رغم انخفاض عدد الضربات الصاروخية المتبادلة بين إيران وإسرائيل خلال اليومين الفائتين، إلا أن ذلك لا يعني قرب انتهاء الحرب، بل انتقالها إلى مرحلة مختلفة، حيث باتت تقترب شيئًا فشيئًا من شكلها الأكثر خطورة، وهو مواجهة عسكرية إقليمية شاملة، يجتمع فيها العمل العسكري، والحرب الاستخبارية، والاصطفاف السياسي.

 

التموضع الأمريكي.. من الردع إلى التحضير للهجوم

يقرأ الباحث في الشأن العسكري والأمني، رامي أبو زبيدة، التحركات الأمريكية الأخيرة في الشرق الأوسط بأنها تعكس “مرحلة تموضع هجومي واضح، يتجاوز سياسة الردع التي اتبعتها واشنطن خلال الأشهر الماضية”.

ويقول: “تحولت قاعدة السلطان الجوية في السعودية إلى أحد أبرز مراكز الحشد الأمريكي في المنطقة، مع رصد تواجد 22 طائرة تزويد بالوقود، 53 مقاتلة متعددة الطرازات، وعشرات الطائرات الأخرى”.

 

إلى جانب ذلك، تكشفت تقارير صحفية عن إرسال:12 مقاتلة F35 من بريطانيا،و طائرات F22 في طريقها للتمركز الإقليمي، 32 طائرة نقل ثقيل للجنود والمعدات، 12 طائرة تزويد إضافية بالوقود، وطائرتين استطلاع متقدمة.

 

كما يضيف أبو زبيدة أن هذه المعطيات لا تعني فقط الاستعداد لمواجهة محتملة، بل أيضًا “احتمالية احتواء ضربة إسرائيلية كبرى قد تستجلب تدخلًا إيرانيًا مباشرًا بالمنطقة، أو ربما التحضير لتوجيه ضربات شاملة تُعطّل البرنامج النووي الإيراني في مرحلة حاسمة”.

 

التحوّط الإيراني.. من الردع إلى التعبئة الوجودية

ردًا على هذه التحركات، أظهرت إيران حالة من التأهب القصوى، إذ كشفت تقارير عن انتقال المرشد الأعلى علي خامنئي إلى موقع محصن، وإعداد قائمة خلافة، وهو ما وصفه أبو زبيدة بأنه “تحوّط قيادي يعكس إدراكًا استراتيجيًا بأن المرحلة المقبلة قد تطال بنية القيادة، لا مجرد الذراع العسكري للحرس الثوري”.

 

في موازاة ذلك، عبّر مسؤول إيراني لوكالة رويترز عن التوجه العقائدي الواضح لطهران: “الحرب أولى من وقف التخصيب”، ما يدل على أن إيران تعتبر برنامجها النووي خطًا أحمر لا تراجع عنه، حتى لو كانت كلفة الثبات عليه مواجهة شاملة.

 

الجبهة الاستخبارية.. حرب العقول في قلب المعركة

في خضم التصعيد العسكري، تسير حرب موازية لا تقل أهمية أو خطورة، وهي الحرب الاستخبارية، ويؤكد رامي أبو زبيدة أن “المعارك الكبرى لا تُربَح فقط في السماء أو الميدان، بل تبدأ وتُحسم غالبًا في الظلال: في المعلومات، والاختراق، والإرباك”.

وحسب الخبير العسكري فلطالما اعتبرت إسرائيل أن الاستخبارات هي “الذراع التي تمهد للذراع”، وركّزت استراتيجيتها على التفوق السيبراني والبشري، مستخدمة وحدات مثل: الوحدة 8200: نخبة الحرب الإلكترونية والتنصت، والموساد وسيريت متكال: المتخصصتان بالعمليات السرية والاغتيالات خارج الحدود، واختراق الأنظمة والاتصالات: حيث رُصدت عمليات إسرائيلية في غزة ولبنان وإيران.

 

ويشير أبو زبيدة إلى أن “اغتيال قادة كبار في إيران خلال أسبوع، بينهم أمير علي حاجي زاده، حسين سلامي، ومحمد باقري، يشير إلى اختراق استخباري إسرائيلي بلغ مفاصل القيادة العسكرية أي العقل لا الذراع”، وهذه الشخصيات لم تكن أهدافًا عسكرية فقط، بل مكوّنات أساسية في بنية القيادة الصاروخية والدفاع الجوي والحرب السيبرانية الإيرانية.

 

الرد الإيراني.. توازن استخباري تكتيكي

رغم نجاح إسرائيل في اختراق البيئة الإيرانية، لم تبقَ طهران ساكنة، فقد استطاعت تنفيذ اختراقات سيبرانية متكررة لكاميرات إسرائيلية كما وثّقت بلومبرغ، وتفعيل خلايا نائمة وجمع معلومات عبر شبكات بشرية ترتبط بحزب الله أو جماعات أخرى، وتوجيه ضربات دقيقة بصواريخ متشظية استهدفت مواقع مثل مدرسة الدفاع السيبراني للجيش الإسرائيلي في تل أبيب.

 

يقول أبو زبيدة: “هذه الضربات لا تُنفَّذ إلا بناءً على معرفة استخبارية دقيقة، ما يعني أن إيران حققت خرقًا تكتيكيًا مؤثرًا، حتى لو لم تُحدث بعد تفوقًا استخباريًا استراتيجيًا”.

 

التصعيد الميداني.. تطور في نوعية الضربات ومنطق الرد

في مشهد يعكس تحول قواعد الاشتباك، تعرضت منشأة أصفهان النووية لضربة إسرائيلية، وقالت القناة 12 العبرية إنها أحدثت “تدميرًا واسعًا”، ما يكشف عن قدرة عالية على اختراق العمق الإيراني.

 

وردًا على ذلك، أطلقت إيران مسيرات “شاهد 136″، وصواريخ برؤوس عنقودية متعددة القذائف، استهدفت منشآت عسكرية ومدنية في بيت شان وتل أبيب.

 

ويعلق أبو زبيدة على هذا النمط الجديد بالقول: “استخدام الرؤوس العنقودية ليس مجرد تصعيد في الحمولة، بل استراتيجية تهدف إلى إرباك الدفاعات الجوية، ونقل المعركة إلى العمق المدني والعسكري في آن واحد”.

 

التحالفات الإقليمية.. دعم علني ومواقف متشددة

مع كل تصعيد، تزداد فرص جر أطراف جديدة إلى الصراع، فالحوثيون في اليمن أعلنوا نيتهم استهداف السفن الأمريكية في حال تعرضت إيران لهجوم من قبل واشنطن، ملوحين بإغلاق باب المندب.

 

أما روسيا، فقد وصف رئيسها فلاديمير بوتين إيران بأنها “حليف استراتيجي حقيقي”، في تصريح يُعد غير معتاد، وقد يمهد بحسب أبو زبيدة “لتنسيق استخباراتي أو دعم لوجستي غير مباشر في حال تفجر المواجهة على نطاق واسع”.

 

ترامب والسيناريو الأمريكي الأشد.. هل يدخل الخط؟

من التطورات التي تثير القلق أيضًا، ما نقله الإعلام العبري عن وجود قناعة متزايدة لدى صناع القرار في إسرائيل بأن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد يتدخل عسكريًا إذا تصاعدت المواجهة، خصوصًا إذا استُهدفت مصالح أمريكية أو أعلنت إيران امتلاكها قدرة نووية حقيقية.

 

ويقول أبو زبيدة إن “هذه الفرضية لم تعد نظرية، خاصة مع عودة ترامب القوية سياسيًا، وضغوط اللوبيات التي ترى في الحسم العسكري فرصة تاريخية قبل فوات الأوان”.

 

بين ضرب الرأس وشلّ الرد

يشير أبو زبيدة إلى أن ما يجري “ليس مجرد تصعيد، بل إعادة صياغة لشروط المواجهة في المنطقة”، فالولايات المتحدة تستعد عسكريًا، وإسرائيل تضغط باتجاه الحسم، وإيران تقاتل على الأرض وفي الفضاء السيبراني وعبر الوكلاء.

وحسب أبو زبيدة يظل السيناريو الأخطر في ضرب منشآت حساسة مثل “فوردو”، ما قد يدفع إيران إلى إطلاق ردود شاملة تشمل قواعد أمريكية وإسرائيلية في عمق المنطقة.

 

في المقابل، استمرار الضربات الإيرانية المحدودة قد لا يكون كافيًا لتحقيق الردع، ما يُبقي الباب مفتوحًا على مصراعيه لموجة تصعيد غير مسبوقة.

 

ويختتم أبو زبيدة تقييمه قائلًا: “نحن على أبواب واحدة من أخطر موجات التصعيد في الشرق الأوسط منذ غزو العراق أو حرب تموز 2006، وربما أشد من كليهما، لأن هذه المرة… العقول هي التي تُستهدف قبل العتاد”.

 

حرب تُحسم بالمعلومة لا بالقنبلة.. خبير عسكري يكشف تحركات استخباراتية ولحظة انفجار الشرق الأوسط

المصدر: وكالة ستيب الاخبارية

شاركها.