خبراء يكشفون ما لم يعلن خلال “سقطة” وزير الثقافة.. حين وضعت “الكرامة” في طبق “المرسومي”

لم يمرّ طبق “المرسومي” الذي تناوله وزير الثقافة السوري وشقيق الرئيس، على مائدة أحد أباطرة الإجرام، مرور الكرام على السوريين، بعد أن بات “سقطة” لا تجمّلها عبارات الاعتذار على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ إن الوعي السياسي لدى السوريين لم يعد يقبل التسامح مع “هفوات” عابرة أو ربما “رسائلَ” غير مقروءة تسعى السلطة الجديدة لتمريرها بشكل ناعم. فماذا حدث؟ ولماذا ثار الناس على وزير حديث عهد بالحكومة الجديدة؟ وما تفاصيل القصة وما بين سطورها التي لم يروها الوزير ومن معه؟
ما قصة طبق “اللحمة الوطنية” بمضارب المرسومي؟
ظهر وزير الثقافة السوري، محمد ياسين صالح، في مضافة الشيخ فرحان المرسومي، في محافظة دير الزور، والمعروف بولائه المطلق للميليشيات الإيرانية، وتورطه في ملفات تهريب المخدرات وارتكاب انتهاكات كبيرة بحق السوريين، بحسب ما قاله نشطاء سوريون. وهو ما أثار الجدل، وما زاد الطين بلّة، وجود شخصيات أخرى، من بينها شقيق الرئيس السوري، جمال الشرع، الذي لم تُعرف صفته الرسمية، وعدد من قيادات الجيش الجديد الذين شاركوا في “وليمة المرسومي”، بحسب ما جرى تداوله من صور وفيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي.
ووفقًا لما أكده النشطاء السوريون، فإن المرسومي أحد أبرز أذرع “الحرس الثوري” في الشرق السوري، وشكّل رأس الحربة في تجنيد أبناء المنطقة ضمن صفوف الفوج 47 الإيراني، وساهم في إحكام قبضة طهران على مفاصل اجتماعية وعسكرية داخل دير الزور.
كما لعب دورًا محوريًا في إدارة شبكات تهريب السلاح والمخدرات، بغطاء مباشر من “الفرقة الرابعة”، مستفيدًا من علاقاته الوثيقة بماهر الأسد.
وحسب تقارير سورية، كان المرسومي يملك علاقة قوية جدًا مع الميليشيات الإيرانية في دير الزور ودمشق، وقام بزيارات عديدة معهم، سواء في المقرات الإيرانية، أو عبر استقبالهم في ديوانيته في العاصمة دمشق. أيضًا، حظي المرسومي بدعم قادة الحشد العراقي والميليشيات العراقية، حيث قام بزيارات دائمة إلى العراق، كما قام بتأمين احتياجات زوار شيعة في منطقة السيدة زينب.
كل هذا الدعم أدى إلى سطوة ونفوذ له عبر معبري القائم النظامي ومعبر السكك الإيراني غير الشرعي؛ حيث يُعد المرسومي رائدًا في مجال تهريب التبغ من العراق إلى معظم الأراضي السورية عبر شخصيات تابعة له، وبالتعاون والتنسيق مع الفرقة الرابعة التي كان يقودها ماهر الأسد، إضافة إلى عمليات تهريب السلاح والحبوب المخدّرة بالتنسيق مع مهرّبين من حزب الله اللبناني، حيث قام المرسومي بشراء كميات وإرسالها لصالح قيادات عراقية ضمن الأراضي العراقية لبيعها هناك.
وبعد الانتقاد الكبير، خرج الوزير للرد والاعتذار، وقال في منشور على منصة إكس: “في كل يوم يُطلب مني مئات الصور مع الناس، ولا أستطيع أن أكشف عن صدور الناس وأعرف مشاربهم وانتماءاتهم. أريد أن أعتذر للشعب السوري العظيم عن أي صورة غير مقصودة مع أي شخص محسوب على النظام البائد”.
ليست صورة عابرة!
اعتذار الوزير لم يكن بمستوى الحدث الجلل، فحضور وليمة مع قيادات ووجهاء وشخصيات محسوبة على السلطة في مكان عام إلى جانب شخصيات مثل المرسومي، لم يكن بدون ترتيب وتحضير مسبق، بحسب ما أكده ناشطون سوريون.
المحامي والحقوقي منهل العلو كتب على صفحته في فيسبوك قائلًا: “في عالم السياسة ودهاليزها لا شيء يحدث مصادفة، وكل صورة تحمل معها دلالاتها ومآلاتها السياسية القادمة، وتُخفي رسائل مبطنة تعتمد على جسّ نبض الشارع بالتدريج تمهيدًا للمفاجآت الكبرى”.
وأضاف: “أخشى أن الصورة التي جمعت فرحان المرسومي مع جمال الشرع ووزير الثقافة، والتي التُقطت أثناء زيارة متفق عليها مسبقًا في نفس المضافة التي جلس فيها كبار مجرمي النظام البائد، ستكرّس لاحقًا للتحالفات القادمة بين السلطة الجديدة ورأس المال، ولو كانت تفوح منه رائحة الفلول”.
وأكد أن “فرحان المرسومي، جمال الشرع، ووزير الثقافة ليسوا مجرد أسماء عابرة في صورة عفوية، بل هم رموز لثلاثية القوة: المال، الإعلام، الثقافة، واجتماعهم أمام الكاميرا بهذه البساطة الظاهرة ليس بريئًا، وإنما هو محطة من محطات التعود التدريجي”.
وصورة المرسومي ووليمته التي أثارت الانتقاد كانت غيضًا من فيض، والغريب أنها لنفس الوزير، حيث ظهر في صورة أخرى مع الفاضل البلوي، صاحب شركة “الفاضل” التي انخرطت في أعمال دعم وتمويل نظام الأسد، ثم زاد دعمها عبر مساعدة النظام في عمليات غسيل أموال المخدرات، الأمر الذي دفع بوزارة الخزانة الأمريكية، ممثلة بمكتب “أوفاك”، إلى إدراجها على قائمة العقوبات في 30 مايو عام 2023.
بيان بعد جدل
أكد السوريون أن تغافل السلطة الجديدة عن محاسبة فلول النظام البائد والشخصيات المحسوبة على إيران وميليشياتها، التي أوغلت في الدم السوري، كان سببًا وراء ظهورها وربما إعادة تدويرها بشكل جديد في هذه المرحلة.
وعقب ذلك، خرج أحد أعضاء ما يُسمى “لجنة السلم الأهلي” في بيان يوضح تفاصيل ما جرى، قال فيه إن هذه اللجنة مشكّلة بتكليف من الرئيس الشرع، وتهدف لحل الخلافات والنزاعات، وكانت الوليمة في مضافة المرسومي عقب عقد صلح عشائري، لكنه لم يوضح تفاصيل هذا الصلح وحقيقته، ما فتح الباب أمام مزيد من الجدل.
وتساءل ناشطون إذا كان جمال الشرع، شقيق الرئيس السوري، قد جرى تسليمه مهام لجنة السلم الأهلي بشكل غير معلن، لا سيما أن شقيقيه الآخرين، ماهر الشرع تسلّم منصب الأمانة العامة في القصر الجمهوري، أما حازم الشرع فتسلّم لجنة الاستثمارات في سوريا.
منهل العلو قال في منشور آخر: “الزيارة التي قام بها وزير الثقافة وشقيق الرئيس جمال الشرع جاءت بتنسيق مع الإدارة الجديدة ولجنة السلم الأهلي المُشكّلة بدون أي قرار أو مرسوم رئاسي، وأعتقد أن المهمة التي يتولاها حاليًا السيد جمال الشرع هي رئاسة لجنة السلم الأهلي والمنسق العام للقبائل والعشائر في سوريا”.
لا تغافل ولا تمريرات ناعمة للفلول!
وفي حديث لوكالة “ستيب الإخبارية“، قال السياسي والدبلوماسي السوري السابق بشار حاج علي: “في العمل السياسي لا تُقاس الأمور بنيّة الفعل بل بأثره، والوزير، وهو صاحب موقع دستوري وواجهة رمزية، لا يملك ترف “العفوية” في ظهوره”.
ويضيف: “ما جرى لا يمكن فصله عن مناخ رمادي بدأ يتشكّل، ويُعيد طرح التساؤلات القديمة الجديدة: هل هناك تصالح معلن مع مرحلة طُويت؟ أم اختراق خفي لها من بوابة “الوجاهة الاجتماعية”؟”.
مؤكدًا أن “السلطة الجديدة مطالبة بأن تُثبت أنها قادرة على القطع مع أدوات الماضي، لا أن تُطبعها بأسلوب أكثر لباقة”.
وشدد “الحاج علي” على أن “التسامح في السياسة فضيلة حين يُمارس بمعايير، لكنه يتحوّل إلى مجازفة حين يغيب عنه التوصيف الدقيق للأدوار والرموز”.
وتابع: “ثمة فارق جوهري بين المصالحة الوطنية، التي تُبنى على الاعتراف والعدالة، وبين الإعادة الناعمة لوجوه أساءت للشعب، ثم عادت من الشباك تحت غطاء رسمي”.
ولفت إلى أن “الحكومة في لحظة اختبار: إما أن تبني سردية مستقبلية تنبع من وعي جديد، أو تسمح بانزلاقات تعيد عقارب الزمن إلى الوراء”.
الخطأ لا يبرر
سواء كان خطأ أو خطوة محسوبة، فإن التبرير الذي خرج به وزير الثقافة أقل من مستوى الحدث بحد ذاته، فكيف لوزير أن يخرج من دمشق إلى شرق البلاد في دير الزور، ذاهبًا إلى مضافة شيخ لا يعرفه، وبدون ترتيب مسبق ومعدّ للحدث؟ هكذا تساءل السوريون.
وتساءل “الحاج علي”: “حين يُقال “لم نكن نعلم”، فالسؤال الأجدر أن يُطرح على بنية القرار السياسي نفسها: من يتخذ القرار؟ ومن يراجع؟ ومن يرسم الإطار الأخلاقي؟”.
ويقول: “في الدول الخارجة من مراحل شمولية، لا يكون الخطأ في عدم المعرفة، بل في ضعف الرادارات السياسية داخل المؤسسات. وإذا وُجد من يُمرّر، فالواجب ألا يُحمى بالعمى المؤسساتي، بل أن يُكشف ويُحاسب، لأن الثورة لا تُختزل في وجوه بديلة، بل في وعي جديد”.
وأكد الدبلوماسي السوري السابق أن “الشارع ليس عاطفة عابرة، بل ذاكرة حية، وهو حين يتحرك، لا يتحرك بدافع الغضب فقط، بل استشعارًا للخطر على المعنى الذي دافع عنه”.
ويضيف: “من حق الشارع أن يُطالب، لأن المبدأ الذي سقطت من أجله دماء السوريين هو أن المسؤول يُحاسب، لا يُحصّن. والاعتذار لا يكفي وحده، بل يجب أن يكون بداية مراجعة تُعيد ترتيب العلاقة بين الدولة والناس، على أساس الاحترام لا المجاملة”.
ويتابع: “في لحظات التحوّل، لا يُبنى القرار في المضافات، بل في غرف التفكير، ولا يُصاغ على وقع المجاملة، بل بحكمة التقدير. السلطة التي لا تُحسن الإصغاء للخبراء والمستشارين الحقيقيين، تفتح الباب لحكم الظلال وتكرار الإخفاق. وآن الأوان لإرساء منهج شفاف يُمكّن الدولة من امتلاك أدوات الفهم قبل الفعل، ويجعل من كل قرار حكومي تعبيرًا عن دولة لا عن مزاج”.
وختم “الحاج علي” بالتأكيد على أن “ما جرى ليس مجرد خطأ بروتوكولي، بل اختبار لمفهوم الدولة في سوريا ما بعد 812. الدولة تُبنى على وعي جديد، لا على استنساخ رمزي، وعلى مساءلة واضحة، لا على حماية رمزية”. وقال: “إن الاستمرار في تجاوز الذاكرة الوطنية سيحوّل الانتصار السياسي إلى عبء أخلاقي. ومن هنا، تُصبح المحاسبة ليست إدانة لشخص، بل حماية لمشروع”.
وأجمع السوريون على أنه في السياسة، لا يُغفر الجهل، ولا يُبرَّر الظهور مع الجلادين بعباءة العفوية. فالوزير، وهو صاحب موقع دستوري لا يُمثّل نفسه بل رمزاً لما يُفترض أنها دولة جديدة، ولا يملك ترف “التجوال العشوائي” بين موائد الطغاة. فكل مصافحةٍ هناك، هي طعنةٌ في ذاكرة وطن؛ وكل صورة تُلتقط مع رموز الفساد، هي وثيقة خيانة سياسية، ولو غُلّفت باعتذار خجول، ومن يرفع شعار الثقافة عليه أن يعرف أن “الكرامة لا تُقدَّم مشويةً” على مائدة “مجرم”، وأن “اللحمة الوطنية” ليست طبقاً يُطهى في مضافة الفلول، بل عقد شرف لا يليق إلا بمن اختار صفّ الشعب بلا مواربة.

المصدر: وكالة ستيب الاخبارية