تخوض إسرائيل وإيران واحدة من أكثر جولات التصعيد المباشر دموية وتعقيدًا في تاريخ علاقتهما المتوترة، مع تداخل عسكري واستخباراتي وجبهات مفتوحة من سوريا حتى الخليج واليمن، ومع تطوّر الأحداث وظهور مؤشرات لاختراقات خطيرة، يطرح الشارع الدولي أسئلة جوهرية حول ماذا تريد إسرائيل تحديدًا من إيران؟ وهل الهدف إسقاط نظام طهران؟ ومن الرابح الحقيقي في هذه الحرب؟
إسرائيل… نحو إسقاط النظام الإيراني؟
الكاتب والمحلل السياسي الإسرائيلي إلحانان ميلر يرى أن هدف إسرائيل المعلن هو منع إيران من امتلاك سلاح نووي، لكنه يشير إلى أن هذا الهدف غير قابل للتحقيق في ظل النظام الحالي، ما يجعل “الهدف الخفي”، بحسب وصفه، هو إسقاط النظام الإيراني من الداخل.
وقال ميلر في حديثه لـ “ستيب نيوز“: “إسرائيل مقتنعة بأن نزع البرنامج النووي غير ممكن طالما بقي نظام الخامنئي، ولهذا تتبنى ديناميكية عسكرية تضغط على الحاضنة الشعبية الإيرانية لإضعاف النظام من الداخل، وليس بالضرورة عبر إسقاطه مباشرة بالضربة العسكرية”.
هذه التصريحات تتقاطع مع ما كشفته مصادر غربية وأمريكية عن توجّه إسرائيلي لتوسيع دائرة العمليات إلى العمق الإيراني، ليس فقط لضرب منشآت نووية، بل أيضًا لإرباك النظام عبر سلسلة هجمات ممنهجة تستهدف قيادات في الحرس الثوري والعلماء النوويين، مواقع حيوية بالبلاد.
اختراقات استخباراتية غير مسبوقة
في الأيام الماضية، أكدت تقارير استخبارية غربية وجود اختراقات عميقة إسرائيلية داخل إيران، بما فيها إنشاء قاعدة لطائرات بدون طيار في مناطق نائية، واستخدامها في تنفيذ ضربات دقيقة ضد منشآت نووية ومراكز صاروخية.
وبحسب ميلر: “كل هذه الحرب هي سلسلة من المفاجآت الإسرائيلية، من أبرزها الضرب من داخل إيران نفسها… إسرائيل لديها مزيد من المفاجآت لكنها تحافظ عليها للحظة المناسبة، وربما لحين انضمام الولايات المتحدة للحرب”.
تصريحات متحدثين رسميين إسرائيليين أيدت هذه الرواية، إذ تحدّثوا عن امتلاك “بنك أهداف نوعي” داخل إيران، مع وجود مصادر موثوقة على الأرض، في تطوّر غير مسبوق على صعيد الاختراق الأمني.
التأييد الشعبي لنتنياهو… رغم الضربات
على الرغم من أن إيران نفّذت سلسلة من الضربات على العمق الإسرائيلي، طالت مناطق حساسة في تل أبيب وحيفا، إلا أن ميلر يؤكد أن الشارع الإسرائيلي لا يزال يمنح نتنياهو دعمًا واسعًا.
ويضيف: “رغم الضربات الإيرانية، هناك تأييد كبير لتحرّكات نتنياهو، لأن الهدف هو إبطال قدرة كل أعداء إسرائيل دفعة واحدة… فإيران هي رأس الأفعى، وبإسقاطها تسقط أذرعها في العراق ولبنان واليمن وغزة”.
الاستطلاعات الأخيرة داخل إسرائيل أظهرت بدورها ارتفاعًا في نسبة التأييد الشعبي للحرب، مدفوعًا برغبة عامة في “كسر شوكة إيران” بشكل نهائي، وسط تصاعد خطاب إعلامي يتحدث عن “معركة وجودية” لا يمكن تأجيلها.
ماذا يريد نتنياهو بعد فتح خمس جبهات؟
تبدو الحرب الحالية امتدادًا لخطة أشمل يقودها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي فتح خلال حكومته الحالية جبهات مع سوريا، لبنان، اليمن، غزة، والآن إيران.
ميلر يرى في ذلك محاولة لتصفية الخصوم دفعة واحدة ويقول: “الخطة الكبيرة لنتنياهو هي إسقاط قدرات إيران كي تبقى إسرائيل متفوقة عسكريًا وسياسيًا بالمنطقة… ولو خرجت إسرائيل منتصرة، فذلك سيمهّد لمعاهدات سلام كبيرة مع دول عربية كانت إيران عقبة أمامها، وأبرزها السعودية”.
تحليلات أمريكية وأوروبية تتقاطع مع هذه النظرة، معتبرة أن نتنياهو يسعى لإعادة تشكيل ميزان القوى الإقليمي، مستخدمًا هذه الحرب كأداة إستراتيجية لتغيير قواعد اللعبة في الشرق الأوسط، بالتوازي مع إعادة ترتيب المشهد الداخلي الإسرائيلي بعد أشهر من الاحتجاجات.
هل تطول الحرب أم أن التسوية قريبة؟
ورغم حجم الدمار المتبادل، لا يرجّح ميلر أن تطول الحرب بشكلها الحالي. ويقول: “لا إسرائيل ولا إيران تستطيعان الاستمرار بهذا النسق لفترات طويلة، فالاقتصاد مشلول والأجواء مغلقة في كلا البلدين… أتوقع أن تصل الحرب إلى ذروتها خلال أسبوع أو أسبوعين، قبل أن تتحول إلى مرحلة جديدة أو تنتهي”.
البيت الأبيض من جهته أرسل تعزيزات عسكرية لحماية مصالحه، لكنه لا يزال يتجنّب التدخل المباشر، بينما بدأت تسري تسريبات من طهران حول رغبة مشروطة بالتفاوض، في مؤشر على أن الطرفين يدركان الكلفة الباهظة لمواصلة الحرب المفتوحة.
التحركات الأمريكية… نقطة عابرة أم بوابة تدخل جديدة؟
شهدت الأيام الماضية تحركاً أمريكياً سريعاً لتعزيز وجود عسكري في المنطقة، في ظل تصاعد التوتر بين طهران وتل أبيب، فقد قامت وزارة الدفاع الأمريكية بنشر مجموعة أصول مشتركة تشمل ناقلات وقود جوي، طرادات مسلحة، وحاملة الطائرات “نيميتز” في البحر المتوسط والخليج، ضمن ما وُصف بأنه “تعزيز الخيار الدفاعي”.
وزير الدفاع الأمريكي بيت هيجسيت أكد أن هذه الخطوة تهدف إلى “حماية القوات الأمريكية ومصالحها”، في حال تجاوزت إيران حدّها، بينما من جانبه، خرج الرئيس ترامب بعد عودته المبكرة من قمة مجموعة السبع بتصريحات حادة تجاه إيران، فحذّر الناس وطالبهم مغادرة طهران، كما أكّد أن أمريكا لم تدخل الحرب بشكل مباشر، لكنه ترك الباب مفتوحاً لاحتمال التدخل، قائلاً: “من الممكن أن نتدخل، ولكننا لسنا الآن مشاركين”.
كما شدّد على أن واشنطن “لن تقبل أن تمتلك إيران سلاحاً نووياً”، مهدداً بأن الضربات المقبلة ستكون “أكثر تدميراً وقسوة” إذا لم تُحرَز اتفاقات فعلية
في المقابل، ذكرت تقارير أن هناك ضغط من الجمهوريين للدفع بخطوة تصعيدية بقيادة ترامب، مطالبين باستخدام القنابل الفائقة الاختراق لدعم إسرائيل في ضرب منشأة “فوردو”، بينما يطالب بعض الأعضاء أيضاً بتفعيل دور الكونغرس للتصديق على أي تدخل أمريكي.
وبين ضربات صاروخية متبادلة وعمليات استخباراتية نوعية، تكشف الحرب بين إيران وإسرائيل عن طبقات أعمق من الصراع… فهي ليست فقط معركة ضد البرنامج النووي، بل اختبار لتفكيك محور إقليمي كامل، تلعب فيه إسرائيل دورًا هجوميًا غير مسبوق، فيما تراهن طهران على استنزاف خصمها.
وفي الوقت الذي تنتظر فيه المنطقة “المفاجأة الكبرى” التي قد تغير مجرى الحرب، تبقى الأيام القادمة حبلى بالاحتمالات، ما بين تسوية ترعاها أمريكا أو انفجار إقليمي واسع النطاق.

المصدر: وكالة ستيب الاخبارية