منذ الأيام الأولى لتحرير مدينة حلب وسقوط نظام بشار الأسد، ظل الملف الخدمي واحدًا من أكثر الملفات حضورًا في يوميات السكان.
ومع مرور عام على سقوط حكم الأسد، لا تزال أحياء واسعة تواجه تحديات مرتبطة بالبنية التحتية.
وتراكمت هذه التحديات خلال سنوات الحرب، وتعقدت بفعل ضعف الموارد وصعوبة إعادة التأهيل.
أحياء شرقية خارج مسار التحسن
تبرز الأحياء الشرقية كواحدة من أكثر المناطق التي لا تزال تعاني من اختناقات خدمية.
وترتكز الصعوبات في الأحياء التي كانت منطلقًا للحراك الأول ضد النظام سابقًا، مثل حي صلاح الدين وبستان القصر والمشهد.
ورغم أن بعض الخدمات شهدت تحسنًا نسبيًا في المناطق الغربية من المدينة، بقيت هذه الأحياء في الطرف الأضعف من خارطة الخدمات.
وتكررت شكاوي السكان ونقلتها مرارًا عن الخدمات المتردية ووصفها بأنها لا تلبي الحد الأدنى من الاحتياج.
وتتجدد المطالب بإعطاء الأحياء الشرقية أولوية في خطط التطوير، باعتبارها الأكثر تضررًا والأقل حظًا من الخدمات حتى اللحظة.
ويعد ملف النظافة أكثر المشكلات حضورًا في شكاوى الأهالي، فمع نقص العمال والآليات، وتراجع قدرة البلديات، تتراكم النفايات في الشوارع والأزقة، خصوصًا في الأحياء الشرقية.
ورغم الحملات المتقطعة التي أعلنت عنها المحافظة طيلة العام، بقيت النتيجة محدودة، إذ تستمر الإجراءات أيامًا قليلة قبل أن تعود المشكلة إلى ما كانت عليه.
كما تعاني طرقات الأحياء الشرقية من حفر وتشققات خلفتها سنوات القصف والإهمال.
ورغم تنفيذ بعض أعمال التزفيت في مناطق غرب المدينة، فإن حجم العمل المطلوب في المناطق الشرقية لا يزال كبيرًا.
ومع غياب الضبط المروري، تتفاقم الفوضى في الشوارع التي تعج بدراجات نارية غير منظمة، وسيارات مركونة بشكل عشوائي، وسط شكاوى من عدم فعالية الإجراءات الموضوعة.
المياه.. خدمة غير مستقرة
تواجه أجزاء واسعة من الأحياء الشرقية مشكلة عدم انتظام وصول المياه، وتراجع تدفق الشبكة داخل الأبنية المتضررة.
وفي أحياء مثل صلاح الدين وأحياء المدينة القديمة كالأصيلة، تصل المياه لساعات قليلة لا تكفي حاجة السكان.
هذا الأمر يدفع السكان إلى شراء المياه من الصهاريج بتكاليف تثقل حياتهم اليومية.
وتعاني الشبكة من تسربات كبيرة وخطوط قديمة بحاجة لاستبدال، ما يفاقم فاقد المياه.
وفي سياق منفصل، ورغم سنوات على انتهاء المعارك، ما تزال كتل من الأنقاض تشغل شوارع ضيقة في الأحياء الشرقية، خصوصًا المناطق ذات الأبنية المتصدعة.
فعمليات الترحيل التي قامت بها فرق الدفاع المدني نفذت على فترات، ما يجعل سكانًا كثر يعيشون بين بقايا الدمار.
وتحدث سكان من عدة مناطق عن حوادث سرقة متكررة، بعضها استهدف مدنيين في الشوارع أو سيارات مصفوفة، وأخرى تطال محال تجارية.
وازددت الشكاوى ليلًا مع ضعف الدوريات، ما جعل الفلتان الأمني جزءًا من الحياة اليومية في بعض الأحياء.
وبرزت في شوارع حلب، خاصة في الأسواق الشعبية والمواقف العامة، ظاهرة التسول التي شهدت خلال الأشهر الماضية ازديادًا ملحوظًا.
ورغم أن المحافظة أطلقت حملتين متتاليتين لمكافحة التسول خلال الفترة الماضية، ما تزال الظاهرة منتشرة.
التعليم والصحة.. نقص بالتجهيزات
أعلنت المحافظة عن مشاريع لتحسين النظافة وتزفيت الطرق وترميم الشبكات، لكن يبقى جزء كبير من هذه الوعود غير محسوس على الأرض، وفق ما قاله السكان مرارًا ل.
وفي قطاع التعليم، لا تزال التجهيزات المدرسية واحدة من أبرز الإشكالات التي يواجهها الطلاب، خصوصًا في الأحياء الشرقية.
ومع بداية العام الدراسي، ظهرت الشكاوي الخاصة بنقص المقاعد الدراسية داخل عدد من المدارس، الأمر الذي ترك جزء من الطلاب دون أماكن جلوس مناسبة.
وقالت مديرية التربية ل سابقًا إنها تعمل على تجهيز دفعة جديدة من المقاعد وتوزيعها تباعًا على المدارس الأكثر حاجة.
وفي الجانب الصحي، يواجه السكان في أرياف حلب، وخاصة الريف الجنوبي، صعوبات كبيرة في الحصول على الخدمات الطبية.
إذ تعاني المراكز الصحية من نقص في الكوادر والتجهيزات والمستلزمات الأساسية، ما يضطر المرضى إلى التوجه نحو المدينة حتى في الحالات البسيطة.
كما تفتقر مشافي حلب العامة إلى وجود أي جهاز رنين مغناطيسي عامل، إضافة إلى نقص في أجهزة الطبقي المحوري وتعطل الأجهزة القديمة وعدم تأهيل بديل حتى الآن.
ذلك الأم جعل الحصول على هذا النوع من الفحوصات مقتصرًا على المراكز الخاصة وبتكاليف مرتفعة لا يستطيع كثير من السكان تحملها.
مدينة متعبة
عضو مجلس الشعب عقيل حسين ذكر خلال حديثه ل إن مدينة حلب “متعبة من ناحية البنية التحتية”.
هذا الإرهاق يفرض ضرورة منح المدينة اهتمامًا أكبر، فقدرتها على النهوض ترتبط بانتماء أهلها وحاجتهم لاستعادة مدينتهم.
ملف النظافة لا يزال أكبر مشكلة يواجهها الأهالي حتى اليوم، بحسب قول عقيل.
وأوضح أن البلدية والمحافظة لم تتمكنا من تجاوز هذه العقبة، خصوصًا في الأحياء الشرقية حيث المشكلة متفاقمة بشكل واضح.
هذا الملف طرح أكثر من مرة أمام الجهات المعنية، لكن النقص الكبير في عدد العمال والآليات يجعل من الصعب الوصول إلى نتائج ملموسة.
وفيما يخص المياه، أشار حسين إلى وجود “شح عام”، إضافة إلى مشكلات في التقنين وضرورة تحسين الضخ في عدد من الأحياء.
أما الكهرباء، فيعتبر أنها شهدت تحسنًا ملحوظًا، إذ انخفض التقنين وازدادت ساعات التغذية مقارنة بالسنوات الماضية.
الصوت صار يصل
الناشط أحمد عمر قال ل إن حلب “مدينة منسية منذ عهد النظام البائد”، فتحسين الخدمات في السابق كان يتم وفق الإمكانات المالية للسكان في كل منطقة، لا وفق الحاجة الفعلية.
وأشار إلى أن المدينة التي أعلن أنها منكوبة أكثر من مرة خلال سنوات الحرب، ثم جاءت كارثة الزلزال لتضاعف معاناتها، لا تزال تدفع أثمان الإهمال المتراكم.
أبرز ما تغير اليوم هو أن “صوت الناس صار يصل”، مشيرًا إلى سهولة التواصل مع المسؤولين في الحكومة الحالية.
كما اعتبر أن المواطنين صاروا يشعرون أن المسؤول قريب، قادر على سماع ما يشتكون منه، لكنه أكد في الوقت نفسه أن هذا الواقع بحاجة إلى مزيد من العمل.
تكاتف الأهالي مع مؤسسات الدولة في الحفاظ على الواقع الخدمي أمر أساسي.
ولفت إلى أن أعمال تخديم وإصلاح الصرف الصحي شملت خلال الفترة الماضية مناطق كان ينظر إليها سابقًا على أنها “منكوبة”، مثل الميسر وطريق الباب والفردوس والحيدرية.
ووفقًا له يعتبر ذلك تحولًا مهمًا في التعاطي مع الأحياء الأكثر تضررًا، “إدارة الوضع الأمني في هذه المناطق هو العامل الأهم اليوم”.
وبعد سنوات من الإهمال الذي مارسته السلطة السابقة، والتي لم يكن في حسابها الاهتمام بواقع الناس في هذه الأحياء، بحسب ما أشار إليه عمر.
المحافظة توضح الأعمال
ذكرت محافظة حلب ل أن العام الأول بعد التحرير شهد تنفيذ مجموعة من الأعمال على مستويات خدمية مختلفة.
وشملت الكهرباء والصحة والتعليم والبنية التحتية والمياه، إلى جانب تحسينات في المرافق العامة والقطاع الأمني.
في قطاع الكهرباء، أوضحت المحافظة أنها وقعت شراكة مع شركة “STE” لتأمين التغذية الكهربائية لريف حلب الشمالي.
بالتزامن مع استقبال نحو 3.4 ملايين متر مكعب من الغاز الأذربيجاني.
الأمر الذي أسهم، بحسب قولها، في رفع ساعات التغذية من ساعتين إلى ثماني ساعات يوميًا.
وفي القطاع الصحي، قالت المحافظة إنها أعادت تشغيل عشرة مشافٍ عامة.
كما أن هنالك 90 مركزًا صحيًا يعمل بالكامل في المحافظة، و22 مركزًا بشكل جزئي، و28 مركزًا ما يزال قيد التأهيل.
وشملت أعمال الصيانة تأهيل أجهزة الرنين والطبقي المحوري في مشفى الرازي.
وزودت مشفى” الكلية الجراحي” بـ 32 جهاز غسيل كلية، إضافة إلى إعادة تأهيل مركز نقل الدم في المدينة.
وفيما يخص مطار حلب الدولي، أشارت المحافظة إلى أنه خضع لعمليات ترميم.
وشملت تجهيز المهبط الجديد بأنظمة الإنارة الملاحية، وإعادة تأهيل السور الأمني، وتجهيز برج المراقبة بأنظمة اتصالات حديثة.
أما في ملف إزالة الأنقاض، فذكر الدفاع المدني، وفق ما نقلته المحافظة، أنه أزال نحو 165 ألف متر مكعب من الركام في 19 حيًا من أحياء المدينة، ضمن مشروعين منفصلين.
وفي قطاع التربية، أعادت مديرية التربية تأهيل نحو 100 مدرسة، وتستكمل ترميم 104 مدارس أخرى، إضافة إلى تجهيز 20 ألف مقعد دراسي.
وفي قطاع المياه والصرف الصحي، قالت المحافظة إن مؤسسة المياه أعادت تأهيل وتفعيل أكثر من 50 محطة مياه لتأمين مياه الشرب لريف حلب.
إلى جانب صيانة خطوط الصرف الصحي في عدد من الأحياء المتضررة.
مكافحة التسول
كما عملت المحافظة على ترميم الساحات العامة، وفي مقدمتها ساحة سعد الله الجابري، وتأهيل المداخل الرئيسية للمدينة مثل دوار الموت.
وفي السياق ذاته، أعلنت المحافظة تنفيذ حملة مرورية بهدف الحد من الازدحام وتنظيم السير.
ونتج عنها احتجاز أكثر من 900 سيارة مخالفة، ونحو 1200 دراجة نارية، وتسجيل ما يقارب 960 مخالفة مرورية.
وعن ظاهرة التسول، قالت المحافظة إنها أطلقت حملة للحد منها، تم خلالها تسجيل أكثر من 900 حالة في عدد من الأحياء.
وفي القطاع الأمني، أشارت المحافظة إلى تركيب كاميرات مراقبة في عدد من الشوارع الرئيسية والأحياء والأسواق، ضمن خطة قالت إنها تهدف إلى تعزيز الأمن وضبط التجاوزات.
سكان الأحياء الشرقية ينتظرون نتائج “حلب الكبرى”
مرتبط
المصدر: عنب بلدي
