حمّام “الطاهرية” بإدلب يستمر رغم الصعوبات
إدلب – سماح علوش
يحافظ المختار حيدر غرير، صاحب حمّام “الطاهرية” وسط حي الصليبة في مدينة إدلب، على استثمار مشروعه الذي أعاد تأهيله قبل عدة أعوام، حرصًا على عدم اندثار مهنة العائلة، ولتعزيز ثقافة شعبية متوارثة في سوريا منذ أجيال.
يواجه غرير عقبة تردي الظروف الاقتصادية والمعيشية، التي لا تساعد كثيرًا في قصد الحمّام، فمعظم الناس أصبحوا يعتبرون حمّام السوق شيئًا من الرفاهية، وتقتصر زيارتهم له على المناسبات الاحتفالية الأهلية مثل “الطهور” و”الطقموشة” (ليلة تسبق العرس) و”الصباحية”.
في الماضي، كانت حمّامات السوق ملجأ للعائلات مع بداية موسم الشتاء، يقصدونها للتمتع بالمياه الساخنة بتكلفة قليلة لعدم توفر حمّامات في منازلهم، واقتصار وجودها فقط على بيوت ميسوري الحال.
اليوم، ورغم انخفاض أجرة الحمّام مقارنة بالتكلفة التشغيلية وعدم تجاوزها الـ100 ليرة تركية (ثلاثة دولارات أمريكية) للشخص الواحد، فإنها باتت فوق قدرة شريحة واسعة في إدلب، لأنها تعادل الأجرة اليومية للعامل أمام قائمة احتياجات كثيرة.
عمره 120 عامًا
عن حمّام “الطاهرية”، قال المختار حيدر أو “حيدرة” كما هو معروف في مدينة إدلب، إنه تحفة أثرية إذ يعود تاريخ إنشائه إلى نحو 120 عامًا، وقد دوّن تاريخه بالقول، “حمام أنس بالهنا شُيّدت لأبو المواهب للطاهر بن الطاهر العالي المراتب وتاريخها جُمّل الرغد”.
بدأ حيدر ترميم الحمّام عام 2020، بعد إغلاق استمر قرابة 50 عامًا، منذ ثمانينيات القرن الماضي.
وبعد رفض من مديرية آثار إدلب هدم الحمّام الممتد على مساحة تبلغ 420 مترًا مربعًا وإقامة مشاريع أخرى مكانه، قرر حيدر خوض المغامرة وافتتاحه مجددًا أمام الأهالي الراغبين بتجربة فريدة للاستحمام والاسترخاء والتمتع بأجواء من حقبة تاريخ مضت.
ضعف في الإقبال
بعد أن أنفق قرابة 50 ألف دولار أمريكي منذ لحظة إعادة الافتتاح حتى الآن، لم ينجح مشروع الحمّام كما هو مأمول.
وأرجع المختار الأسباب إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية، وعدم السماح له من قبل حكومة “الإنقاذ” في إدلب بتفعيل الحمام لكلا الجنسين (رجالًا ونساء)، ما خفّض من مدخول المكان، وقلل من تحقيق المرابح المرجوة، حيث كان يخصص سابقًا الفترة الصباحية للنساء والفترة المسائية للرجال.
أصر المختار على فتح الحمّام 24 ساعة صيفًا وشتاء دون توقف، دونًا عن باقي حمّامات إدلب الأربعة المتبقية من أصل عشرة كانت معروفة بالمدينة، إلا أنه لا يحقق الأرباح التي تدعم مشروعه، وتعوضه ما تم إنفاقه خلال الترميم و”الديكور” والتغييرات التي أجراها.
كما أنه يضطر شتاء لاستخدام الحطب مع حرّاق المازوت لتدفئة المياه وجو الحمّام الواسع حتى يضمن أفضل خدمة للزبائن، إلى جانب تكاليف تعبئة المياه عبر الصهاريج، فالحمّام لا يحوي بئرًا.
وتابع المختار أن الحمّام يستقبل فقط الرجال، وفي بداية الترميم كانت الأجرة 50 ليرة تركية (كانت تعادل حينها 5.5 دولار).
ومع انخفاض العملة التركية، رفع الأجرة تدريجيًا إلى 100 ليرة، عام 2023، وبقيت التسعيرة على حالها هذا العام لتشجيع الزبائن، بحسب قوله، ولدعم المدخول للحمام الذي يعمل فيه 12 عاملًا بين “مكيّس” وعمال خدمة و”بيت النار” (القميم)، فضلًا عن خدمات أخرى مثل تقديم الطعام الذي يقتصر على المشاوي وبعض المشروبات الشرقية الساخنة.
موروث يتراجع
حافظ الحمّام على موروث شعبي متعارف عليه سابقًا، كفندق لمن يكون بزيارة مؤقتة للمدينة، وبأسعار رمزية ينام فيه الراغبون بـ”الليوان” حتى الصباح من عابري سبيل ومرافقين لذويهم بالمستشفيات وغيرهم.
ورصدت أربعة حمّامات لا تزال قائمة في مدينة إدلب، منها اثنان، بحسب أهالي المنطقة، لم يفتحا هذا العام وهما “المحمودية” و”الهاشمية”، و”الروضة” الذي أخبرنا أحد العاملين فيه أنه سيفتتح مطلع تشرين الثاني المقبل، و”الطاهرية”.
وتعتبر حمّامات السوق الشعبية موروثًا حضاريًا للشعب السوري، ومراكز استجمام واستطباب ينصح بها الأطباء لبعض الحالات المرضية للتداوي بغرف البخار (الساونا) كأمراض العمود الفقري، وتنشيط الدورة الدموية وفتح مسامات الجلد.
وكانت خلال السنوات الماضية مقصد العديد من العائلات المهجرة إلى الشمال السوري، لاسترجاع شيء من تاريخ مدنها كدمشق وحلب وحمص وحماة وغيرها.
قبل وفاته، قال الباحث والمؤرخ فايز قوصرة، ل، إن معظم الحمّامات المرممة في إدلب لم يطرأ تغيير على جوهرها وتوزيعها الفني المأخوذ من الحمّام التركي، كما أن عمليات الترميم لم تستخدم التقنيات الحديثة للحفاظ على الحمّامات.
بينما تعرّض حمام “الطاهرية” لعمليات تجميل للبناء الخارجي، لترميم الدمار الكبير الذي طاله خلال السنوات الماضية، وفق ما ذكره قوصرة، معتبرًا أن هذه العمليات “مقبولة علميًا”، باعتبارها لم تغير واجهة الحمام بالكامل، وحافظت على موقعه وقيمته التراثية.
مرتبط
المصدر: عنب بلدي