وتيك توك من أبنائها الخمسة البالغين، وكان كل منهم أدلى بالفعل بصوته لصالح زهران ممداني في الانتخابات التمهيدية لاختيار مرشح الحزب الديمقراطي لمنصب عمدة نيويورك.
وقال لها ابنها حمزة محفوظ (24 عاماً)، في رسالة: “أمي، لماذا أنت ما زلت في العمل؟ يجب أن تذهبي للتصويت فوراً!”.
ورغم أن أختر دعمت في السابق المرشح المنافس أندرو كومو، حين كان حاكماً للولاية، وصوتت أيضاً لوالده ماريو كومو قبل سنوات، إلا أنها طلبت من أبنائها التوقف عن الإلحاح، غير أن حملتهم العائلية المكثفة لإقناعها، عبر إرسال مقاطع فيديو لممداني على تيك توك، أثمرت في النهاية، وقالت أختر: “هذا الشاب عبقري.. وودود للغاية”.
وأضافت ساخطة على الحملة السلبية ضد ممداني: “كل إعلانات كومو حاولت تصوير ممداني كإرهابي، لكنه في النهاية نيويوركي مثلي تماماً”.
وبحلول مساء الأربعاء، كان ممداني، عضو الجمعية التشريعية عن كوينز، حصل على 43% من الأصوات، ما يجعله في موقع شبه مؤكد لتحقيق أحد أكبر المفاجآت السياسية في تاريخ مدينة نيويورك خلال جيل كامل، ومن المتوقع إعلان النتائج النهائية، الأسبوع المقبل، لكن كومو أقر بالهزيمة، مساء الثلاثاء.
وفي حال فوزه في الانتخابات العامة المقررة في نوفمبر، سيصبح ممداني أول عمدة مسلم في تاريخ نيويورك، وأول عمدة من أصول جنوب آسيوية.
وتضم مدينة نيويورك نحو مليون مسلم، وركز ممداني جهوده للوصول حتى إلى الناخبين غير المعتادين على المشاركة، خاصة من الجاليات المسلمة، معتمداً على استراتيجية إعلامية مبتكرة عبر منصات مثل تيك توك وإنستجرام، إذ كان يخاطب الناخبين مباشرة.
وقالت زارا رحيم، كبيرة مستشاري الحملة، إن الاستراتيجية الرقمية لم تكن لتنجح دون الجدول المكثف للقاءات الميدانية، التي شملت أحياء المسلمين والطبقة العاملة.
وأضافت: “كان ممداني يظهر بشكل متكرر في المساجد، ويتحدث في تجمعات بلغات مثل الهندية والإسبانية، ما أعطى انطباعاً بأن هذه الأحياء مهمة بالنسبة له”.
وتابعت زارا: “رأينا أناساً مثل الأعمام البنغاليين والعائلات من غرب إفريقيا، الذين لم يشاركوا قط في انتخابات تمهيدية لعمدة المدينة، يقررون التصويت لمجرد أن هناك مرشحاً زارهم وخاطبهم بلغتهم وأظهر اهتمامه بقضاياهم”.
وكان لمواقع التواصل الاجتماعي دور محوري في تعزيز شهرة ممداني، خاصة أن “جزءاً كبيراً من سكان المدينة لم يكن يعرف من هو قبل 100 يوم فقط”، بحسب أنيل داش، رائد أعمال تقني من أصول هندية ومستشار سابق في مكتب الاستراتيجية الرقمية بالبيت الأبيض خلال إدارة الرئيس السابق باراك أوباما.
وأشار داش إلى أن منشورات ممداني على منصات التواصل لم تعتمد على المقاطع الساخرة أو الميمات الشائعة، بل كانت مقاطع مباشرة يظهر فيها المرشح وهو يناقش قضايا يومية مثل أسعار البقالة، وتكاليف المواصلات.
وأضاف أن هذا الأسلوب ساعد أنصاره الشباب على إقناع آبائهم وأجدادهم بدعمه، لأن المحتوى كان جوهرياً وبسيطاً بدلاً من أن يكون نخبوياً أو تهكمياً.
وتابع داش: “لم يكن يقفز خلف الصيحات أو الهاشتاجات المنتشرة”، مشيراً إلى أن هذا النهج “بنى الكثير من الثقة، خاصة مع الأجيال الأكبر سناً”.
وفي حي باي ريدج في بروكلين، المعروف محلياً باسم “فلسطين الصغيرة”، جلست لينا محمد، الطالبة العراقية (18 عاماً)، في مقهى يوم الأربعاء، وقالت إنها لم تهتم بالانتخابات من قبل، لكن حملة ممداني جذبت دعم أسرتها بأكملها.
وأضافت بابتسامة: “كنا معجبين به كثيراً”.
وغير بعيد عن المقهى، جلس الطبيب الفلسطيني حبيب جودة (72 عاماً)، في مكتبه خلف عيادة الرعاية العاجلة التي يديرها، وقال إنه شعر بسعادة لرؤية هذا الحماس من الشباب في الحي تجاه حملة انتخابية.
وأضاف: “الجميع سعداء، ليس لأنه مسلم، بل لأن هناك تغييراً حقيقياً يحدث”.
وفي جاكسون هايتس، أحد أكثر أحياء كوينز كثافة سكانية، حيث تقيم جاليات كبيرة من أصول جنوب آسيوية ومسلمة، قالت سمية حق (20 عاماً) إنها تابعت الحملة من خلال مجموعة دردشة تضم أكثر من 300 شخص.
وأشارت إلى أنها تقدر أن ممداني شاب، يفهم “جيل الإنترنت”، ويبدو كشخص إيجابي ومتفائل.
وتابعت سمية: “أحب قدرته على جذب الناس”.
لكن رغم الحماس الكبير الذي ولّده المرشح الشاب في الأحياء المهاجرة والمسلمة، لم يكن الدعم له شاملاً، ففي أحد مراكز الاقتراع في قلب ريتشموند هيل، حيث تصدر ممداني النتائج بنسبة 58.8% بنهاية يوم الانتخابات التمهيدية، كان عدد الأصوات الفعلي له لا يتجاوز 87 صوتاً مقابل 47 صوتاً لكومو.
وعند محاولة التحدث مع سكان الحي، الأربعاء، بدا العثور على شخص صوت لممداني، أو حتى شارك في التصويت، أمراً صعباً، فمن أصل 40 شخصاً أجريت مقابلات معهم، قال 39 إنهم لم يصوتوا.
لكن ساندرا باكوس (47 عاماً)، أكدت أنها صوتت، ولكن لصالح كومو، وقالت عن ممداني: “مستحيل أن أصوت لهذا الرجل.. إنه اشتراكي، ولديه أفكار مجنونة للغاية”.
في المقابل، وجدت تنفير مالك، التي تعمل في “وول ستريت”، أن تركيز ممداني على أزمة القدرة على تحمل تكاليف المعيشة كان سبباً رئيسياً لدعمه.
وقالت: “لطالما حلمت بالانتقال من منزلي الصغير في ريتشموند هيل إلى ضاحية مثل فلورال بارك، حيث الأشجار أكثر والضوضاء أقل، لكن أسعار المنازل هناك تبدأ من 700 ألف دولار، وهو مبلغ لا أستطيع تحمله، رغم عملي في وول ستريت”.
وأضافت: “والدي قبل 18 عاماً اشترى هذا المنزل براتبه من عمله كسائق ليموزين، أما أنا، أعمل في البورصة، وانظر أين أعيش الآن، ولذلك، عندما يترشح شاب مثل ممداني ويتحدث عن أزمة الغلاء، فهذا يلامسني فعلاً”.
وأشارت إلى أن ابنتها، لايبا مالك (22 عاماً)، لعبت دوراً مهماً في دفعها لاتخاذ قرارها.
وقالت لايبا: “لم أتمكن من حضور أي من فعالياته، حتى تلك التي أقيمت هنا في الحي الذي نعيش فيه، بسبب انشغالي بإدارة عيادة طبية ودراستي في كلية يورك”، لكنها استدركت: “كل ما رأيته على وسائل التواصل الاجتماعي أظهر أنه أدار حملة رائعة فعلاً”.