تتحرك العواصم الأوروبية نحو بلورة ضمانات أمنية قوية لأوكرانيا وإعداد خطة سلام جديدة، بالتوازي مع صياغة حزمة واسعة من تدابير إعادة الإعمار، في وقت تواجه فيه كييف ضغوطاً أميركية متصاعدة للقبول بتنازلات كبيرة، بينها التخلي عن مساحات واسعة من الأراضي لروسيا، في إطار خطة السلام التي طرحها الرئيس الأميركي دونالد ترمب.

وعقد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الاثنين، محادثات في لندن مع قادة بريطانيا وألمانيا وفرنسا، لبحث إعداد مقترحات سلام يُعتزم عرضها على الولايات المتحدة، الثلاثاء، حيث أعلن زيلينسكي عقبه رفض التنازل عن أي أراض لروسيا.

وقال مسؤول أوروبي رفيع المستوى إن الولايات المتحدة تصر على أن تتخلى أوكرانيا عن إقليم دونباس بالكامل، والذي لا تزال تسيطر على نحو 30% منه، لعقد اتفاق سلام مع روسيا لإنهاء الحرب، وسط إحباط أميركي علني إزاء كييف.

وأفاد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على منصة “إكس”، بأن الاجتماع مع زيلينسكي “أسهم في التقدم على طريق الوصول إلى سلام عادل ودائم”، مشيراً إلى أن العمل جارٍ لـ”إعداد ضمانات أمنية قوية وتدابير لإعادة إعمار أوكرانيا”.

وذكر زيلينسكي أن المقترح الأوكراني الأوروبي، للسلام، سيكون جاهزاً بحلول الثلاثاء، لمشاركته مع الولايات المتحدة.

وقال زيلينسكي، الذي كان في طريقه من لندن إلى بروكسل لحضور اجتماعات مع قادة حلف شمال الأطلسي “الناتو” والاتحاد الأوروبي: “أعتقد أن الخطة (السلام الجديدة) ستكون جاهزة غداً (الثلاثاء)، في وقت ما من المساء. أعتقد أننا سندرسها مرة أخرى، ونرسلها إلى الولايات المتحدة”.

من جانبه، أعرب المستشار الألماني فريدريش ميرتس عن “شكوكه في بعض التفاصيل التي تظهر في الوثائق الأميركية”، مؤكداً دعم أوروبا الكامل لأوكرانيا.

ضغوط أميركية متصاعدة

ونقل موقع “أكسيوس”، عن مسؤولين أوكرانيين قولهم إن زيلينسكي يواجه ضغوطاً متصاعدة من الولايات المتحدة للقبول بتنازلات كبيرة، بينها التخلي عن مساحات واسعة من الأراضي، في إطار خطة السلام التي طرحها الرئيس الأميركي.

وبحسب الموقع، يرى المسؤولون الأوكرانيون أن بعض جوانب الخطة الأميركية الحالية “تميل لمصلحة موسكو”، وأن واشنطن تمارس ضغوطاً على زيلينسكي أكثر مما تفعل مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وهو ما نفاه مسؤول أميركي، مؤكداً أن “الولايات المتحدة ضغطت أيضاً على الأخير لتخفيف مطالبه”.

ويركز مسار التفاوض الحالي على قضيتين رئيسيتين هي “مطالبة روسيا بأن تتخلى أوكرانيا عن كامل منطقة دونباس، بما في ذلك أجزاء لا تسيطر عليها موسكو”، و”مطالبة أوكرانيا بالحصول على ضمانات أمنية قوية من الولايات المتحدة لمنع أي عدوان روسي مستقبلي”، بحسب “أكسيوس”.

وذكر مسؤول أوكراني أن العرض الأميركي “أصبح أسوأ” من وجهة نظر كييف بعد اجتماع استمر 5 ساعات بين المبعوثين الأميركيين ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر وبوتين في الكرملين، الأسبوع الماضي.

ولفت المسؤول إلى أن ويتكوف وكوشنر بديا وكأنهما يسعيان للحصول على جواب “نعم” واضح من زيلينسكي خلال مكالمة استمرت ساعتين، السبت، على عرضهما للتسوية.

وأضاف المسؤول: “شعرنا أن الولايات المتحدة كانت تحاول عرض الرغبة الروسية بالاستيلاء على كامل دونباس بطرق مختلفة، وأن الأميركيين أرادوا من زيلينسكي قبول ذلك خلال المكالمة”.

وجاءت المكالمة بعد 3 أيام من محادثات ماراثونية في ميامي بولاية فلوريدا بين ويتكوف وكوشنر ومستشاري زيلينسكي.

وبحسب مسؤولين أوكرانيين وأميركيين، لم يتم تحقيق أي اختراق في ملفيّ الأراضي أو الضمانات الأمنية، رغم إحراز بعض التقدم.

وصرح ترمب، الأحد، بأن مفاوضي زيلينسكي “أحبّوا” الخطة الأميركية، معبراً عن “خيبة أمله” بسبب أن زيلينسكي “لم يقرأها بعد”، فيما ذكر مسؤولون روس أنهم ما زالوا يبدون اعتراضات، رغم قوله إن موسكو “راضية” عنها.

انعدام الثقة

أوضح زيلينسكي، خلال الاتصال مع المبعوثين الأميركيين، أنه لم يطّلع على المقترح الأميركي إلا قبل ساعة من الاتصال، وهو ما رأى فيه مسؤول أميركي “أمراً محيراً”، قائلاً إن واشنطن أرسلت النسخة المحدثة قبل يوم، بحسب “أكسيوس”.

ولفت مسؤول أوكراني إلى أن “بعض الوثائق وصلت فعلاً في اليوم السابق، لكن أخرى وصلت قبل المكالمة بوقت قصير”.

وأشار المسؤول الأوكراني إلى أن “النسخة الأميركية تضمنت شروطاً أكثر صرامة من المقترحات السابقة فيما يتعلق بالأراضي والسيطرة على محطة زابوريجيا النووية، إضافة إلى ترك أسئلة محورية من دون إجابات حول الضمانات الأمنية”.

ومضى قائلاً: “هناك مسائل كبيرة تتعلق بالأراضي تحتاج إلى نقاش أعمق: من يسيطر على ماذا؟ من يبقى؟ من ينسحب؟ وإذا انسحبت أوكرانيا من خط التماس، كيف نضمن انسحاب روسيا وألا تواصل القتال؟”.

وأضاف أن “الجانب الأميركي بدا وكأنه يتوقع من زيلينسكي الموافقة فوراً خلال الاتصال”، وهو ما نفاه مسؤول أميركي الذي أشار إلى أن “المسودة الحالية صيغت إلى حد كبير بناءً على ملاحظات الجانب الأوكراني، وأن ويتكوف وكوشنر ضغطا على بوتين لقبول بعض مطالب كييف”.

ويعكس الموقف الحالي حالة من انعدام الثقة بين إدارتي ترمب وزيلينسكي، رغم ساعات طويلة من المشاورات بين الجانبين.

الضمانات الأمنية

وبينما يواصل زيلينسكي جولته الأوروبية في بروكسل وروما، رأى مسؤولون أميركيون وأوكرانيون أن إدارة ترمب اعتبرت لقاءات زيلينسكي في لندن “محاولة غير مفيدة” لكسب الوقت في مفاوضات خطة السلام.

لكن مسؤولين أوكرانيين قالوا إن واشنطن تحاول “إبعاد” زيلينسكي عن القادة الأوروبيين لتتمكن من “الضغط عليه بشكل أكبر”، فيما شدد أحدهم على أن “زيلينسكي لا يستطيع اتخاذ قرارات مصيرية دون التشاور مع حلفائه الأساسيين في أوروبا”.

وأشار المسؤولون إلى أن “إدارة ترمب تضغط للإسراع في العملية، بينما ينصح الأوروبيون بالتمهل”. كما أعربت مصادر في البيت الأبيض عن غضبها من الدور الأوروبي الذي تعتبره “عقبة رئيسية” أمام التوصل إلى اتفاق.

ويبحث الأوكرانيون والأوروبيون أيضاً في الضمانات الأمنية، وقال مسؤول أوروبي إن “الدور الذي ستلعبه الولايات المتحدة في تنفيذ هذه الضمانات لا يزال غير واضح، وكذلك ما تتوقعه من الحلفاء الأوروبيين”.

وذكر مسؤولان أوكرانيان أن أحدث المقترحات الأميركية بشأن الضمانات الأمنية تستند إلى “إطار أوسع” من النسخة الأصلية، لكنها لا تزال من دون معاهدة مصادق عليها في الكونجرس.

شاركها.