أجرى علماء وخبراء نوويون إيرانيون زيارة سرية ثانية إلى روسيا، العام الماضي، في تحرك تقول الولايات المتحدة إنه محاولة للحصول على تقنيات حساسة يُمكن استخدامها في مجال الأسلحة النووية، وفق “فاينانشيال تايمز”. 

وأوضحت الصحيفة أن الزيارة، التي لم يُكشف عنها سابقاً، كانت جزءاً من سلسلة زيارات متبادلة بين معاهد الأبحاث العسكرية الروسية و”منظمة الابتكار والبحوث الدفاعية” (SPND)، وهي وحدة مرتبطة بالجيش الإيراني تتهمها واشنطن بقيادة برنامج الأسلحة النووية الإيراني.

وتُمثل الاجتماعات، الواردة في وثائق قالت “فاينانشيال تايمز” إنها حصلت عليها، الدليل الأول على ما يبدو أنه استعداد روسي للتعاون مع طهران في مجال المعرفة ذات الصلة المحتملة بالأسلحة النووية.

وقالت الصحيفة إنها تمكنت من التحقق من الوثائق عبر سجلات شركات وتصنيفات عقوبات وبيانات سفر مسربة ومراسلات أخرى.

اختبارات نووية

ولا تزال درجة التعاون الكاملة وحجم نقل التكنولوجيا المتقدمة ذات الاستخدام المزدوج غير معروفة، لكن جيم لامسون، الباحث البارز في “مركز جيمس مارتن لدراسات منع الانتشار النووي” والخبير السابق في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (CIA)، قال إن الأدلة تشير إلى أن العلماء المرتبطين بالدفاع الإيراني سعوا العام الماضي إلى “الحصول على تكنولوجيا الليزر والمعرفة التي يمكن أن تساعدهم في التحقق من صحة تصميم سلاح نووي من دون إجراء اختبار تفجير نووي”.

وتؤكد إيران أن برنامجها النووي سلمي بالكامل، فيما تقول روسيا إنها تعارض تطوير إيران لأي أسلحة نووية.

وقبل أن تقصف إسرائيل والولايات المتحدة منشآت إيران النووية، في يونيو، كانت واشنطن تؤكد أنها لا تعتقد أن طهران أعادت تفعيل برنامج للأسلحة، لكنها اتخذت خطوات لتقليص الزمن اللازم لصنع قنبلة في حال قررت قيادتها ذلك، وفق “فاينانشيال تايمز”.

وقالت الصحيفة إن الوثائق والمراسلات وسجلات السفر، التي اطلعت عليها، تظهر أن شركة “دامافاند تك” (DamavandTec)، وهي شركة وهمية تابعة لـ”منظمة الابتكار والبحوث الدفاعية” الإيرانية، رتبت في نوفمبر الماضي لسفر مجموعة من المتخصصين الإيرانيين في تكنولوجيا الليزر من طهران إلى سان بطرسبرج.

والتقى العلماء بشركة “ليزر سيستمز” (Laser Systems)، وهي شركة روسية خاضعة لعقوبات أميركية، وتعمل على تكنولوجيا للاستخدامين المدني والعسكري السري.

وكان تحقيق، نشرته الصحيفة في أغسطس، كشف أن “دامافاند تك” ومديرها التنفيذي علي كلوند رتبا لسفر عدد من العلماء النوويين الإيرانيين ووكلاء المشتريات إلى روسيا للقاء علماء وشركات ذات صلات عسكرية واستخباراتية.

وسار العلماء بجوازات دبلوماسية أصدرتها وزارة الخارجية الإيرانية خصيصاً لهم، وتحمل أرقاماً متسلسلة. 

وفي أكتوبر، فرضت وزارة الخارجية الأميركية عقوبات على “دامافاند تك” وكالوند لعملهما لصالح “منظمة الابتكار والبحوث الدفاعية” الإيرانية ومحاولتهما “شراء مواد يمكن استخدامها في تطوير أجهزة تفجير نووية من موردين أجانب”.

وأضافت الوزارة أنهما “سهلا سفر خبراء نوويين إيرانيين إلى روسيا”. 

رحلات منتظمة

وتُظهر مراسلات، اطلعت عليها الصحيفة، أن كالوند و”دامافاند تك” رتبا العام الماضي رحلة ثانية لعلماء إيرانيين إلى روسيا. ويعتقد مسؤولون غربيون أن الرحلتين مرتبطتان. 

وفي أبريل 2024، وجه ديمتري فاسيلييف، المدير العام لشركة “ليزر سيستمز”، دعوة إلى كلوند وأربعة أشخاص يُزعم أنهم موظفون في “دامافاند تك” لزيارة منشأة الشركة في منطقة “سترلنـا” جنوب غربي سان بطرسبرج. وسافر الإيرانيون في نوفمبر. 

وقالت “فاينانشيال تايمز” إن السجلات الأكاديمية والمؤسسية التي راجعتها تظهر أن هؤلاء الرجال لم يكونوا موظفين لدى “دامافاند تك” بل فيزيائيين ومهندسين من جامعات ومراكز بحثية إيرانية مرتبطة بالمؤسسة الدفاعية في البلاد. 

ويشمل ذلك باحثين من جامعة “شهيد بهشتي”، وجامعة “آزاد الإسلامية” في كاشان، وجامعة “مالك أشتر” للتكنولوجيا، وهي مؤسسة تخضع لسيطرة وزارة الدفاع الإيرانية وتخضع منذ سنوات لعقوبات أميركية وأوروبية لدورها في الأعمال المرتبطة بالبرنامج النووي. 

ووصفت الدعوة الزيارة بأنها فرصة لـ”التعاون التكنولوجي”. وقالت الصحيفة إن بيانات الطيران التي راجعتها تظهر أن كلوند والمجموعة سافروا إلى روسيا بين 7 و11 نوفمبر 2024.

وقد زار أندريه سافين، الباحث في “ليزر سيستمز”، طهران في فبراير 2025، حيث التقى ممثلين عن “دامافاند تك” ومسؤولين يُعتقد أنهم مرتبطون بـ”منظمة الابتكار والبحوث الدفاعية”، بحسب شخص مطلع على الزيارة. 

ويعمل سافين أيضاً أستاذاً في جامعة “البلطيق التقنية الحكومية”، وهي واحدة من أهم الجامعات العسكرية التقنية في روسيا.

وتقول “ليزر سيستمز”، على موقعها الإلكتروني، إنها تملك تصريحاً من جهاز الأمن الفيدرالي الروسي (FSB) لمعالجة أعمال تتعلق بأسرار الدولة، إضافة إلى تراخيص لتطوير أسلحة تحت إشراف مباشر من وزارة الدفاع. 

أما “دامافاند تك”، فتعمل كوسيط مشتريات ضمن مجمع الأبحاث المرتبط بالجيش الإيراني، وتبحث عن موردين أجانب لمكونات خاضعة لقيود نظم الرقابة العالمية على الصادرات، وفق وزارة الخارجية الأميركية.

وسبق للصحيفة أن ذكرت أن “دامافاند تك” حاولت الحصول على كميات صغيرة من عدة نظائر مشعة، بينها التريتيوم، الذي تخضع صادراته لرقابة صارمة كونه يُستخدم في تعزيز قوة الرؤوس النووية.

وقالت نيكول جراييفسكي، الباحثة في برنامج السياسات النووية في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، إن الاجتماعات تُعد “دليلاً قوياً على أن روسيا كانت تساعد إيران في أبحاثها المتعلقة بالأسلحة النووية، عبر مؤسسات روسية مرتبطة بالدولة تقدم تكنولوجيا مزدوجة الاستخدام ونقل معرفة”. 

وأضافت: “يبدو أن هذا النشاط يحظى بموافقة على مستوى عالٍ لدى الجانبين الروسي والإيراني”. 

شاركها.