كيف دفعت أجندات متداخلة لمسؤولين بارزين في الولايات المتحدة نحو حشد عسكري متصاعد ضد فنزويلا، في إطار حملة ضغط تهدف إلى الإطاحة بالرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو أو إضعافه، وسط تداخل مصالح النفط والمخدرات والهجرة؟.

تساؤل حاولت صحيفة “نيويورك تايمز” الإجابة عنه عبر تفاصيل جديدة من المداولات داخل الإدارة الأميركية.

وذكرت الصحيفة أن التفاصيل الجديدة تكشف كيف قاد مساعدون في إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، كل منهم يحمل أجندته الخاصة، الولايات المتحدة نحو المواجهة مع كاراكاس.

وجاء في التقرير أنه في إحدى ليالي الربيع داخل المكتب البيضاوي، سأل الرئيس ترمب وزير الخارجية ماركو روبيو عن سبل تشديد الإجراءات ضد فنزويلا.

وجاء ذلك قبيل عطلة يوم الذكرى (لتكريم الجنود الأميركيين الذين سقطوا في ساحات المعارك)، في وقت كان فيه مشرعون أميركيون من أصول كوبية ومعادون لليسار يضغطون على ترمب لتشديد الخناق على كاراكاس، بما في ذلك عبر وقف عمليات شركة “شيفرون” النفطية في البلاد، فيما كان ترمب يعتمد على أصوات هؤلاء المشرعين لتمرير مشروع قانونه الرئيسي للسياسات الداخلية.

وتابعت الصحيفة أن ترمب لم يكن يرغب في خسارة آخر موطئ قدم أميركي في قطاع النفط الفنزويلي، حيث تُعد الصين أكبر لاعب أجنبي.

وكان الرئيس يدرس السماح لـ”شيفرون” بمواصلة نشاطها، لكنه أبلغ روبيو، المعروف بمواقفه المتشددة حيال فنزويلا وكوبا، بضرورة إظهار الحزم أمام المشرعين وغيرهم من المشككين، وإثبات القدرة على توجيه ضربة قوية إلى مادورو، الذي حاول ترمب الإطاحة به خلال فترة ولايته الأولى.

ونقل التقرير عن ستيفن ميلر، أحد مساعدي الرئيس الحاضرين في الاجتماع، قوله إنه “يمتلك أفكاراً بهذا الشأن”.

وبصفته مستشار ترمب للأمن الداخلي، كان ميلر يناقش مع مسؤولين آخرين التزام الرئيس خلال حملته الانتخابية بقصف معامل تصنيع مخدر “الفنتانيل”.

ولأسباب متعددة، تلاشت تلك الفكرة، غير أن ميلر اتجه في الأسابيع التالية لدراسة إمكانية شن هجمات على قوارب يُشتبه في نقلها مخدرات قبالة سواحل أميركا الوسطى.

3 أهداف سياسية منفصلة

وأوضحت الصحيفة أن مداولات ميلر لم تكن في البداية مركّزة على فنزويلا، التي لا تنتج “الفنتانيل”، إلا أن 3 أهداف سياسية منفصلة بدأت تتداخل في تلك الليلة: إضعاف مادورو، واستخدام القوة العسكرية ضد عصابات المخدرات، وتأمين وصول الشركات الأميركية إلى الاحتياطات النفطية الهائلة في فنزويلا.

وبعد مرور شهرين فقط، وقّع الرئيس ترمب توجيهاً سرياً يأمر وزارة الحرب الأميركية (البنتاجون) بتنفيذ عمليات عسكرية ضد عصابات المخدرات في أميركا اللاتينية، مع تركيز خاص على الضربات البحرية.
 
وأشارت الصحيفة إلى أن هذه الخطوة أطلقت حملة ضغط عسكرية متصاعدة تهدف إلى الإطاحة بمادورو من السلطة، وشملت ضربات أميركية أسفرت عن سقوط ما لا يقل عن 105 أشخاص على متن قوارب في البحر الكاريبي وشرق المحيط الهادئ.

كما شملت فرض حصار على ناقلات النفط الداخلة إلى الموانئ الفنزويلية والخارجة منها، بالإضافة إلى تهديدات من ترمب بتنفيذ ضربات برية داخل فنزويلا.

وأوضحت الصحيفة أن هذه الحملة تعكس تلاقي أهداف روبيو وميلر، اللذين عملا معاً على سياسات تستهدف مادورو.

فقد جاء روبيو، ابن المهاجرين الكوبيين ومستشار الأمن القومي لترمب، برغبة في إضعاف أو إسقاط حكومتي فنزويلا وكوبا، بينما رأى ميلر، أحد مهندسي سياسات ترمب المناهضة للهجرة، في الحملة فرصة لتعزيز سياسات الترحيل الجماعي ومكافحة العصابات الإجرامية في أميركا اللاتينية.

وذكرت “نيويورك تايمز” أن تلك الرؤية، التي توضح كيف تحوّلت فنزويلا إلى محور أجندة السياسة الخارجية للإدارة الأميركية هذا العام وصولاً إلى حافة حرب محتملة يستند إلى مقابلات مع مسؤولين أميركيين حاليين وسابقين، وافق معظمهم على التحدث بشرط عدم الكشف عن هوياتهم.

ووفقاً للصحيفة، طلب ستيفن ميلر من مسؤولي البيت الأبيض خلال فصل الربيع دراسة سبل مهاجمة عصابات المخدرات في دول أميركا اللاتينية بأساليب تُحدث أثراً واسعاً، بهدف ترسيخ ردع فعّال.

وأضافت أن التركيز على فنزويلا تصاعد بعد أواخر مايو، عندما أبدى ترمب استياءه من “المفاوضات الصعبة” مع شركة “شيفرون”، مشيرة إلى أن النفط الفنزويلي كان أكثر مركزية في مداولاته مما أُبلغ عنه سابقاً.

وفي اجتماعات أوائل الصيف، ناقش روبيو وميلر مع ترمب خيار توجيه ضربات إلى فنزويلا، وقد تأثر الرئيس بحجة روبيو التي وصفت مادورو بأنه “زعيم عصابة مخدرات”.

قانون “الأعداء الأجانب”

ونقل التقرير عن ميلر أنه في حال اندلاع حرب بين الولايات المتحدة وفنزويلا، يمكن تفعيل قانون “الأعداء الأجانب” (وهو تشريع يعود إلى القرن الثامن عشر) لتسريع ترحيل مئات الآلاف من الفنزويليين الذين حُرِموا من وضع الحماية المؤقتة. 

وأشار التقرير إلى أن ميلر وروبيو استخدما هذا القانون سابقاً لترحيل مئات الفنزويليين بشكل فوري إلى سجن سيئ السُمعة في السلفادور، قبل أن توقف المحاكم الأميركية تلك الإجراءات.

وأضافت الصحيفة أن الأمر السري، الذي وقّعه ترمب في 25 يوليو ويقضي بتنفيذ عمل عسكري ضد عصابات المخدرات مع توجيه ضربات بحرية، يُعد أول توجيه مكتوب معروف من الرئيس بشأن هذا النوع من العمليات. 

وأوضح مسؤولون في الإدارة أن الهجمات على القوارب شكّلت “المرحلة الأولى”، بقيادة وحدة SEAL Team 6 من القوات الخاصة البحرية الأميركية، فيما كانت هناك مناقشات حول “المرحلة الثانية”، التي قد تشمل عمليات برية تنفذها وحدات من قوة Delta.

وبحسب التقرير، أبقى وزير الحرب الأميركي بيت هيجسيث العديد من المسؤولين العسكريين والمحامين بعيداً عن صياغة “أمر التنفيذ”، ما أوجد ثغرات في الأمر، أبرزها عدم وجود توجيهات واضحة بشأن كيفية التعامل مع الناجين.

وأشارت الصحيفة إلى أن روبيو وميلر ومسؤولين آخرين أشرفوا على العملية، التي وُصفت بأنها “عشوائية ومغلّفة بالسرية”، لافتة إلى أن قدرتهم على حصر التخطيط ضمن دائرة ضيقة تعززت بسبب تفكيك أجزاء من البيروقراطية الفيدرالية خلال العام، بما في ذلك مجلس الأمن القومي الذي ينسق النقاشات بين الوكالات.

وفي سبتمبر، دخلت الإدارة الأميركية، بحسب الصحيفة، المرحلة “الأكثر دموية” حتى الآن من حملتها ضد مادورو، والتي شملت 29 هجوماً قاتلاً على قوارب خلال الأشهر الأربعة الماضية، وهي عمليات يرى كثير من الخبراء القانونيين أنها ترقى إلى “جرائم قتل أو جرائم حرب”، فيما تؤكد الإدارة امتلاكها معلومات استخباراتية تربط تلك القوارب بتهريب المخدرات، لكنها لم تقدم دلائل على ذلك.

ونقلت الصحيفة عن المتحدثة باسم البيت الأبيض آنا كيلي قولها إن الإدارة تعمل “على تنفيذ أجندة الرئيس لمنع هذا السم من الوصول إلى المجتمعات الأميركية”.

كما صرّح روبيو، للصحافيين في 19 ديسمبر، بأن الهدف من ضربات القوارب هو ضمان “ألا يرغب أحد في ركوب قوارب المخدرات بعد الآن”، عبر ترسيخ ما وصفه بـ”الخوف من الموت على متنها”.

وأعاد روبيو التذكير بأن وزارة العدل الأميركية كانت حصلت في عام 2020 على لائحة اتهام صادرة عن هيئة محلفين كبرى بحق مادورو، بتهم تتعلق بالتعاون مع منتجي الكوكايين في كولومبيا، الذين تمرّ شحناتهم أحياناً عبر فنزويلا، واصفاً حكومة الرئيس الفنزويلي بأنها “نظام غير شرعي يتعاون علناً مع عناصر إرهابية”.

“عسكرة” نهج واشنطن ضد فنزويلا

وأضافت الصحيفة أن بذور “عسكرة” النهج الأميركي تجاه مادورو والفنزويليين زُرعت في فبراير، عندما أبرم روبيو صفقة مع الرئيس السلفادوري نجيب بوكيلي، خلال اجتماع عُقد في فيلته المطلة على بحيرة.

وبموجب الاتفاق، تدفع الولايات المتحدة نحو 5 ملايين دولار لإرسال قرابة 300 فنزويلي متهمين بالانتماء إلى عصابات إجرامية إلى “مركز احتجاز الإرهابيين”، المعروف اختصاراً بـCECOT، في السلفادور.

وبعد فترة قصيرة من زيارته لبوكيلي، صنّف روبيو 8 جماعات إجرامية في أميركا اللاتينية على أنها منظمات إرهابية أجنبية، وتصدرت القائمة عصابة “Tren de Aragua” الفنزويلية.

وبحسب التقرير، كان ميلر قد توصّل بالفعل إلى أداة قانونية تتيح تجاوز الإجراءات القانونية الواجبة، وهي “قانون الأعداء الأجانب”، الذي يسمح بالاحتجاز والترحيل الفوري لمواطني أي دولة تغزو الولايات المتحدة أو تكون في حالة حرب معها.

وفي مارس، وقّع الرئيس ترمب أمراً تنفيذياً يستند إلى هذا القانون، ويحذّر من “غزو الولايات المتحدة من قبل Tren de Aragua”.

واعتبرت “نيويورك تايمز” أن هذا الأمر التنفيذي شكّل “ضربة افتتاحية مهمة” ضد مادورو، إذ مثّل أول تأطير رسمي من قبل الإدارة الأميركية للعلاقة بين مادورو والولايات المتحدة باعتبارها شكلاً من أشكال الحرب.

وعلى خلاف تقييم استخباراتي أميركي سري، نص الأمر التنفيذي على أن عصابة Tren de Aragua تُعد “أداة بيد مادورو”.

وأوضحت الصحيفة أن العديد من أكثر من 250 رجلاً فنزويلياً أُرسلوا إلى السلفادور لم تكن لهم أي صلات بعصابة “Tren de Aragua” أو سجلات إجرامية بارزة، فيما تحدث بعضهم عن تعرضهم لتعذيب واسع وإساءة معاملة داخل سجن CECOT.

وأضاف التقرير أن المحاكم الأميركية قضت سريعاً بأن الهجرة غير الشرعية لا تُعد “غزواً” يبرر استخدام قانون الترحيل في وقت الحرب، إلا أن ميلر عاد لاحقاً للحديث عن إمكانية إحياء استخدام “قانون الأعداء الأجانب” في حال دخلت الولايات المتحدة في حرب فعلية مع فنزويلا، وفقاً لمسؤول أميركي سابق.

وفي الوقت نفسه، كان ميلر يستكشف سياسات لا ترتبط مباشرة بفنزويلا، لكنها، شأنها شأن الترحيلات الجماعية، متجذرة في مقاربات أمنية تعود إلى ما يُعرف بـ”الحرب الأميركية على الإرهاب”.

ودرس في هذا السياق فكرة قصف معامل تصنيع “الفنتانيل” في المكسيك، لكن اتضح أن القادة المكسيكيين لن يوافقوا على ذلك، كما خشيت الإدارة الأميركية خسارة تعاونهم في ملفات المخدرات والهجرة.

وبحلول أوائل مايو، بدأ فريق ميلر يطلب، وفقاً للتقرير، خيارات إضافية لاستخدام القوة ضد عصابات المخدرات. وتابعت الصحيفة أن مسؤولي البيت الأبيض وآخرين ناقشوا أفكاراً أكثر تقييداً نسبياً، من بينها استخدام وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) لتنفيذ ضربات سرية ضد قوارب راسية لا يوجد على متنها أشخاص.

لكن فريق ميلر كان يدفع باتجاه الإعلان عن الضربات. كما نوقشت فكرة تفجير قوارب مخدرات وهمية لبث الخوف في نفوس المهربين، غير أن مساعدي ميلر أصروا على استهداف قوارب حقيقية، بحسب ما نقلته الصحيفة عن مسؤولين.

وأضاف التقرير أنه بحلول يونيو، بدأ تعميم طلب داخل وزارة الحرب لدراسة عملية بحرية محتملة. ولم تكن الخطة تركز في تلك المرحلة على فنزويلا، غير أن ذلك تغيّر لاحقاً، مدفوعاً باهتمام ترمب المستمر منذ سنوات بأثمن موارد البلاد: النفط.

خلافات بشأن النفط

وذكرت الصحيفة أن “شيفرون” تمسكت لعقود بجائزة فريدة في صناعة النفط العالمية، تمثلت في حصولها على إذن من حكومتي الولايات المتحدة وفنزويلا لإنتاج النفط وتصديره عبر مشروعات مشتركة.

وبسبب هذا الوضع الاستثنائي، تحولت الشركة هذا العام إلى “ورقة مساومة” في جولات سرية من المفاوضات بين ترمب ونظيره الفنزويلي ومشرعين أميركيين، كما ارتبطت بشكل وثيق بالتحرك المحوري للرئيس الأميركي نحو الخيار العسكري، بحسب “نيويورك تايمز”.

ووفقاً للتقرير، بدأت القصة عندما ضغط مشرعون أميركيون من أصول كوبية على ترمب في مطلع العام لإنهاء الترخيص السري الذي مُنح لـ”شيفرون” خلال إدارة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن.

وبعد أن أعلن ترمب ووزير خارجيته في أواخر فبراير عزمهما إنهاء الترخيص، أوقف مادورو استقبال رحلات ترحيل الفنزويليين. وكان الرئيس الفنزويلي قد وافق على هذه الرحلات في 31 يناير بموجب اتفاق مع ريتشارد جرينيل، المبعوث الخاص لترمب.

وأضافت الصحيفة أن الرئيس التنفيذي لشركة “شيفرون”، مايك ويرث، مارس ضغوطاً على الإدارة الأميركية لتمديد الترخيص، وأجرى عدة محادثات مباشرة مع ترمب خلال الأشهر التالية.

وتابعت أن المشرعين الأميركيين علموا بإمكانية تمديد الترخيص، فهددوا بحجب أصواتهم عن مشروع قانون ترمب الرئيسي للسياسات الداخلية، المعروف بـ”الكبير والجميل”.

وخلال اجتماع عُقد في المكتب البيضاوي أواخر مايو، أبلغ ترمب كلاً من روبيو وميلر بأنه بحاجة إلى تمرير مشروع القانون، لكنه أشار، بحسب مسؤولين، إلى أنه سمع عن تداعيات سلبية محتملة لإنهاء ترخيص “شيفرون”، من بينها احتمال استحواذ شركات صينية على حصصها في فنزويلا.

وطالب الرئيس الأميركي ببحث خيارات بديلة، وفي هذا السياق عرض ميلر المساعدة، مستنداً إلى الأفكار التي كان يعمل على تطويرها بشأن الترحيلات الجماعية وضربات القوارب.

وفي نهاية المطاف، لم يجدّد ترمب ترخيص “شيفرون” عند انتهائه في 27 مايو، بينما أقرّ الكونجرس مشروع قانونه الرئيسي بعد 5 أسابيع.

ولفتت الصحيفة إلى أن الرئيس الأميركي عقد سلسلة من الاجتماعات في البيت الأبيض لبحث خيار توجيه ضربات إلى فنزويلا. وفي أحد هذه الاجتماعات، مطلع الصيف، وبحضور روبيو وميلر وجرينيل، جادل روبيو بأن مادورو “زعيم عصابة مخدرات”، وهو توصيف قال مسؤولون إنه بدا وكأنه علق في ذهن ترمب.

وفي أواخر يوليو، غيّر الرئيس الأميركي موقفه بشأن ترخيص “شيفرون”، وأمر وزارة الخزانة بإصدار ترخيص جديد بشروط معدّلة.

وجاء ذلك في وقت أفرج فيه مادورو عن 10 سجناء أميركيين مقابل أكثر من 250 فنزويلياً كانت إدارة ترمب قد رحّلتهم إلى سجن CECOT في السلفادور. كما تأثر ترمب بحجة الرئيس التنفيذي للشركة القائلة إنها تشكّل حاجزاً أمام تنامي النفوذ الصيني في فنزويلا.

“مسار سري” للمواجهة

لكن الصحيفة لفتت إلى أن ترمب كان، خلف الكواليس، يرسم “مساراً موازياً” نحو المواجهة. ففي 25 يوليو، وقّع أمراً سرياً يوجّه البنتاجون باتخاذ إجراءات ضد جماعات تهريب المخدرات، ما وضع عملياً استهداف الفنزويليين موضع التنفيذ.

وأوضحت “نيويورك تايمز” أن التوجيه السري ظل طيّ الكتمان حتى تم الكشف عنه مطلع أغسطس. وتضمن الأمر التنفيذي، المؤلف من صفحتين، مقترحاً مكتوباً لتنفيذ ضربات ضد قوارب، موجّهاً هيجسيث لاستهداف سفن في المياه الدولية تنقل مخدرات لصالح أي من 24 عصابة مصنّفة على أنها “إرهابية مرتبطة بالمخدرات” في أميركا اللاتينية، بما فيها عصابات فنزويلية.

ولفت التقرير إلى أن الإدارات الأميركية السابقة كانت عادةً ما تستشير عدداً كبيراً من المحامين العسكريين، والخبراء في البنتاجون وتعقد مناقشات بين الوكالات عبر مجلس الأمن القومي قبل اتخاذ مثل هذا القرار، لكن هذا الإجراء لم يحدث هذه المرة.

وبقي الأمر العسكري سرياً في البداية، رغم أن السياسات العلنية للإدارة أوحت بأن مادورو كان الهدف النهائي للحملة. وشملت القائمة السرية عصابات كبيرة أخرى صنّفتها إدارة ترمب رسمياً كمنظمات إرهابية، إلى جانب عدد من العصابات المكسيكية الأقل شهرة.

وفي اليوم نفسه الذي وقّع فيه ترمب التوجيه، أعلنت وزارة الخزانة عن عقوبات ضد عصابة “دي لوس سوليس” Cartel de los Soles، واعتبرتها “منظمة إرهابية” يقودها مادورو، وكان اسمها في أسفل القائمة السرية للرئيس، بحسب “نيويورك تايمز”.

وفي 27 يوليو، صرّح روبيو بأن مادورو سرق الانتخابات قبل عام، واصفاً إياه بأنه “رئيس عصابة وليس رئيساً شرعياً”. وبعد عدة أيام، أعلن وزير الخارجية الأميركي، بالتعاون مع وزيرة العدل بام بوندي، مضاعفة المكافأة مقابل المعلومات التي تؤدي إلى اعتقال أو إدانة مادورو لتصبح 50 مليون دولار.

وأضاف التقرير أنه في الوقت نفسه كان أحد موظفي إدارة ترمب، والذي يتمتع بخبرة محدودة في قوانين الأمن القومي، يعمل على صياغة مذكرة لوزارة العدل تفيد بأن استهداف القوارب سيكون قانونياً بموجب صلاحيات الرئيس في وقت الحرب.

وبحلول أواخر يوليو، كانت الموافقة القانونية قد أُنجزت فعلياً، وهو التوقيت نفسه الذي صادق فيه مجلس الشيوخ على تعيين المحاميين المكلّفين بمراجعة هذا النوع من العمليات، وهما تي. إليوت جايزر، رئيس مكتب الاستشارات القانونية في وزارة العدل، وإيرل جي. ماثيوز، المستشار القانوني لوزارة الحرب. ووفقاً للتقرير، قُدّم لهما الملف بوصفه قراراً محسوماً سلفاً.

مخاوف قانونية

وقالت الصحيفة إن مسؤولي مكتب الاستشارات القانونية أبلغوا الإدارة شفهياً بأن العملية ستكون قانونية، قبل أن يُستكمل إعداد المذكرة المكتوبة في 5 سبتمبر. وعندما أثار محامون من وكالات أخرى مخاوف بشأن الخطة، أُبلغوا بأنه لا مجال للنقاش، لأن وزارة العدل كانت قد منحت موافقتها بالفعل.

وفي البنتاجون، اقتصرت المشاركة في التخطيط السري لضربات القوارب على دائرة ضيقة من المسؤولين. ووقّع هيجسيث أمر التنفيذ، المؤرخ في 5 أغسطس، الذي وضع الإطار العملياتي للهجمات، وقد تمت صياغته دون إشراك عدد من كبار المسؤولين العسكريين، مع تضمينه نصوصاً مقتبسة من أوامر سابقة استُخدمت لتوجيه ضربات بطائرات مسيّرة ضد أهداف لتنظيم “القاعدة” في أماكن مثل المناطق الريفية في اليمن.

وأشار التقرير إلى أن الأمر افتقر إلى عناصر أساسية خاصة بالعمليات البحرية، من بينها أي توجيهات بشأن كيفية التعامل مع الناجين من الهجمات. وخلال مرحلة التخطيط، دفع أنتوني سالسبيري، مساعد ميلر، وزارة الحرب إلى توسيع نطاق العمليات، بما في ذلك تخفيف معايير الاستهداف، مثل مستوى اليقين المطلوب من القادة العسكريين للتأكد من أن الهدف يستوفي الشروط المحددة.

في المقابل، قدّم رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال دان كين نصيحة بضرورة اعتماد معايير استهداف مستندة إلى الدروس المستخلصة من الحروب التي خاضتها الولايات المتحدة بعد هجمات 11 سبتمبر.

وأضافت الصحيفة أن هيجسيث أبقى إلى حد كبير رئيس القيادة الجنوبية المسؤولة عن القوات في المنطقة الأدميرال ألفين هولسي خارج عملية التخطيط، بعدما بدأ الأخير بطرح تساؤلات حول الخطط المطروحة.

وعلى مدى أشهر، اتهم وزير الحرب الأدميرال بعدم متابعة مهمة مكافحة تهريب المخدرات بشكل كافٍ، قبل أن يعلن هولسي، في أكتوبر، بشكل مفاجئ استقالته المبكرة في نهاية العام، لأسباب لم يُكشف عنها.

وتابعت “نيويورك تايمز” أن البنتاجون تجاوز أيضاً عملية تُعرف باسم Maritime Operational Threat Response، وهي آلية حكومية تُلزم وزارة الحرب بالتشاور مع جهات أميركية متعددة، من بينها وزارة الخارجية ووزارة العدل وخفر السواحل ووكالات استخباراتية، قبل تنفيذ أي عملية بحرية تنطوي على تهديد أمني أو تداعيات دولية، وفقاً لما ذكره ويليام بومجارتنر، أدميرال متقاعد ومحامٍ كان يشرف على العمليات في الكاريبي.

غارات قوارب المخدرات

وفي 2 سبتمبر، رصدت القوات الأميركية زورقاً سريعاً على متنه 11 شخصاً، فأصدر هيجسيث أمر تنفيذ الهجوم. ونشر الرئيس ترمب في البداية فيديو معدلاً يظهر ضربة واحدة تدمر القارب، فيما أظهر الفيديو الكامل لاحقاً شخصين ينجوان من الماء على القارب المقلوب ويلوّحان.

وأضافت الصحيفة أن فرانك برادلي، قائد العمليات الخاصة المشتركة المنفذة للهجوم، كان قد أعد سيناريوهات للتعامل مع الناجين في أغسطس، وأمر بشن ضربات إضافية أغرقت الحطام وقضت على الناجين.

وتلت ذلك هجمات أخرى، فيما أصبح روبيو المدافع العلني عن الضربات، بينما أشرف ميلر على العملية من البيت الأبيض، حيث عقد اجتماعات منتظمة شملت البنتاجون ووكالات أخرى، بحسب الصحيفة.

وفي 16 أكتوبر، بعد هجوم في البحر الكاريبي، رصد المسؤولون العسكريون ناجين اثنين، فنقلا بطائرة هليكوبتر إلى السفينة USS Iwo Jima، وأعيدا لاحقاً من قبل الحكومة الأميركية إلى بلديهما، كولومبيا والإكوادور، دون توجيه أي تهم.

وذكرت “نيويورك تايمز” أن هذه الحوادث أثارت ارتباكاً داخلياً في البنتاجون بشأن التعامل مع الناجين، حيث اقترح بعض المسؤولين، خلال مكالمات مع وزارة الخارجية، إرسالهم إلى سجن CECOT في السلفادور أو نقلهم إلى دولة ثالثة.

وأُعيدت صياغة أمر التنفيذ عدة مرات لتضمين تعليمات حول كيفية التعامل مع الناجين، فيما أشار بعض المسؤولين إلى أن التعديلات كانت تعكس خططاً كانت موجودة سابقاً.

ونصّت النسخ المعدّلة على وجوب معاملة المحتجزين وفق القانون الدولي، لكن كبار المسؤولين أشاروا في محادثات داخلية إلى أن الخيار الأمثل، في حال رصد ناجين في المياه، هو طلب مساعدة حكومة قريبة بدلاً من تدخل القوات الأميركية مباشرة.

ومع استمرار الضربات، انتقل ترمب وروبيو وميلر إلى المرحلة التالية من حملتهم ضد مادورو، المتمثلة في مصادرة ناقلات النفط لحرمان فنزويلا من عائداتها، مؤكدين أن الرئيس الفنزويلي يجب أن يُعيد النفط والأصول الأخرى “المسروقة” من الولايات المتحدة قبل رفع ما وصفه ترمب بـ”الحصار”.

وختمت الصحيفة تقريرها بالإشارة إلى أن هذه الاستراتيجية هزّت الاقتصاد الفنزويلي في الأسابيع الأولى، عبر شلّ صناعة النفط، فيما وصفها النقاد بأنها “دبلوماسية السفن الحربية”، واعتبرها مادورو “ذريعة للحرب والاستعمار”. ولم ترد وزارة الدفاع الأميركية على طلب الصحيفة الحصول على تعليق.

شاركها.