خلف الهجمات العسكرية والتراشق السياسي ومحاولات التهدئة الدبلوماسية، تمتد الحرب بين إسرائيل وإيران إلى العالم الرقمي، حيث تصاعدت حدة عمليات الاختراق والتجسس بالتزامن مع التصعيد العسكري الأخير، لكنها تبقى مجرد مرحلة من مواجهة مستمرة بين الطرفين منذ عقود.

وعلى مدار سنوات، حاولت إيران ووكلاؤها الإقليميون شن مجموعة من الهجمات الإلكترونية ضد إسرائيل، بما في ذلك هجمات تدمير للبيانات وحملات التصيد الاحتيالي، ووفقاً لشركة “ألفابت” المالكة لمحرك البحث “جوجل”، فإن نتائج هذه الهجمات كانت متباينة.

وفي المقابل، تُعتبر إسرائيل على نطاق واسع واحدة من أكثر دول العالم تقدماً وقدرة على شنّ الهجمات الإلكترونية.

وفي عام 2010، تم الكشف عن عملية حملت اسم “ستوكسنت”، وساد الاعتقاد على نطاق واسع، بأن إسرائيل والولايات المتحدة، تقفان وراء الهجوم الذي استهدف أجهزة وحواسيب مرتبطة ببرنامج إيران النووي. 

وبحسب “بلومبرغ”، فإن الهجوم الذي يعد واحداً من أكثر عمليات تقدماً في التاريخ، كشف عن جبهة جديدة في الصراع بين إسرائيل وإيران، وأظهر الدور المركزي لـ”الحروب الهجينة” التي تشمل التقدم التقني والتكنولوجي في هذه الحرب.

أكثر من 6 آلاف هجوم سيبراني

وتعرضت إيران لأكثر من 6 آلاف و700 هجوم سيبراني استخدمت خلاله تقنية “حجب خدمة الموزع” DDoS خلال الأيام الثلاثة الماضية، وهو ما دفعها لفرض قيود مؤقتة على شبكة الإنترنت في البلاد كإجراء احترازي لتخفيف تأثير هذه الهجمات، حسبما ذكرت وكالة “فارس” الإيرانية للأنباء.

وتخلق هذه التقنية المعروفة اختصاراً باسم DDoS Attacks، حركة مرور وهمية تغرق خوادم الإنترنت، مما يعطل الوصول إلى المواقع الإلكترونية أو الخدمات التي تستخدم شبكة الإنترنت.

وأبلغ الإيرانيون، عن مشكلات واسعة النطاق في الوصول إلى الإنترنت، ليلة الثلاثاء، كما واجهوا مشكلات في الخدمات المصرفية، بما في ذلك أجهزة الصراف الآلي والأنظمة الإلكترونية. ولم يتضح ما إذا كانت هذه المشكلات ناجمة عن هجمات إلكترونية أم عن جهود حكومية للحد من آثارها.

والثلاثاء، أعلنت جماعة تدعى “بريداتوري سبارو” (العصفور المفترس)، ويعتقد على نطاق واسع أنها مرتبطة بالاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، مسؤوليتها عن تدمير بيانات بنك “سبه” الإيراني، وقالت إن المؤسسة المالية استخدمت من قبل النظام للتحايل على العقوبات الدولية.

وأفادت تقارير محلية، بإغلاق عدة فروع لبنك “سبه” إثر الهجوم الإلكتروني، وأن بعض موظفي الحكومة وأفراد الأمن واجهوا تأخيراً في استلام رواتبهم.

وقالت “بريداتوري سبارو”، عبر منصة “إكس”، إنها دمرت البنية التحتية للبنك بمساعدة “إيرانيين شجعان”، وأضافت أن “هذا ما يحدث للمؤسسات المخصصة لدعم خيالات الديكتاتور الإرهابية”، في إشارة إلى المرشد الإيراني علي خامنئي.

وأعلنت المجموعة، التي تعرف باسمها الفارسي “جونجيشكي دارنده” سابقاً، مسؤوليتها عن هجمات إلكترونية كبيرة استهدفت شركة الصلب الإيرانية المملوكة للدولة، ومحطات الوقود، وأنظمة توزيع الوقود.

ولم يُعلّق المسؤولون الإيرانيون، ولا بنك “سبه” علناً على الهجوم الأخير للمجموعة. وكانت الولايات المتحدة قد فرضت عقوبات على البنك عام 2007 وسط مزاعم بمساعدته في تطوير صواريخ قادرة على حمل رؤوس نووية، وهو اتهام ينفيه البنك.

إجراءات دفاعية

وفي محاولة للحد من تأثير الهجمات الإسرائيلية، بدأت إيران في تقييد وصول مواطنيها إلى الإنترنت، وقالت المتحدثة باسم الحكومة، فاطمة مهاجراني، إن الانقطاع شبه الكامل للإنترنت في البلاد “مؤقت ومُستهدف ومُتحكم به، ويهدف إلى مواجهة الهجمات الإلكترونية”.

ويأتي ذلك في ظل ارتفاع في حالات انقطاع الإنترنت المُبلغ عنها. ونقل موقع “ذا فيرج” المتخصص في أخبار التكنولوجيا، عن مستخدمي الإنترنت في إيران قولهم، إنهم لم يتمكنوا من الوصول إلى خدمات اتصالات أساسية، مثل تطبيقات المراسلة والخرائط، وأحياناً الإنترنت نفسه.

وأفادت شركة Cloudflare بأن شركتي اتصالات إيرانيتين رئيسيتين، انقطعتا عن العمل، الثلاثاء، وذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” أن حتى شبكات VPN، التي يستخدمها الإيرانيون كثيراً للوصول إلى مواقع محظورة مثل فيسبوك أصبح من الصعب الوصول إليها.

وذكر “ذا فيرج” أن الحكومة الإيرانية، حثت مواطنيها على حذف تطبيق “واتساب”، مدّعيةً أن التطبيق المملوك لشركة “ميتا” قد استُخدم كسلاح من قِبل إسرائيل للتجسس على مستخدميه.

في المقابل، نفت “واتساب” هذه الادعاءات في بيان نشرته وكالة “أسوشيتد برس”. وتشير تقارير أخرى إلى أن تليجرام، وهو تطبيق مراسلة شائع آخر في إيران، قد حُجب أيضاً.

وبحسب “ذا فيرج”، فإنه لم يتم التأكيد بشكل رسمي على دور إسرائيل في الانقطاعات الإلكترونية، لكن محللين مستقلين في شركة NetBlocks، لاحظوا انخفاضاً كبيراً في حركة الإنترنت القادمة من إيران، الثلاثاء، بدءاً من الساعة 5:30 مساءً بالتوقيت المحلي (13:00 بتوقيت جرينتش).

ووفق وكالة “تسنيم” الإيرانية، سيظل بإمكان الإيرانيين الوصول إلى خدمة الإنترنت التي تديرها الدولة، على الرغم من أن مسؤولين إيرانيين اثنين صرحا لصحيفة “التايمز” البريطانية، بأنه قد يتم تخفيض النطاق الترددي الداخلي بنسبة تصل إلى 80%.

وشهدت إسرائيل زيادة بنسبة 700% في الهجمات الإلكترونية منذ 12 يونيو الماضي، وفق شركة الأمن السيبراني “رادوير”، التي تُرجع ذلك إلى عمليات القرصنة الإيرانية المتطورة التي تدعمها الدولة.

كما يُحذر خبراء الأمن القومي في واشنطن، من أن الشركات الأميركية قد تواجه “تداعيات” نتيجة استمرار الحرب الإلكترونية، وأنه في حال تدخل الولايات المتحدة في الصراع العسكري، فقد يبدأ قراصنة إيرانيون بمهاجمة البنية التحتية الأميركية الحيوية رداً على ذلك.

هجمات تستهدف البنية التحتية

وتعد الهجمات التي تستهدف البنية التحتية، الأكثر الانتشاراً بين أنواع عمليات القرصنة التي يتم تنفيذها بدوافع سياسية، على اعتبار أنها تمس المواطنين وتحدث أثراً نفسياً لديهم.

وعلى مدار أعوام، استهدفت الهجمات السيبرانية، أنظمة حيوية توزعت بين السكك الحديدية وشبكة الاتصالات وأنظمة الدفع.

ورافق هجوم “بريداتوري سبارو” الأخير، حملة دعائية خاصة، استعانت فيها مجموعة القرصنة بوسائل التواصل الاجتماعي للترويج لأنشطتها وتمرير رسائل سياسية.

وفي إطار هذه المساعي، تعرضت هيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية الرسمية للاختراق، مساء الأربعاء، حيث بُثّت لفترة وجيزة مقاطع فيديو تدعو إلى احتجاجات في الشوارع.

وتداول رواد منصات التواصل الاجتماعي، مقاطع فيديو ذات طابع احتجاجي تُقاطع البرامج الاعتيادية.

وقال التلفزيون الرسمي: “إذا واجهتم انقطاعات أو رسائل غير ذات صلة أثناء مشاهدة قنوات تلفزيونية مختلفة، فذلك بسبب تداخل العدو مع إشارات الأقمار الصناعية”.

وأفادت هيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية IRIB،  بأن اختراق البرامج، مساء الأربعاء، اقتصر على البث عبر الأقمار الصناعية.

وكانت الهيئة هدفاً لغارات جوية نفذتها إسرائيل مطلع الأسبوع الجاري، وقال الجيش الإسرائيلي إن القوات المسلحة الإيرانية كانت تستخدم المبنى أيضاً كمركز للاتصالات.

ويتماشى هذا التوجه مع مواقف رسمية روجت لها الطبقة السياسية في البلاد، حيث وجه مسؤولون إسرائيليون، دعوات مباشرة للإيرانيين للتحرك ضد النظام الإيراني.

شاركها.