في خطوة هي الأولى من نوعها منذ عقود الصراع الدموي، سلّم حزب العمال الكردستاني الـ”PKK”، أول دفعة من سلاحه في مدينة السليمانية، وسط أجواء مشحونة بالتوجس والآمال المعلقة على إمكانية فتح صفحة جديدة في تاريخ العلاقة المعقدة بين أنقرة والحركة الكردية.
هذه الخطوة التي جرت بهدوء وحذر، تعكس، وفقا لخبراء، تحوّلا استثنائيا في خطاب الحزب، لكنها في الوقت ذاته تضع تركيا أمام اختبار حقيقي لجدّيتها في انتهاج مسار سلمي طويل الأمد، بدلًا من الحلول العسكرية التي هيمنت على المشهد لعقود.
وفي خلفية هذا التطور، يبقى مصير الزعيم الكردي المعتقل عبد الله أوجلان حجر الأساس لأي تسوية دائمة، إذ يمثل موقعه في أي تفاهم مستقبلي مقياسًا لمدى صدق النوايا وعمق التحول. فبين السلاح الذي يُسلّم والسجون التي ما زالت مغلقة، تتحدد ملامح المرحلة القادمة.
حول سبب اختيار السليمانية مكانا لتسليم سلاح حزب العمال الكردستاني، يقول الخبير السياسي الكردي محمد زنكنه لوكالة ستيب الإخبارية: “ارتكاز الدعم السياسي لحزب العمال ولمقاتليهم يكمن في السليمانية، في حين أن العدد الأكبر للمقاتلين هو في محافظتي أربيل ودهوك. في قنديل وبعض القرى المحيطة بالحدود التركية وفي زاخو وضواحيها”.
ويضيف: “ولكن أعتقد بأن الاتحاد الوطني الكردستاني وهو صاحب النفوذ الأقوى في السليمانية أراد أن يحجز لنفسه مقعدا في هذا المستجد السياسي المهم، فمن جهة يريد أن يبين بأنه مازال مؤيدا وبشدة وبقوة لحزب العمال ونضالهم السياسي ضد الجانب التركي، ومن جهة أخرى يريد رئيس الاتحاد الوطني أن يثبت للجانب التركي بأنه داعم للسلام ويسير بموازاة الخطة التركية لإحلال السلام فيها”.
ويتابع: “الهدف الأساس من جميع هذه المحاولات هو إظهار حسن النية أمام تركيا، لتليين موقفها حول استمرار الحصار المفروض على مطار السليمانية الدولي، ولإعادة العلاقات بينهم وبين تركيا إلى طبيعتها والتي تأسست وبقوة في تسعينيات القرن الماضي بين الرئيسين الراحلين جلال طالباني وتوركوت أوزال. إذا الهدف الأساس من استضافة السليمانية لهذه المراسيم، هو لدحض جميع المزاعم التي كانت تتهم الاتحاد الوطني بأنه يرجح الكفة الإيرانية على حساب تركيا”.
بايك يسعى لاختلاق حالة من التمرد
ويرى زنكنه بأنه وبوجود تيار متشدد “من الممكن أن يقلب الطاولة في أي لحظة بنفوذ السلاح، من الممكن أن تبقى العراقيل وتستمر، بل وتزيد وتتطور، حيث يسعى التيار المتشدد الذي يقوده جميل بايك، إلى اختلاق حالة من التمرد من الممكن أن تؤدي إلى انشقاق في الكونسة العسكرية وبدء المواجهات العسكرية من جديد”.
واستطرد: “هذا الأمر سيقوي الحجة التركية باستمرار المواجهات العسكرية والهجوم في أي لحظة على معاقل مقاتلي PKK من جهة أخرى لا توجد أي ضمانات تركية لعدم تكرار المواجهات بين الجانبين، إذ لم يقدموا أي تعهدات بهذا الشأن. المسألة بدأت بمبادرة من زعيم المعارضة دولت باخجلي، أيدها أردوغان ونفذها أوجلان. هاتين النقطتين، من الممكن جدا أن تشكلا عراقيل كبيرة وخطيرة في طريق تنفيذ عملية السلام”.
تركيا الطرف الأقوى في المعادلة
وفيما قالت مصادر إنه لا يمكن الوثوق بالتزام تركيا بمسار سياسي بدلًا من الحل الأمني والعسكري، يقول الخبير الكردي: “مهما كانت نسبة الثقة بتركيا، فهي الطرف الأقوى في المعادلة، ولها جيش قوي وهي من أقوى أعضاء حلف الناتو، والموثوقة من قبل الجانب الأمريكي، لذلك لا يمكن أن نتصور بأن تقدم تركيا أي تعهدات بهذا الشأن تجاه تنظيم سياسي مازال مدرجا في قوائم الإرهاب”.
ويزيد: “ولكن المعطيات مختلفة هذه المرة، لأن التحالف الدولي وتحديدا الولايات المتحدة الأمريكية تتواجد وبقوة لردع أي حركة للتمرد من الممكن أن تختلق في أي لحظة. أي أن التحالف الدولي سيساهم في توضيح الصورة أمام الجانب التركي بأن هناك طرف يريد السلام على مستوى الزعامة الروحية، والطرف الذي يشكل الأقلية من السهل القضاء عليه”.
مصير أوجلان بعد تسليم سلاح الـPKK
ويبقى الحديث عن مصير زعيم حزب العمال الكردستاني” PKK” عبد الله أوجلان، إلى اللحظة غامضا، في وقت تزداد التساؤلات حول ما إذا كانت السلطات التركية ستطلق سراحه بعد أن كشف حزب العمال الذي يقوده، حسن نيته وسلم أول دفعة من سلاحه، بل وقام بإحراقه.
الخبير السياسي الكردي محمد زنكنه يقول تعقيبا على ذلك: “في رسالته الأخيرة، بين أوجلان بأنه لم يطلب التحرر والخروج من إيمرالي”، مضيفا “وأعتقد بأن الحل الأفضل هو البقاء في مكانه، لأنه من الممكن أن يتعرض لمحاولة اغتيال من قبل أطراف قومية عنصرية في تركيا أو من جانب أطراف متشددة في صفوف الـ PKK نفسه”.
وأردف: “لذلك أعتقد بأن مصيره سيكون بقاؤه في جزيرة إيمرالي، ومن الممكن أن تبدي تركيا بعض المرونة بزيارات عائلية أو زيارات لأصدقائه والمقربين منه بدلا من العزلة التي عاشها لأكثر من ربع قرن، لأن الرأي العام التركي من الصعب أن يتقبل عودة أوجلان إلى تركيا وإلى الحياة العامة، والحكومة التركية لا تريد أن تعرض نفسها لمشاكل هي في غنى عنها مع المعارضة، وخصوصا بعد الخسارة الكبيرة التي مني بها الحزب الحاكم، أثناء انتخابات البلدية الأخيرة”.
وكان الحزب، الذي أسسه عبدالله أوجلان في نهاية سبعينيات القرن المنصرم، أعلن يوم 12 مايو/أيار الماضي حل نفسه وإلقاء السلاح، منهيا بذلك نزاعا تسبب لفترة طويلة في توتر علاقات السلطات التركية مع الأقلية الكردية والدول المجاورة.
وجاء ذلك تلبية لدعوة أطلقها أوجلان يوم 27 فبراير/شباط الماضي من سجنه في جزيرة إيمرالي قبالة إسطنبول.
وفي الأول من مارس/آذار الماضي، أعلن PKK الذي تصنّفه أنقرة وحلفاؤها الغربيون منظمة “إرهابية” وقف إطلاق النار.
ستيب نيوز: سامية لاوند

المصدر: وكالة ستيب الاخبارية