بعد مرور 6 أشهر على بداية الولاية الثانية للرئيس دونالد ترمب، يجد الحزب الديمقراطي نفسه في موقع غير مستقر، إذ يعاني من ارتباك استراتيجي وانقسام داخلي حاد. فالهزيمة القاسية في انتخابات 2024، التي خسر فيها الحزب السيطرة على البيت الأبيض ومجلسي الشيوخ والنواب، لم تقابلها حتى الآن معارضة منظمة أو فعالة لأجندة ترمب الصدامية وحركة “ماجا” المتصاعدة.

ورغم أن استطلاعات الرأي تُظهر رفضاً شعبياً واسعاً للعديد من سياسات ترمب، فإن الحزب الديمقراطي لم ينجح في تحويل هذا الرفض إلى قاعدة دعم متماسكة أو مكاسب سياسية ملموسة، ما يعكس أزمة قيادة عميقة وتراجعاً في قدرته على تعبئة الشارع الأميركي.

في موازاة ذلك، تصاعدت الانقسامات بين التيار التقدمي وما يعرف بالجناح المعتدل داخل الحزب، وانتقلت من الكواليس إلى العلن، كما ظهر جلياً في السباق المحموم على رئاسة بلدية نيويورك، الذي تحوّل إلى مرآة تعكس الصراع الأوسع حول هوية الحزب ومستقبله.

حزب المعارضة المأزوم

منذ عودته إلى الحكم في يناير بعد فوز انتخابي واضح، تحرك دونالد ترمب بثقة كما لو كان يملك تفويضاً كاملاً لإعادة تشكيل السياسة الأميركية. وفي الشهور الأولى من ولايته الثانية، مرّر ترمب بدعم من كونجرس يسيطر عليه الجمهوريون، قانوناً ضخماً بعنوان “القانون الكبير والجميل”، تضمن تمديد التخفيضات الضريبية من ولايته الأولى، وتقليص تمويل برنامج “ميديكيد” للرعاية الصحية، وتعزيز إنفاذ قوانين الهجرة. وعلى الرغم من المعارضة الموحدة من الديمقراطيين، أُقر القانون بتصويت حزبي، بعد أن أدلى نائب الرئيس جيه. دي. فانس بصوته الحاسم في مجلس الشيوخ.

جسّد هذا الحدث عجز الديمقراطيين عن إيقاف التشريعات المحورية لترمب، رغم أن 61% من الأميركيين أبدوا رفضهم لهذا القانون في استطلاعات الرأي. كان العديد من النشطاء الديمقراطيين يتوقعون مقاومة شرسة في الكونجرس لأجندة ترمب المتشددة، لكن الأغلبية الجمهورية الضيقة صمدت، وفشل الديمقراطيون في جذب عدد كافٍ من الأصوات الجمهورية لعرقلة مبادرات ترمب.

كما قوبلت سلسلة الأوامر التنفيذية التي أصدرها ترمب بردود فعل فاترة من الديمقراطيين. في الأسابيع الأولى من ولايته، أنشأ ترمب وزارة جديدة بعنوان “وزارة الكفاءة الحكومية” بقيادة رجل الأعمال إيلون ماسك، هدفها تقليص البرامج الفيدرالية – وهي خطوة جريئة اعتُبرت على نطاق واسع محاولة للتراجع عن إنجازات “الصفقة الجديدة” و”المجتمع العظيم”.

كشف استطلاع مشترك بين صحيفة واشنطن بوست وشركة إبسوس أن 57% من الأميركيين يعتقدون أن ترمب تجاوز صلاحياته في الشهر الأول. ومع ذلك، واجه الديمقراطيون صعوبة في تسليط الضوء على هذه التجاوزات. ومُررت معظم الترشيحات المثيرة للجدل التي قدمها ترمب في مجلس الشيوخ بسهولة، باستثناء ترشيح مات جايتس لمنصب وزير العدل الذي فشل.

وجد زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ تشاك شومر وحزبه أنفسهم في كثير من الأحيان في موقف دفاعي. ففي أحد المواقف، وافق شومر على مشروع الموازنة الذي أعدّه الجمهوريون لتفادي إغلاق الحكومة وهو تنازل أثار غضب الليبراليين الذين رأوا أنه كان ينبغي على الديمقراطيين القتال بشراسة أكبر.

حاولت القيادة الديمقراطية على المستوى الوطني استخدام لغة جديدة أكثر جرأة في مواجهة ترمب حتى لو وصل الأمر بالاستعانة بألفاظ “بذيئة” في بعض الأحيان عبر حساباتها الرسمية على وسائل التواصل الاجماعي إلا أن المعارضة الديمقراطية – التي اتسمت ببيانات غاضبة وتغريدات لاذعة – لم تترجم إلى استراتيجية واضحة وموحدة لعرقلة أو تغيير مسار سياسات ترمب.

فقد مضت حملة ترمب الصارمة ضد الهجرة قدماً دون مقاومة كبيرة من الكونجرس. وعندما أطلقت الإدارة تدابير صارمة ضد المهاجرين “غير الشرعيين”، عبّر المشرعون الديمقراطيون عن احتجاجهم، ورفعت بعض الولايات الديمقراطية دعاوى قانونية، لكن سيطرة الجمهوريين على لجان الكونجرس وجداول العمل جعلت من الصعب ممارسة رقابة تشريعية فعالة.

وفي كاليفورنيا، دخل قادة الحزب الديمقراطي في مواجهة شديدة مع السلطات الفيدرالية بسبب مداهمات الهجرة، مما سلّط الضوء على أن معظم المقاومة أصبحت تأتي من حكومات الولايات الزرقاء وليس من الكونجرس.

وفي المقابل، بدت ردود القيادة الديمقراطية في الكونجرس رمزية أو فاترة. تعرّض شومر للسخرية عندما وعد برد على أحد تجاوزات ترمب عبر “رسالة شديدة اللهجة” – وهو رد رآه النشطاء غير كافٍ. كما تعرض زعيم الأقلية في مجلس النواب حكيم جيفريز للسخرية بعد أن نشر صورة له ممسكاً بمضرب بيسبول تحت شعار أن الديمقراطيين سيواصلون الضغط وهي صورة وُصفت بأنها “مبتذلة وغير مقنعة”.

الانقسام وغياب القيادة

تحت هذا الأداء المتعثر يكمن جوهر الأزمة: غياب الوحدة والقيادة. بعد خسارة كامالا هاريس أمام ترمب في انتخابات 2024، أصبح الحزب بلا دفة قيادة، بحسب كثيرين.

ورغم أن بعض الاستطلاعات تظهر تحسناً طفيفاً في موقع الحزب منذ بداية ولاية ترمب الثانية، إلا أن البيانات تشير إلى تدهور في صورة الحزب أمام الرأي العام. فبحسب استطلاع لشبكة CNN، لا تتجاوز نسبة من ينظرون للحزب الديمقراطي بشكل إيجابي 28%، وهي الأدنى منذ بدء استطلاعات الشبكة في 1992.

لا يوجد زعيم وطني واضح للمعارضة، وكثير من الديمقراطيين لم يعودوا ينظرون إلى القيادات التقليدية كمصدر للحلول. وفقاً لاستطلاع أجرته رويترز/إبسوس في يونيو الماضي، يعتقد 62% من الديمقراطيين أن قيادة حزبهم يجب أن تُستبدل بأشخاص جدد، مقارنة بـ30٪ فقط من الجمهوريين يشعرون بنفس الشيء حيال قيادتهم – مما يشير إلى مستوى أكبر من الإحباط داخل صفوف الديمقراطيين.

ويُشير الاستراتيجي الديمقراطي توماس بوين لـ”الشرق” إلى أن غياب شخصية قيادية موحّدة في الحزب الديمقراطي في هذه المرحلة ليس أمراً غير معتاد، بل هو جزء من السياق السياسي الطبيعي. فكما يحدث مع الجمهوريين عند خسارتهم البيت الأبيض، لا يظهر قائد فعلي للحزب إلا بعد انتهاء الانتخابات التمهيدية. ويضيف بوين، الذي سبق له إدارة حملات لرؤساء بلديات ونواب وأعضاء مجلس الشيوخ، أن “المرحلة الحالية هي الوقت الذي تتبلور فيه الأفكار، وتُختبر من قبل المرشحين، ويستجيب لها الناخبون”.

وقد ردّد المخاوف مسؤولون كبار في الحزب. في إبريل الماضي، قال حاكم كاليفورنيا جافين نيوسوم – وهو مرشح محتمل لانتخابات 2028 – إن “الناس لا يثقون بنا، ولا يعتقدون أننا نقف معهم في القضايا التي تهمهم فعلاً – مثل القضايا الاقتصادية اليومية”.

وجد استطلاع يونيو أن هناك “فجوة عميقة” بين ما يراه الناخبون الديمقراطيون مهماً، وما يرونه ضمن أولويات النخبة الحزبية. فعلى سبيل المثال، يؤيد 86٪ من الديمقراطيين زيادة الضرائب على الأثرياء والشركات، لكن القليل منهم يعتقد أن قيادة الحزب تشاركهم هذا الهدف.

ويلفت جيفري فرانكل، العضو السابق في مجلس المستشارين الاقتصاديين في إدارة كلينتون، أن الصعوبة التي يواجهها الديمقراطيون في صياغة استراتيجية موحّدة ضد دونالد ترمب تعود إلى أن ترمب وقاعدته الانتخابية يتحدّون المنطق السياسي والاقتصادي التقليدي. ويتساءل فرانكل “كيف يمكن التعامل مع نظرة ترى أن الاقتصاد كان سيئاً في 2024، رغم أنه كان جيداً فعلياً؟ أو مع سياسات تتعلق بالتجارة والموازنة والبنك الفيدرالي تناقض ما يقوله الخبراء، وما يخدم مصلحة الناخب الترامبي العادي، بل وتتناقض حتى مع ما كان الجمهوريون يؤيدونه سابقاً؟”.

وحول خلاف جناح التقدميين وجناح المؤسسة (المعتدلين) داخل الحزب بشأن الرسالة الاقتصادية، يرى فرانكل، الباحث في المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية (NBER)، أن وجود تنوع في الفلسفات السياسية داخل الحزب الديمقراطي ليس أمراً جديداً، بل هو سمة تاريخية. لكن ما يجعل الوضع مختلفاً اليوم هو أن “ترمب ظاهرة سياسية لا تملك الأحزاب – بما في ذلك الديمقراطيون – تصوراً واضحاً للتعامل معها”.

الانقسام الحزبي في الواجهة: زهران ممداني

لم تتجسد الانقسامات داخل الحزب الديمقراطي بوضوح كما ظهرت في السباق الأخير لرئاسة بلدية نيويورك. دراما سياسية عكست الصراع العميق بين جناح الحزب التقدمي ومؤسسته التقليدية. ففي يونيو، حقق زهران ممداني، النائب الاشتراكي الديمقراطي البالغ من العمر 33 عاماً في الجمعية التشريعية للولاية، مفاجأة مدوية بفوزه في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي لرئاسة بلدية نيويورك، متغلباً على الحاكم السابق أندرو كومو وعدد من المرشحين الآخرين. وقد وصف هذا الفوز بأنه صدمة هزّت أركان المؤسسة الحزبية الديمقراطية.

فاز ممداني بنتيجة واضحة بلغت 56% مقابل 44% في الجولة النهائية من التصويت التفضيلي، وذلك من خلال حملة تقدمية جذرية وقاعدية صريحة. وقد جذبت وعوده بفرض ضرائب على الأثرياء، وتوسيع الإسكان الميسّر، وجعل المدينة “أكثر قابلية للعيش لسكان نيويورك” دعماً واسعاً من الشباب والناخبين ذوي الميول اليسارية.

اكتسب ممداني أيضاً اهتماماً وطنياً بفضل حضوره على وسائل التواصل الاجتماعي واستعداده للظهور في منصات “غير صديقة” حتى أنه شارك في بودكاست يستضيفه ضباط شرطة سابقون من التيار المحافظ في نيويورك للدفاع عن برنامجه.

بالنسبة لعديد من الناشطين داخل القاعدة الديمقراطية، مثّل فوز ممداني صعود جيل جديد جريء من القادة. أما بالنسبة لكثير من الديمقراطيين المحسوبين على التيار التقليدي وأغلبه من القيادات، فقد كان سبباً للقلق. ووفقًا لوكالة أسوشيتد برس، فإن “فوز ممداني صدم الحزب الديمقراطي، حيث حفّز الشباب التقدميين لكنه أقلق “المعتدلين” الذين خشوا من أن انتقاداته لإسرائيل واعتناقه للاشتراكية قد تنفّر الناخبين الوسطيين”.

فعليًا، يُعرف ممداني بأنه صوت “يساري صريح” لا يتردد في تبني مواقف مثيرة للجدل – فقد انتقد سياسات الحكومة الإسرائيلية، ويؤيد حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS)، ويعلن انتماءه للاشتراكية. وقد خشي المعتدلون في الحزب من أن ترشيح شخصية بهذا التوجه في أكبر مدينة أميركية قد يمنح الجمهوريين مادة للهجوم، ويُبعد الديمقراطيين المعتدلين المرتبطين بمصالح رجال الأعمال.

الخلافات في الحزب الديمقراطي “عامل قوة”

وتنظر ثيدا سكوتشبول، أستاذة العلوم السياسية وعلم الاجتماع في جامعة هارفارد في حديث لـ”الشرق” إلى الخلاف الديمقراطي الداخلي كعامل قوة إذ أن الديمقراطيين -بحسب سكوتشبول- “قادرون رغم التحديات البنيوية على الاستفادة من حالة الاستياء المتزايدة لدى المستقلين تجاه أجندة MAGA وأساليبها التصعيدية. وتقول “يمكنهم توجيه رسائل متنوعة تستجيب لمخاوف فئات مختلفة، وهذا يُعد نقطة قوة في المشهد السياسي الحالي، لا نقطة ضعف”.

أبرزت نتائج الانتخابات التمهيدية هذا الانقسام العميق داخل الحزب، حيث ترددت المؤسسة الديمقراطية في دعم مرشحها الفائز. قادة الديمقراطيين مثل النائب حكيم جيفريز والسيناتور تشاك شومر، وكلاهما من نيويورك، رفضا تأييد ممداني. وقد وجّها له انتقادات بسبب رفضه سابقاً إدانة من يرددون شعار “عولمة الانتفاضة” وهو شعار يُروج له في الإعلام الأميركي باعتباره “داعم للانتفاضات الفلسطينية ضد إسرائيل” ويعتبره بعض اليهود معادياً للسامية.

كما اتهم ممداني إسرائيل بارتكاب “إبادة جماعية” ضد الفلسطينيين، وهو سبب إضافي ينظره إليه بعض قادة الديمقراطيين مبرراً للبقاء على مسافة منه.

رداً على ذلك، هدد بعض التقدميين والاشتراكيين الديمقراطيين بدعم مرشحين في الانتخابات التمهيدية ضد جيفريز وغيره من الديمقراطيين الذين لم يدعموا ممداني.

وبدلًا من الانسحاب، أعلن أندرو كومو ترشحه كمستقل في الانتخابات العامة حتى العمدة الديمقراطي الحالي إريك آدامز، قرر الترشح في نوفمبر كمستقل أيضاً.

أما الأثر العملي لهذا الانقسام، فلا يزال غير محسوم. إذ تشير استطلاعات الرأي إلى أن ممداني لا يزال يتصدر سباق رئاسة البلدية رغم تعدد المرشحين. ففي استطلاع يوليو، حصل على 35% من الدعم على مستوى المدينة، متقدماً على كومو الذي نال 25%، ومرشح الحزب الجمهوري كيرتس سليوا بـ14%، بينما حل آدامز رابعاً بنسبة 11% فقط.

ويعكس تقدم ممداني إلى جانب “جيشه من المتطوعين” ودعم الشباب المتحمس له، اتجاهاً أوسع: قاعدة الحزب الناشطة تميل نحو اليسار، وقد سئمت من الساسة التقليديين الذين يمثلون الوضع القائم.

في المقابل، يخشى القادة الوسطيون من أن الميل المفرط نحو اليسار قد يؤدي إلى هزائم كارثية في الدوائر المتأرجحة التي يسعى فيها الحزب لجذب المعتدلين والكتل التصويتية المستقلة. هذا التوتر الجوهري – بين التغيير والحذر – لا يحدث في نيويورك فقط، بل في جميع أنحاء البلاد، مع استعداد الديمقراطيين لخوض انتخابات التجديد النصفي.

انتخابات التجديد النصفي.. اختبار حاسم للديمقراطيين

مع اقتراب انتخابات منتصف الولاية في 2026، يقف الحزب الديمقراطي عند مفترق طرق. تاريخياً، تميل الأحزاب المعارضة إلى تحقيق مكاسب في أول انتخابات نصفية لرئيس جديد، خاصة إذا كان مثيراً للانقسام مثل دونالد ترمب. ويأمل الديمقراطيون أن يؤدي الغضب الشعبي من سياسات الجمهوريين إلى استعادة بعض النفوذ، خاصة مع وجود إشارات مشجعة: قاعدة الحزب متحمسة بشدة، وقانون “الكبير والجميل” الذي مرره ترمب يلقى رفضاً واسعاً (61٪ مقابل 39٪ دعم فقط)، ما يمنح الديمقراطيين هدفاً واضحاً في حملاتهم.

لكن الديمقراطيين يواجهون تحديات بنيوية خطيرة، خاصة في مجلس الشيوخ، حيث يحتاجون إلى 4 مقاعد جديدة في خريطة تهيمن عليها ولايات مؤيدة لترمب مثل فيرجينيا الغربية ونورث داكوتا. وفي ظل تحالف منسق بين ترمب وزعيم الأغلبية الجمهورية جون ثون لتجنيد المرشحين، تبدو المنافسة صعبة.

ويُشدّد توماس بوين، الذي عمل في أكثر من 75 سباقاً انتخابياً محلياً وفيدرالياً من بينها حملة أوباما الرئاسية عام 2008، على أن انتخابات 2026 ستقوم على ركيزتين: من جهة، ظهور مرشحين جدد يتواصلون مباشرة مع الناخبين، ومن جهة أخرى، رد فعل الناخبين على وعود الجمهوريين التي لم تتحقق، وعلى السياسات التي لا تحظى بدعم شعبي. إذ يعتبر أن “لا أحد من الناخبين يؤيد خفض الضرائب على الأثرياء مقابل طرد الفقراء من نظام الرعاية الصحية”.

ويضيف بوين، أن الوقت لا يزال مبكراً جداً في الموسم الانتخابي، وأن الناخبين بحاجة أولاً إلى “الشعور بتأثير السياسات” قبل أن ينتقلوا للاهتمام بالمرحلة التالية. لكنه يلفت إلى أن “شعبية دونالد ترمب والجمهوريين تتآكل يوماً بعد يوم، لأنهم فشلوا في معالجة الأولويات الأساسية للناخبين مثل خفض أسعار المواد الأساسية والغذاء”.

رغم ذلك، هناك ثغرات يمكن للديمقراطيين استغلالها، مثل انقسامات الجمهوريين الأولية في ولايات مثل تكساس وكارولاينا الشمالية. وفي مجلس النواب، يتمتع الجمهوريون بأغلبية ضئيلة، والتاريخ يرجّح خسارتهم مقاعد في منتصف الولاية. وأظهرت بعض الاستطلاعات أن 60% من الأميركيين لا يرون أن الكونجرس الجمهوري يستحق إعادة الانتخاب، وهو مزاج قد يستفيد منه الديمقراطيون إذا طرحوا بديلاً موثوقاً.

مفتاح النجاح

يرى خبراء أن التركيز على القضايا الاقتصادية اليومية – الإيجارات، الأجور، أسعار الأدوية – سيكون مفتاح النجاح. بعض الديمقراطيين في الدوائر المتأرجحة بدأوا بالفعل بحملات تركز على حماية برامج الأمان الاجتماعي ورفض تخفيضات الضرائب للمليارديرات. لكن الخلافات الداخلية، خاصة بين الجناحين التقدمي والمعتدل، ما زالت تهدد وحدة الرسالة، حيث يدعم التقدميون مرشحين جدد ضد معتدلين، مما يثير قلق قيادة الحزب من فقدان مقاعد حاسمة.

وفي حديث مع “الشرق”، ترى ثيدا سكوتشبول، أستاذة العلوم السياسية وعلم الاجتماع في جامعة هارفارد، أن الحزب الديمقراطي لا يحتاج بالضرورة إلى خطاب موحّد ليحقق مكاسب انتخابية في 2026، بل يمكنه الاستفادة من كونه “البديل الوحيد الواقعي” لأجندة ترمب والجمهوريين. وتضيف أن “المعارضة الشعبية لسياسات ترمب والحزب الجمهوري تنتشر على مستوى القواعد، وسيكون لذلك أثر ملموس في الانتخابات المقبلة”.

وتؤكد سكوتشبول، الحائزة على “جائزة يوهان سكيت” المرموقة في العلوم السياسية، أن “الديمقراطيين بإمكانهم التركيز على رسائل مختلفة حسب الولاية أو الدائرة الانتخابية، لأنهم يواجهون دائماً تحدي الربط بين مجموعات وبيئات متنوعة”. وتلفت النظر إلى أن الديمقراطيين قد يستفيدون من ميزة مهمة في الانتخابات النصفية، وهي أن “الناخبين الأكثر إطلاعاً هم الأكثر ميلاً للمشاركة، في وقت لم يعد فيه اسم ترمب نفسه سيظهر على ورقة الاقتراع”.

ورغم هذه الأزمات، يشير تقرير لصحفية The Hill إلى مؤشرات إيجابية نسبية. فشعبية الرئيس ترمب لا تزال “تحت الماء”، أي أن نسبة المعارضين له تتجاوز نسبة المؤيدين، ما يفتح الباب أمام الديمقراطيين لاستعادة الزخم في حال تمكنوا من تقديم خطاب بديل واضح ومقنع.

كما أظهرت بعض الاستطلاعات أن الديمقراطيين يتقدمون بفارق بسيط في التصويت العام (Generic Ballot)، وتحديداً في استطلاع DDHQ الأخير الذي منحهم الأفضلية بنقطة واحدة فقط. واستطلاع آخر من شركة Fabrizio Ward أظهر تأخر الجمهوريين في 28 دائرة من الدوائر الانتخابية الحاسمة في مجلس النواب.

شاركها.