في تصعيد غير مسبوق، دخلت الولايات المتحدة رسميًا الحرب إلى جانب إسرائيل ضد إيران، لتفتح بذلك أبواب الشرق الأوسط على جحيم جديد. فبعد أيام من التصعيد المتبادل والهجمات المدمرة، بدأت القاذفات الأمريكية ضرباتها ضد منشآت إيرانية استراتيجية، وعلى رأسها المواقع النووية الحساسة.
وبحسب خبراء ومصادر عراقية فإن هذا التدخل الأمريكي لم يكن مفاجئًا، لكن تداعياته قد تكون الأخطر منذ غزو العراق.
وبينما تحتدم المواجهة في الأجواء الإيرانية والإسرائيلية، تتجه الأنظار إلى العراق، حيث تنتشر قواعد أمريكية وسط محيط متفجر من فصائل مسلحة موالية لإيران. هذه الفصائل، التي طالما هددت بالتصعيد إذا ما تدخلت واشنطن، تجد نفسها الآن أمام خيار الرد أو خسارة هيبتها الإقليمية.
يقول رئيس مركز الشرق للدراسات الاستراتيجية والمعلومات في هولندا علي الأعرجي لوكالة ستيب الإخبارية: “الحديث عن هذا الملف يجب أن يأتي في ثلاث مفاصل: سياسية، عسكرية وأمنية”.
ويضيف: “واقعيا أن دخول الولايات المتحدة الحرب بشكل مباشر ضد إيران، لا يمكن أن يعتبر تحولا في خارطة الصراع، بل هو تغير جذري في قواعد الاشتباك في المنطقة بأكملها، وبالتأكيد العراق في قلب هذه المعادلة”.
الفصائل المسلحة أمام خيارين
ويزيد:” لا يخفى على الجميع منذ عام 2003 والعراق يعيش كحقل توازن هش بين واشنطن وطهران، ومع كل تصعيد بين الطرفين، يُطلب من بغداد أن تمشي على حبل مشدود فوق نار مشتعلة وكأنها تسير على الصراط المستقيم. لكن هذه المرة، إذا ما تحول الصدام الأمريكي الإيراني إلى مواجهة مفتوحة، فستكون الفصائل المسلحة في العراق أمام لحظة حسم لا يمكن تأجيلها”، مضيفا” وأعتقد أن يوم أمس كانت الشرارة الأولى لهذا التحول وأتمنى أن يتسم الجميع بحسن القرار وهنا أقصد إيران وأمريكا”.
وبحسب الأعرجي فإن الفصائل المسلحة في العراق أمام مفترقين” إما أن تنخرط في المواجهة كجزء من محور عقائدي وإقليمي أو أن تعيد تموضعها وفقا لمعادلات الداخل العراقي ومتطلبات حماية الدولة، وهذا الخيار صعب ولا يمكن استيعابه من قبلهم، حيث هناك فصائل أعلنت صراحة أنها لن تقف مكتوفة الأيدي إذا ما استهدفت إيران، وهذا يجعل احتمال تنفيذ هجمات ضد المصالح أو القواعد الأمريكية قائما، بل وربما قريبًا نشهد ردودا من قبلهم على بعض المواقع العسكرية”.
ويزيد:” لكن في المقابل هناك تيارات داخل بعض الفصائل تدرك أن التصعيد داخل الأراضي العراقية قد يعرّض الحشد الشعبي كمؤسسة، والواقع الأمني ككل، إلى خطر الانهيار أو التفكيك. إن التداخل بين الفصائل والحشد يجعله أمام تهديدات النيران الأمريكية، رغم أن الحشد مؤسسة دستورية قانونية لكن بعض الفصائل تلصق نفسها بالحشد في وقت الصراع وتنفيه في وقت السلم”.
وتأكيدا على هذه الازدواجية لدى بعض الفصائل استذكر الخبير السياسي البيت الشعري الذي يقول:” ينادونني في السلم يابن زبيبة.. وعند صدام الخيب يابن الأطايب”.
من يملك قرار الحرب والسلم في العراق؟
رئيس مركز الشرق للدراسات الاستراتيجية في هولندا، قال:” سياسيا، الوضع في العراق أكثر هشاشة مما يبدو فالحكومة الحالية محاصَرة بين التزاماتها تجاه المجتمع الدولي، وضغوط داخلية من قوى مسلحة تُعد أقوى أحيانا من مؤسسات الدولة”.
واستطرد:” قرار الحرب والسلم يُفترض أن يكون حصريًا بيد الحكومة، لكن الواقع العراقي أثبت أكثر من مرة أن الميدان ليس دائمًا بيد الدولة وهذه هي كارثة”.
وتابع:” أما أمنيا، فإن أي استهداف للقواعد الأمريكية لن يمر دون رد، وغالبا هذه المرة لن يكون محدودا ولا محسوبا بدقة كما في السابق، بل قد يكون واسع النطاق يشمل بنى تحتية ومخازن وقادة داخل الأراضي العراقية، مما يفتح البلاد على موجة اضطراب أمني حاد قد يمتد لشهور أو سنوات”.
وتابع:” عسكريا، لعلي أقول إن الفصائل تملك أدوات الضرب لكنها لا تملك بالضرورة خطة ما بعد الضربة. وهذا ما يحدث في كل مره يتم بها توجيه النار نحو القواعد الأمريكية. ويأتي الرد الأمريكي بشكل قاطع للنفس، ففي التاريخ القريب كان الرد الأمريكي أو رد ترامب من خلال الجنرال سليماني والمهندس، بمعنى أن واشنطن لا تتردد في رد قاس حين تجد أن هيبتها مهددة”.
وختم كلامه بالقول:” ومن الخطأ تصور أن الأمريكيين سيغادرون العراق تحت الضغط الناري، فالأرجح أن التصعيد سيعزز تمسكهم بالبقاء”.
ستيب: سامية لاوند
المصدر: وكالة ستيب الاخبارية