خبراء اقتصاد: مساعدات المانحين لا تلبّي طموحات السوريين

شاركت سوريا للمرة الأولى في مؤتمر المانحين الذي عُقِد في 17 مارس في بروكسل بحضور رسمي رفيع المستوى ممثلاً بوزير الخارجية أسعد الشيباني، وتعهدت الدول المانحة، بينها الاتحاد الأوروبي، بتقديم مساعدات إلى سوريا، بقيمة 5.8 مليار يورو (6.3 مليار دولار)، وهو مبلغ أدنى من التزامها السابق، بسبب عدم مساهمة الولايات المتحدة.
وقال المفوض الأوروبي للبحر المتوسط دوبرافكا سويكا: “أتشرف بالإعلان أننا تعهدنا جميعاً بما مجموعه 5.8 مليار يورو، هي 4.2 مليار من الهبات و1.6 مليار من القروض”.
وتضج الأوساط السورية بالحديث عن قيم هذه المساعدات التي يرتقب منها أن تساهم في تحسين الواقع الاقتصادي في سوريا، والذي عانى طوال السنوات الماضية، على مختلف الأصعدة، بالتزامن مع مرحلة تاريخية دقيقة تمر بها سوريا في العبور نحو مرحلة انتقالية سياسة عادلة، تشوبها الكثير من الصعوبات والتحديات السياسية والأمنية.
الخبير الاقتصادي حسن حزوري قال في حديث لـ”الشرق”، إن مجمل المساعدات التي تقدمها الدول المانحة للسوريين في الداخل لا تمثل أكثر من نسبة 1% من احتياجات إعادة الإعمار.
رفع العقوبات أكثر تأثيراً من المساعدات
وقال إن “رفع العقوبات الأميركية والأوروبية كلياً سيكون تأثيره أهم بكثير من المساعدات المقدمة من دول المانحين”، متابعاً: “مع ذلك، سيكون لهذه المساعدات والمنح دور إيجابي في دعم الاقتصاد السوري فيما لو التزمت الدول المانحة بتنفيذ تعهداتها”.
وأوضح حزوري أنه في حال وصلت المساعدات إلى الجانب السوري فالتأثيرات ستتمثل بشكل رئيسي على صعيد تحسين الظروف الإنسانية عن طريق المساعدات الإغاثية التي توفر الغذاء والدواء والمأوى لقسم من النازحين والفئات المتضررة، مما يخفف المعاناة، ويوقف تفاقم الأزمة الإنسانية.
وأشار إلى أن للمساعدات دور في تحفيز الاقتصاد المحلي في المحافظات والمناطق عندما تُستخدم لدعم المشاريع الصغيرة أو لإعادة الإعمار، حيث تخلق فرص عمل للباحثين عن العمل، وبالتالي تدعم النمو الاقتصادي.
وأوضح أن الأمر مرتبط بإعادة تأهيل البنية التحتية عن طريق توجيه قسم منها لإعادة بناء الطرق، والمدارس، والمستشفيات، مما يساهم في استقرار الاقتصاد وتهيئة الظروف لعودة النشاط الاقتصادي.
ولفت حزوري إلى جانب آخر يمكن أن يشمله التحسن وهو دعم استقرار سعر الصرف بشكل غير مباشر عندما يتم تقديم المساعدات والمنح والقروض بالقطع الأجنبي، حيث يساهم ذلك في استقرار سعر صرف الليرة السورية، وبالتالي ضبط التضخم.
سياسات الحكومة الحالية
بدوره، قال الخبير الاقتصادي مجدي الجاموس إن مؤتمر المانحين الأوروبيين لم يلبِّ طموحات السوريين على صعيد المساعدات والآلية، الأمر الذي يعد مؤشراً على عدم الرضا عن سياسات الحكومة الحالية، ما جعل التركيز ينصب على الجانب الإنساني فقط.
وأشار إلى أن تأثير مؤتمر المانحين على الواقع الاقتصادي في سوريا لن يكون كبيراً، أو كما كان يُرجى منه، إلى جانب أنه لم يساعد في تخفيض العقوبات على واقع المصرف المركزي والتجاري.
ولفت الجاموس إلى أن “واقع الاقتصاد السوري بحالة جمود وموت سريري، ولا يمكن بنائه محلياً، ولذلك لا بد من مساعدات لتعزيز القطاع المالي وتوفير احتياطي نقدي في البنك المركزي وتحسين سياساته، بهدف توفير الثقة للمستثمرين ورؤوس الأموال المهاجرة والمغتربين للاستثمار في البلد”.
وأشار إلى أن مبلغ 4.2 مليار يورو الذي سيقدمه مؤتمر المانحين سيكون على شكل هبات أو مساعدات تشمل اللاجئين في تركيا، والعراق، والأردن ولم تدخل إلى السوريين، وبحال دخولها ستدعم المجتمع المدني والإنساني والتعليمي، بالتالي لن تساعد في توفير الاحتياطي النقدي في القطاع المالي الذي يعتبر أساس البيئة المالية للاستثمار، إلى جانب 1.6 مليار يورو هي قروض يجب سدادها لاحقاً.
وعن تراجع قيمة المساعدات عن العام الماضي بعد عزوف واشنطن عن تقديم أي مساهمة، قال الجاموس: “كان من المأمول أن يعوض النقص عن طريق دول عربية، لكن العقوبات الأميركية تمنع الدول من المساهمة بشكل أكبر في المساعدات، إلى جانب أن مؤتمر المانحين مؤطر بعامل سياسي، علاوةً على أن أحداث الساحل أثّرت على الثقة بالحكومة الحالية”.
أولوية تحسين الواقع المالي
وذكر الجاموس أن تأثير المساعدات سيشمل القطاعات الإنسانية، المساعدات، القطاع التعليمي، والمجتمعات المدنية، إلى جانب أن الأموال لن تحول عن طريق الحكومة السورية، وإنما لمنظمات دولية تعمل في سوريا.
وأوضح أن كل القطاعات في سوريا بحاجة إلى تمويل، لكن الأولوية لرفع العقوبات، وتحسين واقع القطاع المالي، وتحسين السياسات المالية المتبعة من البنك السوري، والتي أفقدت الثقة بالقطاع المالي، وفق قوله.
وقال إن العقوبات الأوروبية رُفعت فقط على جانب بسيط غير مؤثر مثل المصارف بأنواعها “الزراعي”، و”التسليف”، و”الصناعي”، كونها متخصصة وليس لها تعاملات خارجية كبيرة، ولا يمكن الاستفادة منها أو التأثير على واقع الاقتصاد السوري، إلى جانب أنها تمول من الحكومة السورية.
القطاعات الأكثر احتياجاً
ويرى الخبير الاقتصادي حسن حزوري أنه على الرغم من محدودية المبالغ المخصصة للحكومة السورية مقارنة بالحاجات الفعلية، تُعتبر البنية التحتية ذات أولوية، بما في ذلك قطاعات الكهرباء والطاقة والمياه والطرق، كما أنها تشمل المنشآت الصحية، والقطاع الصناعي الذي يعد من أكثر القطاعات احتياجاً لإعادة الإعمار، بالاعتماد على القطاع الصناعي بشكل خاص لانتشال الاقتصاد السوري.
فيما يشير الخبير الاقتصادي مجدي الجاموس إلى أن سوريا التي تُعاني من ضعف الاقتصاد الوطني، بحاجة إلى 600 مليار دولار مساعدات للعودة إلى ما قبل الأزمة.
وأضاف: “لا يمكن بناء الاقتصاد الوطني محلياً، وسط معاناة القطاعات الاقتصادية والزراعية والصناعية والمالية والعقارية، وهذه المؤتمرات مهمة جداً لو كانت حقيقية وغير مؤطرة بالسياسة”، لافتاً إلى أن “الاعتماد على المشاريع الصغيرة يساعد على بناء الاقتصاد الوطني بعد الحروب والأزمات”.
وأوضح الجاموس أن المساعدات ليست ديوناً، لكن المبالغ التي مُنحت للحكومة بقيمة 1.6 مليار يورو، تعد قروضاً طويلة الأجل، لكنها لا تشكل عقبات في الوقت الحالي.
“تسييس المساعدات”
وحول قرار المانحين الإشراف على صرف المساعدات المالية بدلاً من تسليمها للحكومة السورية، يرى أستاذ العلاقات الدولية في جامعة دمشق عبد القادر عزوز، أن الأمر يعكس “شكلاً من أشكال تسييس المساعدات الإنسانية، إلى جانب الاستمرار في اتباع سياسة الخطوة مقابل الخطوة”.
وأوضح أن “آليات توزيع الإغاثات تحتاج إلى إفصاح وشفافية، وتتوقف على مدى التزام الدول المانحة بتعهداتها، ومن خلال التجارب السابقة تبين أن نسبة الالتزام بها بين 60 و70% فقط”.
وفي ما يتعلق بمشاركة سوريا في مؤتمر المانحين، يعتقد عزوز أنها ذات دلالة مهمة، باعتبارها أول مشاركة من مسؤول سوري رفيع في مؤتمرات الدول المانحة، وأضاف: “هذا يدل على انفتاح سياسي من دول الاتحاد الأوروبي”.
وأضاف: “على المستوى الاقتصادي، يُمكن النظر إلى استمرار الدول الأوروبية في مساعدة الشعب السوري على أنها خطوة نحو إعادة الإعمار، وتحفيز النمو الاقتصادي، لكنها لا تكفي وحدها، بل هناك حاجة إلى المزيد من الحوارات المتتالية بين الإدارة السورية الجديدة ودول الاتحاد الأوروبي في هذا الجانب”.