شهدت العاصمة العراقية بغداد، الأحد الماضي، وقوع حادث جديد أعاد إلى الواجهة جدل السلاح المنفلت وتداخله مع مؤسسات الدولة.
الصدام الذي بدأ بخلاف إداري في دائرة الزراعة في محافظة بغداد، انتهى بسقوط ضحايا ومصابين، وأثار موجة من التصريحات والتحذيرات، وسط اتهامات متبادلة بين قوات الأمن وفصائل منضوية ضمن الحشد الشعبي.
بدأت القصة بإقالة مدير دائرة الزراعة في بغداد، وتعيين آخر، ما دفع حرس المدير المُقال وأقاربه إلى التدخل، وفق ما ورد في بيانات رسمية، لتأمين بقائه في منصبه، غير أن الأمور تصاعدت بسرعة بعد تدخل قوة أمنية يُقال إنها تابعة للقائد العام للقوات المسلحة، وأقدم أحد الضباط ويدعى عمر العبيدي، على إطلاق النار، ما أودى بحياة شخصين، وأسفر عن إصابات أخرى، وفق بيان أصدرته كتائب “حزب الله” العراقية في وقت لاحق.
البيان، الذي جاء دفاعياً في مضمونه، نفى أي دور مباشر للكتائب في الاشتباك، لكنه حمّل أجهزة الأمن مسؤولية التصعيد، محذراً مما وصفه بـ”أجندات خبيثة” تعمل على زرع الفتنة وشق الصف الوطني، وأشار إلى أن القوات الأمنية استخدمت القوة المفرطة حتى بعد انسحاب عناصر الحشد الشعبي من الموقع.
تحذيرات من مواجهات أوسع
معن الجبوري، المستشار السابق في وزارة الدفاع، قال لـ”الشرق”، إن ما جرى “يكشف مجدداً هشاشة المشهد الأمني العراقي”، مؤكداً أن “وجود كيانات مسلحة تتدخل في ملفات إدارية هو مؤشر خطير على غياب سلطة الدولة”.
وأضاف الجبوري، أن “البيان الصادر عن القيادة العامة الذي نفى صدور أوامر بفتح النار، يعني أن هناك مجموعات مسلحة تتصرف من تلقاء نفسها”، مؤكداً أن هذه الحالة إن لم يتم التعامل معها بجدية، سنشهد مزيداً من الفوضى، وربما مواجهات أوسع لا تُحمد عقباها”.
وتابع الجبوري، لـ”الشرق”، أن “الدولة تمتلك الغطاء الدستوري، والدعم السياسي، والقدرة العسكرية للسيطرة على هذه المجموعات، لكنها بحاجة إلى إرادة سياسية صارمة لحسم الملف نهائياً”.
من جانبه، وصف الخبير الاستراتيجي، أمير الساعدي، في تصريحات لـ”الشرق”، ما حدث بأنه “تكرار لسيناريو ضعف القرار الأمني أمام قوة الجماعات المسلحة”، مضيفاً أنه “حين تُطلق النار على القوات المسلحة في قلب بغداد، ولا يُحاسب أحد، فنحن أمام أزمة بنيوية في بنية الدولة العراقية”، وأن “هذا ليس خلافاً بين موظفين، بل اختبار حقيقي لقدرة الحكومة على ضبط المشهد الأمني”.
وحذر الساعدي من أنه إذا لم يتم التعامل مع هذا السلاح كما يُعامل سلاح “داعش” و”القاعدة”، “فنحن نؤسس لفوضى طويلة الأمد، الدولة اليوم تملك القوة والخبرة، وقد قاتلت التنظيمات الإرهابية بجدارة، فلماذا تتردد في مواجهة هذا الانفلات؟”، على حد وصفه.
وفيما كانت التحليلات الأمنية تسير في اتجاه التحذير، جاء صوت المواطن العراقي في الشارع مختلفاً وأكثر بساطة، إذ عبر أنس الطائي، عن رفضه الشديد لما حدث وقال لـ”الشرق”، إن “هذه الأفعال تقلل من هيبة الدولة”، وأضاف “أهالي العراقيين في الشارع ينتظرون عودة ذويهم سالمين”، داعياً إلى “رفع هيبة الدولة لا كسرها”.
مواقف خارجية ورسائل
من جانبها، أصدرت السفارة الأميركية في بغداد، بياناً عبر منصة “إكس”، قدمت فيه التعازي لأسر الضحايا، الذين قضوا على يد كتائب “حزب الله”، المنظمة التي تصنفها واشنطن “منظمة إرهابية”، ضمن قوات الحشد الشعبي.
وتابع البيان: “نعرب عن حزننا لفقدان الأرواح، بمن فيهم أفراد من الشرطة الاتحادية ومدني بريء، ونتمنى الشفاء العاجل للجرحى، ندعو الحكومة العراقية إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة لتقديم هؤلاء الجناة وقادتهم إلى العدالة دون تأخير، فالمساءلة أساسيةٌ للحفاظ على سيادة القانون ومنع المزيد من أعمال العنف”.
أما قيادة العمليات المشتركة العراقية، فقالت في بيان سابق، إنه “على خلفية الحادث الإثم الذي وقع في إحدى دوائر وزارة الزراعة في جانب الكرخ، وما رافقته من تداعيات، أمر القائد العام للقوات المسلحة بتشكيل لجنة تحقيقية عليا لمعرفة ملابسات الحادث وكيفية حركة القوة المسلحة دون أوامر أو موافقات أصولية ومحاولة السيطرة على بناية حكومية وفتح النار على القطاعات الأمنية”.
ولفت البيان، إلى أنه “أن قوات الأمن تمكنت من القاء القبض على 14 متهماً، ولدى تدقيق هويات الملقى القبض عليهم تبين أنهم ينتمون إلى اللوائين (45 , 46) بالحشد الشعبي، تم إحالتهم إلى القضاء واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بحقهم”.