حرب المعادن بين الصين وأمريكا.. تعزيز التنقيب بزيادة التمويل

تعمل الحكومة الصينية على دعم جهود التنقيب عن المعادن محلياً، وذلك في ظل تكثيف صانعي السياسات جهودهم لتحقيق طموح الرئيس شي جين بينج في تحقيق الاكتفاء الذاتي من الموارد وتصاعد المنافسة مع الولايات المتحدة، بحسب ما أوردته صحيفة “فاينانشيال تايمز”.
وخلال العام 2024، أعلن ما لا يقل عن نصف حكومات المقاطعات الصينية الـ34، بما في ذلك حكومات المناطق الرئيسية المنتجة للموارد مثل شينجيانج، عن زيادة الدعم أو توسيع نطاق الوصول إلى التنقيب عن المعادن، حيث تحظى الصين بخيارات وفيرة عندما يتعلق الأمر بالمعادن الحيوية التي يمكن أن تستخدمها ضمن أدوات الضغط في الحرب التجارية مع الولايات المتحدة.
وتأتي هذه الزيادة التمويلية في وقت برزت فيه السيطرة على المعادن الاستراتيجية العالمية كنقطة اشتعال بين الولايات المتحدة والصين، حيث تتنافس القوى العظمى على الموارد اللازمة للتقنيات المتقدمة مثل أشباه الموصلات والمركبات الكهربائية والروبوتات والصواريخ.
وركز شي على اعتماد الصين على نفسها في مجال العلوم والتكنولوجيا منذ توليه زعامة الحزب الشيوعي الصيني الحاكم عام 2012، إذ أصبح هذا التوجه أكثر إلحاحاً في ظل تصاعد التوترات مع الولايات المتحدة، ولجأ شي إلى تعزيز سلاسل التوريد وإعطاء الأولوية للتصنيع المتقدم والتكنولوجيا الفائقة الناشئة.
توريد المعادن.. نقطة ضغط حاسمة
وتُعدّ الصين أكبر مُنتج في العالم لـ 30 من أصل 44 معدناً أساسياً ترصدها هيئة المسح الجيولوجي الأميركية، فيما تُمثل سلاسل توريد المعادن في بكين نقطة ضغط جيوسياسية حاسمة في حربها التجارية والتكنولوجية مع الولايات المتحدة.
وقد خصصت الحكومة الصينية أكثر من 100 مليار يوان صيني (13.8 مليار دولار) للاستثمار في الاستكشاف الجيولوجي سنوياً منذ عام 2022، وهي أعلى نسبة استثمار في ثلاث سنوات خلال عقد.
كما شددت الصين خلال العام الماضي الرقابة على صادرات المعادن الاستراتيجية، والتي يُعدّ الكثير منها أساسياً لتصنيع الرقائق، بما في ذلك الغاليوم والجرمانيوم والأنتيمون والجرافيت والتنغستن، وذلك رداً على القيود الأميركية على صادرات التكنولوجيا إلى الصين.
كما بذلت الصين جهوداً طويلة الأمد للسيطرة على الموارد الحيوية في الخارج. وذكرت صحيفة “فاينانشيال تايمز”، في يناير، أن الصين أصدرت على مدار عقدين قروضاً بقيمة 57 مليار دولار أميركي عبر ما لا يقل عن 26 مؤسسة مالية مدعومة من الدولة، بهدف تعدين ومعالجة النحاس والكوبالت والنيكل والليثيوم والمعادن النادرة في جميع أنحاء العالم النامي.
وفي عهد شي، سنّت بكين سياسات تهدف إلى حماية الموارد الاستراتيجية، وشملت هذه السياسات خطوة في عام 2021 لمنع الشركات الأجنبية من الاستثمار، حتى بشكل غير مباشر، في تعدين التنغستن والمعادن النادرة واليورانيوم، كما اشترطت موافقة مجلس الدولة (مجلس الوزراء الصيني) على دخول أي أجنبي إلى منطقة تعدين المعادن الأرضية النادرة.
والعام الماضي، أنشأت لجنة تابعة للمجلس الوطني لنواب الشعب آلية قانونية تُسهّل على الشركات استغلال الأراضي الزراعية لاستكشاف الموارد المعدنية والحصول على حقوق التعدين.
دعم التنقيب عن المعادن
وزادت شينجيانج، المنطقة الغربية الغنية بالبحوث والفقيرة، دعمها للاستكشاف الجيولوجي إلى 650 مليون يوان صيني في عام 2025، من 150 مليون يوان صيني في عام 2023، كما عززت بشكل حاد إصدار حقوق استكشاف التعدين إلى مستويات قياسية.
وقال مدير إدارة الاستكشاف الجيولوجي والإدارة بوزارة الموارد الطبيعية شيونج زيلي: “لقد تحققت سلسلة من الإنجازات الكبرى في مجال التنقيب عن المعادن، ما عزز بشكل كبير القدرة على ضمان سلامة السلاسل الصناعية وسلاسل التوريد المهمة، والاستجابة للتقلبات البيئية الخارجية”.
وأضاف أن “خطة التنقيب عن المعادن الجديدة تُركز بشكل كبير على تعزيز موارد الطاقة المحلية والمعادن الاستراتيجية”.
بدوره، قال كوري كومبس، المدير المساعد لشركة “تريفيوم تشاينا” الاستشارية ومقرها بكين، إن الصين قدمت إعانات وحوافز ضريبية وأنواعاً أخرى من الدعم لقطاع التعدين المحلي “بغض النظر” عن دورات سوق السلع الأساسية.
وأضاف كومبس: “من منظور السوق الصرف، يُعدّ هذا الأمر تبذيراً، لكن من منظور الأمن السياسي والاقتصادي، ليس كذلك إطلاقاً، بل يستحق الكلفة، ومن وجهة نظر بكين، المال ليس الهدف الوحيد”.
وفي محاولة لتخفيف هيمنة بكين على هذا القطاع، أعطى الرئيس الأميركي دونالد ترمب الأولوية للتعدين المحلي منذ عودته إلى البيت الأبيض في يناير، بالإضافة إلى الوصول إلى المعادن الأساسية في الخارج، بما في ذلك في جرينلاند وأوكرانيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية.