في ظل التحديات المتزايدة التي تواجهها مصر في مجال الأمن الغذائي، وتحت وطأة التغيرات المناخية، بات من الضروري تبني حلول حديثة ومتقدمة لتعزيز القطاع الزراعي، وتقليل الاعتماد على الواردات، وتحقيق الاكتفاء الذاتي.
من بين هذه الحلول، تبرز تقنية الزراعة دون تربة، إضافة إلى تقنيات الزراعة الذكية والابتكارات التكنولوجية الأخرى التي أثبتت نجاحاتها في دول عدة، ويمكن أن تكون أدوات فعالة لمصر في المستقبل.
تُعرف تقنية الزراعة دون تربة بأنها تعتمد على زراعة النباتات في بيئة مغلقة أو على وسائط صناعية، بعيدا عن التربة التقليدية، مع استخدام أنظمة ري حديثة ومواد وسائط بديلة. تتيح هذه التقنية إنتاج محاصيل عالية الجودة بكميات كبيرة، مع تقليل استهلاك المياه والأراضي الزراعية، وتتمتع بمرونة عالية للعمل في ظروف قاسية، مثل المناطق الصحراوية أو المناطق ذات التربة غير الصالحة للزراعة.
وقد حققت هذه التقنية نجاحات ملموسة في عدة دول، وتعد الصين رائدة في هذا المجال.
حيث أنشأت الصين مناطق زراعية ذكية تعتمد على الزراعة دون تربة، واستطاعت من خلالها زراعة فواكه وخضروات ومحاصيل في بيئات غير تقليدية، مما ساعد على تحسين الأمن الغذائي وتقليل الاعتماد على الموارد المائية. ونقلت تجاربها إلى عدة دول في موريتانيا، التي تعاني من التصحر والجفاف، أُطلق مشروع “الحديقة الصينية الأفريقية للتكنولوجيا الخضراء”، ونجحت الصين من خلال هذا المشروع التعاوني مع موريتانيا في تثبيت مئات الهكتارات من الرمال وتحويلها إلى واحات خضراء، بالإضافة إلى تدريب الفنيين المحليين على التقنيات الحديثة لمكافحة التصحر وزيادة المساحات الزراعية.
وفي الإمارات أيضا، تم توقيع اتفاقيات مع الصين لبناء مراكز تكنولوجية زراعية تعتمد على أنظمة الزراعة دون تربة، بهدف إنتاج أصناف عالية الجودة من الفواكه والخضروات باستخدام تقنيات التحكم في المناخ والري الموفر للمياه.
إن الصين تستثمر بشكل كبير في تبني وتطوير الطرق والتقنيات الزراعية المبتكرة لمعالجة العديد من التحديات مثل ندرة الأراضي والمياه، والأمن الغذائي، والزراعة المستدامة، إلى جانب تقنية الزراعة دون تربة، برزت تقنيات أخرى ناجحة مثل الزراعة الدقيقة والزراعة الذكية عن طريق الأجهزة المتصلة بالإنترنت والذكاء الاصطناعي تستخدم الصين أجهزة إنترنت الأشياء، وتحليلات البيانات الكبيرة، والذكاء الاصطناعي لتحسين مراقبة المحاصيل، وإدارة الموارد، واتخاذ القرارات الزراعية بشكل أكثر دقة.
كما أن الزراعة الحضرية والعمودية أصبحت من الحلول الفعالة في المدن الكبرى، حيث تعتمد على بناء مزارع رأسية داخل المناطق الحضرية، وتستخدم تقنيات الإضاءة الصناعية والتحكم في المناخ لزراعة محاصيل في بيئات محدودة المساحة، كما هو الحال في سنغافورة. وتعتمد بعض الدول على الزراعة باستخدام الطاقة المتجددة، حيث تستغل الشمس أو الرياح لتشغيل أنظمة الري والمباني الزراعية، مما يعزز استدامة العمليات ويقلل من التكاليف البيئية.
وتعد مصر من أوائل الدول التي يمكن أن تستفيد بشكل كبير من هذه التقنيات الحديثة، خاصة في ظل الظروف المناخية والجغرافية التي تواجهها. فباستخدام تقنيات الزراعة دون تربة والزراعة الذكية، يمكن للمحاصيل أن تُزرع في المناطق الصحراوية، مثل سيناء والصحراء الشرقية والغربية، مما يساهم في توسيع الرقعة الزراعية وتقليل الاعتماد على الواردات. كما تساعد هذه التقنيات في تحسين نوعية المنتجات، وتقليل الاعتماد على المبيدات والأسمدة، الأمر الذي يساهم في تلبية الطلب على المنتجات الصحية والعضوية، وزيادة القدرة التنافسية للسوق المصري.
هذه الحلول التكنولوجية ليست بديلا عما تقوم به الدولة من جهود ملموسة حاليا في عدة مناطق من الدلتا الجديدة وغرب المنيا إلى توشكى، وإنما تتكامل معها. فهي أدوات يمكن توظيفها في استراتيجية شاملة تتضمن استصلاح الأراضي، وتحسين نظم الري، وتطوير البنية التحتية الزراعية، وتدريب الكوادر، لتشكل منظومة متكاملة لتحقيق أهداف خطة 2030، التي تسعى إلى زيادة الإنتاجية والتنمية المستدامة. فمن خلال استثمار التكنولوجيا الحديثة، وتوظيفها بشكل استراتيجي، يمكن لمصر أن تحقق طفرة نوعية في القطاع الزراعي، تضمن أمنها الغذائي، وتقلل من اعتمادها على الاستيراد، وتوفر فرص عمل، وتحسن مستوى معيشة الشعب المصري، في إطار الرؤية التنموية الواضحة التي اقرتها مصر لتلبية تحديات المستقبل.