في مشهد سياسي مأزوم ومعقد، أعلن تحالف مدنيعسكري بقيادة قوات الدعم السريع عن تشكيل حكومة موازية تحت اسم “حكومة السلام والوحدة”، وهو ما زاد من حدة الانقسام في السودان بين سلطتين، واحدة معترف بها دولياً ومتمركزة في بورتسودان، والأخرى تفرض واقعها الميداني في مناطق واسعة من دارفور والغرب. هذا التطور أثار تساؤلات مشروعة حول مصير الدولة السودانية، ووحدة أراضيها، والسيناريوهات المحتملة للخروج من الأزمة.
ما هي حكومة السلام؟
أعلن قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي)، عنها بموجب ميثاق سياسي ودستور انتقالي، وقّعته قوى سياسية ومدنية موالية له ضمن “تحالف تأسيس”.
الحكومة الجديدة تضم مجلساً رئاسياً من 15 عضواً يترأسه حميدتي، إلى جانب نائب للرئيس هو عبد العزيز الحلو، ورئيس وزراء مدني هو محمد حسن التعايشي، إضافة إلى وزراء يمثلون المناطق الخاضعة لسيطرة الدعم السريع.
ووفق “الميثاق السياسي”، فإن حكومة السلام تسعى إلى: وقف الحرب وإرساء سلام دائم ومستدام، وضمان وصول المساعدات الإنسانية، وإدارة البلاد وفق نظام فيدرالي علماني لا مركزي، وحماية حقوق الإنسان، وإعادة بناء مؤسسات الدولة، وإنشاء جيش وطني جديد يدمج القوى المسلحة في إطار دولة مدنية، وتنظيم انتخابات حرة بعد انتهاء المرحلة الانتقالية.
كما تهدف هذه الحكومة إلى تقديم نفسها كبديل سياسي مدني قادر على ملء الفراغ الذي تسببت به الحرب والانهيار المؤسسي في البلاد.
وفي هذا الإطار، صرّح الأمين العام لتحالف القوى المدنية المتحدة (قمم)، الدكتور مهدي الهادي دبكة، في حديث لوكالة ستيب نيوز قائلاً: “لديها تسعة مهام حسب ما هو موجود في ميثاقها السياسي ودستورها، وهي: إيقاف وإنهاء الحروب، تقديم المساعدات الإنسانية، تعزيز الوحدة الوطنية الطوعية، حماية المدنيين، إعادة الإعمار، مجابهة الكارثة الإنسانية، استكمال مهام ثورة ديسمبر المجيدة، حماية الحقوق الدستورية للمواطنين دون تمييز، وتهيئة الظروف المناسبة لعودة النازحين واللاجئين.”
ويؤكد تحالف “قمم” أن هذا الإعلان يمثل تطورًا إيجابيًا يتسق مع إرادة الشعوب السودانية، مشيرًا إلى أنه “يساهم في تعزيز فرص تحقيق السلام العادل والشامل في البلاد.”
لا نزعات انفصالية في السودان
ردًا على الاتهامات التي وجهها الجيش السوداني للحكومة الجديدة باعتبارها “مشروعًا انفصاليًا”، نفى د. مهدي دبكة بشكل قاطع هذا الطرح، مشيرًا إلى أن الانفصالية الحقيقية تكمن في الجهة المقابلة.
وقال: “اتهام الجيش لا يعدو كونه محاولة يائسة للتغطية على الإحباط الذي أصابه جراء تحركاته التخبطية… الجيش وتنظيم الحركة الإسلامية وواجهاته الحزبية هم من يخططون لعملية تفكيك السودان، فهم من يحملون الجينات الانفصالية وليس حكومة السلام.”
كما شدد على أن الحكومة الجديدة “عملت على توحيد أقاليم السودان، وأحسنت استخدام التنوع الاجتماعي والثقافي والسياسي”، مضيفًا: “هي بذلك لا تحمل أي خطط أو نوايا انفصالية.”
هل يتكرر السيناريو الليبي؟!
مع تشكيل حكومة جديدة في السودان، حيث بات كل طرف يملك حكومة، يتبادر للأذهان النموذج الليبي المعقد، فهل يتجه السودان لذات السيناريو؟
تحالف “قمم” يرى أن مفتاح تجاوز هذا السيناريو يكمن في إعادة تعريف المؤسسة العسكرية، وإبعادها عن الانتماء الأيديولوجي.
وأكد د. دبكة أن السبب الجوهري لتعطّل مسارات التفاوض السابقة، من جدة إلى جنيف، كان بسبب الجيش، وليس بسبب أي طرف آخر. وقال: “التفاوض يقوم أولاً على أن المؤتمر الوطني هو من قام بإشعال هذه الحرب تحت لباس الجيش… الجيش السوداني هو جيش الإسلاميين وليس جيش السودان، وهل يستطيع الجيش فك الارتباط بينه وبين الإسلاميين؟ هذا هو مفتاح الحل.”
ويضيف أن “كل المنابر السابقة جدة (1) وجدة (2)، الإيغاد، المنامة، جنيف (1) وجنيف (2) فشلت بسبب الجيش.”
الاعتراف الرسمي بالحكومة الجديدة
رغم عدم وجود اعتراف رسمي حتى الآن بالحكومة الجديدة، فإن قادة تحالف تأسيس يؤكدون وجود تفاعل دولي متزايد مع الوثائق التأسيسية التي تم إرسالها للمنظمات والدول الإقليمية والدولية.
وفي هذا السياق، أوضح د. مهدي دبكة: “هناك تواصل دولي كبير جدًا مع المجتمع الدولي والإقليمي منذ الكشف عن وثائق ‘تأسيس’… التفاعل كان كبيرًا وإيجابيًا لأن بنود الدستور والميثاق تشبه إلى حد كبير دساتير الدول المتقدمة من حيث اعترافها بالتنوع، العلمانية، الفيدرالية، اللامركزية، واحترام حقوق الإنسان.”
وختم قائلاً: “يومًا بعد يوم، تضع تأسيس قدمها على طريق الشرعية والاعتراف الدولي، وسيتكشف للعالم حقيقة حكومة بورتسودان وإيوائها للإرهاب… رهاننا الأول والأخير في الشرعية هو على مواطنينا وعلى الداخل والخدمات التي نقدمها لهم.”
هل نتجه للحل أم مزيد من الصراع؟
يتبنّى تحالف “تأسيس” موقفًا مبدئيًا يدعم التفاوض كسبيل لحل الأزمة، لكنه يضع شروطًا لذلك، على رأسها الاعتراف بأن الجيش الحالي يخوض حربًا بالوكالة عن الإسلاميين.
يقول د. دبكة بوضوح: “تحالف تأسيس رأيه واضح في الميثاق السياسي: أن التفاوض هو الحل لهذه الحرب، لكن هناك أسس لهذا التفاوض… من يرفض التفاوض هو الجيش، وهي حقيقة يجب أن يعلمها ويفهمها المجتمع الدولي.”
ويُحمّل المسؤولية المباشرة للجيش في إفشال جميع المبادرات السابقة.
موقف دول جوار السودان
موقف دول الجوار، وتحديدًا مصر، سيكون مرتبطًا بالمصالح القومية وحسابات الأمن الإقليمي. ويرى د. دبكة أن العلاقات مع دول الجوار يجب أن تُبنى على أسس المصالح المتبادلة.
وأوضح: “العلاقات بين الدول تقوم على المصالح المشتركة، وهذا ما تقوم عليه أسس العلاقات الدولية والإقليمية في تحالف تأسيس وحكومة السلام… من جانبنا، نرحب بأي دولة لها مصالح مشتركة مع السودان، تقوم علاقات على أساس الفائدة المتبادلة ومراعاة مصالح الشعبين وحقوقهما.”
وفي النهاية يبقى السودان بين حكومة أعلنت نفسها من عمق النزاع، وجيش يرفض شرعيتها ويتهمها بالانفصال، وبين سيناريو ليبي تتكرّس فيه حكومتان وسلطتان، واحتمال تهيئة مسار تفاوضي جاد يستند إلى تفكيك التشابكات العسكرية والسياسية، تتوقف وجهة المستقبل السوداني على الإرادة الداخلية أولاً، وعلى قدرة المجتمع الدولي على تجاوز الحسابات التقليدية والاقتراب من حقيقة ما يجري فعليًا على الأرض.
وفي ظل تسارع التطورات، يبدو أن شرعية أي حكومة لن تُحسم في العواصم، بل في قدرة كل طرف على تقديم نموذج بديل يعيد الأمن والكرامة والخدمات للمواطن السوداني.
اقرأ أيضاً|| السودان أمام مفترق طرق.. مستشار حميدتي يكشف لـ”ستيب” عن مشروع نظام حكم غير مسبوق بالبلاد
المصدر: وكالة ستيب الاخبارية