حكومة دمشق المؤقتة تؤسس أرضية انتقالية

جنى العيسى | حسن إبراهيم | علي درويش
قاربت مدة تسلم حكومة تسيير الأعمال المؤقتة مهامها على الانتهاء، ولا تزال البلاد بانتظار حكومة انتقالية من المفترض أن تبقى لسنوات حتى إجراء الانتخابات الرئاسية في سوريا.
بدءًا من الاقتصاد وواقع الخدمات وليس انتهاء بالواقع السياسي والعسكري والأمني، أولويات ملحة كثيرة كانت بانتظار التغيير، لم تسعف مدة الـ90 يومًا التي عملت بها الحكومة لإحداث التغييرات المنتظرة على مختلف الصعد.
وفي بلد كسوريا عانى من الحرب وآثارها على مدار 14 عامًا، تحتاج السياسات الحكومية إلى خطط مدروسة بدقة لإحداث التغيير المرجو، وقد لا يكون المجال مفتوحًا بالشكل الكافي أمام حكومة تسيير الأعمال لتحقيق التغيير.
ومن المتوقع تسمية حكومة انتقالية جديدة في آذار الحالي، تضم جميع الأطياف وتراعي التنوع في الشعب السوري، بحسب ما قاله وزير الخارجية، أسعد الشيباني، مستفيدة من أخطاء الماضي لضمان المرحلة المقبلة.
تحاول في هذا الملف تسليط الضوء على أبرز ما حققته حكومة دمشق المؤقتة في فترة تسلمها مهامها، وتقييم عملها، مع الإشارة إلى الملفات الملحة التي يجب على الحكومة الانتقالية المرتقبة العمل عليها واعتبارها من أولوياتها.
سياسيًا..
سياسيًا، سارت حكومة تسيير الأعمال في طريق طمأنة دول الجوار والمنطقة والغرب بأن سوريا ليست مصدر تهديد لأي دولة، مع نفي الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، وجود أي خطط عدائية في سوريا، والتأكيد على ذلك في سلسلة استقبالات وزيارات ولقاءات للشرع ووزير الخارجية، أسعد الشيباني، الذي كُلّف بالحقيبة الوزارية في 21 من كانون الأول 2024.
وفتحت حكومة دمشق المؤقتة مسارًا معاكسًا لسياسة سوريا الخارجية في عهد النظام السوري السابق، فكسرت زيارات الشيباني ولقاءاته وحراكه الدبلوماسي العزلة والقطيعة على سوريا، وبدأت بإزالة حالة عدم التوافق والعداء مع الدول.
هذا الانفتاح على دول الجوار والعرب والغرب، لم يكون مألوفًا في عهد بشار الأسد الذي اتهم العرب “بدعم الإرهاب وزعزعة استقرار سوريا”، ووصف الغرب بأنه “مضحك وغبي”، وتهديد وزير الخارجية الأسبق، وليد المعلم، بمحو أوروبا عن الخارطة، ودفاع وزير الخارجية الأسبق، فيصل المقداد، عن روسيا “حليف الأسد” بقتل السوريين خلال خلافها مع الغرب.
وشهدت المرحلة الماضية حضور الشرع والشيباني في زيارات كانت الأولى من نوعها بعد قطيعة لسنوات، ولقاءات رسمية لأول مرة (السعودية، قطر، تركيا، الأردن، وغيرها)، وحضور مؤتمرات دولية مهمة (دافوس، باريس، ميونيخ، القمة العالمية للحكومات في الإمارات، وغيرها)، واستقبال وزيارة الدول الفاعلة في العالم.
نهج “التطمين” اتبعته الحكومة قبل الوصول إلى دمشق، وإسقاط حكم بشار الأسد، وكان على شكل رسائل للداخل والخارج، واكبت عملية “ردع العدوان”، وجهتها حكومة “الإنقاذ” التي كانت تعمل في إدلب (نواة حكومة دمشق حاليًا)، أبرزها داخليًا بمنع استهداف أو تهديد قائم على الانتماء المذهبي أو العرقي، وخارجيًا إلى العراق بأن الثورة السورية لا تشكل أي تهديد للأمن أو الاستقرار، وإلى روسيا باعتبارها “شريكًا محتملًا”.

رئيس حكومة دمشق المؤقتة محمد البشير ووزير الدفاع مرهف أبو قصرة خلال تكريم ذوي الشهداء في معركة “ردع العدوان” بإدلب – 7 شباط 2025 (رئاسة مجلس الوزراء)
“سياسة متزنة”
في مؤتمر “الحوار الوطني السوري”، قال الشيباني، إن الوزارة عملت وفق سياسة خارجية متزنة تقوم على الانفتاح والحوار والدبلوماسية الفاعلة، مرتكزة على المبادئ الثابتة في احترام السيادة الوطنية وعدم التدخل في شؤون الآخرين، والتعامل على أساس المصالح المشتركة.
وأضاف أن النهج كان واضحًا، بأن سوريا جزء لا يتجزأ من محيطها، وتؤمن بأن العمل الإقليمي والدولي هو السبيل لمواجهة التحديات، معتبرًا أن الحراك الذي أجراه يشكل خطوة مهمة في مسار استعادة الدور السوري الفاعل على المستوى الإقليمي والدولي.
وذكر الشيباني أن السياسة الخارجية قائمة على التوازن والانفتاح، وحرص على توطيد علاقات متينة مع الدول التي احترمت سيادة سوريا، دون إغلاق باب الحوار مع أي طرف يرغب بإعادة العلاقة مع سوريا على أساس الاحترام المتبادل.
نركز على بناء شراكات حقيقية مع الدول الرائدة في المساهمة بإعادة إعمار سوريا، وفتح آفاق جديدة للاستثمار والتعاون في مختلف المجالات.
أسعد الشيباني
وزير الخارجية السوري
خطوات “مهمة” لا تزال منقوصة
الباحث في الجماعات الجهادية عرابي عرابي، اعتبر أن الزيارات واللقاءات التي أجراها الشيباني خطوة مهمة جدًا في إعادة العلاقات مع سوريا، لكنها غير كافية إن لم تكن هناك زيارات إلى بريطانيا وإلى الولايات المتحدة الأمريكية.
ويعتقد عرابي، في حديث إلى، أن هذه الزيارات لا تزال منقوصة لترميم العلاقات بشكل كامل، معتبرًا أن كسر العزلة عن سوريا يتطلب تفاعلًا على المستوى السياسي والاقتصادي، وما يعوق المستوى الاقتصادي هو العقوبات على سوريا، وفي حال وجود اتفاقيات دولية اقتصادية مع سوريا فإن الجانب السياسي سيكون لينًا أكثر.
وقال عرابي، إن الحراك الذي يقوم به الشيباني منذ تكليفه بالوزارة يشير إلى خبرة دبلوماسية قديمة، لافتًا إلى أن عمله داخل “تحرير الشام” نمّى خبرته، وخطابه واضح ويعكس هذه الخبرة.
ويرى الباحث أن الدولة السورية تحتاج إلى تعزيز الحوار السياسي الداخلي، وتعزيز الجانب الأمني والتعاون مع العراق والأردن وتركيا، وإيجاد صيغة لإشراك الأقليات لإحداث تأثير وإقناع للمجتمع الدولي.
المستشار السابق في وزارة الخارجية الأمريكية، حازم الغبرا، اعتبر أن الزيارات واللقاءات والدعوات التي توجهت إلى سوريا طبيعية جدًا في هذه المرحلة، لأن سوريا تتجه من “دولة مارقة راعية للإرهاب” (إرهاب دولة على شعبها وإرهاب عابر للدول) إلى نظام جديد.
وقال الغبرا، ل، إن من الطبيعي أن تأتي الدول التي تريد إغاثة الشعب السوري في هذه المرحلة المعقدة، والتحول من نظام بائد إلى نظام جديد يحترم أمن وحرية الشعب السوري وأمن دول الجوار ودول المنطقة.
لكن هذه الدول متخوفة بعض الشيء، وهذا طبيعي، لأن التحول والتغيير خاصة في الشرق الأوسط يثير المخاوف، بحسب الغبرا، لذلك تمت ترجمة هذا الاهتمام بعمل دبلوماسي، ودعوة الحكومة السورية وممثليها إلى اجتماعات دولية وكل ما يلزم لتوحيد وجهات النظر، والوصول إلى المزيد من تفهم الأطراف لبعضها واحتياجاتها من الطرفين، والوصول إلى مرحلة أفضل للشعب السوري والمنطقة.
يرى الغبرا أن الحراك السياسي لا يزال خطوة وليس نهاية الطريق، فاجتماع واحد ودعوة وحيدة لن تغير العلاقة بين سوريا والدول بشكل كامل، معتبرًا أن هذه الاجتماعات يجب أن تُترجم إلى عمل إضافي.
سياسة واضحة مطلوبة
لا تزال عدة ملفات شائكة سياسيًا في سوريا، أبرزها مع روسيا وإيران حليفتي الأسد، فقنوات التواصل موجودة مع موسكو ولا يزال “الحوار” موجودًا دون الثبات على صيغة تفاهم واضحة للعلاقة، بينما المواقف الإيرانية المعلنة تتبع مسارين، الأول يحمل نوعًا من التصعيد، والآخر يعتمد على الخطاب الدبلوماسي الناعم، وسط تحذيرات سورية لطهران بعدم بث الفوضى والتدخل في الشؤون الداخلية لسوريا.
الملف الآخر، هو التهديدات والاستهدافات والتوغلات الإسرائيلية في سوريا، تبعها وصف إسرائيل للحكومة السورية الجديدة، بأنها “جماعة إرهابية إسلامية جهادية من إدلب، استولت على دمشق بالقوة”.
وفي أول تعليق له على التوغل الإسرائيلي بعد سقوط النظام السوري، قال الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، في 14 من كانون الأول 2024، إن حجج إسرائيل انتهت، معتبرًا أنه لا توجد حجج لتدخل خارجي الآن في سوريا بعد إنهاء الوجود الإيراني في البلاد، مؤكدًا أنه لا ينوي خوض صراع مسلح مع إسرائيل، معتبرًا أنها ليست المعركة التي سيخوضها.
المستشار السابق في وزارة الخارجية الأمريكية، حازم الغبرا، قال ل، إن هناك مساحة للسياسة العامة بين القول والفعل، وهذا ما تنتظره دول المنطقة والعالم من سوريا اليوم، وهو كيفية الوصول من مرحلة الأقوال المفيدة والمثيرة للاهتمام إلى سياسة تترجم لأفعال، إذ لا يجب أن ينتظر الجميع أفعالًا دون وضوح سياسة عامة نحو قضايا كبرى في المنطقة.
وأضاف الغبرا أن أهم القضايا الساخنة اليوم هي العلاقة مع إسرائيل، معتبرًا أن هناك ضرورة لوجود حوار على الأقل أكثر مباشرة بين الحكومة الجديدة وإسرائيل، لأن الأخيرة هي لاعب أساسي في الشرق الأوسط.
وذكر أن دولًا كثيرة، منها الولايات المتحدة، تعتبر أن هذا الموضوع عامل أساسي في تفهم توجه الحكومة الجديدة في سوريا، ليس فقط بسبب العلاقة الإسرائيلية- الأمريكية، إنما لأنهما (سوريا وإسرائيل) دولتا جوار، وتشتركان بحدود، وهناك علاقة سيئة تاريخيًا بينهما.
ما تحتاج إليه سوريا اليوم هو سياسة واضحة نحو الملفات، حتى لو كانت هذه السياسة غير مقبولة مع طرف أو آخر، لأنه لا يمكن لأي حكومة إرضاء الجميع. ومحاولة إرضاء الجميع على الساحة الدولية سيوصلها إلى مرحلة لا أحد راضٍ فيها. لذلك يجب أن يكون هناك توجه واضح وعلني للوصول إلى المرحلة الجديدة، لأن المنطقة هي منطقة توجهات إقليمية.
حازم الغبرا
مستشار سابق في وزارة الخارجية الأمريكية
واعتبر الغبرا أن سياسة سوريا تسير بالطريق الصحيح، لكن الوضوح تجاه الملفات يجب أن يكون مستقبل السياسة الخارجية السورية، وهناك ضرورة في هذه المرحلة لبدء اتخاذ سياسات والتزام بسياسات واضحة جدًا نحو المرحلة المقبلة، وهي أين تتموضع سوريا إقليميًا ودوليًا، من أصدقاؤها؟ من حلفاؤها؟ من شركاؤها؟
وقال الغبرا، إن سوريا تريد صداقة مع الجميع، لكن الشراكات والأحلاف يجب أن تكون محددة وواضحة، لأن هناك مسارات في هذه المنطقة، ويجب أن تكون الحكومة السورية بمسار واضح فيها.


وزير الاقتصاد السوري باسل عبد الحنان خلال جولة على عدة منشآت صناعية نسيجية في محافظة اللاذقية – 20 كانون الثاني 2025 (وزارة الاقتصاد)
نال القطاع العسكري والأمني اهتمامًا وتركيزًا ملحوظًا خلال الأشهر الثلاثة الماضية، رغم تأخير تسمية وزير للدفاع لأن حكومة “الإنقاذ” لا توجد فيها وزارة للدفاع، وعيّن الشرع، في 31 من كانون الأول 2024، مرهف أبو قصرة أحد أكثر قادته المقربين وزيرًا للدفاع.
تعيين أبو قصرة جاء بعد 21 يومًا من تكليف محمد البشير برئاسة الحكومة، إلا أن أبو قصرة ظهوره أكبر على الساحة الإعلامية مقارنة برئيس الحكومة.
معوقات بالجملة
تواجه حكومة دمشق عددًا من المعوقات في الجانب العسكري، وفق المحلل العسكري العقيد أحمد حمادة، تتمثل بعدم بسط السيطرة على كل الأراضي السورية، وعدم وجود جيش نظامي بعد حل الجيش، مع استمرار وجود فلول النظام.
وقال حمادة، ل، إن حل الجيش أدى إلى خلخلة وضع السلاح، تزامنًا مع ضربات إسرائيلية مكثفة، وتوغلها داخل محافظة القنيطرة، وتهديدها بجعل المنطقة الجنوبية (محافظات درعا والقنيطرة والسويداء) منزوعة السلاح.
ويرى الباحث المختص بالشأن العسكري في مركز “جسور للدراسات”، رشيد حوراني، أن أبرز ما واجهته الحكومة من الناحية العسكرية هو المسألة الاقتصادية.
وأوضح حوراني ل، أن الضعف الاقتصادي في سوريا أثر بطبيعة الحال على الناحية العسكرية من إعداد معسكرات جديدة، وتسليحها وتدريبها، وزيادة عدد المنتسبين إليها بما يحقق القدرة على تغطية المناطق السورية كافة.
وواجهت الحكومة صعوبة تتعلق ببنية الفصائل العسكرية والمنتسبين إليها، فالفصائل ومن فيها كانت تعتمد على التطوع من أبناء المجتمع للدفاع عن أرضهم ومكان إقامتهم، ومن هؤلاء أصحاب المهن والطلاب والمعلمون، وهؤلاء بعد سقوط النظام، سينطلق كل منهم لعمله الأساسي.
يضاف إلى ذلك، التفاوت النسبي في طبيعة عمل الفصائل، فمثلًا فصائل السويداء كانت مهامها وسبب تشكيلها يختلف عما هو عليه الحال لدى الفصائل في الشمال، وفق حوراني.
معضلتا الجنوب والشرق
تشغل قضية الجنوب وشمال شرقي سوريا السوريين بعد سقوط نظام الأسد، فمن ناحية شمال شرقي سوريا الخاضع لسيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، التي تراوغ حكومة دمشق لتحصيل مكاسب على مختلف المستويات.
وتتمسك “قسد” بأوراق قوة على رأسها دعم التحالف الدولي، وتحكمها بمعظم ثروات سوريا النفطية، إلى جانب سيطرتها على سجون تؤوي نحو 9000 من مقاتلي تنظيم “الدولة الإسلامية”، ومخيمات تقطن في أجزاء منها عوائل التنظيم من السوريين والأجانب.
تلويح تركيا بشن عمل عسكري، وإيثار إدارة دمشق الحل التفاوضي على العمل العسكري لم يصل إلى نتيجة واضحة حتى لحظة إعداد الملف، مع تصريحات صدرت من “قسد” تحدثت فيها عن وصول المفاوضات لمرحلة جيدة.
وتجري مفاوضات بين الحكومة بدمشق و”قسد” بشأن اندماجها بتشكيل الجيش السوري الجديد، وتريد الأخيرة إبقاء كيانها والدخول كفيالق، بينما تصر السلطة السورية الجديدة على حلّها ودخولها كأفراد.
وأعلنت “قسد” في أكثر من مناسبة عن تشكيلها لجانًا فنية للتنسيق في الشأن العسكري والمدني مع دمشق.
قائد “قسد”، مظلوم عبدي، قال في 26 من شباط الماضي، إن نتائج المفاوضات مع حكومة دمشق المؤقتة ستظهر خلال الأسبوعين المقبلين، مشيرًا إلى وجود تفاهمات.
أما في الجنوب، ورغم دخول قوات حكومة دمشق إلى درعا وانتشارها، فتوجد مؤشرات تدل على وجود خلاف بين حكومة دمشق وزعيم “اللواء الثامن”، أحمد العودة، حول حجم تمثيل العودة وفصيلة.
وزير الدفاع قال لصحيفة “واشنطن بوست”، في 6 من شباط، إن هناك عددًا من الفصائل الرافضة للانضمام لوزارة الدفاع، بما في ذلك أحمد العودة، الذي قاوم محاولات وضع وحدته تحت سيطرة الدولة، بالمقابل، هناك 100 فصيل مسلح في سوريا وافقوا على الانضمام لوزارة الدفاع.
وبعد أربعة أيام، نفى القيادي في “اللواء الثامن” نسيم أبو عرة، ما ورد على لسان وزير الدفاع، قائلًا إن أبناء الجنوب هم أول من نادى بتأسيس وزارة دفاع وطنية تعمل وفق القواعد العسكرية الحرفية المنضبطة.
ويرى أن وزارة الدفاع المنشودة يجب أن تحقق الاستفادة المثلى من خبرات الضباط والثوار، وتضمن تمثيل جميع مكونات سوريا دون إقصاء أو تهميش.
وفي الجارة السويداء، تتعدد الفصائل العسكرية سواء التابعة لمشيخة العقل أو الحاصلة على سلاح من أجهزة أمن النظام سابقًا، خاصة “الأمن العسكري”، ولا يوجد انتشار وتمثيل فاعل على الأرض لقوات وزارة الدفاع.
وظهرت خلال الأسابيع الماضية مواقف متباينة من السويداء، منها ما يشير إلى التعاون مع الحكومة، وآخر يحاول التأجيل والعرقلة.
لا تزال المشاورات قائمة بين قادة الفصائل العسكرية والمرجعيات الدينية للوصول إلى قرار تتوافق عليه كافة مكونات السويداء، وفق ما أفاد به مراقبون ومطلعون ومنخرطون في هذه المشاورات ل.
الزعيم الروحي للطائفة الدرزية في سوريا، الشيخ حكمت الهجري، أعرب عن استيائه من خطوات الحكومة الجديدة، في تصريح له لـ”رويترز”، في 24 من شباط.
وقال الهجري، “حتى الآن نحن نحترم كل الآراء لكننا لم نرَ القدرة على قيادة البلاد أو تشكيل الدولة بالطريقة الصحيحة”، مضيفًا، “نحن نمضي قدمًا في ذلك، على أمل أن تصبح الأمور منظمة أو يحدث شيء جديد بحلول نهاية الفترة الانتقالية”.
وحث الهجري على إشراك الدول المؤثرة في سوريا لضمان أن تسفر العملية السياسية عن دولة مدنية، مع فصل السلطات وسيادة القانون.
فيما التقى عدد من المشايخ والوجهاء والقادة العسكريين من أبناء السويداء مع الشرع، ووصفوا لقاءهم بالإيجابي، منهم ليث البلعوس، وهو نجل الشيخ وحيد البلعوس، مؤسس “حركة رجال الكرامة”، وسليمان عبد الباقي قائد “تجمع أحرار جبل العرب”.
وفي 4 من شباط، دعت “حركة رجال الكرامة” أحد أكبر فصائل السويداء، إلى إنهاء المظاهر المسلحة في المدينة ودعم جهاز الشرطة التابع لحكومة دمشق المؤقتة.
وذكر قائد الحركة، يحيى حجار، أن الحركة ستتعاون مع الشرطة المدنية وتسيير دوريات مشتركة، تمهيدًا لبناء دولة قانونية يسودها العدل وبناء “سوريا الجديدة والمنشودة”.
وتتزامن هذه الأحداث في درعا والسويداء مع توغل إسرائيلي في محافظة القنيطرة، وبناء قواعد عسكرية، ومصادرة عتاد عسكري وتفجير ثكنات عسكرية.
هل نجح دمج الفصائل؟
القيادة العامة في سوريا وخلال “مؤتمر النصر”، أعلنت، في 29 من كانون الثاني الماضي، حل الجيش والفصائل الثورية.
وسبق حل الجيش اجتماعات أجراها وزير الدفاع مع عدد الفصائل العسكرية للمضي قدمًا في إعادة بناء الجيش وإنهاء الحالة الفصائلية.
ونجحت الحكومة إلى حد كبير في دمج الفصائل، وفق الباحث رشيد حوراني، وهي في مرحلة توزيعها ونشرها على الجغرافيا السورية، ومع مرور الوقت يتضح مدى نجاح خطوات الحكومة.
أما مسألة الاحترافية (التحول لجيش احترافي) فتحتاج إلى تأهيل واتباع العناصر دورات مستقبلًا، لكن قياسًا على ما وصلت إليه فصائل “إدارة العمليات العسكرية” التي أسقطت نظام الأسد من إعداد قوات احترافية، فهي ستكرر نجاحها في إطار بناء الدولة، وتؤمّن استدامة رفد صفوفها بالعنصر البشري بشكل أكثر استقطابًا من قبل، وفق حوراني.
من جانبه، قال العقيد أحمد حمادة، إن مسألة دمج الفصائل لا تزال نظرية، إذ تمت موافقة الجميع، وهناك توزيع للفرق العسكرية حسب الفصائل الموجودة، لكن على أرض الواقع حتى الآن تحتاج المسألة إلى بعض الوقت حتى يتم تأهيل وتأمين الكوادر وتنظيمها.
وأشار حمادة إلى أن وجود فصائل غير مندمجة مع الجيش يشكل عائقًا، وهذا الأمر يحتاج إلى بعض الوقت، وإلى جهود كثيفة حتى يتم إنتاج مؤسسة عسكرية تراتبية نظامية.
وعلى الحكومة، وفق حوراني، العمل على توسيع مشاركة الخبرات العسكرية والضباط المنشقين، وحسم الملفات العالقة في الجنوب والشمال الشرقي، والخروج بهيكلية واضحة للجيش الجديد لبدء العمل عليه من الداخل من ناحية التأهيل وإعداد عقيدة قتالية وكل ما يتعلق به.
وأكد حمادة بذل الحكومة جهودًا “كبيرة” خلال الأشهر الثلاثة الماضية في ملفي الجنوب وشمال شرقي سوريا، عبر المفاوضات والوصول إلى بعض القواسم المشتركة في الشمال الشرقي، و”كل هذه الأمور تؤخذ بعين الحسبان”، وفق تعبيره.
ويرى حمادة أن الأمور تسير في الطريق الصحيح للوصول إلى مؤسسة عسكرية قادرة على حماية الوطن، والحكومة تعمل على تذليل الصعوبات التي تواجهها.


رئيس حكومة دمشق المؤقتة محمد البشير خلال خلال زيارة للمخيمات بإدلب – 18 كانون الثاني 2025 (رئاسة مجلس الوزراء)
اقتصاديًا وخدميًا..
في الملفين الاقتصادي والخدمي، لم تغير حكومة تسيير الأعمال خلال ثلاثة أشهر مفاصل مهمة تنعكس بشكل جلي على السوريين، رغم وعود عديدة أطلقتها على مدى الأشهر الماضية.
واتخذت الحكومة قرارًا فور تسلمها مهامها وبدأت تطبيقها بقطاعات مختلفة، وهو إعادة هيكلة الاقتصاد، الذي كان أساسه اشتراكيًا ثم تحول إلى شمولي دكتاتوري، إلى
السوق الحر المفتوح، القرار الذي اعتبره بعض الخبراء لا يتناسب مع الوقت الحالي، ففي ظل الوضع الذي تعيشه سوريا وخروجها من حرب دمرت معظمها، فالأولى في البداية تطبيق اقتصاد موجه ولو بشكل بسيط من قبل الحكومة، وفق رأيهم.
لم تستطع الحكومة ضبط سعر صرف قيمة الليرة إذ تعرضت لهزات أثرت على مدخرات السوريين بشكل كبير من العملات الأجنبية، ولم تفلح في ضبط ظاهرة مضاربة التجار على الليرة، إذ لا تزال قيمة الليرة معرضة للتذبذب الكبير عند أول حدث سياسي واقتصادي قد تشهده البلاد.
وكقرار يتفق الخبراء على أنه خاطئ، اتخذت الحكومة من حبس السيولة سياسة عملت بها، وهو إجراء يقوم به المصرف المركزي السوري لتحقيق ارتفاع “وهمي” في قيمة الليرة أحد العوامل الرئيسة التي تؤدي إلى الركود الاقتصادي، حيث تؤدي قلة توفر النقد في الأسواق إلى تباطؤ النشاط الاقتصادي، وانخفاض الاستثمارات، وتراجع القدرة الشرائية للأفراد والشركات.
في ملف الرواتب، ورغم إعلان الحكومة بشكل رسمي رفع الرواتب بنسبة 400%، لم يتسلم الموظفون هذه الزيادة، وسط تأخر برواتبهم حتى ما قبل الزيادة، بالإضافة إلى أن هذه الزيادة لم تشمل إلا القائمين على رأس عملهم في مؤسسات الدولة، إذ استثنت الحكومة منها المتقاعدين أو المفصولين الجدد من عملهم.
زيادة الرواتب أحدثت جدلًا بعد تناقض رسمي حول مصدر هذه الزيادة، إذ قال مصدر في وزارة المالية السورية لـ”رويترز“، إنهم لا يملكون تأكيدًا بشأن تمويل أجنبي للرواتب، لكن كانت هناك تعهدات عامة بالدعم، إلا أن هذه التعهدات لا تزال غير قابلة للتنفيذ بسبب العقوبات الأمريكية.
على نقيض ذلك، قالت حاكمة المصرف المركزي السوري، ميساء صابرين، إن المصرف لديه ما يكفي من المال في خزائنه لدفع رواتب الموظفين حتى بعد الزيادة بنسبة 400% التي أقرتها حكومة تسيير الأعمال.
توجه حكومة تسيير الأعمال الأبرز الذي لاقى انتقادات الكثير من الخبراء، هو توجه الحكومة نحو خصخصة القطاع العام وبيع مؤسسات الدولة وفق ما جاء على لسان عدة وزراء، الذين أكدوا أن ذلك سيكون مصيرًا حتميًا للقطاع على اعتباره قطاعًا خاسرًا، إلا أن هذا التوجه وتوقيته يثير المخاوف المتعلقة بأثر هذه الخطوة على المواطنين، خاصة أن بعض الخبراء يرون أن التوقيت غير مناسب أساسًا لهذا التوجه، فضلًا عن أن القرار يجب أن تتخذه حكومة انتقالية، وليس من اختصاص حكومة تسيير أعمال بالأساس.
خدميًا.. وعود لم تبصر النور
في وقت سابق، قال وزير الكهرباء في حكومة تسيير الأعمال، عمر شقروق، إن وزارة الكهرباء وضعت خطة بعيدة المدى لتحسين الواقع الكهربائي الذي يحتاج إلى ثلاث سنوات للوصول إلى تزويد المواطنين بالتيار على مدار 24 ساعة.
مطلع شباط الماضي، قال شقروق، إن وزارة الكهرباء تخطط لتقليل عدد ساعات التقنين، وتوفير الكهرباء إلى ما بين 8 و10 ساعات يوميًا على المدى القصير، وهو الأمر الذي لم يحدث حتى الآن.
وعقب سقوط النظام، تعهدت عدة دول بتحسين الواقع الخدمي في سوريا من بنى تحتية أو كهرباء، إلا أن هذه التعهدات لم تبصر النور كمشاريع عملية على الأرض، وبالتالي لم يلحظ السوريون أي تحسن في هذا الجانب.
حول واقع المحروقات، استطاعت حكومة تسيير الأعمال تأمين وفرة في المواد على حساب ارتفاع أسعار المواد بشكل لا يتوازى مع الدخل، وهي حالة كان السوريون في عهد النظام لا يلجؤون إليها إلا عند الضرورة بحكم تسلمهم لمواد المحروقات عبر سعر “مدعوم”، إلا أن الكميات التي كانت توزع حينها لا تكفي حاجة العائلة من مازوت وبنزين وغاز.
منتصف كانون الثاني الماضي، أعلن وزير النفط والثروة المعدنية في حكومة تسيير الأعمال، غياث دياب، عن فتح المجال أمام القطاع الخاص لاستيراد المواد البترولية إلى سوريا، لكن دون السماح بتوزيع هذه المواد، القرار الذي اعتبره الخبراء إيجابيًا لكن بشرط وجود قوانين صارمة في هذا السياق.
لا تقييمات دقيقة
حول تقييم عمل حكومة تسيير الأعمال في الملفين الاقتصادي والخدمي، يرى الباحث الاقتصادي رضوان الدبس، أنه بمقارنة فترة تسلم الحكومة لمهامها وإنجازاتها هناك سلبيات وإيجابيات.
من تلك الإيجابيات، وفق ما أوضحه الدبس ل، تحسين قيمة العملة السورية أمام الدولار، وتحسنها من 14 ألف ليرة للدولار الواحد إلى نحو عشرة آلاف ليرة، بالإضافة إلى توفر المواد الأولية والغذائية الأساسية في الأسواق بشكل جيد نتيجة تحسن الليرة من جهة والقضاء على الفساد وغياب الإتاوات التي كانت ترفع أسعار المواد المشحونة بين المحافظات.
وحول السلبيات التي عاناها السوريون في هذه الفترة، أوضح الدبس أن أبرزها زيادة ساعات تقنين الكهرباء نتيجة عدم توفر المواد البترولية لتشغيل محطات التوليد، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار بعض المواد المستوردة مثل البنزين والمازوت بعد رفع الدعم عنها، وما أثر بدوره على أسعار الخبز.
الباحث الاقتصادي وصف عمل الحكومة خلال الفترة الماضية بأنه “عمل جيد” لكنها حملت نفسها مهام لا تتناسب مع استطاعتها، ويعاب عليها أنها أطلقت وعودًا من المنطقي ألا تنفذ في الفترة القريبة، وخير مثال على ذلك وعود وزير الكهرباء برفع ساعات وصل التيار الكهربائي إلى ثماني ساعات.
حول ما يجب أن يكون أولوية للحكومة الانتقالية المقبلة، يرى الباحث الاقتصادي رضوان الدبس، أنه يجب على الحكومة المقبلة القيام بعملية تقييم فعلي للوضع الراهن في مختلف القطاعات والمحافظات، وذلك لمعرفة ما يجب القيام به خطوة بخطوة، وبالتالي وضع خطة عمل منظمة للإصلاحات الواجبة.
يجب أن يرفع هذا التقييم مع اقتراحات لخطط العمل وخطط الإصلاح والتطوير التي تنوي القيام بها، وبذلك يتخذ القرار بناء على دراسة هذه التقييمات وجدوى خطة الإصلاح وبعدها تقدم الوعود للناس.
منتصف شباط الماضي، قدّر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في تقرير له أن سوريا بحاجة إلى أكثر من 50 عامًا على الأقل، لاستعادة المستويات الاقتصادية للبلاد في مرحلة ما قبل الحرب في حال حققت نموًا قويًا.
وبحسب التقرير، فإن 14 سنة من الحرب أدت إلى تأخر التقدم الاقتصادي والاجتماعي في سوريا بنحو 40 عامًا، كما انخفض الناتج المحلي الإجمالي لسوريا بنسبة 50%، وارتفع معدل الفقر من 33% قبل الحرب إلى 90% حاليًا، بينما بلغت نسبة الفقر المدقع 66%.
وأشار تقرير الأمم المتحدة إلى أن الاقتصاد السوري يحتاج إلى 55 عامًا للوصول إلى مستوياته قبل الحرب إذا استمر النمو الحالي عند 1.3%.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية
أرسل/أرسلي تصحيحًا
مرتبط
المصدر: عنب بلدي