حقيقة التسريب المنسوب لـ جمال عبدالناصر ولغز توقيت ظهوره

هل تقف ورائه أمريكا وإسرائيل؟..
تداول رواد التواصل الاجتماعي تسجيلًا صوتيا منسوبا للرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر، حيث دار حديث مع الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي، منتقدًا خلاله المزايدين على مصر بقوله: «إذا كان حد عايز يكافح ما يكافح.. إذا كان حد عايز يناضل ما يناضل».
وما أن تم تداول التسجيل الصوتي المنسوب للزعيم المصري الراحل، أثيرت حالة من الجدل الشديدة بين رواد ونشطاء التواصل الاجتماعي والأوساط السياسية، حيث أن ذلك يأتي تزامنًا مع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة من جهة، ومطالبة الرئيس الأمريكي ترامب بالسماح للسفن الأمريكية بعبور قناة السويس مجانا دون رسوم، وما بين مشكك في التسجيل الصوتي نفسه الذي لم يظهر من قبل على الساحة، بينما ذهب البعض الآخر إلى أنه منطقي، خاصة أنه جاء في أعقاب نكسة 1967.
جمال فهمي: اقتطاع أجزاء من ذلك التسريب الصوتي كان بهدف تشويه صورة عبد الناصر
قال الكاتب الصحفي جمال فهمي وكيل نقابة الصحفيين الأسبق، أن التسريب الصوتي المنسوب للزعيم الراحل جمال عبدالناصر تم إزالة منه أسماء دول محددة وأبقى دول أخرى، فعندما قبل عبد الناصر مبادرة روجرز كان بهدف بناء حائط الصواريخ للتخلص من الضغط الجوي الإسرائيلي على الجبهة”، مشيرًا إلى أنه الحائط كان له الفضل فيما بعد في انتصار حرب أكتوبر 1973.
وتساءل فهمي عن سبب اقتطاع أجزاء من ذلك التسريب الصوتي، معتبرًا أن ذلك كان بهدف التشوية لغرض معين، حيث تم إزالة «أسماء دول بعينها» على حسب تعبيره، قائلًا إن المستفيد من ذلك هو الولايات المتحدة بسبب ضغطها لفرض الاتفاقات الإبراهيمية والتطبيع مع إسرائيل.
وقال وكيل نقابة الصحفيين الأسبق، إن هذا التسريب في مضمونه لا يعني أي شئ على الإطلاق، فعبد الناصر كان يتحدث خلال المقطع عن سيطرة إسرائيل على الأجواء والمناطق التي احتلتها في ذلك الوقت وذلك بسبب الدعم اللا محدود من الولايات المتحدة.
وأكد أن التسريب لن يؤثر على شعبية عبد الناصر على الإطلاق، قائلا: “المقطع أثبت فشله، فبأدوات التكنولوجيا ممكن أن نقتطع جزء من الكلام وتوظيفه والتلاعب بشكل معين، فهم يعرفون مصداقية عبد الناصر ليس فقط في مصر بل الوطن العربي، وكان يريدون إرسال رسالة بأن عبد الناصر لم يكن يريد مواجهة إسرائيل أو إكمال المعركة معهم”.
وأنهى فهمي تصريحه قائلا: “عبد الناصر قبل وفاته أعاد بناء الجيش المصري من الصفر حتى أصبح جيش عظيم تمكن من اقتحام قناة السويس وخاص معركة عظيمة، وكل هذا يؤكد كذب وتفاهة من فعلوا هذه الفعلة النكراء”.
سامح عاشور: الهدف من نشر هذا التسجيل هو ضرب القوة المصرية
وفي هذا الصدد، أكد سامح عاشور، نقيب المحامين السابق، وهو قيادي ناصري، أن ذلك التسجيل الصوتي المنسوب لعبدالناصر بعد أكثر من خمسة وخمسين عامًا على وفاته، أمر لا يستند إلى أي دليل أو مستند منطقي.
واعتبر عاشور أن صناعة الفيديوهات أو الأصوات المفبركة أصبحت شئ في غاية السهولة، مشيرًا إلى أن عبدالناصر كان له أعداء كثيرون، سواء على مستوى الأفراد أو الدول، وعلى رأسهم بكل تاكيد إسرائيل، صاحبة المصلحة المباشرة في نشر وترويج مثل هذه الادعاءات في الوقت الحالي.
وأكد القيادي الناصري السابق، أن ترويج مثل هذا التسجيل يثير الكثير من الريبة، لا سيما في ظل حالة الاصطفاف الوطني التي يعيشها الشعب المصري حاليًا لمواجهة الضغوط الصهيونية والأمريكية بشأن قضية تهجير الفلسطيينين القسري.
وأشار عاشور إلى أن الهدف من ترويج هذا التسجيلا هو محاولة زعزعة الاستقرار وضرب المعنويات المصرية، مؤكدًا أن الشعب المصري الآن في أقوى مراحل تلاحمه الوطني.
وبسؤاله عن كيفية التعامل مع هذا النوع من الحملات، قال إنه يمكن ذلك فقط بكشفها والتعامل معها بشكل حاسم، باعتبار أن الأمر يتعلق بتاريخ مصر الوطني وليس بشخص عبدالناصر وحده.
وتحدث عن تحمل مصر أعباء كبرى في حروب 1956 و1967 و1973 دفاعًا عن القضية الفلسطينية، وذلك دون أن يطلبها منها ذلك، منوهًا إلى أن الشعب المصري كله هو من دفع هذا الثمن وليس فردًا أو زعيمًا بعينه.
وأنهى عاشور تصريحه بالتأكيد على أن الهدف من نشر مثل هذه التسجيلات هو ضرب القوة المصرية التي يمثلها الجيش والشعب معًا، لافتًا أن الجيش المصري لم ولن يكون يومًا أداة لاغتيال نفسه أو تشويه تاريخه الوطني.
عبدالمنعم سعيد: إثارة موضوعات قديمة في هذا التوقيت لا يغير شيئا من حقائق التاريخ
من جهته، قال الدكتور عبدالمنعم سعيد، عضو مجلس الشيوخ المصري، إن الولايات المتحدة حاولت إدارة الصراع العربي الإسرائيلي في حقبة الخمسينيات، وذلك بوساطات مرتبطة بمشكلات المياه خاصة مياه نهر الأردن واليرموك دون أن تتجاوز هذه المساعي حدود الاتصالات العادية.
وأكد سعيد، أن موقف عبدالناصر تغير بعد نكسة 1967، وهذا ما ظهر جليًا في محاضر الجلسات التي نشرتها ابنته هدى، حيث اتجه إلى البحث في خيارات مثل الحرب المحدودة أو حرب الاستنزاف بدلا من التركيز على فكرة إزالة إسرائيل بالكامل.
واعتبر عضو مجلس الشيوخ أن إثارة موضوعات قديمة في هذا التوقيت، لا يغير شيئا من حقائق التاريخ لأن القضية الفلسطينية تتعلق باستراتيجية المقاومة وكيفية تحقيق الأهداف وليس بمجرد الصدام أو القتال من أجل القتال.
كما أبدى عبدالمنعم سعيد استيائه الشديد من حالة الانقسام الفلسطيني ووجود العديد من الفصائل المسلحة، لافتًا أن غياب الدولة الفلسطينية حتى الآن يرجع إلى فشل الطبقة السياسية الفلسطينية.
وضرب سعيد مثالا بتجربة مصر في مقاومة الاحتلال البريطاني والتي امتدت عقودا حتى تحقق الجلاء النهائي، مؤكدًا على أن العمل الوطني لا يعتمد فقط على المواجهة المسلحة بل يتطلب بالضرورة أيضا أدوات سياسية ودبلوماسية.
وفي النهاية، رفض عبدالمنعم سعيد اختزال فكرة المقاومة في مجرد معارك غير محسوبة، مشددً أن البناء الإستراتيجي المدروس هو السبيل الوحيد لتحقيق الاستقلال الحقيقي والدائم.
القعيد: عبد الناصر واجه خصومًا لم يتوقفوا عن مهاجمته طوال فترة حكمه
من جهته، قال الكاتب والروائي الكبير يوسف القعيد، إن جمال عبد الناصر واجه خصومًا لم يتوقفوا عن مهاجمته طوال فترة حكمه، ولا يزالون حتى اليوم، مشيرًا إلى أن الهجوم على الزعيم الراحل كان ولايزال من داخل مصر وخارجها.
وتطرق الكاتب الشهير، إلى سبب قبول جمال عبد الناصر لمبادرة روجرز عام 1970، قال إنه قد سبق له أن كتب كتابًا كاملًا بالتعاون مع الراحل محمد حسنين هيكل بعنوان «عبد الناصر والمثقفون والثقافة». مشيرًا إلى أن الكتاب يتضمن ردودًا قاطعة على الهجمات التي تعرض لها عبد الناصر، معتبرًا في الوقت ذاته أن عبد الناصر كان يمثل الأمل للأمة العربية في مواجهة الاستعمار والرجعية.
واعتبر القعيد أن هذه التسجيلات لن تؤثر على شعبية عبد الناصر في مصر، مؤكدا أن الإيمان بعبد الناصر هو إيمان شعبي نابع من حب الشعب المصري له، وأنه لا يمكن لتسجيلات مهما كان مصدرها أن تغير موقفه أو تأثيره على المحبين له.
ورغم إعراب التيارات الناصرية في الوطن العربي عن استيائها الشديد من تلك التسريبات، معتقدة أن هذه المكالمات قد تضر بالخط الوطني لعبد الناصر، إلا أن القعيد انتقد بشدة غياب ردها القوي، معتقدًا أن هذه التيارات كان ينبغي أن تتحرك بشكل أقوى من ذلك، من خلال تشكيل لجان من الناصريين في مختلف أنحاء الوطن العربي للرد على الأكاذيب التي يتم نشرها، وهو ما لم يحدث بشكل مناسب.