في توقيت محسوب بدقة، ظهر تسجيل مصور جديد لحركة حسم مساء الجمعة الرابع من يوليو 2025، تزامنًا مع ذكرى ثورة 30 يونيو وأحداث 3 يوليو التي أطاحت بحكم جماعة الإخوان المسلمين قبل 12 عامًا.
الفيديو الذي لم يتجاوز دقيقتين أظهر عناصر مسلحة بملابس سوداء وعصائب صفراء، تحمل أسلحة خفيفة ومتوسطة وتؤدي تدريبات عسكرية في موقع مجهول، واختتم برسالة مقتضبة “طور جديد”، ما اعتُبر تهديدًا صريحًا للدولة المصرية بإعادة تفعيل نشاط الحركة.
إعادة تدوير قديم تحت غطاء جديد
مرصد الأزهر لمكافحة التطرف أصدر بيانًا سريعًا أكد فيه أن الفيديو ليس إنتاجًا جديدًا للحركة بل هو إعادة مونتاج لمشاهد قديمة تعود إلى إصدار «قاتلوهم» الذي نشرته حسم عام 2017، بينما المونتاج الجديد أضاف لقطات حديثة نسبيا لعناصر مقنعة تحمل أسلحة متطورة، في محاولة لصناعة مشهد متكامل يوحي بقوة تنظيمية متجددة.
بحسب المرصد، لا يمكن فصل التوقيت عن سياق الأحداث، خاصة مع حالة الاستقرار الأمني النسبي التي تعيشها مصر حاليًا رغم الأوضاع الإقليمية المشتعلة، إذ تستهدف هذه الإصدارات “التشويش الإعلامي وبث القلق النفسي في صفوف المواطنين وإيصال رسالة بأن الحركة ما زالت قائمة وقادرة على تهديد الأمن القومي المصري”.
بنية حسم.. ذراع الإخوان المسلحة
ظهرت حركة حسم (اختصار «حركة سواعد مصر») عام 2016 كامتداد للعمل المسلح الذي مارسته جماعة الإخوان في مراحل مختلفة من تاريخها منذ أربعينيات القرن الماضي، لكنها تميزت بكونها تنظيمًا هيكليًا جديدًا منفصلًا نسبيًا عن جهاز التنظيم الخاص التاريخي، إذ تأسست بعد الإطاحة بحكم الإخوان عام 2013، وتركز نشاطها بين عامي 2016 و2019.
وخلال هذه الفترة، نفذت الحركة عمليات نوعية استهدفت ضباط أمن وشخصيات قضائية وأمنية بارزة، من أبرزها اغتيال رئيس مباحث مركز طامية بالفيوم في أغسطس 2016، ومحاولة اغتيال النائب العام المساعد المستشار زكريا عبد العزيز في سبتمبر 2016، وتفجير موكب مدير أمن الإسكندرية اللواء مصطفى النمر في مارس 2018، وتفجير معهد الأورام الذي أوقع عشرات القتلى والجرحى عام 2019.
علاقة حسم بالإخوان
رغم إعلان الإخوان رسميًا تخليهم عن العنف، إلا أن تقارير أمنية وقضائية مصرية أكدت مرارًا أن حسم هي “الذراع العسكرية لجماعة الإخوان” وأن تمويلها وتدريب عناصرها تم عبر قيادات الخارج، خاصة في تركيا وقطر وليبيا، إلى جانب اعتمادها على خلايا نائمة داخل المحافظات المصرية.
استحضار تجربة سوريا.. قراءة في رسالة الفيديو
يرى الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية منير أديب، خلال حديث مع وكالة ستيب نيوز أن الفيديو الأخير لحركة حسم يتجاوز مجرد التهديد العابر، فهو يعكس “المنهج الأيديولوجي العنيف للإخوان المسلمين”.
ويقول: “نحن نتحدث عن ميليشيا حسم التابعة للإخوان المسلمين، الذين لديهم منهج أيديولوجي قائم على التغيير بالقوة واستخدام العنف. عندما خرجت هذه الميليشيا بالتسجيل المرئي، أرادت توعد الدولة بأنها ستمارس القتل لتصل إلى ما وصل إليه الآخرون.”
ويتابع أديب موضحًا البعد الرمزي في الرسالة المصورة: “الإخوان يستحضرون الحالة السورية وتجربة الشرع قائد هيئة تحرير الشام سابقا والرئيس السوري الحالي، الذي قاتل ضمن جماعات مصنفة إرهابية لكنه نجح في فرض نفوذه والوصول إلى قصر الشعب بعد إدارته في إدلب لسنوات طويلة.”
استراتيجية “التهويل” لاستعادة القوة
بحسب تقديرات أمنية، لم يعد لدى حركة حسم القدرات اللوجستية الكافية لتنفيذ هجمات واسعة النطاق داخل مصر بعد الحملات الأمنية المكثفة التي قادتها وزارة الداخلية وقطاع الأمن الوطني، لكن نشر مثل هذه المقاطع يهدف إلى إعادة بث الرهبة في صفوف الرأي العام وكسب تعاطف أو تجنيد عناصر جديدة من المتعاطفين مع أيديولوجية الإخوان المسلحة.
ويرى منير أديب أن حالة السيولة الأمنية والصراعات الممتدة في الشرق الأوسط تمثل بيئة مثالية لمثل هذه التنظيمات، موضحًا: “إذا قررت حسم تنفيذ عمليات مسلحة، فمن المؤكد أن هناك داعمين لوجستيين موجودين في دول محيطة وربما تقدم لهم دول كانت وما زالت داعمة لتنظيمات العنف داخل الحدود المصرية.”
ويضيف: أن ليبيا التي تشهد انقسامات سياسية وأمنية، والسودان المنهار أمنيًا نتيجة الحرب الدائرة، واليمن التي تمزقها النزاعات المسلحة، جميعها بيئات توفر ملاذًا وتدريبًا وتحركات لعناصر هذه التنظيمات، فضلًا عن أن سوريا ولبنان يشكلان ممرًا لشبكات التمويل والاتصال بين الجماعات المسلحة المختلفة في الإقليم.
انشغال العالم.. مساحة فراغ لصعود التنظيمات
ويلفت أديب إلى نقطة غاية في الأهمية تتعلق بانشغال المجتمع الدولي بالحروب الكبرى، خصوصًا الحرب الروسية الأوكرانية، وهو ما يمنح التنظيمات المتطرفة فرصة لإعادة التمدد دون رقابة استخباراتية صارمة.
ويقول: “منطقة الحروب والصراعات توفر بيئة آمنة لكل التنظيمات المتطرفة. انشغال المجتمع الدولي بهذه الحروب يمنحهم مساحة أكبر للعمل.”
المواجهة المصرية.. استراتيجية القبضة الأمنية الصارمة
منذ عام 2014، اعتمدت مصر سياسة أمنية صارمة تجاه الميليشيات والتنظيمات المرتبطة بالإخوان، نفذت خلالها أجهزة الأمن الوطني والعمليات الخاصة مئات المداهمات ضد خلايا حسم ولواء الثورة، وأسفرت عن مقتل واعتقال غالبية كوادرها.
ويؤكد أديب أن الدولة المصرية قادرة على إنهاء أي تهديد جديد قد يظهر: “الحكومة المصرية تواجه هذه المجموعات مواجهة أمنية قوية للوقوف أمام خطرها حتى لا تهدد أمن وسلامة البلاد.”
وبرأي أديب، فإن لجوء الإخوان للعنف مجددًا عبر ذراعهم حركة حسم قد يسرع من نهايتهم السياسية والتنظيمية: “قرار استخدام العنف من قبل الإخوان ربما يعجل بانتهاء التنظيم لأن الدولة في مصر قوية، وأجهزتها الأمنية سوف تواجه هذه الميليشيا بقوة. المصريون أيضًا سيأخذون موقفًا من الإخوان وسيفقدون الحاضنة الشعبية التي ما زالوا يتمتعون بها بنسب متفاوتة، وبالتالي المواجهة العسكرية والأمنية ستكون مؤثرة وربما تقضي على التنظيم تماما.”
مستقبل حسم.. عودة أم احتضار؟
في ضوء المعطيات الأمنية، يستبعد الخبراء قدرة حركة حسم على إعادة تشكيل خلايا فاعلة قادرة على تنفيذ هجمات ضخمة داخل مصر، لكنها قد تنفذ عمليات نوعية محدودة لإثبات الوجود، خاصة إذا تلقت دعمًا ماليًا ولوجستيًا من الخارج في ظل الانشغال الإقليمي والدولي الحالي.
إلا أن الرسالة الأهم لفيديو «طور جديد» لا تتعلق بالقوة العسكرية، بل باستراتيجية حركة حسم الإعلامية في محاولة بعث الحياة في مشروع مسلح تآكل بفعل القبضة الأمنية والرفض الشعبي، والإيحاء بوجود خيار عسكري موازٍ للمسارات السياسية التي فشلت الجماعة في استعادتها منذ 2013.
بين الصدى والواقع
يبقى فيديو حركة حسم الأخير مجرد صدى باهت لمرحلة مضت، لكنه يسلط الضوء على أن تنظيم الإخوان لم يتخلَّ عن خيار العنف رغم تغيير خطاباته السياسية والإعلامية، وبينما قد لا يشكل تهديدًا حقيقيًا على أمن مصر في المدى المنظور، إلا أن بقاء البيئة الإقليمية المتفجرة يوفر دائمًا فرصة لتنظيمات العنف لإعادة التشكل إذا لم تواجه باستراتيجيات أمنية وفكرية واقتصادية شاملة.
اقرأ أيضاً|| صراع نفوذ خفي يشتعل في البحر الأحمر.. مصر تحذّر وخبراء يكشفون تفاصيل “مهمّة”
المصدر: وكالة ستيب الاخبارية